إيران والتعددية القطبية

24.05.2016

وسائل الإعلام:
وسائل الإعلام في الجمهورية الإسلامية هي متعددة القطبية جدا وتعزز الرسائل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية البناءة. طهران تحسنت بشكل ملحوظ من الحالة السابقة (ولذلك ما يبرره) "أرثوذكسية العداء لأميركا" إلى شكل أكثر واقعية بكثير من خلال التعاون مع واشنطن في التفاوض على اتفاق نووي تاريخي، لكنها لا تزال تحتفظ بدرجة عالية من الشك حول دوافع الولايات المتحدة وتنتقد الولايات المتحدة بانتظام على كل وسائل الإعلام لديها. في هذه اللحظة من الزمن، لا توجد تأثيرات لوسائل الإعلام أحادية القطب في ممارسة الضغط من الداخل في الإعلام الإيراني.ا

الأوضاع الاقتصادية:
بسبب العقوبات الغربية الموسعة ضد إيران، فإن الجزء الأكبر من التبادلات الاقتصادية الدولية في البلاد هي مع آسيا، على الرغم من انه من المتوقع أن تصبح أكثر توازنا في العقد القادم بعد زوال هذه القيود من أطراف متعددة. إيران تعمل بالفعل في جولة تسوق بمليارات الدولارات من أوروبا وإنفاق مبلغ هائل من المال، وقد نجحت في استمالة مليارات الدولارات من الاستثمارات الغربية للقدوم إلى البلاد خلال هذه الفترة. ومن المتوقع أن الإستراتيجية الإيرانية تعتبر البلاد نقطة ارتكاز اقتصادي بين الشرق والغرب، والمغناطيس الذي يحصد الأرباح المالية نتيجة لموقعها الجغرافي الاستراتيجي المفيد.
مهما كانت الرؤية إيجابية، فإن إيران لا تزال بحاجة إلى أن تبقى يقظة للخطر الاستراتيجي الذي يأتي مع تدفق النفوذ الاقتصادي الغربي إلى داخل البلاد، لأن الولايات المتحدة ستمارس بالتأكيد "الضغط" للحصول  على النخبة السياسية والعسكرية منذ أن خسرت واشنطن العلاقات الاقتصادية مع طهران منذ عقود. يمكن لبعض القوى الأوروبية أيضا أن تعمل بهذه الصفة، لذلك لا يجوز أن يكون لدى إيران الثقة بسذاجة من جديد "بالشركاء الغربيين" مهما كانت الاستثمارات أو المنتجات مغرية.
زيادة مبيعات الطاقة إلى الغرب ستؤدي بشكل متوقع إلى زيادة في التخطيط الاستراتيجي لهذه الدول بما يخص إيران، ولكن هذا يعني من ناحية أخرى أن أي إخلال ممكن بالمبيعات (نتيجة لفرض عقوبات جديدة من قبل الغرب) قد يعيد إيران بالفعل إلى التبعية للغرب ما قد يؤدي إلى عواقب اقتصادية سلبية لطهران. يمكن التعامل مع هذا الاحتمال من خلال الحفاظ على علاقة قوية في مجال الطاقة مع الهند، التي لديها بالفعل مع إيران علاقات متميزة وتسير على الطريق الصحيح لتطوير أبعد من ذلك، ولكن الذي يحمل طهران مخاطر أيضا هو الأهواء الجيوسياسية لنيودلهي. فإذا واصلت الهند المسيرة الموالية للأحادية القطبية، فعلى إيران من خلال وصلات الطاقة مع شبه القارة أن تساهم في تحقيق التوازن مع الصادرات المستقبلية المتجهة  نحو أوروبا، والانجرار معها إلى حد ما، للتخفيف من الإجراءات التخريبية لنيودلهي، لاسيما إذا كانت تسمح باستخدام أراضيها لمساعدة محتملة  للقوى المعادية لروسيا والمشتركة في الفناء الخلفي لآسيا الوسطى مع الصين.
المؤسسات:
إيران ليست طرفا في أي مؤسسات موالية صراحة للأحادية القطبية أو لديها أية نية بأن تكون كذلك، وعلى العكس من ذلك، إيران تريد الانضمام إلى منظمة شانغهاى للتعاون متعددة القطبية في أقرب وقت ممكن. وقد قرر هذا سابقا قبل رفع عقوبات مجلس الأمن الدولي ولكن روسيا والصين وافقتا في الواقع بشرط رفع العقوبات، فمن الممكن أن انضمام إيران إلى هذه المنظمة ربما سيستغرق يوما واحدا. ليس هناك جدول زمني يمكن التنبؤ به بدقة، كما ان المنظمة ما زالت تحتاج الى استكمال انضمام أعضاء جدد مثل الهند والباكستان، والذي قد يستغرق بعض الوقت، ويغير المنظمة بشكل جذري. صحيح أنه من المحتمل جدا أن إيران سوف تنضم إلى منظمة شنغهاي للتعاون في يوم واحد، لكن لا يوجد موعد محدد متى سوف تبدأ العملية أو متى يتم الانتهاء منها.

