حرب اليمن .. سفر التكوين

31.03.2016

كانت المملكة العربية السعودية في حالة حرب مع اليمن منذ فترة طويلة قبل الحملة العسكرية الانتقامية التي شنها تحالفها الكبير ضد هذه الدولة الأفقر في جنوب الجزيرة العربية في 25 مارس/آذار، عام 2015. إن مصيبة اليمن بدأت في الوقت الذي أطلق الشعب اليمني حركته ضد العبودية غير المنظمة منذ عقود مضت في عام 1962.
لم يكن يتوقع اليمنيون أن المطالبة بإقامة الحكم الذاتي ضد الإمامة سيدفع المملكة السعودية إلى  السعي بنشاط لاستعبادهم. عندما ارتفعت راية القومية العربية ضد الممالك في الشرق الأوسط الكبير انتبهت المملكة العربية السعودية أن اليمن هو المفتاح وحجر الزاوية الذي يضمن لها مستقبلا مهيمنا وطموحا في نفس الوقت. لكن تخلص اليمنيين من النظام الملكي في اليمن أصبح القنبلة الجيو-سياسية الموقوتة في هذه المنطقة.
إن اليمن بما تمثله من ضلع مكسور في المنطقة وموئل خصب لجميع المتطرفين،  ومثال للدولة الفاشلة إنما هو نتيجة لما أرادته السعودية وخططت له. إن كل ما نلحظه في اليمن من سوء طالع وفقر خانق ومؤسسات مريضة هو نتيجة لهذا الاستعمار المستتر.
أشار المحلل السياسي حسين الموسوي في مقابلة له مع معهد "شفقنا" لدراسات الشرق الأوسط: "لقد أسيء فهم التاريخ المؤسساتي لحقبة ما بعد الإمامة في اليمن، وعلى الرغم من أن اليمن يعرف نفسه كنظام جمهوري فإن الحقيقة أن نظام الحكم ما يزال يتسم بالقبلية والمحسوبية وهي نفس سمات الأنظمة الملكية العربية. إن النظر لليمن كنظام جمهوري يفتقد إلى الواقعية السياسية. أنا أزعم أنا اليمن يعمل بنظام يشبه الأنظمة الملكية القبلية الموجودة في المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين وقطر وحتى الأردن. ولكن تم الحفاظ على الشكل الجمهوري لتجنب أي ثورة شعبية مستقبلا".
إذا كانت السعودية قد سعت للسيطرة على الجزيرة العربية، فإن السيطرة على اليمن، هذا البلد الجموح, وبالتالي ترويضه، هو الجوهرة الجيوسياسية لحكم آل سعود.
"لا يمكن تجاهل الأهمية الجيوسياسية لليمن، فهذا البلد يسيطر على مدخل البحر الأحمر باتجاه قناة السويس، أي أنه يسيطر على طريق باب المندب والذي يعتبر أقل أهمية من مضيق هرمز ولكنه نقطة العبور للنفط والغاز إلى أوروبا"، كما كتب آلان جريش في تقرير له في نيسان عام 2015 لصحيفة العربي الجديد. وأضاف أن "الاستقرار في اليمن هو هدف حيوي واستراتيجي للملكة السعودية". وهذا ما قاله الملك المؤسس عبد العزيز لأبنائه  "ما هو جيد بالنسبة لكم وما هو سيء بالنسبة لكم يأتي من اليمن".
في هذه المعركة المريرة للسيطرة على اليمن كان اليمن مثل النعجة التي تساق للذبح، وملعباً لاستعمار جديد متطور من خلال الاعتماد على الوكلاء المحليين لتنفيذ ما يطلب منهم وإذكاء الخلافات السياسية وتشويش الأوضاع بشكل سري من أجل الحفاظ على احتكار الطاقة.
ويعد المخطط السعودي في اليمن ببساطة مخططا أنانيا. فالسعودية تحتاج للسيطرة الدائمة على كل مقدرات اليمن الاجتماعية والسياسية والعسكرية والاقتصادية بما في ذلك الموارد الطبيعية وبالتالي إلحاق اليمن بالحظيرة السعودية كتابع مسلوب الإرادة، لقد بقي المخطط الوحيد والدائم للسعودية هو ذلك المخطط الاستعماري الإمبراطوري  الذي يحرم اليمن من أن يكون سعيداً وديمقراطياً، وكونه الجمهورية الوحيدة بين مجموعة من الممالك المستبدة فقد تم اختراق كافة مؤسساته بطريقة تبعدها عن القيم الديمقراطية وتعيدها إلى النظام القبلي.
