الأميركيون استخدموا قذائف اليورانيوم المخصب في شكل كثيف في العراق.. ودون ضرورة

10.10.2016

نشرت "شبكة المعلومات الإقليميّة المتكاملة" وثائق حصريّة، تؤكّد استخدام الطّائرات الأميركية سلاح اليورانيوم المخصّب ضدّ "أهدافٍ سهلة" خلال غزو العراق في العام 2003.

وكشفت الشّبكة، التي تتّخذ من العاصمة الكينيّة نيروبي مقرّاً لها، أنّ تاريخ الوثائق يعود إلى العام 2003، وهي عبارة عن تقرير حول نتائج تحليل عينات أعطيت إلى "جامعة جورج واشنطن" في عام الغزو الأميركي للعراق، إلا أنه لم يتم نشرها حتّى الآن، موضحةً أنّ تلك المعلومات الحصريّة الّتي حصلت عليها سيتمّ عرضها على الملأ الأسبوع المقبل.

وكشفت التّقارير أنّ طائراتٍ أميركيّة من طراز “A- 10” شنّت ألفاً و116 غارة، استهدفت من خلالها "أهدافاً سهلة" كالسّيارات والشاحنات ومواقع عسكرية، بأسلحة تحوي اليورانيوم المخصّب، ما بين شهري آذار ونيسان من العام 2003.

وفي وقتٍ سابقٍ من هذا العام، تمّ تقديم المعلومات إلى باحثين في المنظّمة الهولندية غير الحكومية  (PAX)، وكذلك إلى "التّحالف الدولي لحظر أسلحة اليورانيوم"، والّذين كانوا يتطلعون إلى معلومات جديدة حول استخدام الأسلحة المحرّمة خلال غزو العراق. وحصلت "شبكة المعلومات" على تحليل المنظّمتين يُنشر ضمن تقريرٍ الأسبوع المقبل.

ومن المعروف أنّ اليورانيوم المخصّب قد تمّ استخدامه في العراق، إلا أن الغموض الّذي أرعب العراقيّين هو حول مكان استخدامه والكمّيات الّتي ألقي بها.

وعلى الرّغم من أنّ الصّورة ما زالت غير مكتملة، إلا أنّ المعلومات الجديدة مفيدة بشكلٍ كبيرٍ للباحثين. وبحسب الوثائق، استُخدم اليورانيوم المخصّب أكثر من 300 ألف مرّة في العام 2003، معظمها من قبل القوّات الأميركية.

"الأهداف السّهلة"
في العام 1975، أوصت القوّة الجوية الأميركية باستخدام أسلحة اليورانيوم المخصّب فقط  "ضدّ الدبابات وناقلات الجند المدرّعة أو الأهداف الصّعبة الأخرى". وقد تمّ حظر استخدام اليورانيوم ضدّ الأشخاص، إلا في حالة عدم توافر أسلحة أخرى. بحسب الوثائق الجديدة، كانت أغلب أهداف طائرة “A- 10” غير مدرّعة ولا تحمل أسلحة.

وبحسب الوثائق، بلغت نسبة المباني المستهدفة 16.5 في المئة من مجموع الأهداف، والدبابات 33.2 في المئة، والأهداف السّهلة، كالسيارات، 35.7 في المئة، والقوّات 4.2 في المئة، وأسلحة المدفعيّة 10.4 في المئة.

ويلفّ الغموض القانوني مسألة شرعيّة استخدام اليورانيوم المخصّب في النّزاعات. على عكس الألغام والقنابل العنقوديّة، وكذلك الأسلحة البيولوجية أو الكيميائية، حتى الليزر المسبب للعمى، لا توجد معاهدة مخصّصة لتنظيم إنتاج أو استخدام أسلحة اليورانيوم المخصّب.

يشرح أستاذ حقوق الإنسان في جامعة "ستانفورد"، والمسؤول السّابق في وزارة الخارجية الأميركية إيرين شاك كيف أنّ "شرعيّة استخدام اليورانيوم المخصّب في حالات النّزاع المسلح هي غير محددة".

