هل تنسجم واقعية ترامب مع انتصار المحور الأوراسي في سوريا

21.11.2016

استمرت سياسة إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته باراك أوباما بعنادها حتى أنفاسها الأخيرة بالتمسك بخيارات جناح الصقور في الولايات المتحدة فيما يتعلق بالملف السوري والقفز فوق الحقائق والوقائع والاختباء وراء الإصبع، بما في ذلك مواجهة روسيا في الميدان السوري ( كما في معظم الملفات الدولية)، الأمر الذي لم يحقق سوى فشل أمريكي واضح وتضحية بالحلفاء وتناقض في التصريحات وإطالة أمد الحرب السورية المدمرة من خلال الدعم الأمريكي لفصائل ما يسمى "بالمعارضة المعتدلة" التي تقاتل جنبا إلى جنب مع مجموعات تنظيم "جبهة النصرة" في كل مكان في سوريا وعجزها عن فصل هذه الفصائل التي تعتبرها "معتدلة" عن جبهة النصرة (بالرغم من المطالبة الروسية المستمرة بضرورة ذلك) وعرقلة جميع محاولات وفرص التسوية والحل السياسي في سوريا.
مسألة تغيير السياسات الأمريكية في سوريا هي ليست مجرد خيار لدى الإدارة الأمريكية الجديدة في البيت الأبيض بقدر ما هي ضرورة تفرضها المتغيرات على الأرض السورية، فالطرف الذي كانت تدعمه الإدارة الأمريكية السابقة (المعارضة المعتدلة) لم يحقق المطلوب منه وأصبح في مرحلة التراجع البطيء والمحتوم أمام الجيش السوري وحلفائه والمدعوم من قبل روسيا التي أصبح صوت مقاتلاتها الحربية يجلب الطمأنينة إلى نفوس السوريين، ويبدو أن واقعية الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب تنسجم مع هذا الواقع حيث يتوقع كثيرون أن قدوم ترامب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة سيؤدي إلى تغيير كبير في السياسيات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وخاصة في سوريا. وقد أكد ترامب، إلتزامه بالسياسات الخارجية التي طرحها خلال حملته الإنتخابية، وخاصة تلك المتعلقة بالأزمة السورية والعلاقات مع روسيا، إذ جدد رفضه محاربة الرئيس السوري بشار الأسد، على حساب القضاء على تنظيم "داعش"، كما أكد انه سيتجنب مواجهة روسيا في سوريا.
إن اختيار ترامب لسياسة التوافق والانسجام مع روسيا حول الملف السوري سيؤدي إلى تجنب الوصول إلى مرحلة الانفجار الشامل للمنطقة التي لا يرغب بها أحد (بما في ذلك جناح الصقور والنخبة في الولايات المتحدة) والذي سيكون تأثيره على الجميع بدون استثناء.
بالطبع سيحاول ترامب التعاون مع روسيا لحل الأزمة السورية وفق مبدأ الخروج بأقل الخسائر الممكنة بما في ذلك عدم خسارة الولايات المتحدة لحلفائها الإقليميين، وهذا أمر معقد في ظل تشابك الملفات والصراعات وعلى حساب من سيكون الحل، فلن يستطيع الإبقاء على النفوذ الكردي في سوريا كما هو عليه الآن وذلك لأن تقسيم سوريا هو خط أحمر بالنسبة للمحور الأوراسي وكذلك بسبب المعارضة التركية لهذا النفوذ الكردي وبالتالي سيضطر الأكراد في سوريا بالقبول بالدولة السورية، بالنسبة للتوغل التركي كذلك الأمر فإن الحل في سوريا سيشمل حكما خروج القوات التركية بالكامل لأنها تتموضع الآن شمال مدينة حلب التي يعتبر الوضع فيها محسوم لصالح قوات الجيش السوري المدعومة من قبل القوة الجوية الروسية.
إذا نفذ ترامب سياسته التي أعلن عنها حول سوريا فسوف يحقق بعض الإيجابيات التي لم ولن تستطيع السياسة الأمريكية في عهد أوباما تحقيقها في سوريا، من هذه الإيجابيات أن بعض حلفاء الولايات المتحدة قد يدخلون في التسوية النهائية للحرب السورية، وهذا سيحافظ على الحد الأدنى من المصالح الأمريكية في سوريا، ثانيا إن تركيز الجهود على محاربة "داعش" سوف يؤدي إلى التخلص السريع من هذا التنظيم الإرهابي الذي يشكل خطرا على العالم بأسره وهذا سيعتبر خطوة لصالح الأمن العالمي، ثالثا إن التفاهم مع روسيا في سوريا سيحقق التوازن في النظام الدولي الجديد المتعدد الأقطاب دون الدخول في حرب عالمية ثالثة أو حرب باردة تكلف الولايات المتحدة الكثير، ورابعا إن المساهمة في إيقاف هذه الحرب في سوريا سيؤدي إلى توقف تنامي السخط والكره للولايات المتحدة وسياساتها المدمرة العابرة للحدود.