ويعتمد فهم حاضر اليمن على فهم ماضيه وعرض الأحداث التي تعرض لها. وبشكل يشبه الشعر وليس الواقع عبرت السعودية عن أن تحرير اليمن من أغلال الإقطاعية سيتم عن طريق الحوثيين وهم قبيلة في شمال اليمن ولها ارتباطات تاريخية بالإمامة.
لقد جاء الحوثيون من المرتفعات شمال صعدة، وهم فصيل قبلي ذو تراث ديني وانتماء قبلي ومتمسك بشكل كبير بانتماءاته. فالشيخ عبد الملك الحوثي لم يمثل مجرد زعيم قبيلة، فهو زعيم ديني في شمال اليمن وداعية لربط ماضي اليمن بحاضره من خلال الربط بين التقاليد اليمنية وقيم الجمهورية الحديثة من خلال مؤسسات عصرية.
ورغم أن الكثيرين رأوا في الشيخ الحوثي طموحاً زائداً يتعدى البعد السياسي، فقد كان يرى في نفسه خادماً تقليدياً للدين الإسلامي الذي يعتمد قيم الإسلام الأولى.
من الحركات الإسلامية الأكثر أهمية في تاريخ اليمن هي الوهابية كحركة سياسية وازنة ويحب البعض أن يسميها في وسائل الإعلام بالراديكالية الدينية.
إذا كان هناك حرب تشن ضد المن وشعبه فإن الحرب الأكثر غدرا التي يتعرض لها اليمن هي الحرب ضد المذهب الزيدي. ولأن الزيدية هي حركة تقوم على رفض كل أشكال الحكم المطلق، فقد عملت الوهابية السعودية وخططت ضد هذه الحركة وعملت على تهميشها.
ويعني سقوط اليمن نهوض السعودية كأحد الجبابرة على طريق النفط الدولية والذي يستخدم أمن الطاقة في وجه القوة العسكرية العملاقة عند الحاجة.
وإذ نضع في الاعتبار أن السعودية هي الملهمة لنشوء الإرهاب العالمي من خلال تشجيع التكفيريين من المؤسسة الوهابية، فأنا أرى أنه على القوى العالمية الوقوف إلى جانب المقاومة في اليمن وليس إلى جانب المملكة السعودية، إن لم يكن احتراماً للإرادة الشعبية فعلى الأقل من أجل مصالحها.
في عام 1918 عندما كانت الإمبراطورية العثمانية تلفظ أنفاسها الأخيرة، وبسبب الصراعات الداخلية والحروب الخارجية انسحب العثمانيون من اليمن، ذلك البلد الذي لم يستسلم ولم يرضخ للسلطان العثماني على الرغم من كونه مستعمرة عثمانية من الناحية النظرية، والحقيقة أن اليمن لم يكن أبدا تابعا يسهل إخضاعه. وعلى الرغم من السيادة النظرية للإمبراطورية العثمانية على اليمن فإنه كان في الحقيقة يعيش حالة من الواقعية السياسية من خلال الاتفاق الذي جرى بين العثمانيين والإمامة.
عند انتهاء الحرب العالمية الأولى أصبح اليمن متحررا من العثمانيين وبالتالي من الاملاءات الخارجية، وتولى الإمام يحيى السيطرة على اليمن (شمال اليمن). وبقي الحاكم لليمن حتى وفاته عام 1948، وخلال فترة حكمه انضم اليمن إلى جامعة الدول العربية عام 1945 ومنظمة الأمم المتحدة عام 1947.  كانت مرحلة حكمه محفوفة بالمخاطر وكذلك بالمعارضات حيث اغتيل في محاولة انقلابية فاشلة عام 1948 وتولى الحكم بعده ابنه أحمد الذي حكم حتى وفاته عام 1962.