ويؤكد أنّه "بحسب القانون العرفي الدولي، يحظر استخدام الأسلحة التي يُمكن أن تسبّب ضرراً على المدى الطويل"، مشيراً إلى "غياب بيانات دقيقة عن الآثار المباشرة وطويلة الأمد لليورانيوم على صحة الإنسان والبيئة الطبيعية".

في تقرير للأمم المتحدة صدر عام 2014، أعربت الحكومة العراقية عن "قلقها العميق إزاء الآثار الضارة" لليورانيوم المخصّب المنتشر على أراضيها. ودعت الأمم المتّحدة في التّقرير إلى توقيع معاهدة حظر استخدامها ونقلها، كما دعت البلدان التي استخدمت هذه الأسلحة في الصراع  لتزويد السلطات المحلية "بمعلومات مفصلة عن مكان وجود مجالات استخدامها والمبالغ المستخدمة"، من أجل تقييم واحتواء التلوث المحتمل.

في الوثائق، أوضح بيكا هافيستو، الذي ترأس عملاً مع الأمم المتّحدة اهتمّ بالبيئة خلال غزو العراق، أنّ استخدام اليورانيوم المخصّب ضدّ الأبنية والأهداف غير المسلّحة كان معروفاً في تلك الفترة، على الرّغم من أنّ فريقه لم يحصل على تحديدٍ للاماكن الّتي تعرّضت للقصف عبر استخدام تلك المادّة. وتحدّث هافتسو عن تحديد العديد من المباني في العاصمة العراقية بغداد على أنّها تعرّضت للقصف باليورانيوم المخصّب.

وقال هافيستو، وهو حاليّاً نائبٌ في البرلمان الفنلندي، "عندما كنّا نعمل على قضيّة القصف باستخدام اليورانيوم المخصّب، لاحظنا تمتّع الجيوش الّتي استخدمت تلك المادّة بحمايةٍ كبيرة". والجدير بالذكر أنّ العديد من المناطق العراقيّة قد شهدت تشوّهاتٍ خلقيّة في الولادات رجّح المختصّون سببها إلى اليورانيوم أو مواد ممنوعة أخرى.

هل عاد اليورانيوم المخصّب؟
مخاوف التّشوّهات الخلقيّة لم تنتهِ. اليوم، تطير طائرات "A- 10" الأميركيّة نفسها في سماء العراق وسوريا، حيث تضرب مواقع لتنظيم "داعش"، بحسب ما تدّعي واشنطن. وعلى الرّغم من تأكيد الأميركيين عدم استخدام اليورانيوم المخصّب في تلك البلدان، إلا أنّه لا توجد موانع من قبل البنتاغون تعيق استخدامه.

وفي هذا السّياق، نقلت "شبكة المعلومات" عن متحدّثٍ باسم وزارة الدّفاع الأميركيّة تأكيده أنّ "سياسات استخدام اليورانيوم المخصّب ليست مقيّدة في العمليّات ضدّ داعش في العراق وسوريا".

وبينما ينفي سلاح الجوّ الأميركي استخدام اليورانيوم المخصّب، من قبل عمليّات طائرات "A- 10"، يدلي مسؤولون في سلاح الجوّ بتصريحاتٍ مختلفة.

في شهر أيّار الماضي، وبناءً على طلب ممثّلة مكتب أريزونا مارثا ماكسالي، وهي طيّارة سابقة لطائرة من نوع “A- 10”، سألت عمّا إذا كان قد تمّ استخدام ذخائر اليورانيوم المخصّب في سوريا أو العراق. حصلت على الإجابة من قبل ضابط في سلاح الجوّ، عبر رسالة بالبريد الالكتروني، أكّد فيها قيام القوّات الأميركيّة  بإطلاق ستّة آلاف و479 طلقة في سوريا تحوي على اليورانيوم على مدى يومي 18 و23 تشرين الثّاني عام 2015.

وتجدر الإشارة إلى أنّ اليورانيوم المخصّب يحوي تأثيرًا إشعاعيًا أقلّ من اليورانيوم العادي، إلا أنّه يتضمّن مواد كيميائية سامة تمسّ بصحّة الإنسان عند الاحتكاك المباشر بجسده.