هل خدع أردوغان بوتين وآية الله؟!
أظهر تسجيل فيديو كيف تفاخر أردوغان بأن العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تهدف بشكل رئيسي إلى تغيير النظام في سوريا، مما تسبب في حملة انتشرت في أوساط وسائل الإعلام البديلة والاجتماعية، تشير إلى أن الرئيس بوتين والمرشد الأعلى للثورة الإيرانية تم الكذب عليهما بشكل شيطاني من قبل المراوغ أردوغان، الذي استخدم التقارب التركي معهم كـ"حصان طروادة" للدخول إلى سوريا. فذهب البعض للقول بأن هذا "دليل" على أن موسكو وطهران لم تلحظا التهديد الذي يحدق بحليفتهما دمشق طوال هذا الوقت.
تختلف نوايا هؤلاء اللذين يروجون لهذه الرواية على نطاق واسع، وليس الغرض من هذه الرواية، الأمل بأن تتحقق توقعاتهم المناهضة لسوريا. وإنه من الإيجابية أن نبرهن كم هي هذه الرواية مزيفة وما هو الخطأ فيها. مع محاولة تفنيد الحقيقة بشكل موضوعي للمراقبين ليتمكنوا من شرح هذه المسألة لوسائل الاعلام الاجتماعية التي تسرعت في تفسير هذه الحلقة.
قبل المتابعة، يجب أن نذكر القارئ أن العلاقة الثلاثية بين روسيا وتركيا وإيران كانت غير متينة منذ البداية، ويعود ذلك أساسا إلى حقيقة أنها كانت غير مسبوقة تاريخيا حتى بذلت الجهود الأولى في تشكيل هذه الثلاثية هذا الصيف. في الحقيقة كان يوجد احتمال أن أردوغان هو ديكتاتور خبيث قد يخون روسيا وإيران، ولكن في الحقيقة هذا لم يحدث لحد هذه اللحظة .. لماذ؟
بالرغم من كل الخلافات السياسية المعلنة بشأن مصير الرئيس المنتخب الشرعي الأسد، فقد كانت روسيا وإيران متفقتان مع تركيا في مختلف القضايا منذ محاولة الانقلاب الفاشلة (المدعومة أمريكيا) هذا الصيف. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأردوغان قد اجتمعا مؤخرا وقاما بالعديد من المكالمات الهاتفية مع بعضها البعض، مشروع "السيل التركي" عاد إلى المناقشة، وتم اتخاذ قرار إعادة تطبيع العلاقات التجارية مرة أخرى، وكأن حادثة إسقاط الطائرة الروسية فوق سوريا في نوفمبر 2015 لم تحدث. إن العلاقة بين روسيا وتركيا هي الآن أقوى، نتيجة التغلب على هذا التحدي التاريخي في فترة سادتها التوترات الثنائية. استشهاد الطيار الروسي الذي قتل غدرا لن تنساه روسيا، ولكن يبدو أن هذه التضحية من العقيد أوليغ بيشكوف هي بمثابة حجر الأساس لمحاولة صادقة من الجانبين لرسم عصر جديد من العلاقات بين الدولتين.
أما بالنسبة لإيران، فإن الجمهورية الإسلامية لم تكن قريبة إلى تركيا أكثر مما هي عليه اليوم. وقد ذكّر وزير الخارجية محمد ظريف العالم في عدة مناسبات أن حكومته كانت أول من وقف
إلى جانب أردوغان بعد محاولة الانقلاب الخرقاء، الحقيقة التي تفتخر بها طهران الآن وتكررها. هتافات الشعب في إيران لدعم ظريف ما يسمى "الديمقراطية التركية" تأتي على الرغم من مئات الشهداء الإيرانيين الذين انتهى مصيرهم في سوريا على أيدي إرهابيين مدعومين من تركيا، ومن الواضح مدى جدية طهران حول المبادرات الصديقة مع أنقرة وهي على استعداد لتجاوز تضحيات شعبها، والتي تقدر بمئات الشهداء وهم أكثر عددا من شهداء روسيا في سوريا. وما يحفز إيران هو طموحها يوما ما بوصل حقل غاز "نورث بارس" بالاتحاد الأوروبي وذلك عن طريق تمديد خط أنابيب سيمر يوما ما عبر تركيا، وسبب آخر يدفع للتقارب الاستراتيجي مع تركيا هو تنسيق حملاتهم ضد "الإرهابيين" الأكراد عبر الحدود - ومكافحة حزب العمال الكردستاني المعادي لأنقرة والحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني المعادي لطهران.
