هل نشهد بداية تحالف روسي إيراني؟
هناك عدد من الأسباب الاقتصادية والجيوسياسية تدعو روسيا للتحالف الأوسع مع إيران، وأهمها الرغبة في كبح نفوذ الولايات المتحدة في العالم.
روسيا تضرب الإرهابيين في سوريا منذ عام تقريبا، القرب الشديد بين القوات الجوية الروسية والقوات البرية الإيرانية أثار بالضرورة الكثير من التساؤلات حول العلاقة بين البلدين. القتال معا في الحروب- حتى تلك الحرب المعقدة في سوريا - يحدث عادة بعد أن يكون شيئا من التحالف قد تم فعلا، إلا أن العديد من المحللين والمعلقين مترددون في الاعتراف بذلك.
وهم يصرون على أن هذه العلاقة النشيطة هي علاقة مؤقتة ناتجة عن تقاطع المصالح وحججهم تصنف في فئتين: تاريخية وواقعية. وهي لا تقدر ظروف روسيا الصعبة ولا التحولات النموذجية التي يشهدها البلدان.
وجهة النظر التاريخية تقول إن روسيا وإيران كانتا على خلاف على مدى القرنين الـ19 والـ20 وهذا النمط سيتواصل ويتكرر. حتى معاهدة 1828 بين الإمبراطورية الروسية وإيران والتي تنازلت فيها إيران عن الكثير من أراضي أرمينيا وأذربيجان إلى الإمبراطورية الروسية، "لم تُنس بعد في طهران"، وسيكون لها بالتأكيد أثر سلبي على العلاقات الحديثة.
وتقول الحجة الأكثر إقناعا إنه في التاريخ الحديث كلما شهدت روسيا أو إيران علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة ينخفض الاهتمام في بعضهما البعض في شكل كبير وحتى قد يتوقف التعاون المسبق بناء على العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة، ولكن في كل الأحوال فالعلاقات تسير بسرعة في كل اتجاه. وقد تدمرت علاقة روسيا مع الغرب على المدى الطويل بسبب ضم شبه جزيرة القرم والنزاع في شرق أوكرانيا.
في الوقت نفسه فإن إدارة أوباما شددت مؤخرا من موقفها تجاه إيران، بعد أن كانت تتعرض لاتهامات بأنها كانت لينة للغاية عند التفاوض على الاتفاق النووي. وقد أكد مرشحا الرئاسة الأمريكية أنهما سوف يكونان أكثر صرامة مع إيران، وبالتالي لا يمكن أن نتوقع تقاربا أو ازدهارا مفاجئا للعلاقات مع الولايات المتحدة يعرقل العلاقات الروسية الإيرانية.
وأخيرا، يسمع المرء أن روسيا وإيران هما المنافسان اللذان لا يمكن التوفيق بينهما. هما يتنافسان على النفوذ في آسيا الوسطى - وخاصة في بحر قزوين الغني بالموارد الطبيعية – كما أنهما أصحاب أكبر احتياطي وثاني أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم، هما متأكدان من التنافس الشديد وخاصة الآن بعد أن رُفعت العقوبات عن إيران ودخلت إلى السوق من جديد.
كل من روسيا وإيران قد يطمح أيضا بالهيمنة الإقليمية في آسيا الوسطى، ولكن هذا لا ينبغي أن يقلل من حقيقة أن لكل منهما مشاكله في مكان آخر. منطقة روسيا المرغوبة هي أوروبا بينما منطقة إيران هي الشرق الأوسط، ولابد من وجود تحد جاد للآخر في المنطقة المفضلة الخاصة به.
ربما يتدخل الطرفان على حد سواء في سوريا، لكن في جميع أنحاء الشرق الأوسط تسعى روسيا لأن تكون زبونا فقط في حين تسعى إيران لتكون أحد العملاء. وعلاوة على ذلك فإمكانية إيران بأن تسبب اضطرابا في تجارة الطاقة بين روسيا وأوروبا - حيث تحصل روسيا دائما على معظم أرباحها - يتم المبالغة فيه بشكل كبير.
