هل تغير سياسة ترامب الشرق أوسطية المنطقة برمتها
تفاقم الوضع في سوريا... سياسة الولايات المتحدة مع الأخذ بالاعتبار حلفائها... الاتفاق على برنامج إيران النووي... جميعها ستبقى قضايا الساعة على جدول الأعمال في الشرق الأوسط.
جاء انتخاب دونالد ترامب بصفته الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة بمثابة مفاجأة كاملة للجميع: في المؤسستين السياسية والدبلوماسية الأمريكية، وجمعيات الخبراء – حيث كان كل منهم، مثل أي شخص آخر، على ثقة من أن هيلاري كلينتون ستفوز في الانتخابات. ورغم أنه وحتى هذه المرحلة لا وضوح كامل فيما يتعلق بالسياسة الخارجية لترامب (باستثناء حقيقة أنها ستكون مختلفة جذريا عن الشعارات الكبيرة التي رفعت في حملته الانتخابية)، إلا أن العديد من الخبراء والمحللين يناقشون بشكل جوهري فحوى هذه السياسة وما قد يتبعها.
ليس لدينا أية فكرة عمن سيكون في فريق ترامب مسؤولا عن التعامل مع شؤون الشرق الأوسط، وخاصة الصراع السوري. لم يتبن الرئيس المنتنخب أية التزامات محددة فيما يتعلق بالنزاع السوري وعموما لم يعد بشيء مطلقا، بل أطلق بضعة شعارات شعبوية يمكن تفسيرها بعدة وجوه.
من هذا المنطلق، السؤال الكبير الذي يطرح نفسه: من الذي سيكون أفضل بالنسبة لروسيا، لسوريا وللشرق الأوسط بأكمله؟ – أهو شريك غير مريح على الإطلاق، شريك يمكن التنبؤ به مثل هيلاري كلينتون؟ أم شريك غير معروف نهائيا، ولكنه واضح براغماتيا وصارم؟
الفرصة المحتملة من الواضح أن تغيير الإدارة في البيت الأبيض سيجعل من الممكن إعادة النظر إلى حد ما في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وسوف يخلق "فرصة" لإيجاد طريقة للخروج من الطرق المسدودة. وتبقى، على وجه الخصوص، مسألة تفاقم الوضع في سورية واستمرار السياسة الامريكية الأخيرة، قضايا رئيسية على جدول الأعمال في الشرق الأوسط. وتهدد هذه القضايا بتردي العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة إلى حدود أبعد.
في الأشهر الأخيرة، توقعت الحكومة السورية أنه في أعقاب فوز كلينتون فإن أمريكا ستعمل على تبني موقف أكثر حدة في دعم المعارضة السورية من خلال تقديم صواريخ محمولة مضادة للطائرات، والتي جرى توريدها فعليا، وإن لم يكن من قبل الولايات المتحدة.
وعلاوة على ذلك، كان من المتوقع أن الأمريكيين سوف يكونون قادرين على ضمان منطقة حظر جوي في شمال سوريا، والتي من شأنها أن تخلق خطر نشوب صراع عسكري مباشر بين روسيا والولايات المتحدة. ومن الواضح أن مثل هذا الصراع لن يفيد أحدا، والآن ومع فوز ترامب، تظهر فرص جديدة لاستبعاد مثل هذا السيناريو.
ومع ذلك، فإن النشاط العسكري الروسي في حلب وحمص وإدلب جنبا إلى جنب مع استخدام صواريخ "كاليبر" المجنحة في هذا الوقت بالذات، حيث لا يزال باراك أوباما في السلطة، قد يؤدي إلى عواقب خطيرة جدا.
ومن المرجح أن تزداد حدة الانتقاد الكاسح لروسيا على الخسائر المدنية، والتي لم تهدأ في الصحافة الغربية والعربية. والتي ستجبر البيت الأبيض على اتخاذ نوع من القرار. وبما أن الادارة الامريكية الحالية مفرغة من أي التزامات للإدارة القادمة ولا تسعى عموما إلى خلق ظروف مريحة لترامب عند توليه مهام منصبه، فإنه يمكن أن تتخذ تدابير صارمة أكثر ضد موسكو، مع ما سيتبعها من عواقب يمكن أن يكون من الصعب التعامل معها.
انسحاب منظم أما بالنسبة لطيف واسع من القضايا المتعلقة بالسياسة في الشرق الأوسط وتوقعات فريق ترامب الجديد، فإن أولى الأولويات هنا هي الاستراتيجية الأميركية الشاملة في الشرق الأوسط، وسياسة الولايات المتحدة فيما يتعلق بحلفائها، وعلى رأسهم إسرائيل، وكذلك مشكلة البرنامج النووي الإيراني.
من ناحية، الدول العربية حليفة الولايات المتحدة – السعودية ودول خليجية أخرى – أعربت عن استياء واضح من سياسة إدارة أوباما. فهم يعتقدون أن واشنطن بتقاربها مع ايران، ستخون حلفاءها، وتحد من دعمهم في الشرق الأوسط، ما سيعرض أمنهم للخطر.
وعلى أمل أن هذه السياسة قد تتغير مع الإدارة الجديدة، فقد دعمت مشيخات دول الخليج كلينتون بشكل علني تقريبا. وقال ترامب أنه يخطط لمراجعة العلاقات مع حلفاء واشنطن وجعلهم أقل تكلفة للولايات المتحدة، أي الاستمرار جوهريا بسياسة أوباما، ولو بطريقة مختلفة ولأسباب مختلفة.
يمكننا أن نتوقع ذلك، فمن جهة، ستستمر سياسة الانسحاب من الشرق الأوسط عموما ويجب عدم توقع أي تدخل صريح. ومن ناحية أخرى، من المرجح أن تستمر سياسة إقامة نظام إقليمي جديد أيضا. ومع ذلك، فإن هذا لا يعتمد على من يكون ساكن البيت الأبيض - فالأمر ضرورة موضوعية. و السؤال الكبير، هو كيف بالضبط سيحدث هذا. أما بالنسبة للاتفاق مع إيران، وعلى الرغم من أن فكرة تنفيذه هي السائدة في جميع أنحاء مجتمع الخبراء، فإن لترامب موقفا مختلفا، ولكن من غير الواضح ما اذا كان بإمكانه التمسك به.
إذا هدأت التوترات مع روسيا، فربما تتمكن موسكو وواشنطن من التوصل إلى اتفاقات معينة. ومع ذلك، فإن المشكلة الرئيسية الآن، أنه ليس من الواضح في الوقت الراهن من سيكون ضمن فريق ترامب، وما ستكون استراتيجية واشنطن في منطقة الشرق الأوسط. والوضع سيتضح أكثر بحلول ابريل/نيسان عام 2017.