فضائح كلينتون ومكتب التحقيقات الفيدرالي.. تمرد "الدولة العميقة"

04.11.2016

أثارت إعادة فتح مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، التحقيق في قضايا فساد هيلاري كلينتون واستخدامها لحسابات إلكترونية خاصة أثناء عملها كوزيرة للخارجية، العديد من التساؤلات عن الأسباب التي دفعت المؤسسة الأمنية الأمريكية للجوء إلى هذه الخطوة، خاصة بعد رفض المكتب في وقت سابق توجيه اتهامات للمرشحة الرئاسية الأمريكية، وإغلاق القضية.

في هذه الدراسة يحدثنا الكاتب الروسي أندري كاريبكو عن العوامل التي دفعت الـ"إف بي آي" للتمرد، والشروع في كشف فضائح عائلة كلينتون، وفساد مؤسسة الحكم الأمريكية.

فضيحة هزت أمريكا
كشف مدير مكتب التحقيقات الفيديرالي جيمس كومي للكونغرس أواخر الأسبوع الماضي مفاجأة من العيار الثقيل حين صرح أن ادارة المكتب الفيديرالي أعادت فتح التحقيق في فضيحة البريد الالكتروني لهيلاري كلينتون. الأمر الذي فاجأ الشعب الأميركي في حين أثار حنق الديمقراطيون ومن في صفهم، وهو الأمر الذي أطلقوا عليه اسم "التدخل السياسي" قبيل برهة قصيرة من يوم الانتخابات الرئاسية.

في نفس الوقت رأى أعضاء الحزب الجمهوري أنه لايمكن تصديق أن الرجل نفسه الذي رفض توجيه اتهامات ضد وزيرة الخارجية السابقة في الصيف الماضي، يقوم الآن أخيرا بفعل الشيء الصحيح وتصويب الخطأ المحرج الذي حدث سابقا.

ادعاءات الديمقراطيين حول "التدخل السياسي" لا أساس لها من الصحة، لأنه من حق الشعب الأمريكي معرفة أي سلوك غير قانوني من قبل أحد المرشحين للرئاسة، وخاصة بعد الفضيحة الجنسية لزوج هوما عابدين مساعدة كلينتون المقربة. 

على أقل تقدير، هوما عابدين مذنبة بالكذب تحت القسم حول تعاملها مع أجهزة الاتصال المتعلقة بالعمل التي تحتوي على رسائل البريد الإلكتروني السرية. هذا الاكتشاف يثير تساؤلات جدية حول جدارة السيدة  التي ستعتمد عليها هيلاري كلينتون بشكل رئيسي في حال فوزها بالانتخابات. وهذا الأمر أقلق ملايين الأميركيين من أن كلينتون لا تقوم بالتصرفات التي تدل على حنكة سياسية ولديها سوء إدارة. هذه الحقائق جمعت مجمل الأدلة المكتشفة بأن هيلاري كلينتون فاسدة إداريا وهذا الأمر سيقنع الناخبين بأنها ليست جديرة بالفوز بأصواتهم.

فساد كلينتون هو أمر "أسطوري" وقد تم بالفعل كشفه مطولا من قبل بيتر شفايتزر وغيره من الكثر التابعين لمنصة الأخبارBreitbart""، وبالتالي ليس هناك حاجة في هذه المادة لمناقشة هذه الفكرة بشكل أعمق، على الرغم من أنها تستحق أن تأخذ الكثير من الوقت والتحليل.

"الدولة العميقة"
يهدف هذا المقال إلى تحليل الدوافع التي حثت كومي على فعل ما قام به، وارتباط ذلك بإطار تفسير مؤلف "الدولة العميقة" في استقراء شؤون الدولة المتمردة وأهمية هذا بالنسبة للمؤسسة.