الحاضنة الشعبية:
الشعب الإيراني هو من الشباب إلى حد ما، وإنها لحقيقة معروفة جيدا أن هذا النوع من الديموغرافيا عادة يكون أكثر تقبلا للمعلومات المؤيدة للأحادية القطبية ولحركات الاحتجاج في الشوارع النشطة. إن فشل "الثورة الملونة الخضراء" في عام 2009 يشهد على قدرة الولايات المتحدة على جلب الآلاف من المناهضين للحكومة من المحتجين إلى الشوارع، على الرغم من أنه ليس هناك مؤشر موضوعي موثوق حول إمكانية حدوث مثل هذا اليوم. إن ارتفاع الأصوات السياسية المعتدلة في البرلمان الإيراني يبدو أنه يشير إلى موقف أقل ما يقال عنه أنه يمثل عددا من السكان الذين لديهم ميولا للتعامل مع الغرب، مما يسهل بشكل غير مباشر الانخراط الأميركي (سواء الصريح أو الضمني،) مع جزء من النخبة السياسية الإيرانية.
قضية شعبية أخرى يجب الانتباه لها من قبل صناع القرار الإيراني وهي الهوية الإسلامية لدى الشباب. ليس هناك عيب في تبني أسلوب أكثر علمانية من السلوك الديني، ولكن المزيد من انجراف شباب الأمة عن الدور التوحيدي الذي جمعهم فيه الدين في وقت مضى منذ الثورة، يسهل للقوى (الموجهة من المخابرات) الأجنبية التأثير عليهم واحتضانهم "تغريبهم" وتوليد الاستياء ضد المؤسسة السياسية القائمة في وقت لاحق. وعلاوة على ذلك إذا انخفض التزام الشباب بالهوية الإسلامية المشتركة التي توحد جميع الجماعات العرقية والإقليمية المتباينة في البلاد، فهذا الأمر سيزيد من احتمال اندلاع التوتر الداخلي  بسبب اختلاف الهويات الأخرى.
في حالتي القوى "المعتدلة" (أحادية القطبية) أو "المحافظة" (متعددة القطبية) والممثلتين في الوقت الحاضر بالرئيس روحاني وآية الله خامنئي على التوالي، يمكن لأي اشتباك من أي نوع (ربما بسبب إزالة أكثر سرعة للعقوبات أو بسبب الشراكات الاقتصادية الغربية)، قد يكون الشباب عرضة للاقتراحات المثيرة للفتنة وتنظيم حركة تغيير للنظام ومعارضة السلطات، وقد كانت الثورة الملونة في عام 2009 تجربة مدمرة ومجربة ولم تعد متاحة منذ ذلك العام.
الوضع الجيوسياسي:
تشير الجغرافيا السياسية إلى أن إيران هي لاعب عالمي متعدد القطبية بشكل حاسم، كان لدى إيران كل الأوراق لاعتماد إستراتيجي لأداء هذا الدور في المستقبل القريب. على غرار تركيا تقع إيران في محور يربط بين الأقاليم، الأمر الذي يجعل منها واحدة من الدول الآسيوية الأكثر محورية. هي تمتد على منطقة القوقاز والأناضول والشرق الأوسط وشبه الجزيرة العربية وجنوب آسيا وآسيا الوسطى وبحر قزوين، وهذا الموقع الجذاب يجعل من يتوهم من كل القوى العظمى، بما في ذلك بالطبع الولايات المتحدة. أن المصير الجيوسياسي سوف يتأكد مرة أخرى من خلال نفوذها في جميع أنحاء هذه المناطق الواسعة، ولكن مع العامل الحاسم فيما إذا كانت نيتها متعددة القطبية أو أحادية القطبية.
في الفهم المتعدد القطببية العابر لأوراسيا في العالم، تجلس إيران بفخر إلى جانب روسيا والصين في كونها واحدة من المراسي الثلاثة للنظام العالمي الناشئ، ولكن هذا ينطبق فقط طالما أن آية الله خامنئي و"المحافظون" (الوطنيون متعددو القطبية) باقون على رأس الدولة الإيرانية. إذا كان ائتلاف "المعتدلين" يعمل ليحل محل صانع القرار المركزي وينشئ الاستخبارات العسكرية التي تقف وراءه، فإن إيران يمكن أن تصبح قوة جيوسياسية أحادية القطب قوية تهدد بشكل كبير نظام العالم متعدد الأقطاب.
