أسرار الثورات الملونة
في سياق العولمة، لم يصبح العالم أكثر استقرارا ووضوحا، بل على العكس من ذلك، أصبحت مميزاته الرئيسية، الاضطراب والفوضى وزيادة احتمال نشوب صراعات.
الأحداث التي حملت اسم "الثورات العربية"، لم تحدث من قبيل الصدفة، كذلك لم تكن احتجاجا عفويا "للحالمين بالديمقراطية"، بل جاءت نتيجة لتنفيذ مشاريع محددة لإعادة بناء العالم. واحدة من التقنيات وأساليب تنفيذ مثل هذه المشاريع، "الثورات الملونة"، وتبعا للحالة، يتم اختيار سياقها بغض النظر عن كونها "برتقالية"، "خزامية"، أم "ثورة ياسمين".
ولنقف عند مضمون وتقنيات "الثورات الملونة"، كظاهرة خاصة في الحركة الاحتجاجية.
خصائص "الثورات الملونة"
في الخطاب السياسي تحت عنوان "الثورات الملونة"، تتم عادة الإشارة إلى "عملية تغيير النظام تحت ضغط احتجاجات واسعة في الشوارع وتمويلها بدعم من المنظمات الأجنبية غير الحكومية". هناك تعريفات آخرى أكثر حدة للثورات الملونة، على سبيل المثال، "ثورة ملونة" - "انقلاب نفذ باستخدام أساليب النضال السياسي غير العنيفة، وقوى الحركات الملونة". وعادة "في مصلحة وبمشاركة مهيمنة مباشرة في التخطيط والتنظيم والتمويل من قبل مجموعة من البلدان الأجنبية والدول والمنظمات العامة أو التجارية".
وبطبيعة الحال، فإن مجرد وجود مصالح للاعبين الأجانب، لا ينكر بأي شكل من الأشكال، عوامل وأسباب معينة لهذه الثورات الداخلية. وعلاوة على ذلك، كما يتضح من التجربة التاريخية في مجال الاحتجاجات الواسعة في الشوارع، فإن الدعم الخارجي لحركات المعارضة التي تسعى لتغيير النظام، موجود في كل ثورة. فما هي خصوصية الثورات الملونة؟
يركز مدير معهد الدراسات السياسية س. أ. ماركوف على طبيعة تكنولوجيا "الثورات الملونة"، ما يتم فهمه على أنه "نوع جديد من التقنيات السياسية لتغيير السلطة السياسية".
وبتحليل تطور الحركات الثورية منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن الحادي والعشرين، فإننا نستطيع أن نقول إن الثورات الملونة، هي نتاج التكنولوجيا الفائقة وعصر العولمة، والتي لم تكن ممكنة إلا بعد الوصول إلى مستوى معين من تطور المجتمع البشري في جميع المجالات (العلوم والاقتصاد والاتصالات وأخرى). وهناك سمة أخرى مهمة للثورات الملونة، هي أنها "عمليات معقدة تحاكي الثورة الاجتماعية والسياسية". وبعبارة أخرى، فإن الثورات الملونة مجرد محاكاة للثورات.
وهنا نشرح أسباب وصف هذه الثورات بأنها محاكاة، أولا، الثورات الكلاسيكية في القرنين التاسع عشر والعشرين، في مراحلها الأولى لم تكن عمليات سياسية ولا اقتصادية سياسية بحتة، ولكن، قبل كل شيء، كانت ثورات فكرية وروحية وأخلاقية، تنطلق بداية من الوعي العام ومن "نظام قيم" المجتمع العامة، وبعد ذلك فقط، تنتقل إلى "كيانه الاجتماعي"، أي إلى إعادة هيكلة المؤسسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بعد السيطرة على السلطة من قبل الحزب الثوري أو الحكومة الائتلافية.
أما بالنسبة لروسيا، فإن الجانب الروحي والأخلاقي، والأيديولوجي للثورة، مفهومة بشكل واضح جدا. وبالتحديد، فإن الطابع الفريد للثقافة، والنظرة والأيديولوجية للمجتمع الروسي حددت العلاقة بالثورة، على أنها "ديانة"، هي "النتاج الروحي للمثقفين"، وعلى أنها ظاهرة ميتافيزيقية ودينية، "تحدث، قبل كل شيء، في روح كل إنسان" حسب تعبير دوستويفسكي.
وبعبارة أخرى، جوهر الثورة بمعناها التقليدي، يتواجد في الفكرة الخاصة للمذهب الأيديولوجي الجديد، الذي يشكل أعلى القيم والمعنى الأسمى للوجود الإنساني في مشروع تاريخي جديد، والتنفيذ العملي- هو الثورة، العملية الثورية. من هذا المنظور، "الثورات الملونة" لا تملك، أي ليس لديها حتى فهم للأفكار العظيمة، هي مجرد أفكار جديدة - جديدة حتى بالنسبة للدول التي تحدث فيها هذه الثورات. هذه الأفكار هي إما الأفكار الليبرالية الغربية المعروفة بالفعل (ربما في شكل أكثر راديكالية) أو مشاريع جذرية مأخوذة من المذاهب الدينية، خاصة في الإسلام. وهكذا، فإن الثورة الملونة هي عملية مجردة من الفكرة.
