معضلة الشرق الأوسط ودور روسيا فيها
تبقى منطقة الشرق الأوسط من بين أكثر المناطق اضطرابا وتوترا في العالم. منذ شتاء 2010-2011، عندما ضرب ما يسمى "الربيع العربي" المنطقة، وفتتها لينتقل بها نحو مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار. لقد أدت الصراعات الجارية في ليبيا واليمن وسوريا، مع ازدياد التطرف الإسلامي والطائفية وظهور أزمة اللاجئين إلى درجة كبيرة من عدم اليقين حول كيفية حل المشاكل الرئيسية التي يواجهها الشرق الأوسط حاليا.
وهكذا، فحل أية مشكلة في المنطقة هو لغز معقد للغاية من الصعب حله ليس فقط بالنسبة لروسيا، ولكن أيضا بالنسبة للولايات المتحدة وغيرها من القوى الإقليمية مثل إيران والسعودية وتركيا، والتي تسعى جميعها إلى ضمان مصالحها الخاصة.
عندما قررت روسيا نشر قواتها العسكرية في سوريا في خريف عام 2015 وانخرطت في صراع خارج حدودها لأول مرة في تاريخها الحديث، قد وضعت مسؤولية إضافية على نفسها لحل هذا الصراع، وكذلك إعادة إعمار البلاد بعد هذه الحرب المدمرة.
المعضلة السورية
ورغم الأنباء الأخيرة حول تحرير حلب، أكبر مدينة في البلاد، فإن غريغوري كوساش، الأستاذ في جامعة الدولة الروسية للعلوم الإنسانية، لا يشارك وجهة النظر الايجابية هذه بشأن احتمالات تسوية الصراع. ويقول أنه على الرغم من كل النجاحات العسكرية، من المستحيل الموافقة بين مواقف جميع أطراف النزاع حيث أن كل طرف يسعى لتحقيق مصالحه الخاصة في سوريا.
هناك ثلاثة مستويات مشاركة في الصراع: في المستوى الأول الجهات الفاعلة المحلية ممثلة بقوات الحكومة والقوات الشعبية المساندة لها، والعديد من المعارضات والجماعات الإرهابية، وفي المستوى الثاني الجهات الفاعلة الإقليمية التي لديها أجنداتها الخاصة في سوريا مثل إيران وتركيا والمملكة العربية السعودية؛ وفي المستوى الثالث الجهات الفاعلة الدولية مثل روسيا والولايات المتحدة.
"القوى الإقليمية تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة في سوريا وتسلك بالطبع طريقها الخاص، الأمر الذي يجعل من نشاطها قوة دافعة لتأجيج الصراع"، يوضح كوساش.
وتقول مارينا سابرونوفا، أستاذة دراسات الشرق الأوسط في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية إن إحدى أكبر قضايا الصراع في سوريا هي أن القوى العالمية لا تمتلك آليات فعالة للتأثير على الأطراف الإقليمية. هذا هو السبب في أن أي اتفاق سياسي بين الولايات المتحدة وروسيا لديه فرص ضئيلة للنجاح، حيث أن القوى الإقليمية لا مصلحة لها في تنفيذه.
الأمر نفسه ينطبق على جماعات المعارضة التي يبدو أيضا أنها تندمج مع المجموعات الإرهابية. الفصل بين المعارضة السورية والجماعات الإرهابية هو عامل آخر يحول دون إمكانية التأثير عليهم من قبل الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية أو تركيا. ونتيجة لذلك، فإن أي عملية سياسية مشكوك فيها جدا.
الصراع في الشرق الأوسط ومكانته من صراع القوى العالمية
عند النظر إلى الأزمة السورية من منظور أوسع، من الممكن أن نرى عوامل أخرى تؤثر على الوضع. تقول سابرونوفا إن هذا الصراع يعكس أزمة النظام الدولي القائم، الذي يشهد تحولا. عندما نكون أثناء عملية تشكل هذا التغيير، فإن ذلك سيؤثر بطبيعة الحال على توازنات القوى الإقليمية أيضا. وهناك العديد من الاتجاهات التي تثبت مثل هذا التحول.
