ما أسباب تحالف إسرائيل مع "جبهة النصرة"؟

31.08.2016

في أواخر الشهر الماضي، أعلنت جبهة  النصرة، الذراع السوري لتنظيم القاعدة، أنها قطعت العلاقات مع تنظيم القاعدة وأعادت تسمية نفسها جبهة فتح الشام. 
أوضح زعيم الجماعة، أبو محمد الجولاني، في شريط فيديو أن انتماء الجماعة لتنظيم القاعدة سمح للقوى الخارجية التي تتدخل في الصراع السوري بتصنيف الجماعة على أنها جماعة إرهابية إسلامية. 
ونقلت "الغارديان" عن آلجولاني قوله أن المقصود من تغيير الاسم هو "إزالة الذريعة التي يستخدمها المجتمع الدولي - وعلى رأسه روسيا - لقصف وتهجير المسلمين من بلاد الشام: إنهم يستهدفون جبهة النصرة لأنها ترتبط مع تنظيم القاعدة". 
وأوضح كذلك أن السياسة الجديدة هي محاولة لإزالة الجبهة من قوائم الإرهاب الدولية والسماح بأن ينظر إليها على أنها أكثر مقبولية و"معتدلة" وكبديل لمنافستها الرئيسية الدولة الإسلامية في العراق والشام - داعش. 
تعمل جبهة النصرة لتحقيق أهداف مشتركة مع داعش منها السعي لإسقاط الحكومة الشرعية والعلمانية للرئيس السوري بشار الأسد واستبداله بنظام سلفي وهابي. وقد عبرت الجبهة أيضا عن الكراهية للولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى على الرغم من أنها تحظى بدعم من قبل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. 
أوضح المحلل السياسي دانيال ديبيتري في كتاباته لـ"ناشونال انترست" في نوفمبر عام 2015 ما يلي:  
"مثل بقية الجهاديين في داعش  تتكون جبهة النصرة من أفراد وقادة لا يريدون شيئا أكثر من ضرب الولايات المتحدة أو ضرب أهداف في أوروبا. تتشارك جبهة النصرة مع داعش أيضا باعتماد التفسير السلفي-الجهادي للإسلام الذي تعتمده أقلية صغيرة جدا من المسلمين، وهي تحتقر جميع الطوائف ماعدا الطائفة السنية التي تشكل أغلبية في سوريا وتعمل نفس الأعمال الوحشية التي يقوم بها رئيس داعش أبو بكر البغدادي الإرهابي الدولي وأكثر المطلوبين على قيد الحياة ". 
على الرغم من أن جبهة النصرة قد ركزت هجماتها بشكل مباشر على القوات الحكومية السورية ومراكز السلطة الرمزية والمادية، فإنها حافظت على تفس القسوة التي تتميز بها داعش.، أشارت "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها العالمي لعام 2016 أن كلا المنظمتين "مسؤولتان عن الانتهاكات المنهجية واسعة النطاق، بما في ذلك استهداف المدنيين، وعمليات الخطف والإعدام" في سوريا. داعش والنصرة على حد سواء فرضا قواعد صارمة وتمييزية على النساء والفتيات، وجندا الأطفال، وفقا للتقرير. 
 
ستار من الدخان أم إستراتيجية؟ 
يبدو أن جبهة النصرة تحاول من خلال إعادة التصنيف أن تعيد تقييم الحسابات السياسية للحرب المفروضة على سوريا والاعتراف بالمكاسب الأخيرة التي حققتها القوات الحكومية السورية وحلفاؤها - إيران وحزب الله وروسيا. مع تعزيز  الرئيس الأسد موقفه وقوات فإن المتمردين يعيشون حالة من الفوضى،  الجولاني حاول توحيد المعارضة لإبراز صورة أقل تشددا للعالم الخارجي. 
زعيم جبهة النصرة محمد الجولاني ظهر في شريط فيديو غير مؤرخ صدر على الانترنت يوم الخميس 28 يوليو، 2016 يعلن فيه  تغيير اسم الجماعة ، ويدعي أنه لن يكون هناك المزيد من العلاقات مع تنظيم القاعدة. 