ثانيا، من سمات الثورات الملونة، غياب الشروط الضرورية والأساسية للثورة "الكلاسيكية". كما هو معروف، "الثورة مستحيلة من دون حالة ثورية، وليست كل حالة ثورية تؤدي إلى ثورة"، هذه مقولة فلاديمير لينين، الذي تحدث عن الأعراض الرئيسية الثلاثة للحالة الثورية. وهي:
1. إنعدام إمكانية الحفاظ على الحكم دون أي تغيير من قبل الطبقات الحاكمة. أي أزمة "الطبقة العليا"، هي أزمة سياسية للطبقة الحاكمة، تؤدي إلى شرخ، يتغلغل عبره استياء وسخط الطبقات المضطهدة. عادة ما لا يكون "رفض الطبقات الدنيا" كافيا، فمن الضروري أيضا أن تصبح "الطبقات العليا غير قادرة" على العيش بالطريقة القديمة.
2. ازدياد حدة بؤس الطبقات المضطهدة، أكثر من المعتاد.
3. الزيادة الكبيرة في ظل هذه الأسباب، لنشاط الجماهير الذي كانوا يسمحون بهدوء في أوقات "السلم" بسلبهم، والذين يتم استدعاؤهم في الأوقات العصيبة، من قبل جميع ظروف الأزمة ومن قبل "الطبقة العليا"، لتنفيذ عمل تاريخي مستقل".
باختصار، حسب ملاحظة س. ف. كونونوف المحقة، فإن "الثورة الحقيقية لا يمكن تصميمها وصياغتها في شكل مصطنع، إذا لم يكن الجمهور على استعداد لذلك. من الممكن تنفيذ تمرد، أو انقلاب، أو حتى تقليد للثورة، لكن الثورة التطورية حقا، ستحدث فقط عند نضوج الجماهير بشكل كامل، أو على الأقل عند جاهزية معظمهم"، أي وجود حالة ثورية.
لكن، وكما ذكر أعلاه، ليس كل وضع ثوري يؤدي إلى ثورة. حقيقة أن الثورة تحدث "فقط في ظل الظروف، التي تجمع الشروط الموضوعية المذكورة أعلاه، بشرط أن الطبقة الثورية قادرة على العمل الثوري الجماهيري بشكل قوي بما فيه الكفاية لكسر أو زعزعة الحكومة القديمة، والتي لن تسقط أبدا، ولا حتى وفي فترة الأزمة، دون دفعها لذلك".
وبذلك يصبح واضحا، أن أيا من البلدان التي شهدت "ثورات ملونة"، لم تكن فيها حالة ثورية. من الكافي أن ننظر إلى مستوى المعيشة في هذه الدول، فضلا عن الآثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الكارثية لـ"النصر" الثوري، ونخلص لنتيجة توضح التحريض على التغييرات. وفي الوقت نفسه لا يمكن إنكار حقيقة أنه من أجل نجاح الثورة الملونة، هناك حاجة للحظة الصعوبات الكبرى التي تواجهها بعض الحكومات، مثل التدهور الحاد أو الطويل الأمد والواضح للوضع الاقتصادي أو السياسي (خسارة الحرب، العقوبات الدولية، الأزمة الاقتصادية وأخرى). بالإضافة إلى ذلك، لم يكن في البلدان المتضررة من الهجمات "الملونة"، طبقة ثورية قادرة ليس فقط على اسقاط الحكومة (وهذا شيء من السهل جدا القيام به)، ولكن لتحل محلها، ولتقدم برنامج عمل جديد، ومشروعا تطويريا.
لذا، فمن المهم أن نفهم أن "الثورات الملونة" لا تهتم بتحقيق هدف الثورات الكلاسيكية، وهو تغيير النظام السياسي وتغيير أشكال الملكية، أي تغيير النظام الاجتماعي برمته. هي "مصممة" فقط لتغير الأنظمة السياسية. وبهذا العامل، ترتبط السمة الثالثة للثورات الملونة. وينبغي إيلاء اهتمام دقيق لحقيقة أن من بين العوامل الرئيسية لفشل "الثورة الملونة"، "وجود رئيس قوي ومتين للدولة، لا يتردد في استخدام السلطة، لوقف أي إجراءات غير قانونية واستفزازية من طرف الثوار الملونين، حتى تلك االاجراءات القاسية والشاملة".
وبعبارة أخرى، فإن تطوير العملية الثورية "الملونة" يجري في ظروف الاستيلاء "غير عنيف" على السلطة من تلك الحكومة، التي لا تجرؤ على استخدامها أو تتوقف أمام الاستخدام المشروع، والشامل نسبيا للعنف (تفريق المظاهرات غير المرخصة، مسيرات الاحتجاج، وهلم جرا). قوة السلطة الشرعية بشكل عام، والقائد الوطني على وجه الخصوص، تكمن في وجود قوات الأمن الوفية والمخلصة، التي لا تخضع للترهيب والمزايدة. وربما الأكثر أهمية هو ثقة القائد بقانونيته وشرعيته.
