لماذا ترغب إسرائيل في صراعًا أبديًا مع إيران؟

14.12.2020
تقدير موقف صادر عن: (معهد الاستراتيجيات الروسية - Институт Русских стратегий) - ترجمة: أحمد دهشان - صدر في يوم: الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2020.

خلال العقدين الماضيين، بدت إيران، التهديد الرئيسي للمجتمع الغربي، وقد ترسخت تلك النظرة لها منذ أن وصل ترامب، إلى المكتب البيضاوي عام 2017. تعتقد الولايات المتحدة، أن حصول دولة مثل كوريا الشمالية، على أسلحة نووية فشلت في نزعها منها، وقيام إيران بالأمر ذاته. من شأنه أن يقوض سمعتها ومكانتها باعتبارها القوى العظمى المهيمنة على الكوكب. في الوقت نفسه، يعترف البيت الأبيض والبنتاغون ضمنًا. بعدم القدرة على إجبار السلطات الإيرانية على اتباع مسار السياسة الأمريكية عبر القوة المسلحة وحدها، وهو ما يجعل العلاقة بين واشنطن وطهران معقدة. كما أن أي قرار أمريكي بالهجوم العسكري على إيران، مالم يحقق كامل أهدافه، ويشل قدرات طهران، على الرد أو إلحاق أذى بالقوات الأمريكية أو تصدي الدفاعات الجوية له. سيُعتبر بمثابة إضعاف لهيبة واشنطن، وثقة الحلفاء في الشرق الأوسط والناتو فيها. لذا قرار التدخل العسكري ليس سهلاً كما يعتقد البعض. صحيح ستتعرض إيران، لدمار كبير لكنها بالمقابل قادرة على الرد.

بالإضافة إلى ذلك. في حالة حدوث مثل هذه الخطوة، فإن طهران، كإجراء انتقامي حتمي، ستوجه بشكل شبه مؤكد ضربات صاروخية على أراضي "ممالك الخليج" الحليفة لأمريكا، وفي مقدمتها السعودية، وستمنع تمامًا العبور الدولي في مضيق هرمز؛ أحد أهم شرايين نقل نفط الشرق الأوسط إلى الأسواق العالمية والسلع الصناعية الصينية إلى أوروبا، وهو أمر محفوف بالمخاطر، ويُنذر بتقويض الاقتصاد العالمي الذي يمر بالفعل بأزمة عميقة.

في ظل إدارة ديمقراطية جديدة؛ أصدر فريق جو بايدن، في الأسبوعين الماضيين عددًا من التصريحات الجيوسياسية المهمة، حيث وعدت ليس فقط بمراجعة نتائج سياسات "إدارة ترامب" ولكن أيضًا ببذل كل جهد لإعادة العلاقات الدولية إلى ما قبل التصعيد الذي شهدته في عهده، ومن بين أمور أخرى، صرحت الإدارة الجديدة بأن عودة طهران، إلى شروط "الاتفاق النووي" السابق، يمكن أن يؤدي إلى القيام ببعض الإجراءات الأمريكية المقابلة لها: مثل إلغاء تجميد الأصول الإيرانية في البنوك الأمريكية، ورفع القيود على صادرات النفط. بل إن مصادر غير رسمية تحدثت عن إعادة النظر في "التحالف المعادي لإيران" المحتمل الذي كان البيت الأبيض يُعد العدة له بين الأردن ومصر والبحرين والإمارات وقطر والسعودية وعُمان والكويت منذ عامين.

رغم أن الأمريكيين فشلوا في تحقيق نجاح حاسم في هذا الشأن. إلا أنهم تمكنوا في نهاية ولاية ترامب، من تحقيق تفاهم كبير بين بعض بلدان المنطقة حول الملف الإيراني. أما الآن فقد بدأت واشنطن، محاولة إبرام صفقة جديدة مقابل تنازلات تحصل عليها من طهران. كان التصور السابق لإدارة ترامب، قائم على مواجهة ما يسمى "الهلال الشيعي" الذي يربط إيران عبر سوريا بلبنان، وهو أمر مرفوض من قبل إسرائيل، وترى فيها تهديداً مباشراً لأمنها القومي خصوصًا أن المخاوف الإسرائيلية لها ما يبررها، وأبرزها:

أولاً - تواصل السياسة الإيرانية، دعم الخط الاستراتيجي الهادف للقضاء التام على دولة إسرائيل، وظهور "الحزام الشيعي" سيسمح للفصائل الفلسطينية بالوصول إلى قاعدة الموارد الإيرانية، وخاصة العسكرية-التقنية مما يزيد بشكل كبير من حدة المواجهة الإسرائيلية مع الفلسطينيين.

