الشك الأمريكي بروسيا .. هل هو مشروع

14.03.2017

لا يجد المدير السابق لوكالة الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر أي دليل يشير إلى أن روسيا تدخلت في الانتخابات الأمريكية عام 2016 أو تجنيد أي من مستشاري الرئيس الاميركي دونالد ترامب - على الأقل حتى 20 يناير كانون الثاني عندما غادر كلابر منصبه.
" ليس هناك أي دليل على الإطلاق، حول علاقة بين حملة ترامب والروس، في ذلك الوقت" يقول المدير السابق لوكالة الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر لوكالة ايه بي سي نيوز في مقابلة يوم الاثنين.
,مع الكثير من التكهنات حول "علاقة" ترامب مع الكرملين، فإن تعليقات كلابر لا تشكل الموسيقى الجميلة في آذان العديد من السياسيين والصحافيين الأميركيين الذي جعلوا روسيا موضوعهم الأول في محاولتهم لإيجاد أثر لموسكو وراء سياسات ترامب.
المستشار السابق للأمن القومي مايكل فلين والنائب العام الأمريكي جيف يرون أنهم وقعوا ضمن دائرة الاستقطاب السائدة لدى البيئة السياسية في واشنطن منذ تنصيب ترامب. بينما أجبر المستشار السابق على الاستقالة لأنه "تستر على تفاصيل مهمة في اتصاله الهاتفي مع السفير الروسي سيرغي كيسلياك"، وهذا الأخير يجب أن يتحمل العديد من "الاتهامات حول التضليل".
وقال سيشينز أنه "لم يلتق قط مع أي من المسؤولين الروس لمناقشة قضايا الحملة الانتخابية" ولكن المسؤولين بالمخابرات الامريكية يزعمون أنه تواصل مع كيسلياك. وقد نتج عن ذلك وجود بعض الشكوك تجاه النائب العام، الذي تم ترشيحه من فبل ترامب. معظم الأميركيين يريدون من  سيشينز الاستقالة، وفقا لاستطلاع تم إجراءه في 8 آذار/مارس في جامعة كوينيبياك.
ومن المفارقات، أن كيسلياك، الذي من المفترض أن وجوده يبني الجسور بين البلدين، أصبح هدفا بالنسبة للصحفيين والسياسيين الأميركيين واعتبروه مصدر لانعدام الثقة. ومن الغريب، أن وجود محادثة هاتفية معه أصبح سببا ل"رفع الحاجبين". كما كتب الكاتب بلومبرغ ليونيد بيرشيدسكي، "المشكلة الأكثر وضوحا مع كيسلياك ... أنه ينظر إليه في واشنطن على أنه ممثلا بوتين".
في حين يصف العديد من النقاد الروس الحملة ضد سيشينز ب "الهستيريا"، و "مطاردة الساحرات" أو هوس نظريات المؤامرة، تبرز لدى  نظرائهم الغربيين أن الاجتماع مع كيسلياك ليس السبب لإطلاق الحملة ضد سيشينز بل ما يجلب شكوكهم هو حقيقة أنه كذب تحت القسم خلال جلسة تأكيد ترشيحه حول اتصالاته مع الروس.
لكن بيان كلابر حول عدم وجود أدلة حول تدخل روسيا في السياسة الداخلية الأمريكية قد وضع على حد سواء ساسة أميركا ووسائل الإعلام الرئيسية في موقف ضعيف، كما يقول تايبي، وهو مؤلف من رولينج ستونز.
"كل من الحزب الديمقراطي والعديد من وسائل الإعلام الرائدة يقامرون مقامرة خطيرة، فهم يضعون رصيدهم المهني والسياسي على أمل بظهور شيء  قد لا يأتي"، كما كتب، مضيفا أن الطريقة التي تتم فيها تغطية القصص حول روسيا " أصبحت قصة بحد ذاتها، وأصبحت روسيا هاجسا،  وتختزل مجموعة واسعة من الشكوك حول دونالد ترامب ".
وخلال مقابلات مع عدد من الخبراء الروس والأجانب لمعرفة إلى أي مدى تعتبر الشكوك تجاه سيشينز وكيسلياك مشروعة ومبررة – وما الذي تكشفه هذه الفضيحة عن العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا اليوم.
مارك كريمر، أستاذ ومدير برنامج دراسات الحرب الباردة في مركز ديفيس جامعة هارفارد للدراسات الروسية والأوروبية الآسيوية
هناك العديد من الأسباب لمعارضة سيشينز في منصب المدعي العام - فلديه سجل طويل من ازدراء الحريات المدنية والحقوق المدنية وحقوق الملكية الخاصة - ولكن اتصالاته مع السفير كيسلياك ليست على رأس القائمة. الجدل حول هذه المسألة، بصورة أساسية، لأنه كذب حول هذا الموضوع خلال شهادته أمام الكونغرس.
سئل، أثناء  شهادته الشفهية وفي أسئلة المتابعة المكتوبة، عما إذا كان قد أجرى اتصالات مع الدبلوماسيين الروس أو المسؤولين في الأشهر الأخيرة. في كلتا الحالتين، رد سيشينز أنه لا توجد مثل هذه الاتصالات، ونحن نعلم الآن أن هذا عار عن الصحة. الكذب على الكونغرس جريمة خطيرة يعاقب عليها بالسجن. والسبب في استقالة سيشينز ليس الاتصالات مع كيسلياك، لكن لأنه كذب مرتين على الكونغرس.
اندريه تسيكانكوف، أستاذ العلاقات والعلوم السياسية الدولية في جامعة ولاية سان فرانسيسكو
أصبحت العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا رهينة للسياسة الداخلية الحزبية. الديمقراطيون يحاولون قصارى جهدهم لتحدي ترامب من خلال التشكيك بمعاونيه. سيشينز هو الهدف المحدد المقبل بعد فلين.
"خطأ" سيشينز الوحيد يصور كسلوك عام لمجلس وزراء ترامب بدلا من اعتباره لا يستطيع أن يتذكر حول اللقاء مع كيسلياك. هذا الأخير كان ببساطة يؤدي وظيفته في الاجتماع كسفير مع الساسة في الولايات المتحدة لتوضيح موقف روسيا وطرح الأسئلة ذات الصلة.
هذا الأمر يظهر أعراض التوتر الحالية في العلاقات الثنائية. الاهتمام الضئيل جدا من الديمقراطيين لتحسين العلاقات مع روسيا، ولكنهم استخدموا ما حصل كأداة مريحة لعرقلة ترامب. لا تزال روسيا كبش فداء، أولا، لأن الكرملين قد تحدى النظرة الامريكية، وثانيا، ترامب يدعو للتطبيع مع الكرملين. وثالثا، لا توجد دوائر موالية لروسيا لمواجهة مؤامرات الديمقراطيين.
غريغوري فايفر، وهو مراسل سابق في الإذاعة الوطنية العامة (NPR) وإذاعة أوروبا الحرة (RFE)، مؤلف كتاب المقامرة الكبرى: الحرب السوفيتية في أفغانستان والروس: الشعب وراء السلطة
الاجتماعات بين مسؤولين امريكيين أثناء الحملة الانتخابية  وسفراء أجانب لا ينبغي أن يكون مدعاة للشك. حقيقة أن سيشينز وغيره من مستشاري ترامب القريبين يلتقون مع المسؤولين الروس ليس للتجسس وتفجير الأماكن العامة من خلال مؤامرة روسية - فلماذا يسعى أي شخص لإخفاء الاجتماعات – وهذا ما أثار تساؤلات خطيرة لها ما يبررها حول طبيعتها.
ما يحدث هو دليل على وجود الحرب الباردة الثانية، مع فوارق مختلفة في ظل ظروف مختلفة، وقد استخدمت موسكو سلاحت نوويا سياسيا.

