القانون.. وشبه جزيرة القرم

11.05.2016

للأسف، من سمات بعض مدارس القانون الروسي، في ظل تشوه المهنية، العناد، بمعنى، الدفاع العنيد عن بعض النظم القانونية التي لا تحتوي غالبا على أي قيمة إيجابية، وأحيانا ببساطة لا ينظر إليها في سياق بعض القضايا القانونية. ومن الأمثلة الصارخة على مثل هذا الموقف، استمرار الموقف السلبي للكثير من الحقوقيين تجاه ضم شبه جزيرة القرم.

أحيانا يظهر تساؤل: هل هذه الموقف هادف ومحسوب، أم أنه مجرد تعامل جامد مع أحرف القانون، أم أنها محاولة فاشلة لمماثلة الحقوقيين الغربيين: من منطلق ان الغرب لا يخطئ أبدا، وبذلك يمكن إظهار التفوق الفكري على الآخرين، بالوقوف سلفا إلى جانب الغرب. هذا الاتجاه يجمع بين أمرين بغيضين: أولا، هو يعني بداية التدهور المهني والفكري، ذلك أنه لا ينطوي على أي نوع من التفكير الإبداعي. إذ تؤخذ جميع الملخصات والأحكام والاستنتاجات من "هناك"، أو يتم اتباع أسهل الطرق لفهمها - المباشرة.

ثانيا، هذا أمر غير أخلاقي: ففي حين من الممكن الحديث عن الدولة، وإطلاق حفنة من التصريحات والشعارات المناهضة، من منطلق انتقاد الحكم، وما إلى ذلك؛. يبقى الشعب أمرا مختلفا، حتى لو كان في ارتباط وثيق مع الدولة (وخاصة بالنسبة للروس، حيث هذه العلاقة قوية الآن). من غير المقبول اختزال الأمر في الدولة، فالشعب عبر عن إرادته في استفتاء، وصوت بأغلبية ساحقة لصالح عملية انضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا. هذه حقيقة. لا يمكن تجاهلها.

ورغم كل هذا، لا داعي للشعور بالإحباط، فهناك اتجاه آخر، أشخاص آخرون، مهنيون وذوو مرونة عقلية أكبر، وإمكانات إبداعية خلاقة، قادرة على الخروج عن حدود هذه اللحظة التاريخية، والإنطلاق إلى الأمام، وتحديد وتطوير الجوانب الإيجابية في المجال الفكري لإعادة توحيد القرم. فكما نسمة هواء منعشة، جاء عمل "قانون القرم" للأستاذ البارز في جامعة موسكو الحكومية، صاحب مؤلفات حول تاريخ الدولة والقانون، فلاديمير ألكسيفيتش تومسينوف.

وفيما يلي بعض الاقتباسات من عمل تومسينوف: "عن شبه جزيرة القرم يمكن اقتباس كلمات سامية من مقدمة قصيدة بوشكين (روسلان ولودميلا) – "هناك (في القرم) روح روسية ... هناك عبق روس القديمة"!. هذه أرض روسية، بإرادة المصير التاريخي الخبيث، أصبحت ضمن الدولة الأوكرانية. الذاتية السياسية والثقافية لشبه جزيرة القرم، المنصوص عليها في دستورها للعام 1992، ضمنت الحفاظ على روسيتها. وكانت هذه الذاتية حلا وسطا: من ناحية، بين روسيا وأوكرانيا، ومن ناحية أخرى بين شبه جزيرة القرم وأوكرانيا".

"الشيء المدهش في إعادة توحيد شبه جزيرة القرم مع روسيا، التي حدثت للتو، ليس الحدث نفسه، بل ردود الفعل عليه من قبل السياسيين والصحفيين والمحامين الغربيين. فقد كانت متسرعة جدا ومتماثلة، ما أعاد إلى الأذهان تعبير الصحف السوفياتية، "انتفض الجمع كواحد..."

في الواقع، التزامن والرتابة، كنموذج، من قبل الشخصيات العامة الغربية، الذين يثرثرون بحق تعددية الرأي في بلدانهم، تستدعي التفكير بجدية: هل الحق في تعددية الرأي مجرد سراب، أم وسيلة لبناء الفكر وتسجيله كرسائل متطابقة؟!

كان من المسلي جدا، إجراء مقارنة صغيرة للأرقام، التي عكست إرادة شعب القرم في العام 1991 وفي العام 2014، ففي العام 1991، عندما تم التصويت لصالح إعادة تأسيس جمهورية القرم ذاتية الحكم، بوصفها عضوا في معاهدة الاتحاد، صوت بنعم 93.26٪ من مواطني شبه جزيرة القرم بنسبة مشاركة 81.3٪، وتم تجاهل هذه النتيجة، وضم شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا الاشتراكية السوفياتية. وفي العام 2014، صوت لاعادة التوحيد 96.77٪ حيث كانت نسبة المشاركة 83.01٪. والديناميات لم تسجل تغييرا كبيرا، ففي العام 1991، لم يجبر "رجال بوتين المهذبين" القرم على شيء! هذه علامة واضحة على أن معظم سكان شبه الجزيرة يريدون شيئا آخر، خارج إطار اللونين الأصفر والأزرق.