كانت مرحلة حكم الإمام أحمد مرحلة قمع عنيف أدت لتقليص التأييد الشعبي له وكذلك لتقليص شرعيته. عندما نتحدث عن التاريخ السياسي لليمن فإنه من الضروري أن نتذكر أن أي حكم يصعب عليه الاستمرار من دون تأمين الدعم الشعبي له نظاما جمهوريا كان أو ملكيا أو من أي نوع آخر.
اشتهر حكم الإمام أحمد بالشمولية وكانت علاقاته متوترة مع البريطانيين في جنوب اليمن وكذلك مع مصر بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر. لقد كانت الجمهورية العربية المتحدة (مصر)على علاقة خاصة مع اليمن، وفي آذار عام 1958 انضمت اليمن إلى الجمهورية العربية المتحدة التي تم حلها عندما أعلنت سوريا الانفصال عام 1961. 
ومن المثير للاهتمام أكثر أن الصراعات الإقليمية والجيوسياسية في اليمن كانت قبل العصر الجمهوري وعندما كانت الامبريالية ما تزال تشكل قاعدة أساسية في النظام العالمي.
وكان ميناء عدن قضية مثيرة للنزاعات بين الإمام الذي يعتبر عدن وميناءها جزءا تابعا لليمن وبالتالي لسلطاته وبين الإمبراطورية البريطانية التي تحافظ على مصالحها من خلال هذا الميناء.
في 19 أيلول عام 1962 توفي الإمام أحمد بن يحيي وخلفه ابنه الإمام محمد البدر، وبعد أسبوع واحد تمردت عليه القوى الثورية بقيادة الجيش وتمت الإطاحة به وإعلان تشكيل الجمهورية العربية اليمنية. تمكن الإمام البدر مع مجموعة من عائلته من الهروب إلى شمال اليمن حيث احتشدت حوله القبائل، وتمكنت من خلال الدعم الخارجي من خوض حرب عصابات شرسة ضد القوات الجمهورية. الحكومة الثورية في اليمن اتهمت الحكومة السعودية بدعم النظام الملكي وهددت بنقل الحرب إلى الأراضي السعودية.
لقد بدأ التدخل السعودي في اليمن، ومن خلال الأهوال وسفك الدماء تم وضع اليمن على طريق تسهل من خلاله السيطرة عليه، واستمر هذا السعي لعقود من الزمن، الأمر الذي يعكس القيمة الجيو-استراتيجية لليمن.
إذا فاليمن هذا البلد الفقير والصعب المراس والمتخلف يملك إمكانيات باطنية كبيرة، ويؤكد العديد من الخبراء ومن بينهم مروه عثمان المحاضرة في الجامعة الدولية اللبنانية ومديرة "فيريتاس" للاستثمارات أن التشديد على إظهار الفشل في اليمن يهدف إلى إبقائه تحت الهيمنة السعودية.
"اليمن يظل ضحية للصراع على السلطة والجمهور ما يزال جاهلاً بذلك، والسعودية تريد اليمن على المقاييس السعودية بحيث لا يكون حرا ومستقلا ولا يشكل مستقبلا أي تحد للسعودية ونظامها" كان ما قالته السيدة مروه عثمان في مقابلة تلفزيونية.
دور الثورة الاسلامية في ايران هنا  يجب عدم  النظر إليه من وجهة نظر دينية، ولكن من منظور تحرير الشعوب والمقاومة ضد الإمبريالية. ففي حين أنشأت ايران مؤسساتها على أساس الإسلام الشيعي، إلا أن جوهر قيمها كان يتفق مع  المفاهيم العالمية، العدالة الاجتماعية، والمساواة أمام القانون، السيادة الشعبية والحريات المدنية وحقوق الإنسان.
في وصفها وتصنيفها للالتباسات المؤسساتية في نهوضها، والذي سبب الكثير من الإزعاج للامبرياليين، لم تقم الجمهورية الاسلامية في ايران بتجميل الحقيقة . وهذا سأتناوله لاحقا.
وعندما سمح لليمن بالوصول إلى مرحلة النضج الاقتصادي والسياسي الكامل، كانت المملكة العربية السعودية تختفي كقوة إقليمية عظمى.
ومواجها ضياع مملكته، انتقد الإمام البدر مصر بسبب "خيانتها"، متهما الرئيس جمال عبد الناصر بالتحريض على مؤامرة غران لزعزعة الاستقرار في اليمن. وقد نفت مصر هذا الاتهام.
