من أين يحصل "داعش" على المال لتمويل جرائمه؟

27.07.2016

يمتلك تنظيم "الدولة الإسلامية" أصولًا مالية كبيرة، حصل عليها من المعارك التي خاض – أغلبها في شرق سوريا وغرب العراق – بالإضافة إلى أرباح من التجارة. يعتبر اقتصاد "داعش" متنوعًا بدرجة كبيرة ويعتمد على مصادر دخل متعددة، كما أنه لا يعتمد على النظام المالي العالمي، فلم يتأثر بالعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على التنظيم.

في الفترة ما بين عامي 2007 و2009، بلغت العائدات الشهرية لتنظيم "دولة العراق الإسلامية" – كما كان يُسمّى في ذلك الوقت – ما بين مليون ومليوني دولار، واعتمد على تبرعات أنصاره من أثرياء الخليج، إلى جانب عائدات عمليات الاختطاف والابتزاز. وفي أواخر عام 2014 وبدايات عام 2015، أعلن التنظيم أن إيراداته تُقدّر بما بين أربعة وخمسة ملايين دولار يوميًا، أي قرابة مليار ونصف مليار دولار سنويًا. يُقال إن إيرادات التنظيم قد تراجعت إلى النصف.

الضرائب تعتبر أحد أكبر مصادر دخل التنظيم، إذ تبلغ قيمة الضرائب التي يفرضها التنظيم 10% على الدخل، بالرغم من وجود الكثير من الضرائب والرسوم الأخرى. على سبيل المثال، يفرض التنظيم رسومًا إضافية على الخدمات تبلغ 20%، كما يفرض ضريبة تبلغ 10% كغرامة على السحب من الحسابات المصرفية. تصل قيمة الجزية التي يفرضها التنظيم على غير المسلمين 50% من دخلهم. كما استحدث التنظيم ضريبة سماها "ضريبة التوبة" تصل إلى 2500 دولار، وتُفرَض على المسلمين الذين يخالفون الشريعة الإسلامية. بالإضافة إلى ذلك، يفرض التنظيم على من يريد الخروج من مناطق سيطرته مبلغًا يصل إلى 2000 دولار، إلى جانب مصادرة أي ممتلكات يتركها وراءه. وبحسب التقرير، فقد بلغت عائدات التنظيم من هذه الأنشطة ما بين 300 مليون إلى 400 مليون دولار سنويًا.

أرباح النفط
يعتبر النفط أهم مصدر للربح بالنسبة لتنظيم "الدولة الإسلامية". وصل إنتاج التنظيم من النفط في ذروته إلى قرابة 50 ألف برميل يوميًا.

لا يمتلك تنظيم الدولة الإسلامية أية مصفاة للنفط تحت سيطرته، وقد حاول التنظيم السيطرة على مصفاة بيجي – الأكبر في العراق – في أواخر عام 2014 وعام 2015، لكن التنظيم فشل في فرض سيطرته عليها. وقد اعتمد التنظيم على مصافٍ بدائية متنقلة قادرة على تكرير ما يقرب من 1000 لتر فقط يوميًا. يتم تهريب كل من النفط الخام والمنتجات النفطية المكررة إلى تركيا، حيث يتم بيعها في السوق السوداء. ولم يقم التنظيم بإنشاء شبكة لتهريب النفط، بحسب التقرير، إذ تعود شبكة تهريب النفط التي يستخدمها التنظيم إلى وقت فرض الأمم المتحدة عقوبات على صادرات النفط في فترة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.

في المتوسط، يبيع تنظيم الدولة الإسلامية النفط بقيمة تتراوح بين 35 إلى 50% من السعر العالمي للنفط، كما بلغت عائدات التنظيم من تهريب النفط في ذروتها بين 500  و750 مليون دولار. بعد ذلك، مع تراجع الإنتاج وانخفاض أسعار النفط عالميًا، تراجعت عائدات التنظيم لتتراوح بين 150 إلى 200 مليون دولار. ومع خسارة التنظيم لبعض حقول النفط ونقص بعض قطع الغيار ومعدات الإنتاج، يُعتقد أن الإنتاج الحالي من النفط بين 20 إلى 25 ألف برميل يوميًا.

عائدات بمئات الملايين
حققت الدولة الإسلامية مبالغ تتراوح بين 50 إلى 100 مليون دولار من عمليات تهريب الآثار، إذ يقع 4500 موقع أثري في المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم. يُسلِم التنظيم تلك المناطق الأثرية لقرويين محليين نظير جزء من الأموال لدى اكتشاف الآثار، وهي عملية تتكرر في تلك المنطقة منذ أجيال. يؤكد التقرير أن التنظيم لا يخلق نشاط التهريب أو شبكته، ولكنه يشارك في عمليات قائمة بالفعل، وأن أغلب تلك الآثار تُهرب إلى تركيا بالمقام الأول، ثم إلى لبنان بدرجة أقل.