ذلك لا يعني أن هذا هو المرجح، ولكن هذا بالتأكيد هو إستراتيجية كبرى للولايات المتحدة، حيث ترى واشنطن أنه، مع الاضطراب الداخلي يمكن لإيران أن تبقى قوية وتصبح عدوا مستقبليا مثل الولايات المتحدة ضد روسيا والصين، وتشكل منطقة مستقرة مشتركة المصالح في آسيا الوسطى. الآن، يبدو أن آية الله خامنئي ومؤيديه  في "الدولة العميقة" يسيطرون بقوة على جهاز الدولة، حتى مع الانخفاض النسبي في البرلمان، فإن إيران ستحتفظ دون انقطاع بمسار متعدد الأقطاب في المستقبل القريب، بالطبع إلا إذا حاول الغرب خلق الحرب الهجينة المفاجئة ضدها.
النظام السياسي:
الديمقراطية السيادية في إيران بدأت تأخذ (كلمة السر) للحصول على خصائص طفيفة من الثقافة السياسية الغربية التي تجسدت من خلال العملية الانتخابية، حيث يظهر ولكن بشكل غير قوي تناقض مع النظام القائم في إيران. دائما كان هناك نوع من الفجوة بين "المعتدلين" و"المحافظين" في البلاد، وقد أصبح هذا أكثر وضوحا في السنوات الأخيرة خلال الدورات الانتخابية، وخاصة ما يتعلق بانتخاب أول برلمان في واقع ما بعد رفع العقوبات. النظام البرلماني الإيراني معقد ويتضمن الضوابط الداخلية والتوازنات الداخلية، ولكن الشعبية الانتخابية التي لا تقبل الجدل "للمعتدلين" في الانتخابات الأخيرة تعني أن نقلة نوعية قد تكون وشيكة حيث أن الشباب الإيراني يميل إلى الغرب تدريجيا ويمارس حقه في التصويت.
سيناريو المستقبل يمكن أن يتطور بسهولة حيث يشعر الشباب "المعتدل" بأنه أهين لأن النظام الانتخابي لا يؤدي على الفور لتحقيق المكاسب السياسية الكاملة التي كانوا يتوقعونها في بيئة ما بعد الانتخابات، بعد أن سقطت التوقعات التي تدعمها الولايات المتحدة من "راديكالية التغيير المباشر" من خلال تحقيق النصر الحاسم. إن الضوابط والتوازنات في صلب النظام السياسي في إيران لم تؤتي ثمارها وتوصف بأنها "قيود قمعية"، ويمكن أن تلعب من دون قصد في تكثيف الحرب الإعلامية ضد البلاد. هذا الاحتمال يعتمد كليا على الميول الأيديولوجية المتنامية للسكان الشباب، وعما إذا كانت ستقع في تمثيلية المعلومات الغربية. البعض يحذر من هذه المخاطر ويمكن أن تؤدي إلى زعزعة الاستقرار,لكن الديمقراطية السيادية في إيران هي في الواقع مستقرة تماما ومتفهمة تماما للظروف الداخلية للبلاد.
النخبة:
كانت النخبة في البلاد تقليديا نخبة "المحافظين المناهضة للولايات المتحدة" منذ الثورة الإسلامية، ولكن يبدو أن هذا على أعتاب تغيير جزئي في البيئة الجيوستراتيجية الجديدة التي حدثت بعد زوال العقوبات. يبدو أن "المعتدلين" منحازون بشكل إيجابي تجاه الغرب، إن لم يكن نحو الولايات المتحدة على وجه الخصوص. هناك فرصة واقعية للكادر الموالي للغرب من النخب السياسية الإيرانية التي يجري تشكيلها بالفعل داخل البلاد، مع الإقبال الاقتصادي لإعادة الانفتاح مع الغرب كونه كافيا من حيث الحجم لتعزيز الجانب الاقتصادي وإن كان ذلك يوسع من القاعدة الشعبية أكثر بكثير من ذلك.