ولكن هذا ليس كل شيء. أي ثورة، حتى الثورة السريعة تطرح زعيمها، وهو نوع من حامل لواء الاحتجاج. ولهذه الغاية، ينبغي أن يتم تعزيز وحدة جميع أحزاب المعارضة. والنتيجة ظهور شخصية قائد، غير ملطخ بالتعاون مع النظام السابق، أو بالتعاون المفتوح (وهذا الأمر ذو أهمية خاصة) مع الغرب. وبهذا، يصطدم النظام بجبهة معارضة موحدة، من الصعب للغاية تقسيما. وإذا لم يحدث هذا، فإن "الثورة" تتلاشى وتتحول تدريجيا الى مرحلة من احتجاجات القوى الهامشية.
رابعا، الطبيعة السريعة للثورات الملونة، ترجع للاستخدام المكثف للموارد المالية وتكنولوجيا المعلومات، ما يسمح بتسريع إسقاط النظام خلال سنة ونصف أو سنتين. وبالتالي، فمن غير الضروري دخول البلاد في سباق تسلح مرهق، والعمل عدة أجيال لتقويض النظام أو لإنهاك العدو اقتصاديا - كما جرى مع الاتحاد السوفييتي وحلفائه في المعسكر الاشتراكي. كل هذه الخطوات تتم بشكل سريع للغاية باستخدام ميزات جديدة للمجتمع ما بعد الصناعي والمعلوماتي: وبالتحديد الهيكل الشبكي والبرمجة العقلية للتلاعب بالرأي العام من خلال وسائل الإعلام العالمية.
السمة الخامسة لـ"الثورات الملونة" تتعلق بخلق واستخدام تقنية التسويق الشبكي وإدارة الإعلانات للأحزاب العملاقة، التي تضم عددا كبيرا من الناخبين المحتجين من جميع الأطياف، والذين عادة ما يتم اجتذابهم بسبل مختلفة، وفي كثير من الأحيان عبر الوعود المتناقضة تماما، فضلا عن استخدام الفضول البسيط أو الرغبة في "الهروب" من الحياة اليومية المملة، وفقا لمبدأ "البحث عن المغامرات".
ووفقا لـ ب. إلبتشينكو، فإن "عدم وجود إدارة مفتوحة واحدة يسمح لهذه الحركات بالوصول على درجة عالية من المناعة، ويسمح تحت راية واحدة، بجمع عدد من المؤيدين لا يمكن جمعه بطريقة أخرى. هذا الجمع العملاق، يمكن إيقاظه في ساعة الصفر، عند ظهور الحاجة لإخراج الناس إلى الشوارع لتنفيذ حملات العصيان المدني الجماعية. وعند تحقيق أهداف الانقلاب، يمكن القضاء بسهولة وبشكل كامل على هذه الحركات، عبر آلية التدمير الذاتي، والتي تمنع هذه الأحزاب الواسعة النطاق ومقطوعة الرأس في الوقت ذاته، من أن تصبح لاعبا سياسيا حقيقيا. آلية التدمير الذاتي تكون مخفية في الحقيقة المخزية لكيفية نشوء هذه الحركات وجهات تمويلها، لحين وقوع الانقلاب، فضلا عن الكم الاستثنائي لقاعدة المشاركين، والتي يمكن التوفيق بينها فقط لحين الانتصار على الدكتاتور المكروه من الجميع، في حين أن تصوراتهم "للمستقبل المشرق" مختلفة تماما". مثل هذه الحركة كانت حركة "أوتبور" في صربيا، وحركتي "سكيلا" و"بيكوم" في أرمينيا، وحركة "كمارا" من جورجيا، وحركة "6 أبريل" في مصر، وغيرها. ومثل هذه الحركات في روسيا المعاصرة، تمثل "الحركة-31" و"استراتيجية 31" وحركة "سوليدارنوست"(التضامن) أو"جامعة الناخبين".
الاختلاف السادس لللثورة الملونة عن الثورة الكلاسيكية، يكمن في حقيقة أن ما يسمى بساعة ااصفر، يرتبط بالانتخابات أو بالمطالبة بتنفيذها في وقت مبكر. الانتخابات – هي الحدث الذي يسمح للمعارضة بإخراج أكبر عدد ممكن من الساخطين إلى الشارع. والاستعداد لها يبدأ قبل فترة طويلة من الانتخابات نفسها، وتحقيق هذا الأمر يتم عادة عبر اثنين من السيناريوهات.
السيناريو الأول- إذا لم يتم بعد، الإعلان عن الانتخابات، فإن النظام الحالي يتم إعلانه غير شرعي ودكتاتوري. وفي حالة ظهور أعراض الضعف ينبغي المسارعة للمطالبة باستقالة قيادة البلاد، وتشكيل حكومة انتقالية والإعلان عن إجراء انتخابات مبكرة (كما حدث في تونس ومصر). وفي حال إذا كان النظام مدعوما من قبل الغالبية العظمى من السكان، ولا يستسلم، ففي الطليعة تظهر العصابات المسلحة المدعومة بقوة من الخارج (كما حدث ويحدث في ليبيا وسورية).
