"كلينتون غايت" بين فساد النظام والبراءة المشبوهة

02.11.2016

يتردّدُ صدى صراخِ دونالد ترامب بقوة داخلَ دوائر القرار في واشنطن. وصول هيلاري كلينتون إلى البيت الأبيض سيخلقُ أزمةً دستورية، يقول المرشح الجمهوري من معقلٍ للديموقراطيين أمس الاول، من ولاية ميشيغان، التي يسعى لتأليبها على منافسته «المخادعة»، في سهرة انتخابية فصلت بين يومين فقط من الفضائح الجديدة التي تفجرت مجدداً في وجه منافسته في السباق الرئاسي.

أن تسرق السيدة الأولى السابقة كتلميذةٍ في الثانوية، أسئلة المناظرة الرئاسية على «سي أن أن» التي جمعتها بمنافسها في التمهيديات بيرني ساندرز، ليست اولى فضائحها، ولن تكون الأخيرة. بين آخر إصدارات «ويكيليكس»، وصحوة ضمير مدير الـ «آف بي آي» جايمس كومي، 48 ساعة فاصلةٍ فقط، لكن لو قدر لهيلاري كلينتون أن تعيد الزمن إلى الوراء، لكانت عادت به إلى العام 2009، ولكانت استغنت ربما حتى عن منزل العائلة في شاباكوا في نيويورك بأكمله، حيث فرزت لسنوات مع مساعديها رسائل بريدها الخاص، بين ما هو صالح لإرساله إلى وزارة الخارجية التي كانت على رأسها منذ ذلك العام حتى 2013، وبين ما يجب الاحتفاظ به في المحفظة الخاصة، وبين ما لا يستحق سوى ان يُرمى في سلّة المهملات. هكذا لم يعد ساندرز وحدَه من يتساءل: «من أدعم انا؟»، بل معه كثيرٌ من الديموقراطيين، لكن رغم ذلك، للمعركة الرئاسية أحكامها.

ويتوقع الصحافي في الـ «واشنطن بوست» مارك تييسين، «سنوات إضافية من الفضائح» في حال وصول هيلاري كلينتون إلى سدة الرئاسة الأميركية. فصحيفة «وول ستريت جورنال» نقلت عن مصادر خاصة نهاية الأسبوع الماضي، أن وزارة العدل تحت إدارة باراك اوباما، أعاقت جهوداً لعملاء من الـ «أف بي آي» للتحقيق حول ما إذا كانت وزارة الخارجية في عهد كلينتون سهلت وصولاً خاصاً ومنحت خدمات لمانحي «مؤسسة كلينتون الخيرية». وسيحقق الكونغرس حتماً في ما إذا حصل فعلاً تدخل من الوزارة المعنية بجهود الـ»أف بي آي»، وسيفتح من دون شك تحقيق آخر حول ما كشفته شبكة «آي بي سي» مؤخراً عن منح وزارة الخارجية معاملةً خاصة للمؤسسة المذكورة خلال اعمال الإغاثة التي تلت زلزال هايتي..إلى آخر التحقيقات المحتملة ضمن سلسلة «كلينتون غايت».

هكذا تكرّ سبحة فضائح هيلاري وعائلتها، الأضخم في التاريخ الأميركي، ولكن السؤال الذي يحير الاميركيين هو لماذا تبرأ الوزيرة السابقة منها على التوالي، إلى حدّ وصفها من قبل أحد السياسيين الجمهوريين بـ»الساحرة»، لكن الأمثل في التعبير، قد يكون مصطلح النظام الفاسد الذي يصبغُه دوماً ترامب، على واشنطن، التي تدار فيها معركة تصفية الآثار السلبية لفضائح العهد الأميركي الجديد المحتمل، واحدةً تلو الاخرى.

وتُعتبر قضية البريد الإلكتروني الخاص لكلينتون الأكثر خطورة ضمن سلسلة الفضائح المرتبطة باسم عائلتها. فعندما كشف المراسل في «نيويورك تايمز» مايكل شميدت أن الوزيرة السابقة كانت تستخدم بريداً خاصاً خلال فترة توليها للمنصب الديبلوماسي الأعلى في البلاد، اعتبر هذا الكشف بمثابة الضربة القاضية لطموحات السيدة الاولى السابقة للعودة إلى البيت الابيض من أكبر ابوابه. رغم ذلك، اكملت كلينتون مسيرة ترشحها، إلى ان اعلنت وزارة العدل في تموز الماضي أنها لن تلاحق المرشحة الديموقراطية بتهم جنائية، ما أزال أي تهديد بإمكانية ادانتها قبل الاستحقاق الانتخابي. رغم ذلك، تبقى القضية سيفاً معلقاً على رقبة آل كلينتون، ولهذا لسبب ترددت أصداء كلمات جايمس كومي بقوة خلال الأسبوع الأخير من الحملة الانتخابية، عندما أعاد فتح التحقيق في الملف.