القرب الجغرافي يوحد بالضرورة التوجه الاستراتيجي نحو ضمان أمن آسيا الوسطى وبحر قزوين من نفوذ الولايات المتحدة. لقد عززت كلا الدولتين وجودهما البحري في قزوين في السنوات الأخيرة، ولكن المناورات العسكرية المشتركة مثل تلك التي حدثت في أكتوبر يصعب أن يتوقعها المرء بين القوى المتنافسة.
تحويل النماذج في موسكو وطهران
الخطأ الأساسي في هذه التحليلات هو تجاهل أو التقليل من التغيرات الهائلة التي تجري في روسيا وإيران. وهذه إيران المنبعثة بعد عقود من العقوبات والعزلة، في حين أن روسيا تعيش في عالم ما بعد الحرب الباردة التي بدأت في عام 1991. تحول إيران هو تحول مهم ولكن تحول روسيا هو تحول مفتاحي لأنه يحدد قوة العلاقة المزدهرة.
ما سبب الأذى لروسيا هو حرق الجسور مع الغرب من خلال التدخل في أوكرانيا، لقد وجدت روسيا القليل من الراحة في التمحور مع الصين التي استغلت ضعف روسيا وساومت لتأمين الغاز الرخيص في حين رفضت تقديم الدعم الدبلوماسي للسياسة الخارجية لروسيا. ومن هنا تسعى روسيا لتأمين شركاء استراتيجيين جدد، وكان هذا هو القوة الدافعة وراء تحسين العلاقات مع إيران.
تمت متابعة إيران بسلسلة من الأعمال ذات المصداقية والربحية وغير المتقابلة بالمثل إلى حد كبير. على الرغم من كونها في وسط حرب هجينة في أوكرانيا، فقد عملت روسيا بلا كلل من أجل تأمين الاتفاق النووي الإيراني وشيدت واحدة من انجازات الرئيس الأمريكي أوباما.
هذه الاتفاقية حررت إيران من عقوبات شديدة وأوقفت التدخل العسكري الذي أصبح يشكل تهديدا حقيقيا للغاية. وعلاوة على ذلك فإن الاتفاق يضمن إعادة فرض العقوبات إذا اكتشفوا أن إيران تغش وسيكون من الصعب أن تبطل الاتفاقية بأكملها. كما تطوعت روسيا من خلال شركة الطاقة النووية الروسية (روساتوم) لمعالجة مخزون إيران من اليورانيوم منخفض التخصيب من 8.5 طن إلى 300 كيلو كما هو محدد في الاتفاق وكذلك لـ140 طنا من اليورانيوم الطبيعي.
في حين أن إدارة أوباما قد تعاملت مع إيران بشكل بارد ولاسيما حول الاتفاق النووي، فإن روسيا بدأت بمغازلة إيران. وقد واصلت الضغط من أجل المصالح الإيرانية على طاولة المفاوضات، وكذلك كانت تعمل بشكل منهجي لتهدئة كل الخلافات بينها وبين إيران.
ترسيم حدود بحر قزوين بين الدول المطلة، على سبيل المثال، كان سببا لتوتر العلاقات بين (روسيا وإيران وأذربيجان وتركمانستان وكازاخستان) منذ انهيار الاتحاد السوفيتي. لكن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، توقع الآن أن تحل هذه المسألة في قمة العام المقبل بعد "بضعة أشهر" من العمل المكثف.
كان هناك قضية مؤلمة بشكل خاص بالنسبة لإيران وهي تنكر روسيا لبيعها منظومة صواريخ أرض-جو S-300PMU-1 في عام 2010 نتيجة للضغوط الغربية. قدمت إيران في وقت لاحق دعوى قضائية ولكن مع أول الشحنات لمكونات النظام ووصولها إلى إيران في ابريل من هذا العام، "استقرت الأوضاع على المستوى السياسي"، وفقا لنائب رئيس الوزراء الروسي ديمتري روغوزين.