"الدولة العميقة" لا تحمل في طياتها نوعا من المفهوم "التآمري" كما يزعم بعض النقاد الرجعيين، ولكنها مجرد وسيلة أخرى للحديث عن الجيش في أي بلد وكذلك الاستخبارات والبيروقراطيات الدبلوماسية. ناقش المؤلف على نطاق واسع العلاقة بين كلا المرشحين للرئاسة وهذا الذراع المحوري للمؤسسة الذي يتكشف عن "أنماط القيادة الوطنية و'الدولة الخفية  ترامب وهيلاري"، حسب المصادر يفترض  أن هيلاري تلقت دعما من مصادر رفيعة المستوى في وزارة الخارجية ومكتب التحقيقات الفدرالي (بسبب فترة ولايتها كوزيرة للخارجية وعلاقة أوباما الوثيقة مع النائب العام لوريتا لينش)، في حين يحظى ترامب بتأييد عملي في وكالة الاستخبارات المركزية والبنتاغون (مثل رئيس وكالة استخبارات الدفاع السابق مايكل فلين) الذي يفهم بشكل صحيح مدى خطورة سياسة هيلاري كلينتون الخارجية على الدول الأخرى في العالم.

تحتاج هذه الملاحظة إلى التدقيق في حسابات كومي واعادة فتح قضية هيلاري وإخطار الكونغرس ان التحقيق مرة واحدة يتطلب الاستمرار في ذلك. ناهيك عن أنها كتبت في وقت سابق، وذكرت انه لن يتم هذا الأمر إذا كان هناك أية طريقة يمكن تصورها لتجنب ذلك، مما يعزز حالة أنه مهما كانت الأدلة فالأمر يستحق هذه الخطوة التي لم يسبق لها مثيل. وقد تم تداول تقارير في الصحافة أن المعنويات في أدنى مستوى في مكتب التحقيقات الفدرالي بين الموظفين الذين يتمتعون بحماس دائم لسمعة المكتب ومنع تقويض ثقة الجمهور في هذا الفرع من "الدولة العميقة". حتى أن بعض الوكلاء قدموا معروضات تتضمن خطابات استقالة احتجاجا على ما هم مقتنعين بوجوده وهو حالة الفساد المستعصية داخل المؤسسة، وقد عنونت صحيفة "نيويورك بوست" مقالا في اوائل اكتوبر/تشرين الاول "عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي على استعداد للتمرد على التحقيق حول أداء كلينتون". فإن أيا من هذه العوامل لوحدها كانت كافية لإجبار كومي على تغيير رأيه عند هذه المرحلة، ليكون التدخل السياسي في أميركا حول جولة  الانتخابات من خلال رفض توجيه الاتهام لهيلاري، رغم ذلك ساهم بالتأكيد في توتر البيئة داخل المنظمة عشية اكتشاف الوكلاء لأول رسائل البريد الإلكتروني لكلينتون.

عصيان من الأسفل
عند هذه المرحلة من الضروري التمييز بين الافراد العاديين المقربين من مكتب التحقيقات الفيدرالي وغيرهم من منظمات "الدولة العميقة" والنخب المؤسساتية التي تقود هذه الفئة. ومن المستحيل أن نشك بمدى تكريس جهود أي موظف في "الدولة العميقة" لدعم المؤسسة، ولكن أغلب الظن أن الحالة ستتكرر في أي تسلسل هرمي، إن الجزء السفلي من الهرم لا يدعم دائما بسعادة قمة السلطة. في هذه الحالة، يبدو أن وكلاء مكتب التحقيقات الفدرالي في مستوى القاعدة ثاروا ضد قيادة كومي بقوة، كما أنهم تحركوا ضمن الحدود القانونية في إطار حدودهم  المهنية، وهم على درابة كافية أنه من المستحيل تقريبا محاولة "الانقلاب" ضده ولكن أيضا يعلمون ما أهمية ضربتهم لحكمه إذا تسرب باستمرار للصحافة احباطهم وفعل كل ما بوسعهم لجعله يشعر وكأنه منبوذ.

والحقيقة البسيطة هي أن سمعة مكتب التحقيقات الفدرالي قد تدمرت بالفعل في أعين الرأي العام الأميركي، الذين يرون الآن أن المخابرات المحلية وهيئة إنفاذ القانون امتداد شبه عسكري للحزب الديمقراطي. وبصيص الأمل الوحيد الذي لديهم لتصحيح هذا التصور هو إظهار أنهم يعارضون مديريهم بغض النظر عن الخارطة الحزبية.

