المشكلة الكردية في الشمال السوري واستحالة الانفصال

22.08.2016

احتضنت سوريا الأكراد وكانت موطنا كريما لهم منذ عشرات السنين، وتمكنت سوريا منذ عام 1980 من احتواء الأكراد في سوريا والبالغة نسبتهم حوالي 5% من مختلف الأعراق الموجودة (العرب والآشوريون والأرمن والتركمان والشركس)، وخاصة بعد انتقال الزعيم الكردي عبد الله أوجلان إلى الحضن السوري في ذلك العام، وعلى أثر ذلك عاش الأكراد ضمن هذا التنوع السوري وأصبحوا جزءا من النسيج السوري الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي، وتركز النضال الكردي لتجميع القومية الكردية في الجنوب التركي وشمال العراق وبشكل متواضع في إيران. 
بعد بداية الأزمة السورية في عام 2011، غامرت تركيا استراتيجيا بمحاولتها إضعاف الدولة السورية في الشمال السوري من خلال الدعم الكبير لفصائل المعارضة الإسلامية التي تقاتل الجيش العربي السوري، لتتطور الأمور ويدخل تنظيم "داعش" إلى الميدان السوري، وبسبب الاختلاف الإيديولوجي الكبير بين الفكر "الداعشي" والفكر الكردي، تشكل تحالف غير معلن بين القوى الكردية في الشمال السوري وبين الدولة السورية ضمن ثوابت الحكومة السورية المطلقة حول وحدة الأراضي السورية واستحالة السماح بتشكل كيان كردي مستقل، وتركت الدولة السورية هامش من المرونة في التعامل مع تحرك وحدات الحماية الكردية في بعض المناطق لأسباب تكتيكية وقتية تتعلق بالضغط الكبير الذي تتلقاه دمشق، وتقاسم الجيش السوري والقوى الرديفة (المؤلفة في معظمها من السكان المحليين العرب والآشوريين) في محافظة الحسكة مناطق النفوذ والسيطرة مع القوات الكردية مثل وحدات الحماية الكردية وقوات الأسايش.
وبعدها تطورت الأحداث وتشكلت قوات سوريا الديمقراطية التي تتكون في أغلبها من الأكراد والمدعومة من قوات التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن وبدأت بمحاربة تنظيم "داعش" في محافظة الحسكة وريف حلب الشمالي متجنبة الاصطدام مع الجيش السوري، حيث تمكنت في كثير من المعارك وبدعم من طيران التحالف الدولي من طرد تنظيم "داعش" من عدد من المناطق، لتتمكن الاسبوع الماضي من السيطرة على مدينة منبج في ريف حلب الشمالي.

بدأ اللعب بالنار من قبل بعض الأطراف الكردية المدعومة أميركيا التي ترغب بتقسيم سوريا عندما أعلن الأكراد وبكل تحد صارخ للدولة السورية النظام الاتحادي الفيدرالي في 17 آذار/مارس الجاري، ضمن المناطق التي تقع تحت سيطرتهم شمال شرق سوريا، خلال اجتماع عقد في مدينة رميلان التابعة لمحافظة الحسكة، وهي عفرين ومدينة عين عرب (كوباني) ومحافظة الحسكة بالإضافة إلى منطقة تل أبيض في محافظة الرقة. وهذا ما قوبل برفض من قبل الدولة السورية والمعارضة كذلك بشقيها السياسي والعسكري، وهنا بدأت تظهر عوامل ضعف الملف الكردي في سوريا حيث لم يستطع هذا الإعلان الحصول على الاعتراف الدولي.
أما ما حصل قبل أيام من هجوم لقوات "الأسايش" الكردية على نقاط للجيش السوري في مدينة الحسكة ومحاولة إخراج القوات الحكومية والقوى الرديفة لها من المدينة، الذي تلته اشتباكات عنيفة والذي قوبل برد وللمرة الأولى منذ بداية الأزمة السورية بقصف للطيران السوري لمواقع المتمردين الأكراد، فإنه يدل على سوء تقدير للقيادات الكردية وللجهات الراعية لها لعوامل التوازنات الدولية والإقليمية والمحلية المؤثرة في اللعبة، فالتحالف الاستراتيجي الروسي التركي الإيراني الحديث والذي سينعكس إيجابا على الملف السوري سيكون العامل الأهم في تثبيت وحدة الأراضي السورية، قاضيا على الطموحات الكردية في الانفصال، حتى الولايات المتحدة لن تدخل في مواجهة مع تركيا وإيران من أجل الملف الكردي في الشمال السوري.
محليا وبشكل منطقي، لا يستطيع الأكراد تأسيس كيان منفصل في مناطق ومحافظات لا يشكلون فيها أغلبية، بل الأغلبية السكانية هي للعرب في الحسكة وريف حلب والرقة، فمدينة الحسكة هي مدينة متنوعة الأعراق وليست كردية، وعفرين الصغيرة محاطة بالمناطق العربية، وحتى المؤيدون للقضية الكردية لا يعتبرون من المنطقي دخول الأكراد في صراع مسلح ضد الحكومة السورية التي تعتبر بحكم المنتصرة، خاصة بعد دخول الحليف الروسي إلى ساحة المعركة بكل قوة منذ أيلول 2015، واستعادة حكومة دمشق للكثير من المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة وتنظيم "داعش" قبل التدخل الروسي.
على الأكراد في سوريا أن يقرأوا التاريخ، سوريا هي بلد الحضارات التي عمرها 7000 عام، بلد التنوع، والسياسة السورية تجيد اللعب على حافة الهاوية، فإن كان الأكراد قد حصلوا على هامش من المرونة من قبل الحكومة المركزية في دمشق بسبب الضغوط العسكرية في فترة من الفترات، فهذا لا يعني بقاموس دمشق أن شمال سوريا سيصبح دولة أخرى، حتى بالنسبة لأدبيات المعارضة ينطبق هذا الكلام، فالمعارضة قد تحارب الحكومة السورية، ولكنها ضد الانفصال الكردي، ومن وراء ذلك فالقوتين الإقليميتين إيران وتركيا لن تسمحان بنشوء أي كيان كردي في الشمال السوري، حتى لو اضطرت تركيا إلى دعم حكومة دمشق في سبيل ذلك.