أما السيناريو الثاني، فيتم استخدامه أثناء الحملة الانتخابية. وفي هذه الحالة، وأيضا قبل حدوث الانتخابات، يتهم "الثوار" السلطات بتزوير النتائج ويعلنون عن فوزهم. وتطور هذا السيناريو يؤدي عبر طريقتين على الأقل إلى تغيير النظام: الأولى سلمية والثانية سلمية نسبيا. الطريقة السلمية – يتم فيها إلغاء نتائج الانتخابات من قبل المحكمة الدستورية واعادتها (كما حدث في أوكرانيا). والطريقة السلمية نسبيا – يتم فيها انتقال قوات الشرطة إلى جانب المعارضة، وفي هذه الحالة يبقى الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى في وضع الانتظار المحايد. الأمر الذي يتلوه احتلال أو حتى حرق مباني البرلمان أو لجنة الانتخابات المركزية وأخيرا عزل أو اعتقال القادة السابقين في الدولة (مثل ما حدث في صربيا وجورجيا وقيرغيزستان).
الميزة السابعة للثورات الملونة، هي الدور الجديد تماما، على النقيض من الثورات الكلاسيكية، للقوى الخارجية. فهي لا تمول فقط منظمي الثورة لعدة سنوات قبل تنفيذها (وكما هو معروف، هذا حدث في روسيا في مطلع القرن العشرين، وكذلك في أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط في 1960-1970. الدور الجديد للقوى الخارجية يظهر بالفعل في الاستخدام المفتوح والعلني لمفهوم "القوة الناعمة"، ما يحدث علنا وعلى الملأ. وبالإضافة إلى ذلك، فإن اللاعبين الخارجيين (الولايات المتحدة ودول حلف شمال الاطلسي وجامعة الدول العربية) "يعلنون أنفسهم ويستخدمون بنشاط وضع الحكم الأعلى، الذي يحدد شرعية النظام. على سبيل المثال، أن يعلنوا أن إجراءات المعارضة مشروعة، حتى ولو كانت تنتهك القانون. وبذلك هم يعتبرون تصرفات الحكومة لحماية نفسها غير شرعية بشكل مسبق.
كما يظهر التدخل السافر في الشؤون الداخلية للبلد المستهدف، أولا على المستوى الاقتصادي والسياسي، بالإضافة (إذا ظهرت الحاجة لذلك) للوسائل العسكرية. الجانب الخارجي يتخذ على عاتقه زمام المبادرة في تنظيم محادثات الحكومة والمعارضة والمشاركة فيها بصفته وسيطا محايدا، ولكنه يقف فعليا إلى جانب المعارضة. كما يتم استخدام الشروط والتهديدات المباشرة للضغط على الحكومة الحالية، حسب مدى اعتماد النخبة الحاكمة على هذه القوى الخارجية (الودائع في البنوك والعقارات في الخارج).
وعلاوة على ذلك، فإن القوى الخارجية تعمل بشكل وثيق على "إطعام" وترويض النخبة الحاكمة السابقة، والتي انتقلت بعد الاستقالة إلى جانب المعارضة. وبالتحديد الوزراء السابقين، ذوي الحلفاء في صفوف الوزراء الحاليين، والذين سينتقلون في اللحظة الحاسمة إلى جانب المعارضة. وأخيرا، فإن اللاعبين الأجانب يصبحون واثقين من أنه في حالة فوز "الثوار" فإن التوجه الجيوسياسي والجيواقتصادي، سيكون في صالح القوة الخارجية، التي مولت وشرّعت هذه الثورة الملونة.
ألوان ورموز "الثورات الملونة"
وهناك دور خاص في "الثورات الملونة" تلعبه الألوان والرموز الخاصة بها، ذلك أن الأنظمة التي تعتمد على مضمون الرموز، خلافا لمضمون الاتصال اللفظي، تؤثر على عوالم أعمق من النفس (الوعي واللاوعي). والطباخون السياسيون يدركون جيدا أهميتها، وبالتالي فإن اختيار "الوردة الحمراء" أو "الخزامى الأحمر" باعتباره رمزا للثورة، ليس من قبيل الصدفة.
أولا، النظم الرمزية تبث عواطف بسيطة (قديمة) عامة (على سبيل المثال، الغضب والاشمئزاز، النعيم، والخوف) التي تمنع أو تحفز الإجراءات الإرادية. الشيء الرئيسي - أنها لا تحفز النشاط الهادف. وفقا لذلك، في الحرب أو الثورة الاجتماعية أو الدينية، النظام الرمزي لن يكون حاسما، ولكنه مهم جدا، لأنه يشكل المزاج العاطفي للجماهير. وعلاوة على ذلك، في عناصر فردية يتم استخدام استراتيجية (الهجوم النفسي) والذي قد يعتمد عليه بدء العملية.
