المتعبد والسياسي: العلاقة بين المذاهب الصوفية والنظام السياسي في مصر

28.12.2016

إذا كنت تريد استبعاد فئات معينة من المجتمع، ولا سيما اذا كان لهذه  الفئات أهمية خاصة لديك، يجب البحث عن بديل لملء الفجوات.  باستبعاد الجماعات الإسلامية السياسية، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين ، يدفع المشهد في مصر النظام نحو البحث عن بديل. لذلك، استطاع  نظام الرئيس السيسي الإفادة من المذاهب الصوفية في عملية سد الفجوة الاجتماعية الناتجة عن إبعاد الجماعات الإسلامية؟ وهنا السؤال : ما هي عواقب هذا الوضع؟.

من هم المتصوفون؟
كما هو الحال في التقاليد العامة، تعتبر الصوفية عقيدة، ولكن الشخص الصوفي لا يميل أبدا إلى تصنيفها على أنها "عقيدة"، وإنما هي منهج  للوصول إلى أحد أعمدة الدين، الذي هو "الإحسان"، وخصوصا من خلال تكوينها حيث أنها  تكرس العبادة وبذل الجهد في سبيل تنفيذ ذلك، بالإضافة إلى تنقية الروح والقلب من الضغينة. وإذا رغبنا في معرفة المزيد عن أصل التصوف، فإننا نواجه نقصا في المعلومات، حيث لا يوجد نصوص واضحة ومؤكدة عن بدء النزعة الصوفية على المستوى الدولي .
من ناحية أخرى، تؤكد معظم النصوص أن أصول الصوفية ودخولها إلى مصرتاريخيا  يعود الى العصر الفاطمي. ويرجع ذلك إلى أن الأسرة المصرية الفاطمية من سلالة النبي محمد، وكذلك أهل بيته ( عترة النبي وهم أهل البيت )، وبالتالي قامت هذه العائلة  ببناء الأضرحة  وأماكن الزيارة لهؤلاء الأولياء حماة الدين وأهل التقوى.  لاحقا بدأ العصر العباسي حيث توسعت  الحركات الصوفية ونمت في مواجهة انتشار التدهور الخلقي والاجتماعي.  و لمواجهة هذا الانحطاط والفساد، استخدمت الصوفية طرق عبادة تحت مسميات جديدة بما تسمى "الممارسة الروحانية" والتي تشمل عقد حلقات لذكر الله – إنشاد أغاني (الذكر) بعد صلاة الليل (صلاة  العشاء) في مساجد مصر.  وبعد، فقد تم وضع قوانين للمذاهب الصوفية في دور والي  مصر "محمد علي باشا" في عام 1812 من خلال إصدار مرسوم، يضع فيه المذاهب الصوفية تحت راية  "سلطان شيخ السجدة البكرية (وهي  شجرة عائلة أبو بكر) والتي تعتبر المرة الأولى التي يتم من خلالها تقديم مثل هذه الطرائق إلى السلطة المركزية.
الآن، هناك ما بين 74-77 طريقة صوفية، تشعبت من ستة مذاهب رئيسية:  طريقة الدسوقي، طريقة الشاذلي، طريقة الرفاعي، طريقة البدو، طريقة العازمية، والطريقة القادرية.
ويتم تنظيم هذه الطرق تحت راية ثلاث مؤسسات: المجلس الأعلى للطرق الصوفية، والرابطة العالمية لجمعية أهل البيت، واتحاد أحفاد النبي. ووفقا للأمين العام لرابطة قوات الصوفية وجمعية أهل البيت، عبد الله الناصر حلمي، فإن نصف سكان مصر من الصوفيين، ولكن لم يتم تأكيد هذه المعلومات، حيث لا توجد إحصاءات دقيقة. ومع ذلك، فإن السبب الرئيسي وراء مثل هذا القول هو أن من يحضرون الجلسات الصوفية في مصر كثيرين، وتعتبر شعائرهم شبه عامة في البلاد، وهي تخلق تشويش حول الصوفي الحقيقي ومن يحضر فقط شعائرهم.
الدور السياسي للصوفية
إن قراءة سريعة في طرائق الصوفية تظهر أنها بعيدة تماما عن السياسة، إلا أن الواقع أثبت عكس ذلك.   ويمكن معالجة هذه المسألة على مستويين:
أولا: ما قبل - مرحلة كانون الثاني
تشير كثير من الكتب إلى أن طرائق الصوفية لها دور سياسي في مصر.  على سبيل المثال، في العصر الحديث، لعبت الصوفية دورا في ثورة 1919، من خلال محاولتهم جمع توقيعات تدعم وجود الاحتلال الانكليزي في مصر، وذلك بمساعدة من "محمد إبراهيم الجمل" شيخ "السادة السيمانية " فى ذلك التوقيت.