وبالإضافة إلى الأرقام، تطرق الكاتب إلى مفهوم القانون الثوري\ما بعد الثوري فيما يتعلق بالاتحاد السوفياتي السابق، مشيرا إلى أن مثل هذه التغيرات في التوازن الجيوسياسي العالمي، وانهيار الاتحاد السوفياتي، لا يمكن أن تكون في وحدة زمنية مساوية لوقت إنهاء الكيان القانوني للتوازن. هذه العملية تستغرق وقتا طويلا، لأن إعادة هيكلة هذه الاراضي المحلية - عملية طبيعية، نتيجة لاستمرار الهيكلة القانونية غلى أنقاض قوة عظمى. لذلك، "سابقة القرم" ليست سابقة، هي ظاهرة! يجب النظر إليها ليس من منطلق النظرية القانونية، ولا ينبغي وصفها في القانون الدولي الوضعي، بل عبر قانون الظاهرة - "قانون القرم". وفي الواقع، الثورة الفرنسية الكبرى عام 1789، لم تلب تماما قوانين الملكية في فرنسا، لكن قانون المقصلة الثوري، والبحث عن أعداء، وغيرها من "العجائب" لم تكن في حد ذاتها سابقة، بل كانت ظاهرة فرنسية (ويظهر هذا بوضوح في السنوات الخمس الأولى من الثورة)، والتي توقفت بظهور نابليون الأول عن كونها ظاهرة ثورية، وانتقلت إلى حالة مختلفة: حالة بناء النظام القانوني الوطني البرجوازي لعدد من البلدان الأخرى، ما قمع الوضع الثوري، وأقر دولة القانون وعممها. وأكد تومسينوف حججه باستعراض جدل السويد مع فنلندا على ملكية جزر آلاند، وحقا، الوضع يذكر بوضع القرم: البلدان يجادلان على أراضي من أنقاض الإمبراطورية الروسية، والقرار يتخذ طابع الظاهرة، وليس السابقة: "فنلندا لا يمكنها أن تطالب بأن يكون مستقبل جزر آلاند، مطابقا لمستقبل بلدها، لأن هذه الجزر رسميا، جزء من الهيكل السياسي للإمبراطورية الروسية".

في حالة المثال الأوكراني، تعم حقيقة أن شبه الجزيرة شهدت "ثورة كرامة"، وهذا التعبير، يضع تحت الشك كافة المعايير القانونية والعلاقات القانونية السابقة، وكذلك يمهد لسن القوانين الجديدة بحرية، نت قبل كل المعارضين للحكومة "الثورية". أوكرانيا كلها، نتاج لانتهاك دستور اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، (كما كان اعتماد مجلس السوفيات الأعلى لجمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفياتية، يوم 24 أغسطس/آب 1991 "إعلان استقلال أوكرانيا"، انتهاكا لدستور اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية)، ومن ناحية الدقة القانونية، جميع تشريعات أوكرانيا غير قانونية.

وهناك أسباب خقوقية أخرى لإعتبار وجود القرم خارج أوكرانيا مبررا من الناحية القانونية- بل هو أكثر شرعية من وجود شبه الجزيرة في إطار أوكرانيا، ذلك ان إجراءات ضم القرم إلى أوكرانيا، تم عبر انتهاكات جسيمة لدستور روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية، "المادة 33 من دستور روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية لا تمنح هيئة رئاسة السوفيات العليا،  صلاحيات تغيير حدود الجمهورية. والمادة 16 من الدستور تنص على ما يلي: "إن أراضي روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية لا يمكن تغييرها دون موافقة روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية". وفي المادة 23 يدور الحديث عن أن "جميع حقوق روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية، يمثلها المجلس الأعلى لروسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية"، ومرسوم مجلس السوفيات الأعلى لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية بتاريخ 19 فبراير/شباط 1954 حول نقل منطقة القرم من جمهورية روسيا السوفيتية الاتحادية الاشتراكية إلى جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفياتية لم يقدم للمراجعة من جانب المحكمة العليا للاتحاد السوفييتي، وهذا أيضا انتهاك.

واستمرت ملحمة انتهاك القانون الدستوري بعد العام 1991، "في 31 مارس/آذار1995، أصدر رئيس أوكرانيا مرسوما بشأن "بعض قضايا العلاقات بين السلطات التنفيذية المركزية والسلطات التنفيذية لجمهورية القرم ذات الاستقلال الذاتي"، والذي جعل حكومة القرم تابعة مباشرة لمجلس وزراء أوكرانيا، وغير أيضا إجراءات تعيين رئيس وزراء وأعضاء حكومة القرم، وأخرج من تحت سيطرة المجلس الأعلى للقرم، رؤساء اللجان التنفيذية للمدن، والبلدات والمجالس القروية. هذه القرارات تتعارض بوضوح مع دستور جمهورية القرم ذات الاستقلال الذاتي".

بالإضافة إلى ما سبق، يطرح تومسينوف للنظر، مجموعة أخرى من الملخصات التي تبرر من الناحية القانونية وربما من الناحية الأخلاقية، وجود شبه جزيرة القرم خارج إطار أوكرانيا، وفي النهاية، وليس من دون سبب، يتسأل: "هل فعلا يمتلك شعب أوكرانيا الشقيق دولة مستقلة، أي، ذات سيادة وإستقلال؟".