ومع ذلك، في بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول 1962، تم إرسال أعداد كبيرة من قوات الجمهورية العربية المتحدة إلى اليمن بناء على طلب من الحكومة الثورية لمساعدة القوات الجمهورية في قتالهم ضد الملكيين. كان هدف مصر في الواقع من مخطط إزاحة البدر هو فتح جبهة عربية موحدة جديدة في قلب الجزيرة العربية، ولم تتوقف القاهرة مع ذلك عن دعم الثوار في اليمن ضد ما اعتبروه عائقا أمام تحرر العرب من الاستعمار، والاستعمار الخفي .
وقد تم الاعتراف بالحكومة الجديدة من قبل الجمهورية العربية المتحدة في 29 سبتمبر ايلول ومن قبل الاتحاد السوفيتي في اليوم التالي، ولكن الدول الكبرى الأخرى التي لها مصالح في المنطقة، بما في ذلك المملكة المتحدة والولايات المتحدة، امتنعت عن مسألة الاعتراف. ودعمت الثورة من قبل مصر التي زودتها بالقوات والامدادات، بينما كان البدر مدعوما من المملكة العربية السعودية والأردن. وتركزت القوات الجمهورية الناشئة حديثا في المدن الكبرى، في حين أطلقت القوى الملكية الرجعية، ثورة مضادة ناجحة من الريف بدعم من سكان الريف.
كان السبب المباشر للصراع وصول قوات المصرية من الجمهورية العربية المتحدة إلى اليمن لدعم الانقلاب في القصر الجمهوري من قبل الثوار في ليلة 26 سبتمبر 1962.وكان رد فعل المملكة العربية السعودية، خوفا من التصاعد الثوري على حدودها، عن طريق إرسال الإمدادات والمال للقوات الموالية للنظام الملكي وراء الإمام المخلوع  محمد آل بدر، الذي قاد القوى الملكية لمكافحة الثوريين. من وجهة نظر القوى الجمهورية، شكلت المساعدات السعودية تدخلا في شؤون اليمن. من وجهة نظر السعودية، شكل الوجود العسكري للجمهورية العربية المتحدة في شبه الجزيرة العربية تهديدا للملكية وحقولها النفطية. وكان الاعتقاد السائد أن الجمهورية العربية المتحدة تسعى إلى توسيع الثورة اليمنية إلى كل من جنوب الجزيرة العربية وإحداث انهيار في اتحاد الجنوب العربي، كما كان يسمى في ذلك الحين.
في الأشهر الأولى من عام 1963، اشتد الصراع على كل الجبهات. وارتفع إجمالي القوات المصرية من 12 ألفا إلى ما يقدر ب 28 ألفا، مع زيادة كبيرة المجموعات الروسية والسوفياتية. وفي حين بدأت الجمهورية العربية المتحدة سحب قواتها في الأيام الأولى من شهر مايو عام 1963، كانت السفن والطائرات التي تحمل الجنود إلى مصر تعود دائما  بشكل منتظم في التناوب. ونتيجة لذلك، لم يكن هناك انخفاض في صافي القوات المصرية في اليمن، ولم تنه المملكة العربية السعودية تماما مساعداتها إلى الملكيين.
وانعكاسا لتحالفات السابق فإن الحوثيين اللذين ورثوا خصومة الإمامة، يعتبرون الآن العدو الأول للمملكة العربية السعودية، بينما تعتبر السعودية أن الرئيس عبده ربه منصور هادي، والموالين له من أحفاد الملكيين هم ممثلين الشرعية المؤسساتية في اليمن.
بينما قد تظهر الأدوار بشكل معاكس، إن نظرة فاحصة في الواقع الحالي  تكشف عن كيفية التناظر بين حرب اليوم في اليمن وحرب  عام 1962.
في رسالة  إلى رئيس مجلس الأمن في الأمم المتحدة في 1 أبريل عام 1964 اتهمت اليمن المملكة المتحدة أنها ارتكبت أكثر من 40 عمل عدواني ضدها منذ سبتمبر عام 1962، وبلغت ذروتها في الهجوم الجوي على وادي حريب في  28. مارس/آذار، ردت بريطانيا في رسالة أن الهجوم كان  لحماية اتحاد الجنوب العربي بعد سلسلة من الهجمات الجوية والبرية اليمنية خلال شهر مارس. عقد مجلس الأمن في 2 أبريل/نيسان جلسة للنظر في الاتهامات والاتهامات المضادة.