إيران بحاجة إلى مراقبة عن كثب بحثا عن أي دلائل على وجود كسر أكثر وضوحا في الوحدة لنخبتها السابقة، بما أن الشقوق الحالية ليست كبيرة بما يكفي لتبرير أي قلق في هذه اللحظة بالذات. ومع ذلك فإنه لا ينبغي تجاهلها على حد سواء، كي لا تشكل خطرا على إيران نفسها. كانت إستراتيجية الولايات المتحدة المعتمدة هي اختيار نخبة في كل البلدان متعددة القطبية لتحقيق النجاح من خلالها مثل ما حدث في ميانمار، هي تشكل تهديدا كامنا في إيران يجب أن تكون إيران مستعدة للتعامل معه في المستقبل. معالجته قد تكون صعبة وتحتاج إلى الرعاية الدقيقة التي لا تسيء  للجماهير من خلال خلق انطباع بوجود "محاكم التفتيش" أو تشير إلى انقسام وهمي بين صفوف المجتمع أكبر بكثير مما هو عليه في الواقع. وينصح بالفطنة والكياسة، من خلال الالتزام  بتجنب تفاقم غير مقصود لأي اقتتال داخلي قد تكون تلك النخبة المحتملة هي مؤلفة السيناريو فيه لتحصل على الثمار في أي شكل من الأشكال.
الجانب العسكري:
الحرس الثوري الإيراني هو طليعة الوحدات العسكرية التي يدرسها التحليل في متناول اليد. يقف الحرس الثوري بالمحاذاة في السلطة مع "المحافظين" بشكل تقليدي بسبب التداخل المشترك والرؤية الإستراتيجية الواحدة، وهذا لا يبدو قابلا للتغيير. بدلا من ذلك، فإن احتمال تدخل أحادي القطبية "لتقويض استقرار النظام" يصبح صعبا مع وجود الحرس الثوري متعدد القطبية و"المعزز للنظام" والذي يضمن أمن المجتمع ضد أي تدخل أحادي القطبية. من خلال هذا الهدف كان الحرس الثوري في طليعة المبادرات الأمنية التي قامت بها طهران في السنوات الأخيرة، سواء من خلال مشاركتها في الحرب على الإرهاب في سوريا أو لتشتيت حشود "الثورة الخضراء الملونة" عام 2009. انهم ليسوا طرفا فاعلا مستقلا بمعنى أن يقرروا بشكل تعسفي التدخل بل هم أداة يمكن الاعتماد عليها لدعم الدولة عندما تدعو الحاجة للقيام بذلك.
التقرير النهائي:
بعد النظر في جميع المؤشرات يمكن تقييم إيران كدولة متعددة القطبية حاليا وأن تصبح على المدى المتوسط الأجل دولة متنازع عليها. الآن، كل شيء يبدو مستقرا بشكل سطحي - آية الله خامنئي هو المسؤول، والحرس الثوري وراءه، وتوحيد الشعب في متعاضدة الهويات الإسلامية والإيرانية، ولكن تحت السطح هناك مشكلة تختمر في الواقع. بعض أعضاء النخبة السياسية "المعتدلة" عرضة للاستغلال من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في السنوات المقبلة، وكادر جديد من النخبة الاقتصادية التي سيتم إنشاؤها من خلال تجدد تجارة إيران مع الغرب قد تصبح منحازة بشكل إيجابي نحو كتلة الأحادية القطبية. التآكل التدريجي للهوية الموحدة بين الشباب في البلاد قد يؤدي إلى ظهور الانتماءات العرقية والإقليمية التي قد تأخذ مركز الصدارة بين بعض الجماعات، التي في هذه الحالة قد تثير التوتر وربما حتى الصراع داخل شرائح المجتمع.
من أجل أن تبقى دولة متعددة الأقطاب، سوف يتعين على إيران أن تجد وسيلة لإدارة تهديدات انقسام النخبة المتزايد، (النخب المدعومة من الغرب) وإعادة تعريف الهوية بين بعض الشباب، وولادة طبقة من التجار صديقة للأحادية القطبية، والتي يمكن أن تشكل مزيجا خطيرا في إطلاق العنان لـ"الثورة الخضراء الملونة" الثانية. قد يحدث هذا في وقت ما في المستقبل عندما ترفض إيران اقتراح خارجي من الولايات المتحدة بأن تساعد "تحالف طرف الأرض" في "احتواء" روسيا والصين في آسيا الوسطى. تلك اللحظة قد لا تطول حتى أعوام عدة مقبلة، لكن من الواضح أنه على الجدول القادم للولايات المتحدة ليس هناك حالة يمكن أن تكون الولايات المتحدة أجرت من خلالها  صفقة نووية مع إيران دون أن يكون هناك نوع  من الغرض الاستراتيجي الكبير الخفي لها. وربما لولا ذلك لما قدمت الولايات المتحدة أي نوع من "التنازلات".