تأتي أخيرا سوريا. فمن الواضح إن لدى روسيا أسبابها الخاصة للتدخل في سوريا، ولكن لم يتم استكشاف فكرة أن هذا التدخل كان بدافع الرغبة في استرضاء إيران، التي أرادت هذا التدخل منذ فترة طويلة لكي يكون سلاح الجو حاسما في المعركة وأن إيران وسوريا لا يملكان مثل هذا السلاح القوي.
وكانت أهداف روسيا نفسها في سوريا غامضة في أحسن الأحوال، ولكنها لا تصل لدرجة الخيال بأنها تسترشد برأي القادة الإيرانيين في تحديد مهامها. وفقا للمنشقين، فإيران تسيطر بالفعل على الكثير من الجيش السوري بما في ذلك قوة الدفاع الوطني وحزب الله، وكانت المستفيد الأول من الضربات الروسية. حتى حزب الله يتباهى بتقديم المعلومات الاستخباراتية لدعم الطلعات الروسية.
ما تريده روسيا
هناك أسباب اقتصادية ملموسة للتعاون مع إيران في هذا السبيل. تأمل روسيا بالحفاظ على الروابط التجارية القائمة في وجه المنافسة الغربية القوية ولكن أيضا تأمل في توسيع التجارة في المناطق التي لم تعد مقيدة بالعقوبات، والاستفادة من 30- 100 مليار دولار من الأصول الإيرانية بعد رفع التجميد عنها نتيجة الاتفاق النووي.
الهدف السابق يعتمد إلى حد كبير على مدى استعداد الشركات الغربية للاستثمار في إيران، وعلى قدرة الإصلاحيين في إيران على تنفيذ أجندتهم الموالية للغرب. في مجالات الطاقة النووية والدفاع، روسيا تجني فوائد كبيرة من الرأسمال الإيراني الجديد.
تعهدت شركة روساتوم ببناء محطتين إضافيتين من محطات الطاقة النووية في بوشهر، موقع المفاعل الذي تبنيه روسيا حاليا، كما تعهدت بإعادة تصميم محطة فوردو لتخصيب اليورانيوم في إيران وفقا للاتفاق النووي. بيع أنظمة الصواريخ S-300 أرض-جو سوف تحقق ربحا صافيا حوالي 800 مليون دولار، وإيران تأمل أن تنفق 8 مليارات دولار أخرى على المعدات العسكرية الروسية، بما في ذلك طائرة هليكوبتر طراز Mi-8 وطراز Mi-17، وأنظمة الدفاع الساحلية والطائرة متعددة الأدوار سو 30SM. في حين لم يكن أي من هذه الصناعات يشكل أهمية بالنسبة للاقتصاد الروسي مثل مصادر الطاقة، لكن مثل هذه الصفقات ستوفر بعض الراحة في الظروف السيئة الحالية.
أكثر من أي شيء آخر تأمل روسيا بأنها سوف تكسب المعركة من أجل مستقبل إيران السياسي، وأنها سوف تصبح عضوا قويا في ائتلاف مناهض للغرب تعمل عليه روسيا لعدة سنوات. وخلافا للعديد من الأعضاء الحاليين مثل الصين والهند وغيرهما من القوى الصاعدة - المتذمرة من ازدهار الأحادية القطبية الأمريكية، فإيران تشترك حقا بجدول أعمال روسيا المناهض للغرب وكذلك وجود رغبة نادرة لتفعيل هذا بالقوة.
وهذا قد يعني عضوية إيراني في منظمة شنغهاي للتعاون، والتي هي الآن قيد المناقشة بشكل جدي، فضلا عن الاتفاقات مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي. ولكن حتى لو لم يتحقق ذلك فإن جبهة تتشكل على نحو متزايد، تمتد من أوروبا إلى آسيا، مع هدف أساسي لتحقيق تأثير أقل للولايات المتحدة في العالم. كان هذا منذ فترة طويلة هدف روسيا، وقد وجدت في إيران حليفا قويا ومستعدا.