جاك اف ماتلوك، سفير الولايات المتحدة لدى الاتحاد السوفياتي (1987 - 1991)
يبدو أن صحافتنا تغذي الجنون بشأن الاتصالات التي حصلت بين مؤيدي الرئيس ترامب مع السفير الروسي سيرجي كيسلياك ومع الدبلوماسيين الروس الآخرين. يظهرون فرضية أن هناك شيء يقلق بشأن هذه الاتصالات، لمجرد أنهم كانوا مع الدبلوماسيين الروس.
قضيت35 عاما في  السلك الدبلوماسي وكنا نعمل على جعل التواصل بين دبلوماسيينا والمواطنين العاديين ممارسة طبيعية، وأجد أن موقف الكثيرين من المؤسسة السياسية لدينا، وبعض وسائل الإعلام لدينا غير مفهوم تماما. ما هو الخطأ في استشارة سفارة أجنبية حول سبل تحسين العلاقات؟ أي شخص يطمح لتقديم المشورة لرئيس أميركي يجب أن يفعل ذلك.
السفير كيسلياك دبلوماسي مميز وقدير جدا. أي شخص مهتم في تحسين العلاقات مع روسيا وتجنب سباق آخر للتسلح النووي - وهذا يعتبر مصلحة حيوية للولايات المتحدة - ينبغي أن يناقش القضايا الراهنة معه ومع الموظفين التابعين له. وأن نعتبر ذلك "ساما" فهذا مثير للسخرية. أنا لا أعرف ما إذا كان المدعي العام سيشنز سيستقيل أم لا. ويبدو أن الامتناع عن أي تحقيق حول هذا الموضوع سيكون كافيا. ومع ذلك، ليس لدي أية مشكلة مع حقيقة انه تبادل أحيانا الكلمات مع السفير كيسلياك.
هذه الضجة حول الاتصالات مع الدبلوماسيين الروس غير منطقية. أنا مؤمن بالديمقراطية مع سيادة القانون، المتهم يحق له الحصول على قرينة البراءة حتى تثبت ادانته. ولكن لدينا فإن التسريبات تعني أن أي حوار مع مسؤول في السفارة الروسية تجعله مشتبها به. هذا موقف دولة بوليسية، وتسريب مثل هذه الادعاءات ينتهك كل القواعد العادية بشأن التحقيقات.