الهدنة في سوريا: فرصة ضيقة للغاية من أجل السلام

12.09.2016

اتفاق وقف إطلاق النار الأخير في سوريا لا يزال هشا في أحسن الأحوال، ولكن قد يكون أقرب ما يمكن لروسيا والولايات المتحدة تحقيقه من أجل سلام دائم في بلاد مزقتها الحرب.
يوم 9 سبتمبر، أعلنت روسيا والولايات المتحدة التوصل إلى اتفاق لإحلال السلام في سوريا. وكان قد سبق الصفقة أشهر من الجهود المكثفة لإحياء وقف الأعمال العدائية  (COH) وهو النظام  الذي تأسس لأول مرة في فبراير عام 2016.
ووفقا لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، فإن الخطة الجديدة تختلف عن المحاولات السابقة لأنها آلية شاملة من شأنها أن تحقق وقف إطلاق النار الدائم. ونتيجة لذلك، فإنه سيسمح للقوتين بإطلاق عملية مشتركة ضد الجماعات المتطرفة المتفق عليها.
الوزير كيري أوضح أن الخطة تضم  خمس وثائق تهدف إلى تحسين التعاون وتأمين إيصال المساعدات الإنسانية وضمان الامتثال لوقف إطلاق النار وتسهيل العملية السياسية.
في حين أنه من الصعب فهم نطاق الآلية التي تم الاتفاق عليها لأنه لم يتم الكشف عن هذه الوثائق نظرا لحساسيتها، لكن تم توضيح التفاصيل العامة من خلال المؤتمر الصحفي المشترك بين وزيري خارجية الولايات المتحدة وروسيا في جنيف. التفاصيل التي تم الإعلان عنها حتى الآن تشير إلى أن على  القوات الجوية العربية السورية أن توقف طلعاتها في مناطق وجود "المعارضة المعتدلة" ، وهو ما تم في البيت الأبيض الإصرار عليه، ولكنه لن يكون بشكل دائم.
سيبدأ وقف الأعمال العدائية  الجديد عند غروب شمس يوم 12 سبتمبر، وسوف يكون له معنى رمزي لأنه يتزامن مع بدء عيد الأضحى في العالم العربي. ومن المتوقع أن الهدوء في القتال هدفه تسهيل وصول المساعدات من قبل المنظمات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، بما في ذلك حلب.
ويجب على قوات المعارضة وقوات الجيش السوري الانسحاب من مجالين رئيسيين متنازع عليهما حول حلب - طريق الكاستيلو ومنطقة الراموسة - مما يخلق منطقة منزوعة السلاح تسمح للمنظمات الإنسانية بالعمل بحرية.
طوال فترة وقف الأعمال العدائية، ستعمل مجموعة الاستخبارات المشتركة بين الولايات المتحدة وروسيا على تحديد المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المعتدلة والمناطق التي تسيطر عليها جبهة النصرة، وإذا وقفت الأعمال العدائية لمدة سبعة أيام، فسوف تنطلق عمليات مشتركة ضد الجماعات المتطرفة في المساحات المتفق عليها.
والتفاصيل الرئيسة التي كانت غائبة من الإعلان حول الصفقة السورية هي  وجود آلية لمراقبة وفرض وقف الأعمال العدائية، وهو الأمر الذي كان غائبا في اتفاق مماثل في فبراير/ شباط عام 2016  وأدى في نهاية المطاف إلى فشله. ومع ذلك، في تعليقاته بشأن الصفقة، وضع الوزير كيري تصوره  بصراحة كبيرة عندما قال إن الصفقة ليست سوى "فرصة وليست أكثر من ذلك حتى تصبح حقيقة واقعة."
ووفقا لوزير الخارجية كيري، فإن وقف الأعمال العدائية يعتمد على الرقابة والامتثال والمصلحة المتبادلة. وكان كلام لافروف يزيد الإحباط عندما قال، إنه "ليس هناك ما يضمن 100 في المائة" أن تلتزم جميع الأطراف بوقف إطلاق النار.
