بوتين لا يبحث عن أعداء.. ويدعو العالم لشراكة متكافئة
اكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان روسيا لا تبحث عن مواجهات، بل تريد كسب "اصدقاء" يحترمون مصالحها الوطنية، كما أعرب عن أمله في إقامة تعاون مع واشنطن، من أجل محاربة الإرهاب في سوريا.
وقال بوتين الخميس خلال خطابه السنوي أمام الجمعية الفيدرالية "نحن لا نريد المواجهة مع احد، لسنا بحاجة لذلك (...) وخلافا لبعض زملائنا الاجانب الذين يرون في روسيا عدوا، نحن لا نبحث ابدا عن اعداء".
واستطرد قائلا "نحن بحاجة الى اصدقاء. لكننا لن نسمح بانتهاك مصالحنا او اهمالها. نحن نريد وسنقرر تحديد مصيرنا بانفسنا".
مستعدون للعمل مع واشنطن على أساس المساواة
كما جدد الرئيس الروسي مرة اخرى استعداده للعمل مع فريق الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب لدى وصوله الى البيت الابيض في كانون الثاني/يناير، موضحا أنه "من المهم تطبيع وتطوير العلاقات الثنائية على اساس المساواة والمنافع المتبادلة".
وأضاف بوتين في رسالته: "نأمل توحيد جهودنا مع جهود الولايات المتحدة في محاربة خطر واقعي وغير وهمي، وهو خطر الإرهاب الدولي"، كما أشارالرئيس الروسي إلى أن العسكريين الروس يعملون حاليا على تحقيق هذا الهدف، مؤكدا أن القوات الروسية كبدت الإرهابيين "خسائر ملموسة".
كما تطرق الرئيس بوتين إلى استعداد بلاده للتعاون مع الإدارة الأمريكية في المجالات الأخرى، مشددا على ضرورة تطبيع العلاقات الثنائية والشروع في تطويرها على أساس التكافؤ والمنفعة المتبادلة. موضحا أن التعاون بين روسيا والولايات المتحدة في حل القضايا العالمية والإقليمية يصب في مصلحة العالم برمته. وأضاف: "نتحمل مسؤولية مشتركة عن ضمان الأمن والاستقرار العالميين".
الإخلال بالتكافؤ الاستراتيجي قد يؤدي لكارثة عالمية
وفي الوقت نفسه حذر بوتين من أن محاولات الإخلال بالتكافؤ الاستراتيجي خطيرة للغاية وقد تؤدي لكارثة عالمية. وشدد: "لا يجوز أن ننسى ذلك أبدا ولو للحظة واحدة"، وأضاف: "إننا ندرك مدى مسؤوليتنا ونحن مستعدون فعلا للمشاركة في حل قضايا عالمية وإقليمية، هناك عندما تكون مشاركتنا مناسبة ومطلوبة وضرورية".
القوات الروسية أكدت قدرتها على العمل خارج مواقعها
وعن العملية العسكرية التي بدأتها روسيا في سوريا في خريف العام 2015، أشار بوتين إلى أن الجيش والأسطول الروسيين أكدا بوضوح قدرتهما على العمل بفعالية بعيدا عن أماكن المرابطة الدائمة. لافتا إلى أن روسيا ستواصل أيضا حربها ضد الإرهاب داخل أراضي البلاد.
وقال بوتين "أريد أن أشكر جميع عسكريينا على مستواهم المهني العالي، وعلى كرامتهم وشجاعتهم وبسالتهم، وعلى كونكم، يا جنود روسيا، تعتزون بشرفكم وبشرف روسيا".
كما دعا الروس الى استخلاص العبر من الماضي بما في ذلك الثورة البلشفية عام 1917 التي ستحتفل روسيا بمئويتها الاولى العام المقبل عبر تاكيد وحدة البلاد واستقرارها.
وقال بوتين امام النواب واعضاء مجلس الشيوخ والحكومة في الكرملين "نحن بحاجة الى استخلاص العبر من التاريخ ليتسنى لنا تعزيز المصالحة والوفاق الاجتماعي والسياسي الذي بالكاد توصلنا اليه".
الحملات الإعلامية المأجورة ضد روسيا لا تفيد أحد
وأشار بوتين إلى أن روسيا واجهت خلال السنوات القليلة الماضية، محاولات الضغط عليها من الخارج، موضحا أنه في سياق هذه الحملة، تم استغلال كافة الوسائل "بدءا من الخرافات حول العدوان الروسي، ومرورا بالدعاية والتدخل في الانتخابات، وصولا إلى ملاحقة رياضيينا، وبينهم البارالمبيين".