القواسم الإستراتيجية المشتركة بين روسيا وإيران سابقا هي مواجهتهما مع تركيا، غير أن مؤشرات موسكو وطهران أصبحت إيجابية بعد محاولة الانقلاب في أنقرة التي أصبحت تنأى بنفسها بشكل تدريجي عن الولايات المتحدة بسبب دعم واشنطن لوحدات حماية الشعب الكردية، وكذلك إعادة ضبط سياستها تجاه سوريا .
يضاف إلى جميع هذه الفوائد الناتجة المذكورة أن روسيا وإيران تطمحان إلى الحصول على سياسات جديدة تجاه تركيا، التي بدأت تتحرك بعيدا عن الأحادية القطبية للولايات المتحدة ونحو النظام الأوراسي في عالم متعدد الأقطاب، هذا يمكن أن يسهل الخلاص لحليفهم السوري المحبوب.
هذا يحتاج إلى التأكيد أن دعم روسيا وإيران لسوريا هو ثابت وغير قابل للتفاوض، وأنه لا يمكن لصفقات خط الأنابيب أو أي تعاون في مكافحة الإرهاب أن يستخدم سلبا ضد الحليف السوري. والسياسات نحو دمشق هي التي تحرك المبادئ الجيوستراتيجية لمصالحهم الذاتية العليا. لا شيء يمكن أن يتجاوز الحقائق الجيوسياسية التي تعزز التزامات روسيا وإيران تجاه سوريا، وهذا هو السبب في اعتبار أن أي شخص يزعم أن أيا من هذه البلدان قد باعت سوريا، إما أنه ليس لديه فهم ناضج بما فيه الكفاية حول الوضع أو ربما لديه دوافع خفية أكثر عمقا حسب مكانته المهنية.
أنصار نظرية "البيع " أو "الخداع" فيما يتعلق بالعملية العسكرية التركية في شمال سوريا يعتبرون أنها إما دليل على عجز روسيا وإيران في الشؤون الخارجية لأنهما خدعا من قبل أردوغان، أو أن هذه عملية خداع فاضح لدمشق. في الواقع لا يوجد شيء من هذا صحيح، كما ذكرت في المقالين السابقين في موقع Katehon وهما بعنوان "الدخول التركي إلى سوريا:
مؤامرة القطب الواحد أم تنسيق متعدد الأقطاب" و "تركيا في سوريا، "الجيش السوري الحر"، والصراع القادم على الدستور السوري"، فالنقطة الرئيسية التي أشرت إليها هي أن روسيا وإيران ( باعتبارهما مدافعين عن الحليف السوري) لن تسمحا لتركيا تقليديا "بغزو" سوريا، ومن المرجح أن جميع الأطراف ذات الصلة قد توصلت إلى نوع من الاتفاق حول هذا مسبقا.
يجب على المراقبين تقييم الوضع المحيط بالعملية العسكرية التركية في شمال سوريا بقدر بعيد عن العواطف قدر الإمكان. ما تراه العين الآن قد يثير مشاعر قوية جدا بين أولئك الذين يؤمنون حقا بأن نوايا تركيا ليست جيدة وتريد استغلال "سذاجة" روسيا وإيران، وخاصة بعد التصريحات الرسمية العلنية المتكررة في سوريا التي تدين تصرفات أردوغان. ومع ذلك، لنبحث بعناية أكبر في ما يحدث، يبدو واضحا أن القوات التقليدية التركية تشكل إسناد خلفي غير مباشر لوكلائهم في "الجيش الحر" للقضاء على داعش، ومن ثم البحث في ترتيب سياسي حول الدستور السوري. ومن الواضح أن أردوغان متردد حول إرسال عدد كبير جدا من القوات إلى شمال سوريا ويفضل دعم القوات غير الحكومية الفاعلة الحليفة له على الأرض للقيام بالجزء الأكبر من القتال.
إذا كان أردوغان ينوي حقا "غزو" سوريا بهدف "إسقاط الأسد"، ينبغي أن يكون واضحا لجميع المراقبين الحياديين أن ثاني أكبر جيش في منظمة حلف شمال الأطلسي كان من المرجح أن يرسل عددا أكبر من القوات التي أرسلها في الوقت الحاضر. مسألة "الغزو لتغيير النظام" حسب تصريحات أردوغان، فإن العملية التركية في شمال سوريا قد فشلت فشلا ذريعا، وفقط "نجحت" في الاستيلاء على عدد قليل من القرى وطرد القوى الكردية وداعش منها، (وهذه الأخيرة ذاب معظم أفرادها بين "السكان المدنيين" و / أو حلقوا لحاهم وانضموا إلى هيئة الرقابة المالية).
