نظرة حول المنتدى الاقتصادي الدولي في سان بطرسبرغ 2016
سوف تغطي الفعاليات القادمة لمنتدى بطرسبرغ الاقتصادي الدولي العقوبات الاقتصادية والاتجاهات الإيجابية في الاقتصاد الروسي وترسيخ مكانة روسيا كقوة عالمية.
في الفترة من 16 إلى 18 يونيو تستضيف سانت بطرسبرغ المنتدى الاقتصادي الدولي العشرين (SPIEF 2016). وليس من المبالغة القول أنه واحد من أهم الأحداث السياسية الخارجية السنوية التي تعقد في روسيا.
لقد شهد المنتدى منذ تأسيسه تطورا باهرا. حيث بدأ في عام 1997 كمنصة للنقاش بين الخبراء ورجال الأعمال والسياسيين من رابطة الدول المستقلة (CIS). وبحلول عام 2006 تحول هذا المنتدى إلى أحد الأحداث السياسية والدبلوماسية والخارجية الرئيسية في البلاد، مكرسا الجهود للمشاكل التي تواجه الاقتصاد الروسي في زمن العولمة.
منذ ذلك الوقت تضع وزارة التنمية الاقتصادية الروسية جدول الأعمال السنوي لهذا المنتدى. وتشمل المواضيع المطروحة للنقاش حالة وآفاق التنمية الحالية للاقتصاد العالمي، مع إيلاء اهتمام خاص لدول "البريكس" والاتحاد الاقتصادي الأوراسي والمشاكل في أسواق الطاقة العالمية والنظام المالي وتطوير البنية الأساسية للسوق وسبل جذب الاستثمارات لمناطق روسيا المختلفة.
تفاقم حدة العلاقات الروسية مع جيرانها الغربيين في عام 2014 أضاف وظيفة هامة جديدة لمنتدى بطرسبرغ الاقتصادي الدولي حيث أصبح مكانا لاجتماع النخبة السياسية الروسية والشركات الأجنبية التي تعاني من الخسائر الناجمة عن حرب العقوبات الحالية والعمل على تبريد العلاقات بين روسيا و الاقتصادات الرائدة في العالم. النسخة الحديثة لهذا المنتدى بالنسبة لروسيا والعالم بأسره، هو أن يصبح المنتدى منصة للأعمال التجارية، حيث يمكن التغلب على الحواجز الجغرافية والإعلامية التي تفصل بين روسيا وغيرها من البلدان.
خلال السنوات الثلاث الماضية تجاوز حضور المنتدى السنوي 5000 شخص، بينهم ممثلون من أكثر من 70 دولة من جميع أنحاء العالم. الجمهور الرئيسي للمنتدى يضم رؤساء الدول والحكومات ورؤساء الشركات الروسية والأجنبية الكبرى والمتقاعدين والقادة السياسيين المحتملين في المستقبل والوزراء والمحافظين وكبار الصحفيين والعلماء.
المواضيع الأكثر أهمية في المنتدى القادم، من وجهة نظر الاتحاد الروسي، يمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات: العقوبات الاقتصادية، والاتجاهات الإيجابية في الاقتصاد الروسي، ووضع روسيا كقوة عالمية.
العقوبات الاقتصادية
يبدو أن موقف روسيا بشأن العقوبات الغربية صحيحا من الناحية التكتيكية، ولكنه غير فعال من الناحية الإستراتيجية. اليوم، لا أحد من الخبراء المؤهلين في العالم يشارك الولايات المتحدة الاعتقاد بأن العقوبات ستسمح الغرب باستعادة الوضع السابق أي إجبار روسيا على الانسحاب من شبه جزيرة القرم أو إجبار المناطق المتمردة في شرق أوكرانيا في الدونباس بالاستسلام للقادة الجدد في كييف الذين جاؤوا إلى السلطة من خلال الانقلاب.
العقوبات المفروضة على روسيا منذ أكثر من عامين هي خطر على روسيا من الناحية الإستراتيجية. فهي تسبب تباطؤ في الاقتصاد الوطني، وتحد من الاستثمار والطلب المحلي وتزيد من مخاطر المستثمرين الأجانب وتزيد من فقر السكان.
ليست كل مشاكل الاقتصاد الروسي نتيجة للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفائها. لكنها لعبت دورا كبير الأهمية في انخفاض أسعار السلع الأساسية مع رفض روسيا تنفيذ الإصلاحات المطلوبة على وجه السرعة لاقتصادها الوطني.
توقفت هذه الإصلاحات في عام 2003، وحتى الآن وهي غائبة عن جدول أعمال الحكومة والبرلمان في البلاد. ومع ذلك فإن مساهمة العقوبات بزعزعة استقرار الاقتصاد الوطني يمكن لمسها بسهولة.
في حربها ضد العقوبات استخدمت روسيا في المقام الأول "القوة الناعمة" وأدوات الدبلوماسية الاقتصادية والعامة. من خلال رفضها التفاوض مع واشنطن وبروكسل على رفع العقوبات، سعت روسيا إلى إيجاد سبل للتغلب عليها من خلال تدابير إحلال الواردات وفتح إمكانية الوصول إلى سوقها للشركات من البلدان التي لا تدعم العقوبات، ومن خلال تنويع مصادر تدفقات الاستثمار والسلع المستوردة على السوق المحلية.
ولذلك، فإن مهمة منتدى 2016 هي تطوير الحوار مع أقل الزعماء المعتدلين بالنسبة لروسيا في الدول الغربية من خلال مناقشات صريحة مع أحزاب المعارضة في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي القادرة على الوصول إلى السلطة في المستقبل القريب وكذلك من خلال الحوار المباشر بين كبار المسؤولين في الحكومة، بما في ذلك حوار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مع قادة الأعمال في أوروبا وأمريكا الشمالية، الذين يعانون خسائر من هذه العقوبات.