وشدد على أن الحملات الإعلامية المأجورة، واختلاق المعلومات المزورة الرامية لتشويه سمعة روسيا، وإلقاء المواعظ، بدأت تثير الملل. قائلا: "لا نريد أن ندخل في مواجهة مع أحد، لأن ذلك لا يصب في مصلحة أحد – لا روسيا ولا شركائنا ولا المجتمع الدولي".
لا نبحث عن أعداء.. لكن لن نسمح بإملاءات خارجية
وأوضح: "ما يميزنا عن بعض شركائنا الغربيين الذين يرون في روسيا خصما، هو أننا لا نبحث ولم نبحث أبدا عن أعداء. ونحن بحاجة إلى أصدقاء. لكننا لا نسمح بالإخلال بمصالحنا أو تجاهلها. إننا نريد تقرير مصيرنا بأنفسنا، وسنقوم بذلك، وسنبني الحاضر والمستقبل دون إملاءات خارجية واستشارات لم نطلبها".
وأوضح قائلا: "لم تكن السنوات الماضية سهلة بالنسبة لنا، لكن هذه المحن جعلتنا أقوى فعلا، وساعدتنا في تحديد الاتجاهات التي يجب أن نعمل فيها بمثابرة ونشاط أكبر".
القدرة البشرية هي ثروة روسيا.. والنمو السكاني مستمر
كما أوضح بوتين أن السياسة الروسية تهدف إلى الاعتناء بالشعب الروسي، وزيادة قدراته الشرائية، ومضاعفة القدرة البشرية، باعتباره الثروة الرئيسية في روسيا. لذلك، "ينصب تركيزنا على دعم القيم التقليدية والأسرة ودعم البرامج الديمقراطية، وكذلك تحسين البيئة وصحة الإنسان، وتطوير التعليم والثقافة".
وأشار بوتين إلى أن إحدى النتائج الإيجابية هو النمو الطبيعي المستمر للسكان، متعهدا بمواصلة العمل على تحسين الوضع الاجتماعي للسكان.
التكنولوجيا الرقمية مفتاح المستقبل.. ولا بد من توخي مخاطرها
كما شدد الرئبس الروسي أمام الجمعية الفدرالية، على ضرورة التركيز على المجالات حيث تتراكم إمكانات تكنولوجيا المستقبل القوية — الرقمية، موضحا أنه "ينبغي أيضا الأخذ في الاعتبار أنه في التكنولوجيا الرقمية مخاطر أيضا. من الضروري تعزيز الحماية ضد التهديدات السيبرانية، لا بد من زيادة كبيرة في ثبات جميع عناصر البنية التحتية والنظام المالي، ونظام الإدارة العامة".
كما اقترح الرئيس الروسي، إطلاق "برنامج نظام جديد لتطوير اقتصاد الجيل التكنولوجي — الاقتصاد الرقمي… وفي تطويره سنعتمد على الشركات الروسية ومراكز البحوث والهندسة العلمية للبلد، هذه مسألة تتعلق بالأمن القومي والاستقلال التكنولوجي في روسيا، مستقبلنا المشترك".
وأكد بوتين ضرورة "إجراء جرد وإزالة الحواجز الإدارية والقانونية وغيرها، التي تعيق توجه الأعمال نحو أسواق التكنولوجيا العالية القائمة والناشئة، وتأمين المصادر المالية لهذه المشاريع".
العقوبات الغربية لم تؤثر على اللإقتصاد الروسي
ومتطرقا للوضع الإقتصادي في ظل العقوبات الغربية والعقوبات الروسية المضادة، أشاد بوتين بالنتائج التي حققها قطاع الزراعة في روسيا، مشيرا إلى أن قيمة صادرات المنتجات الزراعية في العام 2015، بلغت 14.5 مليار دولار، مقابل 16 مليار دولار سجلتها صادرات الأسلحة.
وأشار الرئيس الروسي للصعوبات الاقتصادية التي واجهت روسيا قبل عامين، حيث أعلن أن الأسباب الرئيسية لتعثر الاقتصاد الروسي مرتبطة بقضايا داخلية وليس بالعقوبات الغربية.