وفي هذا الصعيد، اعتبر النائب السابق جاك كينغستون، وهو مستشار لترامب، أن سوريا ستشكّل تحدياً ضخماً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن الرئيس المنتخب سيسعى إلى "تفعيل كل الأدوار، بينها الدور العربي، والبحث مع روسيا في وسائل إنهاء الحرب".
وقد بدأت تتوضح معالم الإدارة الجديدة للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بعد موجات من التسريبات عن رموز هذه الإدارة، وخلافاً للتوقعات يبدو ميت رومني المرشح الرئاسي الجمهوري السابق الأوفر حظاً لوزارة الخارجية، وأنّ السباق بينه وبين رئيس مجلس النواب السابق نيوت غينغريتش، وفي وزارة الدفاع يدور التنافس بين السناتور السابقة كيلي ايوت والجنرال المتقاعد جوزيف كيلوج، والأسماء الأربعة تشبه شخص وسيرة نائب الرئيس مايكل بنس كشخصيات غير مثيرة للجدل تتسم بالمحافظة والتاريخ الهادئ سياسياً، والإنتماء لأفكار عريضة يتبناها الجمهوريون ما يجعلهم الأبعد عن صناعة السياسة في عهد ترامب والتحوّل إلى منفذين منضبطين وحرفيين للسياسات.
ويتقدّم اسم الجنرال مايكل فلين كمستشار للأمن القومي في عهد ترامب ليلعب دوراً في إدارة المخابرات والأمن من جهة والدبلوماسية والسياسة الخارجية من جهة مقابلة، والجنرال فلين قائد سابق للقوات الخاصة في البنتاغون ورئيس سابق للمخابرات العسكرية، خرج من الخدمة بخلاف مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، بعد انضمامه إلى إدارته رفضاً للحرب الأميركية في العراق انطلاقاً مما وفرته من بيئة مناسبة لنمو الإرهاب، وسجل تجاه الحرب في ليبيا تحفظاً مشابها، وكان محور خلافه مع إدارة أوباما تقديم أولوية إطاحة الرئيس السوري على أولوية الحرب على الإرهاب، وبالرغم من المعطيات التي زوّد بها الرئيس أوباما حول تجذّر بنية جبهة النصرة ومؤشرات ولادة داعش، عام 2014 قوبل بالتجاهل من الرئيس أوباما ما دفعه للاستقالة، واللافت في سيرة فلين تبنّيه من موقع التنافس مع روسيا على الأدوار الدعوة الصريحة للتعاون مع موسكو في مكافحة الإرهاب، ولا يخفي فلين علاقة صداقة تربطه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من موقعيهما السابقين في الاستخبارات العسكرية لبلديهما.
ويمكن توقع سياسة ترامب من خلال خطابه غير المألوف والمتضمّن مواقف تتخطى شجاعة شخص، فكرياً وسياسياً، من حجم الدعوة للتعاون مع روسيا، وضمان «إسرائيل» بالمال والسلاح، والخروج من الحرب في سورية واليمن نحو تسويات عنوانها أولوية الحرب على الإرهاب، وإعادة النظر بالعقيدة السياسية والأمنية لواشنطن لحصرها بمكافحة الإرهاب والمخاطر على الأمن الأميركي، والتخلي عن استراتيجيات تغيير الأنظمة بذريعة التسويق للديمقراطية.
وكان وليد فارس مستشار دونالد ترامب للشؤون الخارجية (في مرحلة الحملة الانتخابية) كشف عن عدم وجود أي مشروع أمريكي لتقسيم سوريا، وأشار أيضا إلى إشراك جميع القوى السورية في المفاوضات بمن فيهم الكورد لإيقاف الحرب المستمرة منذ نحو خمس سنوات.
وقال فارس في حوار مع صحيفة "الحياة" اللندنية "سيكون هناك اتفاق روسي أمريكي من أجل حل الأزمة السورية وعلى رأس أولوياتنا القضاء على إرهاب تنظيم داعش. هذا الأمر عامل مشترك بين كل الأطراف يجب إنهاء داعش بل واستئصاله وتجفيف منابع الإرهاب".
وتابع فارس "للأسف إدارة الرئيس أوباما غير جادة في ذلك، والعكس صحيح، هي التي سمحت بظهور داعش بل وقوته ودعمت الجماعات الإسلامية المتشددة مثل النصرة وغيرها، لن يكون هناك تقسيم لحدود أي دولة في العالم ما لم يطالب بذلك شعبها".
وكانت صحيفة غارديان قد قالت إن ترامب عبّر عن عزمه إنهاء الدعم الأميركي للمعارضة السورية المسلحة رغم طلبها المساعدة منه، وقالت "صنداي تلغراف" إن بريطانيا تواجه أزمة دبلوماسية مع الولايات المتحدة بشأن خطط الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب للتحالف مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتعزيز النظام السوري.
والسؤال الذي ننتظر الإجابة عليه، هل ستتماشى واقعية سياسة ترامب مع المنطق في حل الأزمة السورية الذي يفرض بقاء سوريا بسلام موحدة بجيش واحد وإدارة واحدة، أم أن مسلسل العناد في دعم الفصائل المسلحة خارج نطاق الدولة السورية ومواجهة إرادة الشعب السوري وروسيا سيستمر وبالتالي استمرار التخبط الأمريكي والأزمة السورية.