ومع ذلك، فإنه من غير الواضح ما الذي يعنيه قطع العلاقات مع تنظيم القاعدة في الواقع. الإعلان عن الاسم الجديد للجماعة يخلق الانطباع بأن التغييرات تكتيكية أكثر منها إستراتيجية نتيجة لمستوى العلاقات العالي بين  أيمن الظواهري، رئيس تنظيم القاعدة، والزعيم الحالي لتنظيم فتح الشام  
سمدار بيري، صحفي إسرائيلي معروف بعلاقات وثيقة مع مصادر الاستخبارات الإسرائيلية، لمح بأن الموساد الإسرائيلي شجع هذا المسار الجديد. وفي مقال للرأي نشر عن طريق "واي نت" يوم الاثنين، كتب بيري: 
"ومن المحتمل أن يكون هذا الفصل هو مجرد ستار من الدخان من قبل الجولاني والذي سوف نبقى على اتصال مع تنظيم القاعدة في السر. قد يكون من المحتمل أيضا أن جبهة النصرة حصلت على معلومات استخباراتية من جهاز محدد لكي تتحضر لليوم بعد رحيل الأسد من السلطة". 
من خلال  وجهة النظر الإسرائيلية المشوشة تماما، سوف  يتحقق السلام على حدودها الشمالية إذا أمكن تقسيم سوريا من خلال الفصائل المتحاربة. انها المقاربة التي قدمها في بداية الحرب الأهلية في عام 2011 دانيال بايبس، وهو اليميني المتطرف، المؤيد لإسرائيل، والذي يشغل منصب رئيس منتدى الشرق الأوسط، وهو مركز أبحاث صهيوني. معتبرة أن "النزاع السوري المستمر يقدم فوائد للغرب"، حيث يوضح: 
"الإسلاميون السنة يحاربون الشيعة، وبالتالي هذا يضعف كلا الجانبين، والخصومة الفتاكة بينهما تقلل من قدراتهما على مقاومة الصراعات الخارجية. وبواسطة إثارة الأقليات (أهل السنة في إيران والأكراد والشيعة في تركيا) يمكن استمرار القتال في سوريا ويمكن أيضا أن تضعف الحكومات الإسلامية ". 
وأشار كذلك إلى: 
"لا شيء في دساتير الدول الغربية يجبرها على الانخراط في كل صراع خارجي. اعتماد مثل هذا النهج يمكن أن يكون خطوة ذكية. بالإضافة إلى الاستفادة المعنوية من عدم المسؤولية عن الفظائع ، والبقاء بعيدا يسمح الغرب في نهاية المطاف بمساعدة الأصدقاء الحقيقيين فقط في سوريا والليبراليين في البلاد". 
وفي رسالة بالبريد الالكتروني 2012 الصادرة عن "ويكيليكس"، عرضت هيلاري كلينتون البديل الذي يركز على هذا النهج في إيران: 
"إن أفضل طريقة لمساعدة إسرائيل في التعامل مع القدرة النووية الإيرانية المتنامية هي مساعدة الشعب السوري بإسقاط نظام بشار الأسد". 

تحالف النصرة واسرائيل 
في نهاية المطاف، فإن إسرائيل لا تبالي كثيرا فيما يحدث في سوريا طالما أنه يمكنها الحفاظ على حماية على طول حدود مرتفعات الجولان. بدأت إسرائيل باحتلال وإدارة المنطقة في حرب الأيام الستة عام 1967، وضمت رسميا مرتفعات الجولان في عام 1981. ولا تزال إسرائيل ترفض إعادة الأراضي إلى سوريا على الرغم من إجماع شبه عالمي بأن الاحتلال غير قانوني بموجب القانون الدولي. وعلاوة على ذلك، فإن اكتشاف احتياطيات الغاز المحتملة هناك تزامن مع زيادة في التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في السنوات الأخيرة.
دراسة تحالف النصرة مع إسرائيل في المنطقة، يوضح أن الروابط بين الطرفين كانت وثيقة للغاية. وتبقي إسرائيل على مخيم حدودي لأسر المسلحين السوريين. وقد وثق صحفيون أن مغاوير من قوات الدفاع الإسرائيلية دخلوا الأراضي السورية للقاء متمردين سوريين.
وقد صور آخرون اجتماعات بين عسكريين اسرائيليين وقادة من جبهة النصرة في معبر القنيطرة، بالقرب من خط وقف إطلاق النار الذي يفصل بين الأراضي التي يسيطر عليها السوريون والمناطق التي احتلتها إسرائيل في مرتفعات الجولان.
وثق موظفو الأمم المتحدة أيضا مركبات المتمردين السوريين تحصل على الامدادات من الجانب الإسرائيلي:
" كشف تقرير لـ[قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك] عن نمط مستمر من التنسيق الإسرائيلي مع تلك الجماعات المسلحة (جبهة النصرة)".
ووفقا لتقرير ديسمبر 2014، لاحظت قوة مراقبة فض الاشتباك أن جنديين اسرائيليين فتحا بوابة السياج التقني وسمحا لشخصين أن يمرا من الجانب السوري إلى الجانب الإسرائيلي في 27 أكتوبر. وخلافا لمعظم المقاتلين اللذين دخلوا كجرحى إلى الجانب الإسرائيلي، لم يكن هؤلاء الأفراد جرحى والغرض من زيارتهم لا يزال لغزا.