أنشئت في يوليو/تموز 1963 بعثة الأمم المتحدة لمراقبة اليمن ( UNYOM من يوليو 1963 إلى سبتمبر 1964)  لمراقبة والتصديق على تنفيذ اتفاق فض الاشتباك بين المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية المتحدة. مهام البعثة كان يقتصر على المراقبة والتصديق والإبلاغ عن كل ما يتعلق بنوايا المملكة العربية السعودية وإنهاء أنشطة دعم الملكيين في اليمن، ونية مصر سحب قواتها من هذا البلد. وذكر الأمين العام في تقريره المؤرخ في 3 مايو 1964 أنه لا يوجد أي تقدم في خفض القوات من أجل تنفيذ اتفاق فك الاشتباك وأظهر أنه لا نهاية فعلية للقتال تلوح في الأفق. وانتهت مهام البعثة UNYOM) يوم 4 سبتمبر/أيلول عام 1964 و تم سحب أفرادها ومعداتها.
كان هناك انخفاض كبير في عدد القوات المصرية في اليمن ولكن يبدو أن الانسحاب كان انعكاسا للتحسن في أوضاع القوات الجمهورية اليمنية وليس بداية لانسحاب تدريجي بسبب الاتفاق السياسي بين الأطراف. وكانت هناك أيضا دلائل على أن الملكيين في اليمن مازالوا يحصلون على الإمدادات العسكرية من مصادر خارجية.
أثبتت المحاولات المصرية لهزيمة قوات الملكيين وتدمير قواعد الدعم المدنية لهم صعوبة وخاصة في المناطق الجبلية في شمال اليمن. وبعد المعاناة بسبب تكتيكات حرب العصابات الناجحة التي استخدمها الملكيون، استخدمت مصر أسلحة كيماوية كانت قد طورتها في الخمسينات، كانت قد حصلت عليها من الاتحاد السوفياتي. بالإضافة إلى حصولها على معدات دفاعية من السوفييت. وكانت مصر أول دولة عربية تستخدم الأسلحة الكيميائية. على الرغم من أنها وقعت على اتفاقية جنيف لعام 1952، التي حظرت استخدام الأسلحة الكيميائية، واستخدمت مصر الغازات المسيلة للدموع ( كلورو أسيتوفينون )، وغاز الخردل العنيف، والفوسجين، وغاز الاعصاب مرارا بين أعوام 1963-1967.
نفت مصر استخدام الاسلحة الكيماوية في أي وقت مضى خلال دعمها للقوات الجمهورية الجديدة في اليمن، ولكن وردت تقارير وأدلة على استخدام الأسلحة الكيميائية من الصحفيين في المنطقة. وفي يوم 8 يونيو/حزيران 1963، ألقت طائرات سلاح الجو المصري السوفيتية الصنع  قنابل غاز كلورو أسيتوفينون المسيل للدموع على العديد من القرى الملكية جنوب صعدة، بالقرب من حدود المملكة العربية السعودية. زعمت مصر أنها استخدمت القنابل لترويع أو قتل ليس فقط سكان القرى ولكن أيضا الملكيين الذين يختبئون في الكهوف والأنفاق.
دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 16 سبتمبر/أيلول عام 1964. السوفييت ضغطوا على جمال عبد ناصر لضرورة التوصل الى تفاهم مع الملك فيصل، نظرا لرغبة الاتحاد السوفيتي في تجنب تعزيز موقف الولايات المتحدة في المملكة العربية السعودية. في مقابل الخطر المتزايد من الانتفاضة المسلحة في مصر، ظهرت ظهرت ضرورة الخروج الفوري من مشكلة اليمن. كان الحفاظ على نظام الجمهورية العربية المتحدة مسألة ملحة بالنسبة للروس في ضوء تراجعهم في العراق وسوريا. وكانت مصلحتهم الحفاظ على جمال عبد الناصر، وكان السلام في اليمن هو الخطوة الأولى.