المعنى الرئيسي لهذا المنتدى هي الزيارة التي قام بها رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر. وبما أنه الرئيس الفعلي لحكومة أوروبا الموحدة، يونكر قام بخطوة دبلوماسية جريئة ومحفوفة بالمخاطر ولكنها واقعية. بالفعل تعرض لضغوط هائلة للتخلي عن رحلته إلى روسيا. لكنه كسياسي محنك قيم الوضع بشكل صحيح: لا للركود الاقتصادي في الاتحاد الأوروبي، وإعادة إنشاء العلاقات مع روسيا أكثر أهمية من الانتقادات القادمة من واشنطن وعواصم أوروبا الشرقية.
وصول يونكر إلى سانت بطرسبرغ علامة على أن التكتيك الروسي لكسر حصار العقوبات بدأ يؤتي ثماره. ومن الزيارات السياسية الهامة إلى سان بطرسبرغ زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وزيارة رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي - أحد قادة الحركة الأوروبية الناشئة الذي دعا لتليين فوري للعقوبات ومن ثم إزالتها بشكل كامل عن روسيا.
حضور الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي هو علامة على عدم الرضا الروسي على سياسات القيادة الحالية لفرنسا. كما أنه رهان على الانتخابات الرئاسية الفرنسية في أبريل 2017، حيث قد تصبح المواقف تجاه روسيا أكثر ودا من العلاقات في عهد إدارة الرئيس فرانسوا هولاند.
روسيا - دولة ذات اقتصاد طبيعي
مسألة ما إذا كانت روسيا دولة ذات "اقتصاد طبيعي" أو أنها بلد ليس له علاقة بقوانين اقتصاد السوق، نوقشت من قبل خبراء عالميين كبار لعقدين من الزمن بالفعل. منظمي المنتدى 2016 وضعوا برنامجا للمنتدى يعتبر الاقتصاد الوطني بأنه "طبيعي" ويتطور وفقا لنفس المبادئ في بلدان أخرى من العالم، بما في ذلك تلك الأكثر تطورا.
ويغطي برنامج المنتدى لعام 2016 المشاكل الكبيرة حول الاقتصاد الروسي وإمكانياته. لمناقشة ذلك دعا منظمو المنتدى كبار الخبراء الروس والأجانب (قادة الأعمال والسياسيين والأكاديميين) الذين لديهم ما يقولونه حول هذه القضايا.
وتجدر الإشارة إلى أنه، في سانت بطرسبرغ سيتم التأكيد على جدول أعمال إيجابي بالنسبة لروسيا: الإستراتيجية متوسطة الأجل للاقتصاد الكلي ومشاكل عدم المساواة الاجتماعية ودعم زيادة الأعمال وتطوير صناعات التكنولوجيا الفائقة، وقضايا شاملة أخرى تخص التطوير أو التخصص في بعض المناطق. بطبيعة الحال فإن مجموعة من المشاكل التي تواجه روسيا اليوم هي أوسع من ذلك بكثير: فقر السكان (نحو 18 في المائة من الناس يعيشون عند خط الفقر أو تحته)، وتدفق رؤوس الأموال وعشرات الآلاف من الخبراء من ذوي المهارات العالية يغادرون البلاد، ومشاكل الفساد وعدم كفاءة النظام القضائي.
وهذا هو السبب وراء الطبيعة المحددة لبرنامج المنتدى حيث تتم مناقشة "برنامج عمل إيجابي" للاقتصاد الوطني، وترك النقاشات حول القضايا الحرجة إلى منصات أخرى، سواء في روسيا أو الخارج.
ضمان النظرة لروسيا كقوة عالمية
الهدف الاستراتيجي للدبلوماسية الروسية في القرن الحالي هو تحقيق الاعتراف غير المشروط بأن هذا البلد أحد أقطاب النظام العالمي متعدد القطبية، والذي يجب أن تؤخذ مصالحه بعين الاعتبار من قبل الأقطاب الأخرى عند اتخاذ القرارات التي تعتبر مهمة للأمن والتنمية في العالم. برنامج المنتدى SPIEF يعكس تماما رغبة روسيا بتحقيق هذا الهدف. أهم المشاكل التي تواجهها اليوم منظمات مثل بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون (SCO) ومجموعة ال20 يمكن العثور عليها في البرنامج.
وفقا لقيادة الكرملين، فرضية أن روسيا كانت بالفعل قوة عظمى لأكثر من قرنين من الزمان لا تتطلب أي دليل خاص. هذا البرنامج سوف يساعد المجتمع الدولي على فهم وجهة النظر الروسية حول المشاكل العالمية وسبل حلها.
وعلاوة على ذلك، يعكس جدول أعمال منتدى سان بطرسبرغ أيضا رؤية روسيا حول الأولويات في النظام السياسي والاقتصادي العالمي. روسيا تعمل جنبا إلى جنب مع دول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وفي تعاون وثيق مع الشركاء في منظمة شنغهاي للتعاون ودول البريكس، ولكن على نفس المسافة من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، والتي يمكنها أن تكون شريكة أو معارضة وبالتالي قادرة على إلحاق الأضرار بالاقتصاد الروسي.
إن روسيا ترغب في العودة إلى مستوى العلاقات الذي كان قائما قبل الأزمة الأوكرانية مع الشركاء الغربيين. ومع ذلك، اليوم في الكرملين، وفي روسيا بشكل عام، لدى الناس صورة واضحة عن الوضع، وهي أنه في غضون العقد المقبل هذا سيكون أمرا مستحيلا. يعكس برنامج المنتدى القادم في سان بطرسبرغ هذا الرأي على أكمل وجه.