ناتو مصغر في شرق أوروبا والبلطيق واسنكندنافيا
بعد الانقلاب الفاشل في منتصف يوليو/ تموز من هذا العام وتعزيز الأوراسية في تركيا ازداد الضغط الاطلسي على الجبهة الشمالية الشرقية في أوروبا تجاه روسيا.
إذا قررت تركيا أن تعمل بعيدا عن قبضة الأطلسي وتنضم إلى القوى الأوراسية وإلى محور التعددية القطبية، فهذا يمكن أن يؤدي إلى تعزيز الشراكة الأورو-أطلسية وإلى الاندماج العسكري من الدول الاسكندينافية ودول أوروبا الشرقية ودول البلطيق في محاولة لبناء ضغط باتجاه قلب أوراسيا وهي روسيا. ومع تقدم المحادثات حول إنشاء حلف شمال أطلسي مصغر يتكون من هذه الدول ليكون بمثابة السيف الأطلسي الموجه نحو روسيا، والذي يمتد من القطب الشمالي عبر بحر البلطيق وصولا إلى أوكرانيا.
إريك ديتز وهو محلل سياسي مقيم في لاهاي، والذي جاءت تصريحاته لتشير إلى مثل هذا الواقع المحتمل، قائلا إن الولايات المتحدة تريد أن ترى "جبهة عسكرية وأمنية قوية وموحدة "، تضم بلدان الشمال في مواجهة روسيا في المنطقة القطبية العليا وبحر البلطيق.
استمر ديتز في توضيحه قائلا: "إن الدول الاسكندينافية حديثة ومستقرة سياسيا ولها اقتصادات تعمل جيدا. رسالة واشنطن هي أن هذه الدول لديها القوة الاقتصادية والموارد اللازمة لبناء دفاع إقليمي مشترك وقوي ويعتمد الشراكة مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. وهكذا فإن الولايات المتحدة لديها مصلحة قوية جدا في تعزيز وجودها ومشاركتها في هذا المجال، خاصة في ظل هدنة هشة في أوكرانيا، وهي الهدنة التي يمكن أن تتطور إلى أعمال عنف – قد تثير رد فعل حلف شمال الأطلسي - بسبب الاستفزاز أو تجدد العنف من الوكلاء المدعومين داخل أوكرانيا.
وفي هذا الصدد، دعونا نلقي نظرة على ما يحدث في شمال شرق أوروبا، وأية منظمات أو عملاء يمكن أن يترتب على مواقفهم عمليات مستقبلية نتيجة لطبيعة المواجهة وجها لوجه مع الجارة الشرقية.
في عام 2009، تم تأسيس منظمة التعاون للدفاع عن الشمال (NORDEFCO)، بناء على الترتيبات الأمنية داخل الشمال والتي تعود إلى نهاية الحرب العالمية الثانية. على الرغم من أن NORDEFCO هو بمثابة تحالف للشمال، ولأنه مرتبط بشكل وثيق مع كل من منظمة حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي الأمر الذي يجعل منه أداة محتملة لمصالح حلف الأطلسي في المنطقة الاسكندنافية وما حولها.
في يونيو 2016، أشارت بعض التقارير بمشاركة منظمة التعاون للدفاع عن الشمال (NORDEFCO) بدمج وتعزيز الاتصالات العسكرية والصناعية بين الدول الأعضاء في الشمال. مثال على ذلك يمكن أن يتضح من إنشاء مجمع كونجسبرغ للدفاع بحصة 49.9 في المائة من مجموعة الدفاع باتريا أويج، وهي مملوكة من قبل الدولة الفنلندية. ولذلك يمكن أن تكون أعمال إنشاء المجمع الصناعي العسكري لعموم الشمال قيد الإنشاء.
أيضا، في منطقة بحر البلطيق حيث تقرر مؤخرا إقامة وجود عسكري دائم بمواجهة روسيا من قبل منظمة حلف شمال الأطلسي فإن الدول الصغيرة مثل استونيا ولاتفيا وليتوانيا تدفع ثمنا ماليا ثقيلا. إذ وافقت الحكومة الليتوانية على زيادة الإنفاق الوطني على القطاع العسكري ليصل نسبة 32 في المائة، ووافقت على طلب الناتو بوصول الإنفاق إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2020. الإنفاق بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي في استونيا يتجاوز بالفعل 2.1 في المائة، ورفعت لاتفيا إنفاقها الدفاعي بنسبة 12 في المائة أيضا في محاولة للوصول إلى نسبة الإنفاق على الناتج المحلي الإجمالي المساوية لاثنين في المائة بحلول عام 2020.
بولندا هي أيضا رهينة في اللعبة اليورو-أطلسية. مؤخرا قررت الحكومة البولندية استفزاز موسكو بعدم تجديد اتفاقية الحدود الخاصة التي كان بولندا أنجزتها مع روسيا بشأن النقل البري من وإلى كالينينغراد. وعلاوة على ذلك، فإن الولايات المتحدة تقوم ببناء منظومة صواريخ لحلف شمال الأطلسي في بولندا، تهدف إلى حماية أوروبا من "الصواريخ الإيرانية" على حد زعمها والتي سوف تكون جاهزة بالكامل بحلول نهاية عام 2018، والتي ستكون سلاحا هجوميا محتملا في أي موقف عدائي بين "الشرق" و "الغرب".
في حالة بلدان الشمال الأوروبي: على الرغم من أن السويد وفنلندا ليسوا أعضاء في حلف شمال الأطلسي فهم لا يزالون مرتبطون بشكل وثيق مع هذه المنظمة الأطلسية في مجالات عديدة مثل التعبئة العسكرية وإعادة التسلح وتبادل المعلومات الاستخباراتية. وفي الوقت نفسه فإن النرويج والدنمارك تنفقان مبالغ غير مسبوقة في مجال التحديث العسكري. قبل بضعة أشهر، قامت الدنمارك بشراء أكبر صفقة عسكرية في تاريخها عندما طلبت الحكومة الدنماركية شراء 27 طائرة نفاثة مقاتلة أمريكية. في النرويج، يتم إيقاف 11 قاعدة عسكرية من أجل جمع الأموال للاستثمار في الجيش مستقبلا. مستوى الاستثمارات المزمعة التي قدمتها الحكومة النرويجية في الجيش هي الأعلى منذ نهاية الحرب الباردة. في الواقع تخطط الحكومة النرويجية خلال السنوات ال 20 المقبلة باستثمار نحو 19.8 مليار $ في تحديث الجيش، في عام 2016 وحده ارتفعت ميزانية الدفاع بنسبة 9.8 في المائة. إضافة لذلك يتم التخطيط في النرويج لشراء 52 طائرات مقاتلة جديدة من إنتاج شركة لوكهيد مارتن F-35A من الولايات المتحدة، من نفس نوع الطائرات التي طلبتها الدنمارك، بتكلفة تقدر ب 10 مليارات $.
بوضع كل ما سبق في الاعتبار فإنه من الواضح أن الأمور تسير بتحريك الدمى اليورو-أطلسية في شمال شرق أوروبا واسكندنافيا ومن قبل الولايات المتحدة نفسها للمزيد من المواجهة، وزرع الخوف والترويج له لتشجيع دافعي الضرائب في تمويل العسكرة. إذا استمر التركيز على العسكرة والتكامل الاستخباراتي لدول شمال شرق أوروبا وإنشاء منظمة حلف شمال أطلسي مصغرة، تحت سيطرة واشنطن بالطبع، يمكننا أن نتوقع إجراءات أكثر استفزازية تجاه روسيا وغيرها من الدول ذات المنحى الأوراسي.