ثانيا، النظام الرمزي يفعل التجربة الاجتماعية (الشخصية أو القبلية أو العرقية أو الدينية أو الوطنية)، وبالتالي هذا يستدعي صدى، يشجع على التحديد الذاتي للاختيار وأخيرا على العمل. وبهذا، يصبح الرمز علامة تدل على الحلفاء وتحدد المعارضين، كما لو أنها تنقل الجماعة إلى مكان ووقت معين.
وكما أشار ك. أ. تشيريمنيخ، إذا تم توحد المجتمع (الديني أو الإثني أو القومي) تحت تأثير اللاعب الخارجي، فسيتم التلاعب به لتعزيز التصميم الدلالي للحدث، بشكل يعتمد على تحديد أهداف الموضوع وطبيعة السيطرة، والتي يمكن أن تكون مباشرة أو معتمدة على عناصر ما، أو غير مباشرة. وحتى لو كانت إدارة التلاعب غير مباشرة، فإن الجماعة لن تكون مهتمة بظهور عوامل جديدة لتحديد الهوية.
بناء على ذلك، فإن وجود أو عدم وجود عنصر، مثل القسم، أو العهد، في أدوات الثورة الدلالية، يمكن أن يكون مؤشرا على تبعيتها، أو على استخدامها. وتجدر الإشارة إلى أن خطاب "أصالة الثورة"، يتم عرضه كموضوع في الجسم الفضائي للتفكير الجمعي، بشكل موجه بشكل كامل، هذا يتضح، عند المقارنة بين التجربة الصربية والأوكرانية والمصرية.
كما أن هنالك توضيح آخر وهام لدور وأهمية الصور المرئية. التجربة البصرية، فضلا عن الشمية، والذوقية، واللمسية، كما العنصر الصوتي، هو هيكل أكثر بدائية بالمقارنة مع التجربة اللفظية. هذا هو السبب في التأثير على المحلل البصري، وخاصة في تركيبة مع العامل الصوتي البدائي، يبدو أكثر قاعدية وفعالية لفرض السلوك المطلوب من الفرد أو الكتلة، بشكل يفوق التأثير اللفظي. وللوصول السريع والواسع النطاق للتغطية في تكنولوجيات الثورات الملونة، يتم بنشاط استخدام وعرض لون بدائي أو رمز مثل قبضة بيضاء في دائرة على خلفية سوداء (رمز "ثورة" بلغراد)، والذي تم استخدامه في وقت لاحق في أوكرانيا، وقيرغيزستان، ومصر أو مشهد: مواكب، ومظاهرات عشوائية لعدد من الحملات، يتم بثها عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
المشهد، له أهمية خاصة، ولكنه أيضا أكثر تعقيدا مقارنة مع تكنولوجيا استخدام الرمز. فهو ينتج شعورا جماعيا، يشكل نوعية جديدة من العلاقات بين العناصر المستهدفة، أي الجمهور. وبالإضافة إلى ذلك، دور المقاطع البصرية (على سبيل المثال، المسرح، السينما، وأعمال حرق النفس، التي يتم نقلها عن طريق الشبكات الاجتماعية) تكمل هذا الشعور الجمعي، وتؤدي إلى ربط الذات مع بطل المقطع أو استيعاب عاطفة البطل. وكنتيجة لذلك، فإن "الانسحار" بأحداث أو أفعال محددة يمكن أن يغير النظرة للواقع.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن تطور التقنيات الحديثة يسمح بالتعزيز الجدي لتأثير العاطفة الجمعية. على سبيل المثال، إنشاء أو تعزيز الشعور بضحالة التاريخ الخاص للبلد، والتجربة الوطنية. هذا هو الأسلوب الذي استخدم في سنوات البيريسترويكا، من خلال جميع أنواع المطبوعات، والأفلام التي تحتقر وتدمر تجربة بلادنا، أفلام مثل "التوبة" أو " لا يمكن العيش هكذا."
في الظروف الحديثة استخدام برامج التواصل والرسائل الفورية (المنتديات وشبكات التواصل الاجتماعي، والمنتديات، وأخرى) يزيد على محمل الجد من الإيحاء. وهذا يحدث على وجه الخصوص، لأن الناس في الواقع، بدأوا بالانتقال إلى "لغة الطيور" الخاصة بالواقع الإفتراضي، الذي ينتج عنه ما يسمى بالجمع المتخلف.
العديد من علماء النفس، وخبراء التحليل النفسي، والخبراء في منظومات الشبكات، يلفتون الانتباه إلى حقيقة أن ظهور "يوتيوب" و"فليكر" يخلق مساحة لا حدود له من "مسرح التخلف الحي"، و«GOOGLEMAPS»، يخلق شفافية طبوغرافية تشبه "المقنص الحي"، و"فيسبوك"، يسمح بشكل دائم بتثبيت البيانات الشخصية، و"تويتر" - لغة "الإيماءات اللفظية المتخلفة". كل هذا معا يخلق ظروفا مواتية غير مسبوقة للتحكم على نطاق واسع.