ويشير التقرير الذي صدر في مارس أن قوات الأمم المتحدة شاهدت الجنود الإسرائيليين يقدمون المساعدات المادية لجماعات المعارضة السورية المسلحة. وكانت هذه الإمدادات والمعدات مصممة إما لمساعدة الثوار في قتالهم ضد القوات الحكومية السورية أو لتحسين الاتصالات بين القوات الإسرائيلية وقوات المتمردين.
استراتيجية إسرائيل في التقسيم والهيمنة 
دعم إسرائيل للجماعات الإرهابية المتطرفة هو استراتيجية طويلة الأجل تستغلها في مسارح متعددة. والغرض النهائي منها هو إضعاف عدو قوي.
من حيث حزب الله، إسرائيل لم تتوقع أن جماعة مسلحة لبنانية مثل حزب الله قد تنمو لتصبح أقوى بكثير وأخطر بالنسبة لها من منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان.
نجحت هذه الاستراتيجية على نحو أفضل فيما يتعلق بحماس لأن إسرائيل لم تكن قادرة على السيطرة على حركة فتح. وقد سعت إسرائيل للإيقاع بين حماس وفتح في معركة حذرة وتنافس إرادات على مدى عقود، مع عدم تمكن أي طرف من طرد الآخر. وقد أدى هذا الخلاف إلى إضعاف كبير للفلسطينيين وقضيتهم. ومع ذلك، فقد تدربت حماس وأصبحت أنظارها على إسرائيل أيضا وأصبحت عدو لإسرائيل أكثر من مما كانت عليه حركة فتح.
وهكذا، فإن استراتيجية اسرائيل هي إقامة تحالف مع جبهة النصرة وتقويتها حتى تتمكن من شن معركة هائلة ضد الأسد، وهذا جزء لا يتجزأ من هدف طويل الأمد لتقسيم سوريا. وتأمل إسرائيل بشكل خاطئ أن هذه الجماعات الوحشية، المتشددة، المتطرفة سوف تهيمن على منطقة الجولان وتحافظ على الاستقرار والأمن هناك. ومع ذلك، تتجاهل إسرائيل ما يمكن أن يحدث دائما من وراء هذه المخلوقات التي تصنع لخدمة صاحبها، فحالما يتم إنشاؤها فهي تأخذ حياة خاصة بها. والخالق يفقد السيطرة على خلقه، الذي يسبب الدمار الكبير وحتى يتحول ضده.
تحالف إسرائيل مع النصرة يشير أيضا إلى السخرية المطلقة في نهجها. في حين أن بقية العالم يحارب المجموعات الإرهابية، وتسعى لمنع الهجمات الإرهابية على الغرب، تبدو إسرائيل تعمل فقط لمصلحتها الخاصة. فهناك قول مأثور بأن "عدو عدوي هو صديقي"، ولكن في قواعد اللعبة التي تمارسها إسرائيل، يقول المثل: "إن عدو صديقي قد يكون بالتأكيد صديقي".
هذه الحلقات تنطبق بشكل خاص عندما يحذر القادة الإسرائيليين العالم من تهديد الجهاد العالمي، بينما يتوددون أيضا إلى هؤلاء الجهاديون المتطرفون. هذا هو النفاق الأكثر عمقا، مما يجعل إسرائيل واحدة من أكبر الدول الراعية للإرهاب في العالم.
يبدو أن الولايات المتحدة وأوروبا تتجاهل عمدا احتضان إسرائيل التكتيكي للحركة الجهادية. حتى إدارة أوباما تستعد لتوقيع اتفاق جديد يحقق رقما قياسيا في الإنفاق العسكري مع إسرائيل حيث تصل المساعدات الامريكية الحالية لأكثر من 3 مليار دولار في السنة. وقد طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي المجنون، بنيامين نتنياهو، بمساعدات بقيمة 5 مليار دولار على مدار 10 سنوات، وسوف يستقر المبلغ النهائي على الأرجح في مكان ما في بين هذين الرقمين.
فقط إسرائيل تبتعد إلى هذا المستوى من التنافر المعرفي في تحالفها مع الولايات المتحدة. أي حليف آخر يعتمد بعمق على واشنطن بالنسبة لأمنه ووجوده لن يجرؤ على التحالف مع عدو للولايات المتحدة كما تفعل إسرائيل. هذه هي الطبيعة الحقيقية جدا للكيان الصهيوني.