أحد مصادر الدخل غير المتوقعة للتنظيم، وهي عمليات الخطف، والتي تضمن للتنظيم بين 25 إلى 50 مليون دولار سنويًا، ففي الوقت الذي ترفض فيه بعض الدول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان دفع فدية مقابع تحرير مواطنيها المختطفين لدى التنظيم، تدفع دولًا أخرى مثل فرنسا وإيطاليا. بل وحقق التنظيم أموالًا طائلة من احتجاز الرهائن المحليين، وخاصة من اليزيديين والمسيحيين الأشوريين.

وكان الدعم المادي المباشر من مانحين أثرياء أحد أبرز مصادر الدخل للتنظيم في أيامه الأولى، إذ كان أبو مصعب الزرقاوي حريصًا على نشر أرقام تتعلق بتنظيم "القاعدة" في العراق – المرحلة الأولى من "الدولة الإسلامية" – بشأن عمليات القتل والتفجيرات في العراق، في محاولة لإظهار فعالية التنظيم للجهات المانحة. ومع صعوبة تحديد مقدار الدعم الذي تلقاه التنظيم بدقة، تشير التوقعات إلى أنه يتراوح بين 20 إلى 40 مليون دولار، مع احتمالات أن يكون الرقم أكبر بكثير.
وأخيرًا، تظل عمليات النهب من بين أهم مصادر تمويل "الدولة الإسلامية"، فغنائم الحرب لم تتوقف منذ بدء التنظيم توسعه بلا توقف. أمنت الغنائم الأولية للتنظيم بين 500 إلى 800 مليون دولار أمريكي من خلال استيلائه على البنوك في المناطق الخاضعة لسيطرته، إذ بلغ احتياطي النقد في فرع البنك المركزي العراقي في الموصل 400-500 مليون دولار حينما سيطر عليه مسلحو التنظيم.
أيضًا عمليات بيع العقارات، والآلات، والمعدات العسكرية التي استولى عليها منذ عام 2014، بالإضافة إلى تقارير غير مؤكدة حول بيع التنظيم للأسلحة لمجموعات جهادية بمنطقة القوقاز. يظل من المستحيل إمكانية تحديد قيمة هذه الأصول، وما دُمِر منها.

على سبيل المثال، في 11 يناير/كانون الثاني من العام الجاري، قصفت الولايات المتحدة أحد المستودعات التي يستخدمها التنظيم لتخزين الأموال، وزعمت بعض التقارير اللاحقة الصادرة عن البنتاغون أنه قد تم تدمير 600 مليون دولار خلال تلك الغارة، في حين يشير التقرير إلى صعوبة التأكد من هذا الرقم.

خسائر كبرى
في شهر يونيو/حزيران الماضي، بلغت عائدات التنظيم الحالية بين 40 إلى 80 مليون دولار شهريًا، يأتي قرابة نصفها من الضرائب والرسوم التي يفرضها التنظيم على المقيمين في مناطقه، وعمليات مصادرة الأملاك وغيرها من الأنشطة غير المشروعة. تُكلِف العمليات العسكرية التنظيم بين 20 إلى 30 مليون دولار شهريًا، إلا أنه من الصعب تحديد الرقم بدقة، وبالمثل، من غير المعروف مقدار ما ينفقه التنظيم على الإدارة والخدمات.

التنظيم حاليًا لا يحقق العائدات اللازمة لتمويل عملياته العسكرية، كما أن رواتب مقاتليه خُفِضت للنصف،  من 400 دولار شهريًا إلى 200 فقط. تراجعت الخدمات في نطاق مناطق سيطرة التنظيم، وارتفعت أسعار الطعام والمحروقات، وأشارت بعض التقارير إلى نقص في الأدوية والمواد الأساسية، إلا أنه من غير المؤكد ما إذا كان ذلك النقص ناتج عن نقص الأموال أو بسبب الحملة التركية على عمليات التهريب. ذكرت تقارير أخرى أن التنظيم يشارك في أنشطة إجرامية أخرى، وتحديدًا تهريب الماريجوانا من البلقان إلى أوروبا الغربية.

وعلى الرغم من أن التنظيم يسيطر على الكثير من الأصول، إلا أن قدرته على تسييلها تظل محدودة بما يمكن تهريبه لتركيا وأماكن أخرى، فالكثير من تلك الأصول لا يمكن بيعه سوى لمن يعيشون في مناطق التنظيم، وأغلبهم يعانون من فقر متزايد. تظل عدم سيطرة التنظيم على أي ميناء عائقًا في طريق استيراد بعض المواد الأساسية.

ترى روسيا أن أكثر الطرق فاعلية لوقف تمويل "الدولة الإسلامية"، هي  استهداف الأنشطة التي تزود التنظيم بالمال، مثل تهريب النفط والآثار، ومخازن الأموال الحالية. وقد حققت القوات الفضائية الروسية تقدما ملحوظا في هذا المجال، إذ استهدفت مرات عدة قوافل تهريب النفط من سوريا إلى تركيا.