أصبحت وسائل الاتصال الحديثة واحدة من أهم أدوات إعداد وتنفيذ "الثورات الملونة"، وهذا يرجع أساسا إلى حقيقة أنها تسمح بتعزيز الدلالات البصرية. مثلا، "يوتيوب"، وهو الموقع الثالث بعدد زواره في العالم (في كانون الثاني/يناير 2012، بلغ العدد اليومي للزوار، 4 مليارات شخص)، يسمح بالنشر الفوري عبر الهاتف المحمول، مقاطع فيديو حقيقية، أو مزورة، أو تم اعادة منتجتها ببساطة، مثيرة في المجتمع وتثير رد فعل من الرعب والذهول، يتحول إلى معارضة شرسة للمتهم، الذي تم تحديده بشكل سابق ومتعمد. ودور هذا الأخير، كقاعدة عامة، يلعبه عادة الزعيم السياسي أو أعضاء من الحزب الحاكم.
دور "الغرب" في "الربيع العربي" بتونس ومصر، كما تعلمون، لعبه "وباء" حرق النفس مع التمجيد الفوري للضحايا في وسائل الإعلام وشبكة الانترنت. والحقيقة، أن إنشاء "الأصنام" قد سبقه إعداد طويل للمجتمع الإسلامي لجعل مفهوم التدمير الذاتي وكأنه عمل بطولي، الأمر الذي يخالف بصراحة شرائع الإسلام. وهذا موضوع مناقشة منفصل. وفي تطبيق تكنولوجيات الثورات الملونة، الحث المنهجي على تدمير الذات، تم ذكره في عمل "من الديكتاتورية إلى الديمقراطية"، لـ ج. شارب، في البند رقم 158، والذي يدعو إلى "التضحية بالنفس (حرق النفس، والغرق، الخ ...)"، ويتم استخدامه منذ العام 1973، عندما تمت كتابة "أساليب المقاومة اللاعنفية"، والتي جلبت الكثير من المتاعب.
يتضح دور الشبكات في أحداث "الربيع العربي"، في تصريح م. جويس، ناشر موقع «Meta-Activism»، حيث يشير إلى أن أعمال حرق النفس - "واضحة وصادمة ومروعة"... ما الذي جعل قصة بو عزيزي وسعيد وحمزة الخطيب ذات تأثير ورنين؟ الوحشية غير العادية، الوحشية التي رأيناها في الصور والفيديو فورا بعد وقوع الحادث. هذا يتسبب بشعور داخلي عاطفي. رؤية هذه الصور، أكثر حساسية بكثير من السماع عنها، والغضب ضد النظام يصل إلى الحد المحموم".
بالإضافة إلى ذلك، أشار م. جويس إلى أهمية حقيقة المعرفة الشاملة بتطور الأحداث الثورية: "بفضل الوسائل الرقمية، أعداد كبيرة من الناس أصبحت على تواصل مباشر بهذه القصص. حتى قبل عشر سنوات، هذه القصص كانت ستطال وتمس عددا قليلا فقط من الناس - الأصدقاء أو الجيران، ولكن لن تعم وتعبئ المجتمع بأسره. اليوم أصبح هذا ممكنا. السر بسيط: الصورة تتحدث عن نفسها، وفي عالم أصبحت فيه قطعة من المحتوى معدية، هذا هو كل المطلوب.. هذا هو التحول الرئيسي من المفهوم غير السياسي إلى السياسي. في العالم: الوضع الراهن أصبح لا يطاق مقارنة بخطر تغييره.
أهمية كبيره يملكها، عامل اللون. اللون المختار من قبل الدولة لعلمها أو مجتمع من الثوريين الدينيين أو الاجتماعيين لشعارهم الخاص، يحتوي على إشارة تاريخية، و/أو عنصر القيمة والعقيدة، ما لا يعد أداة إضافية، بل رافعة رئيسية محددة ومختارة بعناية لأهداف التعبئة.
وفي حال اختيار الرمز اللوني من الخارج، فإن وظيفته تكون إضافية، ذلك أنه مصمم لحل المشاكل على المدى القصير - تغيير النظام السياسي وليس أكثر. إذا كانت العملية ناجحة، نفس اللون يمكن استخدامه في بلدان أخرى. على سبيل المثال، تم اقتراض اللون البرتقالي الذي استخدم في الأحداث الأوكرانية، ليستخدم في العام 2005، وبنجاح في الانتخابات التي جرت في رومانيا، من قبل جماعة ترايان باسيسكو. وقد استخدم نفس لون من قبل المعارضة في أذربيجان. ولكن بعد الفشل الأوزبكي (أحداث أنديجان عام 2005)، بدأ "بهتان" اللون الأوكراني البرتقالي.
