مصر .. تيران وصنافير توصلان صراع أجنحة الدولة إلى ذروته
صراع الأجهزة السيادية في مصر يصل إلى ذروته. اتفاقية تيران وصنافير قسّمتها، والبرلمان يناقشها، والحكومة تخلع يدها، وسط توقعات بالقدرة على احتواء الوقفات المعارضة لإمرار الاتفاقية.
وصلت خلافات الأجهزة السيادية في مصر إلى ذروتها مع إحالة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، التي سيجري بموجبها التنازل عن تبعية جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، على البرلمان، علماً بأن الاتفاقية تنتظر حكماً قضائياً نهائياً أمام محكمة القضاء الإداري في مجلس الدولة يوم السادس عشر من الشهر الجاري، يرجح أنه سيدعم إلغاءها باعتبارها مخالفة دستورية صريحة.
هذا الحكم المتوقع، كما سابقه، سيستند إلى أن في الاتفاقية تنازلاً عن جزء من الأراضي المصرية، كما سيستند إلى تقرير «هيئة المفوضين» الذي أعده مستشارون كبار راجعوا الخرائط والمستندات كلها، واطلعوا على المراسلات المتوافرة بين مصر والسعودية خلال السنوات الماضية.
ووفق معلومات خاصة، وردت إلى «الأخبار»، فإن الأزمة التي تواجه صناع القرار في القاهرة راهناً هي صراع الأجهزة السيادية حول الاتفاقية، ففي الوقت الذي يتعامل فيه مجلس الدولة مع القضية منذ بدايتها بصورة قضائية بحتة، بعيداً عن أي أبعاد سياسية، وقع صدام حاد بين جهازي «المخابرات العامة» (وزارة الداخلية) والمخابرات الحربية (وزارة الدفاع) حول الاتفاقية وبنودها. فبينما ترفضها الأولى بشدة، لاعتبارات عدة في مقدمها الغضب الشعبي الذي قد لا يمكن السيطرة عليه واعتبارات السيادة، ترى «الحربية» أن القضية بسيطة وكان يفترض ألا تأخذ هذا المنحى، وخاصة أن العلاقات مع السعودية أقوى من أي ارتباطات أخرى.
في المقابل، ووفق الروايات، فإنّ الرئيس عبد الفتاح السيسي «يقف متردداً بين التقارير المتناقضة»، وخاصة أن القضية صارت أكبر قضية سياسية خلال فترة ولاية حكمه الأولى، علماً بأن إمرار البرلمان للاتفاقية أو التوافق على رفضها كما كان متصوراً لدى البعض بعد صدور قرار الإحالة، لم يعد مضموناً، في ظل أن جهازي المخابرات اللذين ساهما في تشكيل البرلمان منقسمان، وهو ما قد يعني انقسام التصويت.
وعلى عكس الحفاوة التي استقبل بها الملك السعودي سلمان خلال زيارة البرلمان بعد توقيع الاتفاقية، تصاعدت حدة الخلافات بين النواب، فالصوت الغالب في الوقت الراهن يقول إن الجزيرتين مصريتان ولا تنازل عنهما، علماً بأن هذه الأصوات لم تخرج من قبل بهذه القوة، الأمر الذي سيدفع المجلس في حال قرر مناقشة الاتفاقية إلى التصدي لها باستفاضة كبيرة، وكذلك استعمال تقارير اللجان المختلفة التي بدأت بالفعل في مراجعة الاتفاقية، أو جلسات الاستماع المزمع عقدها لمناقشة القضية، بالإضافة إلى الجلسات العامة، وهي الأخرى نالت نصيباً من المطالبة بإعادة بثها تلفزيونياً عند مناقشة هذه القضية تحديداً.
وأحيلت الاتفاقية، التي وصلت إلى البرلمان بداية الأسبوع الجاري، إلى عدة لجان؛ أبرزها «التشريعية» التي ستعدّ تقريراً مفصلاً من الناحية القانونية مدعماً بالمستندات والأوراق، فيما بدأ عدد من نواب كتلة «25-30» المعارضين والرافضين سلفاً للاتفاقية التنسيق مع مقيمي الدعاوى القضائية لحضور جلسات مناقشة تحت سقف البرلمان من أجل الرد على جميع المراسلات السعودية في هذا الشأن.
نواب البرلمان يسعون، كما يبدو، إلى غسل سمعتهم من هذه القضية بالبث المباشر للجلسات، فيما لم يحسم معظمهم الموقف النهائي من قضية ستؤثر كثيراً في العلاقات المصرية ــ السعودية، وخاصة أنها تمثل سبباً رئيسياً للقطيعة بين البلدين أخيراً، علماً بأن قرار الأجهزة السيادية بمفردها لن يحسم المعركة برلمانياً، ولا سيما أن بعضها يفضل متابعة حكم القضاء النهائي فيها.
في غضون ذلك، أعلن التيار المدني، المعارض للقضية، اعتزامه التقدم بطلب الحصول على ترخيص من أجل تنظيم تظاهرة جديدة للمطالبة برفض الاتفاقية، علماً بأن تنسيقات تجرى بين مختلف التيارات الرافضة للاتفاقية هدفها أن تكون التظاهرة حاشدة، وأن يشارك فيها عدد من المرشحين الرئاسيين السابقين؛ من أبرزهم حمدين صباحي وخالد علي.
ووفق مصدر أمني، فإن تعليمات صدرت باحتواء أي تظاهرات حول القضية غير مبلغ عنها، مع محاولة الحد من أعدادها قبل انطلاقها عبر إجراءات أمنية مشددة، علماً بأن تظاهرة جرت قبل أيام أمام «نقابة الصحافيين» فرّقها الأمن وألقى القبض فيها على عدد من المتظاهرين وسحل بعضهم في الشارع، فيما لم يتمكن المئات من الوصول إلى مقر النقابة بسبب الإغلاق الأمني.
نشرت للمرة الأولى في "الأخبار" اللبنانية