وترتبط قضية البريد الإلكتروني الخاص لكلينتون بقضية بريد وزارة الخارجية في عهدها، وهو ملف منفصل يجري التحقيق فيه في إطار مدى الخطر الذي سببه إهمالها لعشرات الرسائل التي كان يجب أن تصنف ضمن خانة «السرية». وهنا يستغل الجمهوريون هذه القضية، لاتهامها بتسهيل وصول ربما عشرات آلاف الرسائل إلى ايدي «الأعداء»، وتحديداً إلى الصين وروسيا.

ولم يكن ما كشفه شميدت حول بريد كلينتون الخاص، محضُ صدفة. فما سهّل الوصول إلى الـ «ايميل غايت»، فضيحة أخرى كانت مفتوحة على مصراعيها، ولم تغلق حتى اليوم، وهي فضيحة بنغازي، رغم تراجع حدتها مع صدور تقرير لجنة التحقيق في مجلس النواب حولها في 28 حزيران الماضي. وقدمت المرشحة الرئاسية إفادتها حول القضية للمرة الاولى خلال الشهر الحالي، فيما يخشى من تسريبات جديدة لـ «ويكيليكس» او كشف من قبل وزارة الخارجية عن رسائل الكترونية جديدة تتعلق بالهجوم الذي استهدف السفارة الاميركية في بنغازي في العام 2012، من إعادة الملف إلى نقطة الصفر.

وبالتزامن، فتحت «بنغازي غايت» فضيحة ثانوية تصنفُّ ضمن خانة «الخفيفة الأضرار»، وهي تلك التي تتعلق بسيدني بلومنتال، الصحافي المقرب من العائلة، والذي أرسل إلى كلينتون عشرات الرسائل المصنفة ضمن خانة «الفائقة السرية».

وفي آخر مراسلات مدير حملة كلينتون جون بوديستا المسربة، اعتبر الأخير أن بلومنتال، الذي اختفى عن الأضواء بعد مشاركته في «حروب آل كلينتون» داخل البيت الأبيض في تسعينيات القرن الماضي، «هو أسوأ اصدقاء العائلة». وفي الواقع، فقد خرج استخدام كلينتون لبريد خاص إلى العلن للمرة الاولى، عندما تمكن مقرصن روماني يدعى مارسيل ليهيل لازار من اختراق بريد بلومنتال، وكشف ذلك موقع «غوكر» في العام 2013، ليفتح الـ»أف بي آي» تحقيقاً في الملف إثر ما كشفته الـ «نيويورك تايمز» ومراسلها شميدت في 2015. ويرتبط بلومنتال، الذي ردد ترامب اسمه أكثر من مرة خلال حملته الانتخابية، كذلك، بالملف الليبي، حيث يكشف بريد كلينتون النصائح التي قدمها لوزيرة الخارجية السابقة، وهو مهندس فكرة التصريح الأميركي الصادر عن «الخارجية» بان هجوم بنغازي كان «عفوياً»ً، ولم يثبت تورط الإسلاميين من «القاعدة» به.

واخيراً، لا تقف فضائح آل كلينتون عند حدودها «البريدية». من «وايتووتر» التي تتعلق باستثمارات آل كلينتون ومساعديهما جيم وسوزان ماكدوغال العقارية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، والتي تعرف بـ»الأيام القديمة السيئة»، إلى «تروبرغات» وما تلاها من فضائح بيل كلينتون الجنسية (بولا جونز، مونيكا لوينسكي...)، إلى الخطابات المدفوعة للرئيس الأميركي الاسبق وزوجته، إلى المنح المثيرة للريبة لمؤسستهما الخيرية، وصولاً إلى العلاقات الملتبسة مع «وول ستريت»، وقضيتي المساعدتين شيريل ميلز وهوما عابدين.. نفق طويل من الفضائح التي قد تنهي «شهر العسل» الجديد لآل كلينتون في البيت الأبيض، قبل أن يبدأ.. لو قدّر له أن يبدأ.

نشرت للمرة الأولى في "السفير"