الوجه الآخر للحقيقة في قصة حلب الدامية
حان الوقت لقول الحقيقة الأخرى بأن الكثير من المتمردين الذين دعمناهم في الغرب هم من أكثر المقاتلين قسوة في الشرق الأوسط. ففي الوقت الذي كنا نعبر عن رفضنا وانزعاجنا من شناعة داعش خلال حصار الموصل، وهو الحدث المشابه جداً لحلب علماً بأنك لن تتلمس ذلك في قراءة روايتنا للقصة، تجاهلنا عمداً سلوك المتمردين في حلب.
سيكون على السياسيين والخبراء والصحافيين الغربيين أن يعيدوا كتابة قصصهم في الأيام المقبلة من جديد وقد استعاد جيش بشار الأسد السيطرة على حلب الشرقية. سنكتشف ما إذا كان المدنيون المئتان وخمسون ألفاً المحاصرون في المدينة كانوا فعلاً بهذا الكم. وسنسمع المزيد عن عدم قدرتهم على المغادرة حين قصفت الحكومة السورية وسلاح الطيران الروسي الجزء الشرقي من المدينة. وسنعرف المزيد عن المتمردين الذين نحن في الغرب، الولايات المتحدة وبريطانيا، إلى جانب حلفائنا قاطعي الرؤوس في الخليج، قمنا بدعمهم.
نعم لقد دمّر بشار الأسد مساحات شاسعة من مدنه في معركته ضد الذين أرادوا الإطاحة به. نعم يجدر بنا أن نقلق على حياة الأطباء الشجعان في شرق حلب والأشخاص الذين يعتنون بهم هناك. لكن حان الوقت لقول الحقيقة الأخرى بأن الكثير من المتمردين الذين دعمناهم في الغرب هم من أكثر المقاتلين قسوة في الشرق الأوسط. ففي الوقت الذي كنا نعبر عن رفضنا وانزعاجنا من شناعة داعش خلال حصار الموصل، وهو الحدث المشابه جداً لحلب علماً بأنك لن تتلمس ذلك في قراءة روايتنا للقصة، تجاهلنا عمداً سلوك المتمردين في حلب.
قبل أسابيع قليلة فقط قابلت إحدى العائلات المسلمة التي هربت من شرق حلب خلال الهدنة. أخبرني الوالد أنهم أبلغوه بأن المتمردين سيقومون بإعدام شقيقه لأنه اجتاز الخطوط الأمامية مع زوجته وابنه. لقد اتهم المقاتلين بإقفال المدارس وتخزين الأسلحة بالقرب من المستشفيات علماً أنه لم يكن موالياً للنظام بل إنه كان من المعجبين بسلوك داعش في الأيام الأولى للحصار.
في الوقت نفسه كان الجنود السوريون يعبّرون لي سراً عن اعتقادهم بأن الأميركيين سيسمحون لداعش بمغادرة الموصل لمهاجمة النظام مجدداً. وقد عبّر ضابط أميركي بالفعل عن مخاوفه من منع الميليشيات العراقية الشيعية داعش من الهروب عبر الحدود العراقية إلى سوريا.
من المفيد جداً أن ننظر في تقاريرنا حول هذين الحدثين المتوازيين. تقريباً تتحدث كل العناوين اليوم عن سقوط حلب بيد الجيش السوري وليس استعادة المدينة من المسلحين كما كنا سنقول في ظروف أخرى، فيما يتم الحديث عن سقوط تدمر بيد الحكم البشع لداعش بوصفه استعادة للسيطرة على المدينة.
هنا الكلمات لها أهمية. هؤلاء الرجال، أو “رجالنا” في حال واصلنا السرد الجهادي الحالي، هم الذين قاموا بعد احتلالهم لتدمر بذبح عالم الآثار البالغ من العمر 82 عاماً والذي حمى كنوزها، ثم وضعوا له نظاراته على رأسه المقطوع.
باعتراف الروس فإنهم نفذوا 64 طلعة جوية ضد مهاجمي داعش خارج تدمر. ولكن نظراً لأعمدة الغبار المتصاعدة من مواكبهم لماذا لم ينضم الطيران الأميركي إلى قصف العدو الأكبر له؟ لسبب ما لم تكشفهم الأقمار الصناعية الأميركية ولا الطائرات بدون طيار ولا الاستخبارات، خلافاً لما قاموا به حين قاد داعش المواكب الانتحارية نفسها حين سيطرة للمرة الأولى على المدينة في أيار/ مايو 2015.
إن الخطاب الإعلامي والسياسي المألوف والمتعب بحاجة إلى إنعاش. الدليل أنه بعد أشهر من إدانة ظلم النظام السوري والتعتيم في المقابل على هوية ووحشية معارضيه في حلب، بدأت منذ أيام قليلة منظمات حقوق الإنسان، التي اشتمّت هزيمة المسلحين، توسيع دائرة انتقاداتها لتشمل المدافعين عن حلب الشرقية.
أتوقع أن نسمع المزيد من هذا الكلام في الأيام المقبلة. الشهر المقبل سنقرأ أيضاً كتاباً مخيفاً جديداً للصحافية الإيطالية لوريتا ناوبليوني حول تمويل الحرب في سوريا حيث تروي عمليات الخطف من أجل المال من قبل القوات الحكومية والمعارضة في سوريا لكنها أيضاً تستخدم لهجة قاسية إزاء أدائنا الصحفي.
هل الأمر قاس جداً على مهنة الصحافة؟ هل نحن فعلاً إلى جانب المتمردين؟ لا شك أن الزعماء السياسيين لدينا كذلك، وللسبب نفسه الذي يدفع بالمتمردين إلى اختطاف ضحاياهم: أي المال.
بالتالي عار على تيريزا ماي ووزرائها الذين تذللوا الأسبوع الماضي للمستبدين الذين دعموا الجهاديين في سوريا، على أمل الحصول على مليارات الجنيهات في صفقات أسلحة مع الخليج في مرحلة ما بعد البريكسيت.
خلال الساعات القليلة المقبلة سيناقش البرلمان البريطاني محنة الأطباء والممرضين والأطفال الجرحى والمدنيين في حلب ومناطق أخرى في سوريا. إن السلوك الغريب للحكومة البريطانية كفيل بألا يهتم السوريون ولا الروس بعويلنا الذي يرثى له. هذا أيضاً يجب أن يكون جزءاً من القصة.