في يناير/كانون الثاني عام  1967 وقع هجوم بالغاز السام على قرية كتاف اليمنية، وكان هذا أول استخدام لغاز الاعصاب في القتال. خلال هذه الغارة الجوية، أسقطت قنابل عكس اتجاه الريح في المدينة وأنتجت سحابة رمادية خضراء والتي جنحت إلى القرية. ووفقا لتقارير صحفية، فإن 95٪ من السكان في المنطقة الممتدة إلى 2 كم باتجاه الريح قتلوا في غضون 10 إلى 50 دقيقة من الهجوم. كما قتلت جميع الحيوانات في المنطقة. بلغ مجموع الخسائر البشرية بما يقدر بأكثر من 200 شخص. هجوم اخر تم تنفيذه على بلدة "غهر" في مايو 1967، مما أسفر عن مقتل 75 نسمة. ووقعت هجمات أخرى في الشهر نفسه مما أسفر عن مقتل أكثر من 243 شخص. وبالإضافة إلى ذلك، قصفت قريتين بالقرب من الحدود اليمنية مع المملكة العربية السعودية بالأسلحة الكيميائية.
وصل النزاع في اليمن إلى نقطة تحول حاسمة مع اندلاع الحرب بين اسرائيل والجمهورية العربية المتحدة  يوم 5 يونيو/حزيران عام  1967. وذكرت مصر أنها قد سحبت 15 ألف مقاتل ، و150 دبابة، وجميع المدفعية الثقيلة من اليمن خلال الأسبوع الممتد من 5-12 يونيو/ حزيرا. حيث قدر عدد القوات المصرية في اليمن قبل هذا الانسحاب بين40 و70 ألفا.
واستمر الصراع حتى عام 1967 عندما انسحبت القوات المصرية، وأوقفت المساعدات السعودية للملكيين، وتوصل قادة الأطراف إلى اتفاق. وقد أشرف على الانسحاب كل من المغرب والعراق والسودان واكتمل في 15 ديسمبر/ كانون الأول 1967. وكان  الرئيس صلال ندد بشدة بهذه التسوية، والذي  أطيح به في انقلاب جمهوري بعد ذلك بوقت قصير.
كانت الدولة الجديدة تسمى الجمهورية العربية اليمنية، واعترفت المملكة العربية السعودية بالجمهورية الجديدة. وفي وقت لاحق قام الاتحاد السوفيتي  بمد جسر جوي عسكري إلى اليمن، بما في ذلك للمرة الأولى تمت مشاركة الطيارين في سلاح الجو السوفياتي لمهام قتالية. وكان الهدف من هذا هو منع انتصار الملكيين خاصة بعد استئناف المملكة العربية السعودية المساعدات العسكرية لرجال القبائل الملكية. كانت اليمن جذابة لخطط الاتحاد السوفياتي بسبب موقعها على ساحل البحر الأحمر الشرقي المقابل لأفريقيا، ويبعد نحو ألف ميل الى الجنوب من القاهرة. وأثار بناء الاتحاد السوفيتي لمطار الطائرات الحديثة في اليمن قلق الولايات المتحدة، بالنسبة للاتحاد السوفييتي يمكن الاستفادة من موقع اليمن في تسهيل الوصول إلى شرق أفريقيا، وتحسين المواصلات الجوية مع الهند، وفتح أقصر الطرق عبر أفريقيا إلى أمريكا اللاتينية. وكانت الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى في خلاف أساسي فيما يتعلق بنطاق وطبيعة هذه المشكلة.
انتهت الحرب الأهلية في اليمن رسميا في تسوية عام 1970، إلى اتفاق سياسي بين الفصائل الجمهورية والملكية. تشكلت حكومة جمهورية في اليمن، وتضمنت أعضاء من الفصائل الملكية ولكن ليس من العائلة المالكة.
لقد بدأت حملة استعمارية سرية وجديدة ضد الحكومة الناشئة، وكونهم لم يستطيعوا كسر اليمن في الحرب فقد بدأت السعودية حربا غادرة جديدة تعتمد على نشر "الفوضى الخلاقة" في اليمن بما يضمن سيطرتها على الجزيرة العربية. ويكون للوهابية حصتها في المعادلة الجديدة.