ومع ذلك، فقد لعب اللون البرتقالي دورا حاسما. جاذبية "الثورة" الأوكرانية، تم ضمانها بسبب اللون. ذلك أن اللون البرتقالي لون خاص. على سبيل المثال، الشاعر الألماني الكبير غوته، الذي اعتبر عمل حياته تطوير نظرية اللون، اعتبر أن اللون البرتقالي، لون الدفء والسعادة والحرارة الساخنة، والجحيم، والوهج. اللون البرتقالي حسب نظرية غوته، يرتبط بطاقته العالية، وحسب الشاعر "... من الكافي النظر بتمعن إلى سطح أصفر وأحمر، ليتضح أن هذا اللون فعلا قد ترسخ في أعيننا. وهو يستدعي صدمة لا تصدق"، كما يبدو، هذا اللون ينغرس في الجسم. وغوته ليس وحيدا في هذه الملاحظات: الباحثون يؤكدون نشاط هذا اللون، وتأثيره المثير للقلق.
المعاني الرمزية للون الأحمر متنوعة ومتناقضة. ومع ذلك، هذا التنوع، يمكن للجميع العثور فيه على ما يناسبهم هم فقط. فمن ناحية، يمثل الأحمر الفرح والجمال والحب والحياة السعيدة. من جهة أخرى - الكراهية والانتقام والحرب. على سبيل المثال، العلم الاحمر يرمز للتمرد والثورة والنضال. ومن المثير للاهتمام، أن الكثير من القبائل في أفريقيا وأمريكا وأستراليا تعتبره لون الحرب، فعند الاستعداد للمعركة، يرسم المحاربون اللون الأحمر على وجوههم، والقرطاجين ومحاربو اسبرطة خلال الحرب كانو يرتدون الملابس الحمراء. وفي الصين القديمة، سمى المتمردون أنفسهم بـ"المحاربين الحمر"، و"الرمح الأحمر"، و"الحواجب الحمر". اللون الأحمر كذلك يمثل السلطة، والجلالة. القرنفل الأحمر في البرتغال عام 1974، الورود الحمراء في جورجيا عام 2003، والخزامى الحمراء( السوسن) في قيرغيزستان عام 2005، لم تكن اختيارا عشوائيا.
حاولت يوليا تيموشينكو استخدام اللون الأبيض في فترة حملة المعارضة الأولى، لكنه لم يلعب دورا سياسيا. وترتبط شعبية اللون الأبيض في روسيا عام 2011، بأسباب مختلفة. فهي لفتة إلى اللون الأبيض في العلم الوطني، والتلميحات التاريخية (الحرس الأبيض، والبيض كممثلين للبرجوازية)، والرمز الديني للمعاني المقدسة (فاللون الأبيض له دلالة إيجابية في جميع الأديان). وبالإضافة إلى ذلك، اللون الأبيض يرمز إلى الصفاء والإنصاف والخير والفرح. الأبيض يرتبط بمفهوم الصراحة والوضوح، بالشرعية والحق. ما يعني أن استخدام الأبيض يمكن أن يكون جذابا، ورمزا لتوحيد ممثلي مختلف الفئات الاجتماعية وجهات النظر. من أجل إنشاء حزب عملاق، من الصعب اختيار لون آخر.
عند دراسة سمات الرمزية اللونية للثورات الملونة، يجب الانتباه ليس فقط إلى الرسومات المسطحة، ولكن أيضا إلى الرموز النباتية التي تكون موجودة في كل "الثورات الملونة". فقط في بيلاروسيا حاولت الحركة المعارضة استخدام صورة حيوان نادر - البيسون، ولكن كما تعلمون، دون جدوى. في حين أن الرسم المسطح، وأبرز مثال عليه، القبضة في دائرة، على خلفية يمكن أن تكون سوداء أو حمراء، يؤثربالضغط في اللاوعي على الدكتاتور، فضلا عن تعبئة الكتلة المحايدة اجتماعيا عند تكراره على القمصان والقبعات والأعلام والمنشورات، فالرمز النباتي يشير إلى الحياة والخضار والتنمية، ونمو حركة المعارضة. وفي البلد المستهدف، يتم دائما تنفيذ دراسة مفصلة عن المحتوى الدلالي لرمز معين.
على سبيل المثال، الورود الحمراء الجورجية، كانت في الوقت ذاته الزهرة الوطنية المرتبطة بأعمال الفنان المتميز نيكو بيروسماني، وترمز للأشواك الحامية من "الغزاة" - روسيا. وبعبارة أخرى، كان لهذا الرمز تأثير على جميع الفئات: من العشاق وحتى السياسيين، ومن القوميين الحقيقيين، وحتى المعادين لروسيا. كل المعاني كانت على السطح. أما فيما يتعلق برمز قيرغيزستان، كانت الأمور أكثر صعوبة. قبل نهاية عام 2004، كان هناك خلاف في الهياكل التحليلية حول ما ينبغي أن يصبح رمزا للمعارضة الناضجة. أوصي الخبراء بالخزامى الأصفر. ومع ذلك، رفضت المعارضة القرغيزية هذه الفكرة: الخزامى الأصفر - رمز الانفصال. وفي النهاية، تم اعتماد الأحمر.