أكثر من ربع السنة بعد أن بدأت العملية التركية، وتركيا ليس لديهم الكثير لإظهار جهودها في "إقصاء الأسد"، كما أنهم لم يكونوا قادرين على ذلك في حال حاولوا حقا لأن روسيا وإيران قد حشدتا للوقوف جنبا إلى جنب مع الجيش العربي السوري.
هذا يبعث على التشكيك في الغرض من تباهي أردوغان أن هدفه "تغيير النظام"، لأنه منذ بداية العملية لم يكن جديا في ذلك. وعلاوة على ذلك، عندما أرسل لأول مرة القوات إلى شمال سوريا، قال أردوغان أن هذا كان لأسباب "مكافحة الإرهاب" وإيقاف تمدد الأكراد ومنعهم من إقامة دولة مارقة على طول خط الحدود جنوب تركيا، وتبنت الحكومة التركية هذا الموقف حتى الآن. تغيرت تصريحات أردوغان ورأيه (علنا) حول هذا الموضوع، وذلك، من أجل تعزيز
عدد قليل من الأهداف الأخرى، التي في الحقيقة بعيدة كل البعد عن مسألة "إسقاط" الرئيس الأسد.
في أي حال، أول ما يمكن نقاشه أن أردوغان يريد تعزيز الرأي العام قبل الاستفتاء على الدستور القادم الذي تخطط له حكومته من أجل مواصلة فرض سيطرة الرئيس على أنحاء البلاد. اذا ناقشنا هذا من خلال الانتخابات الأخيرة، أردوغان يعلم أنه بحاجة إلى دعم القوميين لتمرير اقتراحه، وبالتالي استسلم لهم عن طريق تغيير الخطاب حول أسباب دخول تركيا في شمال سوريا. ويرتبط السبب الثاني بالسبب الأول وهو يتعلق بالتقدم المدهش الذي حققه الجيش العربي السوري وحلفائه في تحرير معظم شرق حلب. فاضطر أردوغان للرد على هذا التطور لتغيير قواعد اللعبة، ونظرا إلى أن أي إجراء ملموس في اتجاه "تغيير النظام" يمكن أن يؤدي إلى رد قوي من التحالف الثلاثي (سوريا وروسيا وإيران)، فإن تصريحاته لا تتعدى كونها كلمات فارغة في محاولة غير مقنعة "لحفظ ماء الوجه". وأخيرا، فإن السبب الرئيسي وراء تغير تصريحات أردوغان بخصوص تغيير هدف العملية التركية في شمال سوريا من كونها "مكافحة الإرهاب" إلى "تغيير النظام" هو لأنه يريد أن يظهر للرئيس المنتخب ترامب "الجانب الجيد" من خلال إظهار أنه ليس خارجا عن "الغرب" في هذه المسألة، على الرغم من الكشف مؤخرا أنه تحدث مع روسيا وكازاخستان حول عضوية تركيا المحتملة في منظمة شنغهاي للتعاون.
في الختام، يجب أن لا نأخذ كلام أردوغان الملتهب حول إرسال قوات تركية إلى سوريا من أجل "إسقاط الأسد" (كما هي معظم تصريحاته) أنه في محمل الجد. بل هو عبارة تصريحات مرحلية تتغير حسب تغير أجندته السياسية.
بدلا من التوجس وإثارة التوترات على كل كلمة من قبل المنحازين في التحليل، ينبغي أن يكون المراقبين واقعيون بالنظر في الإجراءات تركيا، سواء في سوريا أو فيما يتعلق بشركائها في الثلاثية (روسيا وإيران)، وذلك للحصول على صورة أكثر دقة لما يحدث حقا. في نهاية المطاف، ومع ذلك، يجب على العديد من الأفراد أن يتجاوزا "انحيازهم"، الذي يحاول العثور على "أدلة" في كل شيء للقول أن القيادات الروسية والإيرانية "باعت" حليفها السوري.
إن حقيقة أن روسيا وإيران لم تسمحا لتركيا ب"غزو" شمال سوريا لغرض "تغيير النظام" في مقابل صفقات خطوط الأنابيب وتعاون في مكافحة الإرهاب، وأنهما "تآمرتا" مع تركيا لأكثر من ربع سنة حتى الآن منذ بدء العملية، ذلك لا يعني أن الرجل التركي لن يخون أبدا شركائه الجدد، ولكن الحقيقة أنه حتى اللحظة لم يفعل ذلك، بل قام بخداع بعض الأشخاص على الفيسبوك والإعلام البديل.