أولا، هناك تحول واضح جدا من اهتمام القوى الدولية نحو آسيا، وخصوصا من قبل الولايات المتحدة وهذا يعني أن التورط الأميركي في منطقة الشرق الأوسط سيؤدي إلى دور أكثر نشاطا من الجهات الفاعلة الإقليمية والقوى الدولية الأخرى مثل روسيا والصين.
ثانيا، تغيرت تركيبة القوى العربية الرائدة بشكل كبير في منطقة الشرق الأوسط. تاريخيا كانت هناك ثلاث قوى عربية تحدد الاتجاهات الإقليمية الرئيسية هي سوريا والعراق ومصر، ولكن منذ عام 2003 وخاصة بعد عام 2011، شهدت جميع هذه القوى تراجعا: فسوريا والعراق على وشك الانهيار، بينما خسرت مصر دورها بسبب التدهور الاقتصادي والسياسي. بدلا من ذلك، ظهرت نواة جديدة للسياسة العربية تتمركز حول المملكة العربية السعودية ومجلس التعاون الخليجي.
هذا التغيير أدى بشكل طبيعي إلى ازدياد نشاط القوى غير العربية في المنطقة مثل إيران وتركيا، والتي أصبحت تشارك في تحديد الديناميات الإقليمية.
كل هذه التغيرات أضافت المزيد من التعقيد وعدم اليقين إلى مشاكل المنطقة، وترافق ذلك بانخفاض تدريجي لتورط الولايات المتحدة في المنطقة.
على هذه الخلفية، يرى العديد من الخبراء أن روسيا عادت إلى الشرق الأوسط بصفتها طرفا فاعلا وحاولت ملء الفراغ الذي ظهر نتيجة انسحاب الولايات المتحدة التدريجي من المنطقة. وقد ازدادت هذه الأصوات خصوصا منذ العام 2015، عندما قررت موسكو نشر قواتها العسكرية في سوريا، وأنشأت قاعدة جوية قرب اللاذقية.
ومع ذلك، يبدو أن كل هذه الحجج مبالغ فيها. فلم يكن الشرق الأوسط أبدا من أولويات روسيا وسياستها الخارجية. وإن نظرة سريعة لمفاهيم السياسة الخارجية الروسية منذ العام 1990 تؤكد ذلك. موسكو ليس لديها أولويات في الشرق الأوسط، وبالتالي ليست على استعداد لاستثمار موارد ضخمة في تلك المنطقة.
يستمر مفهوم السياسة الخارجية الروسية الجديد، والذي صدر في ديسمبر الجاري على نفس التقليد. الشرق الأوسط لا يزال ثانويا مقارنة مع فضاء ما بعد الاتحاد السوفياتي وأوروبا والولايات المتحدة وآسيا والمحيط الهادئ، لذلك لا ينبغي لأحد أن يتوقع أن تستثمر روسيا فيه أكثر مما تفعله فيما يتعلق بآسيا والمحيط الهادئ أو الولايات المتحدة.
وهكذا، في حين أن منطقة الشرق الأوسط تشهد فترة مضطربة من التحول في نفس الوقت الذي يتغير فيه نظام العلاقات الدولية برمته، روسيا ليس لديها النية أو الرغبة في أن تصبح القوة التي من شأنها تحمل مسؤولية التعامل مع الوضع المعقد في الشرق الأوسط. يبدو أن موسكو اختارت أن تعمل من خلال قدرة محدودة، فقط للتأكد من أنه يتم تأمين مصالحها ولا يستطيع أحد التشكيك في مكانتها ودورها في مستقبل المنطقة.
ولكن القضية الحقيقية هي أن أية قوة لا يمكنها أن تكون متأكدة إلى أين ستذهب الأمور في منطقة الشرق الأوسط بعد نهاية كل هذه الاضطرابات.