منذ نشأة الجمهورية المصرية، ظهرت الصوفية على الساحة في محاولة لملء الفراغ الناجم عن الإجراءات التي اتخذت ضد المنظمات الإسلامية الأخرى. على سبيل المثال، في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ووسط المواجهات بينه وبين الحركات الإسلامية، صدر قرار بتعيين الشيخ محمد محمود علوان باعتباره شيخ الطرق الصوفية.  وتعتبر المرة الأولى، أن يتم انتخاب الشيخ رئيس للطرق الصوفية بالتعيين، مع قليل من الاعتراض من الطرق الصوفية.   وعلاوة على ذلك، كانت الصوفية ملجأ لأي شخص أراد أن ينكر الاتهام بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، وفي الوقت نفسه تعبر (الصوفية) عن وجود الدعم الديني للنظام في ذلك الوقت.
لم يكن عصر السادات يختلف كثيرا حيث أنه جعل الطرق الصوفية خاضعة للقانون رقم (118) لسنة 1976، الذي نظم بشكل أكثر دقة وضع طرق الصوفية، وخلق نوع من التحالف الاستراتيجي بينها وبين النظام.
على سبيل المثال، انضم مشايخ صوفيين إلى الجيش المصري وسمح لهم بالسعي لإعادة تأهيل الجيش ورفع معنوياته بعد هزيمة 1967. وكان لطريقة المحمدية الشاذلية دورا كبيرا في هذا الصدد، مما دفع الرئيس السادات لتكريم الشيخ "زكي إبراهيم" زعيم هذه الطريقة ومنحه الجائزة الذهبية للتميز.
كانت بداية عهد مبارك لا تختلف كثيرا عن عهد السادات فيما يتعلق بالتعامل مع الصوفية والاستفادة منها كغطاء ديني للنظام.   ومع ذلك، قبل بداية ثورة كانون الثاني ببضعة أشهر، وقع اشتباك بين نظام مبارك والصوفيين بسبب تعيين الشيخ عبد الهادي القصبي، من قبل مبارك، باعتباره رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية حيث كان عضوا في الحزب الوطني. الأمر الذي أثار غضب شيوخ طرق الصوفية واعتبروه تدخلا سافرا وانتهاكا لعادات وتقاليد الصوفية.  وأعربوا عن غضبهم بسبب التهديد الذي أدلى به الشيخ أبوالعظيم  لخوض الانتخابات ضد أحمد فتحي سرور الناطق باسم مجلس الشعب في انتخابات عام 2010 في منطقة  السيدة زينب.
ثانيا: الصوفية نحو دور سياسي أكبر في أعقاب ثورة كانون الثاني
إذا أردنا أن نعرف طبيعة العلاقة بين النظام الحالي والصوفية، علينا أن نعود إلى المواقف السياسية من الطرق الصوفية منذ ثورة 25 كانون الثاني يناير، حتى تولي السيسى رئاسة مصر.
كان لبدء الصوفية خلال ثورة كانون الثاني يناير ما يبرره وفقا لبيان محمد الشهاوي شيخ طريقة الشهاوية على أساس مبدأ "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وذوي الأمر منكم"،  ومع ذلك لم يستمر هذا الموقف لفترة طويلة، فحالما ظهرت بوادر نجاح ثورة كانون الثاني يناير، اتخذت طرق الصوفية خطوة جادة نحو النشاط السياسي المعلن.
مالت طرق الصوفية لتكوين أحزاب سياسية برئاسة حزب التحرير.  وعلى الرغم من الاتجاه الديني الذي يظهر في الطرق الصوفية، فقد كانت الفئة الأكثر عدائية ضد جماعة الإخوان المسلمين والسلفية، إلى حد أنها قد تحالفت مع الليبراليين ضدهم.
حالما ظهر عبد الفتاح السيسي في المشهد وأعلن ترشيحه للانتخابات الرئاسية، تحول الصوفيون للدفاع عنه في ظل وجود دافع أعلن عنه "الصوفيون" وفقا لبيان "زين-العابدين فهمي سلامة "، رئيس خلفاء طريقة الرفاعية في المنيا، والذي قال على وجه التحديد "السيسى يحب الطرق الصوفية لأنه صوفي في الأصل ".
بعد وصول  السيسى إلى السلطة، تابع الصوفيون نهجهم  في دعمه إلى أقصى درجة ممكنة، حيث منهم من يقول أن "محمد نبي الإسلام راض عن السيسى"  حسب ما تم نقله عن الشيخ "علاء أبوالعظيم ، رئيس الاتحاد العالمي للطرق الصوفية.
لم يقتصر الأمر على التصريحات فقط، ولكن قامت بعض المذاهب الصوفية، بالتعاون مع وزارة الأوقاف، بتنظيم وإطلاق منتدى "الصوفية ضد التطرف" في تموز يونيو 2015، بعد الدعوة التي وجهها الرئيس السيسي لتجديد الخطاب الديني.