ويرى محللون شاركونا البيانات الخاصة بهم، ولا سيما ك. تشيريمنيخ، أن لهذا القرار الانعكاسات التالية. حقيقة أن الخزامى أحمر "تركي للغاية"، ولهذا السبب، تم اختياره كرمز للثورة الملونة. فكما تبين، يرتبط مهرجان الخزامى في تركيا، مع تقاليد اهداء هذه الزهور من قبل السلطان لزوجاته الأصغر سنا (اللواتي يرغبن بمنحه وريثا للعرش). وبعبارة أخرى، هذه الزهرة ترمز لكونها ليست عشيقة وليست بعد زوجة، وهذا يعتبر ايحاء للحكومة الانتقالية، وفي الوقت نفسه يعرفها بمكانها.
الياسمين، الذي اقترح في البداية لتونس، ثم استخدم في غيرها من "الثورات العربية"، في الأدب التقليدي يعني الاعتراف بالحب (وليس بالضرورة المتبادل). في المملكة المتحدة يعتبر رمزا للتواضع العذري والخجل. وفي الأدب الحديث، له رمز جنسي يتمثل بتفتح الزهرة. على وجه الخصوص، رائحة زهور الياسمين تشحذ الإدراك والاحساس. هذا هو سبب أن الياسمين يعزز الشهوانية ويعتبر عطرا "أنثويا". ومن المعروف أن كليوباترا أغوت أنطونيو بزيت الياسمين. وكما يبدو، فإن الياسمين أصبح رمزا للثورة السلمية، ويهدف إلى إخفاء الدوافع الحقيقية.
إجراء مماثل تم استخدامه مع رمز الثورة المصرية. اللوتس كرمز لحركة الاحتجاج على ضفاف نهر النيل، أيضا لديه العديد من التفسيرات. على سبيل المثال، في ثقافة التبت - هو رمز الطهر والعفة ونقيض للفساد. وفي الأساطير المصرية، هو يرتبط بالخلق والولادة والشمس كمصدر للحياة. "أزهرت هذه الزهرة العظيمة، من أعماق المياه الأولى، وجلب على بتلاتها الكون، مجسدا في صورة إله الشمس، الطفل الذهبي: ولد من اللوتس إله الشمس رع". اللوتس يرمز إلى تجديد القوى والحيوية وعودة الشباب، وفقا لمعتقد المصريين القدماء، الإله القديم يموت لينبعث من جديد شابا. رسم الميت الذي يحمل زهرة اللوتس، يتحدث عن بعث الموتى والصحوة الروحية.
النتائج
من الواضح، أن الكشف عن كل تفاصيل التقنيات السياسية الراهنة لتغيير النظام، مثل "الثورات الملونة" في مادة واحدة أمر مستحيل. ولكن من المهم عرض خصائصها الأساسية.
وهكذا، فإن الثورة بالمعنى الكلاسيكي تتطلب مزيجا من ثلاثة شروط على الأقل. في المقام الأول، ينبغي توفر ليس فقط الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، ولكن أيضا السياسية المحفزة للحالة الثورية. ثانيا، الثورة مستحيلة دون التنظيم، والدعم المالي وإدارة المعلومات. وأخيرا في القائمة، وليس بالأهمية: الثورة مستحيلة من دون أيديولوجية مشروع اجتماعي جديد.
الصدمات الثورية في الآونة الأخيرة، لا تمتلك العوامل المعقدة اللازمة للثورة الطبيعية. ومع ذلك، فإن دورا كبيرا يلعبه الدعم المالي والتنظيمي والمعلوماتي للقوات المعادية للأنظمة من الخارج. في الوقت نفسه لا يتعرض للضغط، إلا أنظمة تلك الدول ذات الموارد، أو الموقع الجغرافي الاستراتيجي المهم للغرب. وبعبارة أخرى، فإن "الثورات الملونة" بدأت في المناطق التي تدور في فلك مصالح اللاعبين البارزين في النظام العالمي.
تفعيل المعارضة في روسيا بعد الانتخابات البرلمانية 4 كانون الأول/ديسمبر 2011، والانتخابات الرئاسية 4 آذار/مارس 2012، رغم وجود أسباب موضوعية لعدم الرضا، توافق مع منطق "الثورات الملونة". وعلى مصلحة الدول الغربية، والمسؤولين والجهات الفاعلة غير الحكومية في زعزعة الوضع في روسيا، تدل الكثير من الحقائق – بدأ بالدعم النشط من قبل السفارة وشخصيا السفير الامريكي الجديد مايكل ماكفول لحركة الاحتجاج، وحتى تمويل سلسلة من البرامج الخاصة "بالتدريب على الديمقراطية".
في الواقع، نحن نشهد تكثيفا للعمل من أجل الهيمنة على العالم، والذي يتم بأدوات وتكنولوجيات محدثة على محمل الجد. واحدة منها "الثورات الملونة". وللحيلولة دون حدوث تأثير الثورات الملونة المزعزع للاستقرار، نرى أنه لا بد من تسخير تكنولوجيات مماثلة في طبيعتها للتكنولوجيات "الملونة". وينبغي إيلاء اهتمام خاص باستخدام "القوة الناعمة".
إيلينا باناماريوفا