مع عدم الإعلان عن وجود آليات للتنفيذ والمساءلة، فإن وقف إطلاق النار سيعتمد مرة أخرى على الالتزامات الشفوية من جميع الأطراف المعنية، ويمكن أن يسقط بسبب حادث صغير. والخطر هو أن بدء وقف الأعمال العدائية في ليلة 12 سبتمبر/ ايلول، لا روسيا ولا الولايات المتحدة ستستطيعان السيطرة التامة على كيفية تنفيذ ذلك.
قرار إطلاق العمل على تحديد الأراضي التي تسيطر عليها جبهة النصرة بعد عدة أيام من بداية وقف الأعمال العدائية قد يسبب أيضا عثرات  في عملية وقف إطلاق النار. وبالنظر إلى الاحتمال الكبير لانتهاك وقف الأعمال العدائية، ومن يقف وراءها بالضبط لا بد من التمييز بين الهجمات التي تحدث تحت علم مزيف في محاولات متعمدة لإفشال العملية.
اعتبارا من الآن لدى كل من  روسيا والولايات المتحدة رؤية مختلفة جدا حول الجماعات الإرهابية والأراضي التي تسيطر عليها. تجاهل هذه القضية الشائكة على طاولة المفاوضات قد يسهل الاتفاق، ولكنه على المدى الطويل لا يبشر بالخير بالنسبة للعملية الشاملة.
في الوقت الحالي لا يرتبط التحدي الأكبر بسريان تنفيذ الاتفاق ولكن ببدء وقف الأعمال العدائية. ، إذ لم تعلن كل المجموعات التزامها بالاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا. لكن شركاء موسكو، وسوريا وإيران، على حد سواء أعلنوا دعمهم للاتفاق، ووضع واشنطن وحلفائها  الذين لم يؤيدوا  بالإجماع هدنة الحلفاء، في دائرة الضوء.
رحبت اللجنة العليا المفاوضات، التي تمثل جماعات المعارضة الرئيسية، بالاتفاق يوم  السبت 10 سبتمبر/ ايلول الجاري، ولكن ما هو أكثر تحديا حتى الآن هو الحصول على مجموعة متنوعة من الجماعات المسلحة الصغيرة على متن نفس المركب. طوال عطلة نهاية الأسبوع، كانت هناك تقارير متضاربة حول رفض الجماعات وقبولها بوقف إطلاق النار. ولكن الشعور العام هو أنه سيكون من الصعب للغاية بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها تأمين الدعم لوقف الأعمال العدائية من جميع أطياف المعارضة، وخصوصا تلك التي أقامت علاقة مع جبهة النصرة.
يتفق المحللون انه من غير المرجح أن  تنسحب الجماعات المعتدلة التي - بدافع الضرورة - هي مع جبهة النصرة (كما قال كيري ذلك)  من الخطوط الأمامية، لأن ذلك بالنسبة لها يعني التنازل عن الأرض للحكومة السورية .
ما قد يزيد الأمر تعقيدا للجماعات المسلحة، وعلى رأسها تلك المنضوية مع جبهة النصرة هو استبعاد مصير الأسد من الصفقة، وهو الأمر الذي دفع روسيا وإيران للموافقة عليها. في الواقع، قالت اللجنة العليا المفاوضات نفسها الأسبوع الماضي أن الاطاحة بالأسد هي حجر الزاوية في رؤيتها لنهاية الحرب الأهلية في سوريا. حقيقة أن واشنطن وافقت على استبعاد هذه القضية من المفاوضات مع روسيا يمكن أيضا أن تقوض الثقة المهتزة  بالفعل أكثر بين الولايات المتحدة والجماعات المسلحة.
بينما تواصل الحكومة والجماعات المسلحة السورية القتال من أجل المواقع عشية الهدنة، فإن وقف الأعمال العدائية يبدو محكوما عليه بالفشل. يبدو أن هناك  بعض القضايا الأكثر إثارة للجدل قد دفعت كل من روسيا والولايات المتحدة للبقاء في موقعهما، في حين كان عدد من أصحاب المصلحة، بما في ذلك إيران، لا يشكلون جزءا من المحادثات في جنيف.
كل هذا يقلل من فرص للنجاح. فلا روسيا ولا الولايات المتحدة لديهما أية أوهام كاذبة حول الاتفاق، ولكن يمكن القول إن وقف إطلاق النار عن طريق التفاوض في جنيف قد يكون الأقرب كما يراه العالم للسلام في سوريا في السنوات الخمس الماضية.