وقال بوتين: "قبل عامين، اصطدمنا بتحديات اقتصادية جدية، وبظروف صعبة في السوق العالمية وبالعقوبات، لكن الأسباب الرئيسية لتعثر الاقتصاد الروسي تكمن في المشاكل الداخلية".
وأوضح الرئيس الروسي، أن هناك من بين هذه التحديات النقص في الاستثمارات، وفي التكنولوجيا الحديثة، وفي الكوادر المحترفة، إلى جانب التنافسية الضعيفة.
الإقتصاد الروسي تجاوز الأزمة ويتعافى
وأكد بوتين أن تراجع الناتج المحلي لعام 2016 سيكون ضئيلا، بحدود نسبة 0.2%، مقابل انخفاض بلغ 3.7% في العام الماضي، وقال: "حاليا توقف الانخفاض في قطاعات الإنتاج، وهناك مؤشر لنمو بسيط في مجال الصناعة، مع العلم أن الناتج المحلي الإجمالي تراجع في 2015 بنسبة 3.7% وفي العام الحالي سيكون الانخفاض بسيطا عند 0.2%".
وأضاف الرئيس بوتين أن روسيا استطاعت تحقيق الاستقرار في مجال الاقتصاد الكلي، وترافق ذلك مع المحافظة على احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي والذهب، التي صعدت من 368.39 مليار دولار سجلتها مطلع العام الجاري، إلى نحو 400 مليار دولار حاليا.
وإلى جانب الاحتياطيات الدولية، استطاعت روسيا الحفاظ على الأموال المتراكمة في صندوقين سياديين هما "صندوق الرفاه الوطني" و"الصندوق الاحتياطي"، اللذين بلغت احتياطياتهما بحسب الرئيس الروسي 103.86 مليار دولار.
وفيما يتعلق بمؤشر التضخم، توقع بوتين تراجع معدلات التضخم في روسيا خلال هذا العام إلى مستوى 6%، علما أن الحكومة الروسية تستهدف معدل تضخم عند 4% في العام 2017.
وأكد الرئيس بوتين أن الحكومة الروسية ستواصل تقديم المساعدة للقطاعات الاقتصادية، التي ما زالت تواجه ظروفا صعبة. كما دعا الرئيس بوتين مسؤولي الحكومة خلال كلمته إلى عدم الاختباء في المكاتب، وإلى إجراء حوار صادق ومنفتح مع الناس.
خطة تنمية إقتصادية جديدة للوصول إلى التفوق العالمي
كما أوعز بوتين للحكومة الروسية بوضع خطة للتنمية الاقتصادية حتى العام 2025، ستتيح لروسيا الوصول إلى معدلات نمو أعلى من العالمية، ويتوجب على الحكومة إعداد هذه الخطة خلال فترة أقصاها مايو/أيار القادم.
وقال بوتين خلال كلمته: "أكلف الحكومة بوضع خطة عمل في مهلة لا تتجاوز مايو/أيار 2017، معدة حتى العام 2025، والتي يسمح تنفيذها بالوصول في الأعوام القادمة لسرعة نمو اقتصادي تفوق العالمية".
وشدد الرئيس الروسي على أهمية الاستفادة من الإمكانيات المتاحة للنمو الاقتصادي لتجاوز خطر الكساد طويل الأمد، مشيرا إلى أن الحواجز التجارية في العالم تزداد، ما سيرفع من المنافسة في الأسواق الخارجية.
كما أشاد بوتين بالتدابير التي اتخذها البنك المركزي الروسي لتطهير القطاع المصرفي ودعم انتعاشه. وقام المركزي الروسي على مدى العامين الماضيين بسحب تراخيص العمل من عدد من المصارف، نظرا لما شكلته من خطر على الاستقرار النقدي والمالي.
ومن الجدير بالذكر أن رئيس البلاد وفقا للدستور الروسي، يوجه سنويا إلى الجمعية الفدرالية رسالة حول الوضع في البلاد والتوجهات الرئيسية للسياسة الداخلية والخارجية. وهذا البرنامج هو وثيقة سياسية وقانونية تعبر عن رؤية التوجهات الاستراتيجية لتطوير روسيا في المستقبل القريب. ويشمل كلا من، الوضع الاقتصادي والفكري والسياسي، وكذلك مقترحات محددة للعمل التشريعي لمجلسي الدوما والفيدرالية الروسيين.