لماذا تلجأ النظم الرئاسية إلى المذاهب الصوفية؟
بالإمكان تلخيص الإجابة على هذا السؤال في موقف المذاهب الصوفية مقابل الحركات الإسلامية الأخرى، والتي أبدت العداء بوضوح ضد كل من جماعة الإخوان المسلمين  فضلا عن السلفية.  وخصوصا في التصريحات العديدة الصادرة من قبل شيوخ المذاهب  والتي تشير لهذه الحقيقة. على سبيل المثال، أورد علاء أبو العظيم مقولة بأن "مساعي جماعة الإخوان المسلمين والحركة السلفية للمشاركة في النشاط السياسي الرسمي تهدد التسامح الديني"، بالإضافة إلى ما تم ذكره على لسان أحد مشايخ المذاهب الصوفية الشيخ اسماعيل توفيق، حيث قال "إن الأصوات الصوفية في الانتخابات البرلمانية لن تكون لصالح أي مرشح ينتمي  إلى جماعة الإخوان المسلمين ، والحركة السلفية، أو الجماعات الإسلامية".

إمكانية انقلاب الصوفية ضد النظام
وفقا لما ورد أعلاه، فإن العلاقة بين المذاهب الصوفية والأنظمة السياسية قابلة للتغيير، حيث يتم ترجيح المصالح لصالح الأنظمة .   والسبب وراء ذلك قد يكون ضعف المذاهب الصوفية، وبذلك يمكن لهذه المذاهب أو الطرق الصوفية أن تنقلب ضد النظام حالما تصبح قوية.
سواء أحببنا ذلك أم لا، المذاهب الصوفية هي منظمة شاملة لا تختلف عن غيرها من المنظمات الإسلامية.  في العلاقة بين المنظمات الشمولية بعضها ببعض، هناك مبدأ سائد يشير إلى أن "الشمولية أمر مطلق وهذا الإطلاق لا يتقبل وجود  شريك، ولكنه يستخدم بديلا مؤقتا مثل المنظمات الأخرى المماثلة، وإذا أصبح لديها القدرة على التخلص من هذا الشريك، فإنها على الفور تفعل ذلك ".
في حالة توافر العناصر التي تعزز المذاهب الصوفية، سواء تمثلت هذه المكونات على شكل دعم مالي أو المساندة من قوى داخلية أو خارجية تعمل على منحهم المزيد من المصالح من أجل تغيير منهجيتهم ليصبحوا ضد نظام السيسي، سوف يفعلون ذلك في الواقع، ولا سيما أن المذاهب الصوفية لديهم  منظمات وفروع دولية تتجاوز سلطة بلد معين.