ثانيًا - تعزيز التغلغل الإيراني في لبنان، من شأنه أن يُضعف بشكل كبير قدرة تل أبيب، وحرمان سلاح الجو الإسرائيلي من امكانية استخدام المجال الجوي اللبناني لشن ضربات جوية ضد القوات الحكومية السورية.

ثالثًا – حصول إيران، على موطأ قدم راسخ في شرق المتوسط​، سيدفع "ممالك الخليج" للتسليم لها وعدم القدرة على مواجهتها بشكل فعال وسيصبح هذا الوجود عقبة مباشرة أمام تحقيق إسرائيل لهدفها الاستراتيجي الرئيسي. ألا وهو الاحتلال الكامل لجميع الأراضي الفلسطينية مع إضفاء الشرعية اللاحقة على جميع الأراضي المحتلة بما في ذلك هضبة الجولان السورية.

بناءً على ما سبق: يبدو من المرجح جدًا أن اغتيال محسن فخري زاده، ليس فقط عملًا من قبل الأجهزة الإسرائيلية الخاصة ضد البرنامج النووي الإيراني، ولكنه أيضًا خطوة استباقية لإجبار فريق بايدن، على التخلي عن فكرة العودة إلى الشروط السابقة للاتفاق النووي الإيراني. لذا لم يكن من المستغرب، قبل أكثر من أسبوع بقليل من الهجوم الإرهابي في طهران، قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بزيارة سرية إلى المملكة العربية السعودية، للقاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ووزير الخارجية مايك بومبيو. حيث تُشير كل الدلائل على أن موضوع المحادثات، ركز على انضمام المملكة إلى مبادرات "السلام مع إسرائيل" وكذلك تشكيل تحالف قوي مناهض لإيران.

تحالف أمريكي-إسرائيلي منفرد، لا يمكنه إلحاق هزيمة ساحقة ونهائية بإيران، في حين تزداد احتمالية النجاح تحت ظل تحالف أوسع بالمنطقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن اتفاقيات السلام التي تم التوصل إليها بالفعل مع دول في المنطقة، ولا سيما مع الإمارات، سمحت لتل أبيب بإقناع تلك الحكومات بخفض كبير في دعمها للفلسطينيين. مع ذلك، وأثناء المفاوضات في مدينة نيوم، يبدو أن شيئًا ما خطأ قد حدث في الاجتماع. بعد أيام قليلة، أصدرت بوابة ميدل إيست آي (MEE) الممولة والمدعومة من قطر، مواد حول محتوى الاجتماع بين نتنياهو وبومبيو ومحمد بن سلمان. جاء فيها أن إسرائيل، حاولت إقناع المشاركين بالموافقة على السيناريو العسكري ضد إيران، لكنها لم تنجح في ذلك، ورغم حرص ولي العهد السعودي، على سرية اللقاء إلا أنه قد تم تسريبه.

تبدو مساعي إدارة بايدن، في العودة للاتفاق النووي مع إيران، بالفعل شديد الصعوبة، وخاصة بعدما صعدت السعودية، من لهجتها تجاه طهران، ورد الأخيرة عليها، وقبل ذلك مقتل فخري زاده. يُثير هذا الوضع المعقد ثلاثة أسئلة رئيسية:

ما هي احتمالية الحفاظ على دور حلف شمال الأطلسي في الشرق الأوسط؟

ما هو احتمال مشاركة الناتو في عدوان محتمل على إيران؟

ما هي آفاق سياسات الشرق الأوسط في المستقبل القريب؟

في ظل عدم استعداد إسرائيل، لتقديم أي تنازلات فيما يخص القضية الفلسطينية، وتراجع اقتصاديات ممالك الخليج نتيجة للأزمات الحالية لن تنجح تل أبيب ولا واشنطن في تشكيل أي تحالف فعال ضد طهران. لذا أي حرب ستكون مُكلفة للغاية. خاصة إذا كان العدو قادرًا على سد شريان النقل الرئيسي لأهم سلعة ألا وهي النفط. بجانب إنهاك السعودية، لقواها بشكل مؤلم في حربها باليمن المجاورة. كما لا تملك الإمارات، القدرات العسكرية التي تؤهلها للنجاة من مثل هكذا حرب بمفردها. في مثل هذه الظروف، لا تبدو فكرة التورط في حرب أخرى مع دولة إقليمية قوية مثل إيران، فكرة جذابة. لذلك يمكن لهذا "الحلف" الافتراضي أن يقول الكثير حول المواجهة مع إيران، لكنهم في الممارسة العملية لن يتمكنوا من فعل شيء، على غرار الحديث عن احتمالية إنشاء "الناتو العربي" وهي فكرة تبدو خيالية للغاية - هكذا نحصل على إجابة السؤال الثاني. على خلفية عدم وجود استعداد حقيقي لدول المنطقة لمحاربة إيران، وعدم قدرة الولايات المتحدة وإسرائيل، على هزيمتها بشكلٍ حاسم بمفردهما، وبالتالي تفقد فكرة الأعمال العدائية المباشرة معناها العملي.

لكن الكثير من الالتباسات تبرز في السؤال الثالث - حول المستقبل القريب لسياسة الشرق الأوسط بشكلٍ عام؟ ما حدث يُظهر مدى خطورة إضعاف الثقل الجيوسياسي للولايات المتحدة، في كامل منطقة الشرق الأوسط تحت أي إدارة أمريكية، وضرورة بقاءها تراقب الوضع فيه وعدم انسحابها منه. هذا الوضع هو الأكثر فائدة لإسرائيل فقط. في الواقع لا تسعى إسرائيل ولا من مصلحتها الانتصار الساحق على إيران بل كل ما تريده هو إضعافها جيوسياسيًا، وقطع الطريق عليها وعلى حلفائها بالطوق المحيط بها. أما تسوية "المشكلة الإيرانية" من جذورها مع كامل الإقليم، يعني بكل بساطة عودة القضية الفلسطينية، مرة أخرى لواجهة الحدث، وأن تصبح الأكثر أهمية بكل المنطقة، وستتعرض إسرائيل ليس فقط لضغوط سياسية ولكن أيضًا تجارية، في ظل نهاية الصراع مع إيران، والحاجة لسلام لسهولة حركة التجارة والاقتصاد بالمنطقة وحول العالم. بينما الوضع الحالي مريح للغاية لإسرائيل. العالم كله في حالة شبه حرب مع طهران، بينما تقوم إسرائيل، بقضم الأراضي الفلسطينية بشكل ممنهج، وتُقنع بلدان الجوار بشرعية هذا الضم، هل كان يمكن أن يحدث ذلك في ظل حل شامل "للمشكلة الإيرانية"؟

لكن حال اختفى الخطر الإيراني من على شاشة عرض أحدث الشرق الأوسط، سيذهب الجيران على الفور للحديث عن ضرورة حل المشكلة الفلسطينية المعقدة. للحفاظ على ما تم تحقيقه من نصر على إيران، بصنع استقرار شامل بالمنطقة، وحينها ستتعرض إسرائيل، لضغوط حتى من أقرب حلفاءها، وسيتعين عليها أن تدفع المقابل.

بناءً على ما سبق، فإن إسرائيل مهتمة بشكل مباشر، بأن يطول النزاع مع إيران، لأطول فترة ممكنة، بل والحفاظ على الوضع الراهن مع إضعاف مستمر لإيران، بما يضمن أمنها، ولكن دون قضاء تام على خطرها تجاه باقي البلدان العربية. لذا يُتوقع أن يظل الوضع على ما هو عليه دون حسم كامل حتى يحدث تغيير كبير في التوازن الدولي العالمي بين القوى الجيوسياسية الرئيسية للكوكب.[1]


[1] Почему Израиль заинтересован в вечной войне с Ираном - Институт Русских стратегий - 08 дек 2020, https://russtrat.ru/analytics/8-dekabrya-2020-0010-2396