انضم موظفو مكتب التحقيقات الفدرالي إلى زملائهم من خلال الشعور بالواجب في حماية وطنهم من التهديدات الداخلية والقيام بدورهم في تنظيف تفشي الجريمة التي استفحلت في الأمة، لا أن يتصرفوا مثل جهاز الفاسدين من حزب سياسي معين.

خيانة كومي هذا الصيف في رفض توجيه الاتهام الى هيلاري كلينتون على الرغم من الأدلة الدامغة (والتي تبين في وقت لاحق أنها، كما الرئيس أوباما نفسه)، كسرت القانون في مواجهة كل مبدأ غير حزبي كما يعتقد معظم الموظفين فعليا والذين انضموا إلى المكتب لحماية وطنهم، لذلك عندما اكتشف الوكلاء بالمصادفة أدلة جديدة تتعلق بالقضية عندما كانوا يحققون بفضيحة وينر والرسائل ذات المحتوى الجنسي، لم يكن هناك أي طريقة إلا الجلوس دون أن ينطقوا بأي شيء.

يمكن للمرء أن يتكهن فقط حول هذا النوع من الأحاديث التي استمرت في مقر مكتب التحقيقات الاتحادية في الأسابيع التي تلت اكتشاف رسائل البريد الإلكتروني لهيلاري على جهاز كمبيوتر هوما ووينر، ولكن من المحتمل جدا أن لعبة مشوقة مثل الدراما ستتكشف حيث أن الموظفين المتحكمين بقيادة المؤسسة الخاصة يطالبون بأن يعاد فتح قضية كلينتون ويتم الإعلان عنها للجمهور، حتى يتسنى لجميع مواطنيهم الأميركيين أن يعرفوا ذلك، وإلا فإنهم سوف يسربون ذلك إلى الصحافة بأنفسهم.

طريق اللاعودة
لقد خان كومي مكتب التحقيقات الفدرالي برفضه تهمة كلينتون في المقام الأول، لذلك لا يمكن حقا أن ينسب إليه أنه وبشكل مفاجىء أصبح لديه تغييرا كاملا ومفاجئا من أجل إنقاذ سمعة المكتب الفيدرالي، رغم أنه لا يمكن استبعاد هذا الأمر تماما. وبدلا من ذلك، يبدو أنه من المنطقي أكثر أن كومي يهتم أولا وقبل كل شيء برفاهيته الشخصية، وليس شراء تقارير صحفية يتحكم بها تيار الديمقراطيين حيث تتقدم هيلاري بفارق كبير على ترامب ومن المتوقع أن تتغلب عليه بأغلبية ساحقة، وبدلا من ذلك يحصن رهاناته حول ردة فعله إذا قررت إدارة ترامب المستقبلية التحقيق معه بشأن المخالفات السياسية بعد التنصيب,
في الواقع، من البديهي أن ترامب سيقوم باتخاذ إجراءات قانونية ضد مؤسسة كلينتون وسوروس اذا انتخب رئيسا، لذلك فمن الطبيعي أنه وسع هذه العملية لتشمل المتعاونين مع "الدولة العميقة" في حال كان جادا بالفعل بخصوص عملية "التطهير" أو التخلص منهم في هرم السلطة.

وبذلك فإن المخرج الوحيد لكومي في محاولة إنقاذ نفسه في مثل هذه الحالة، اتخاذ هذه الخطوة بالقيام بإعلان غير مسبوق عن أن مكتب التحقيقات الفيدرالي كان قد أعاد فتح التحقيق مع أحد أبرز المرشحين للرئاسة في البلاد قبل الانتخابات، في فترة حرجة لا تزيد عن أسبوع فقط.

على كومي أن يثق حقا أن هناك احتمالا بأن ترامب سيفوز ويفي بوعده  ب ـتجفيف مستنقع" الفساد في واشنطن، وإلا فإنه لن يلقي بالعملية السياسية برمتها في حالة من الفوضى كما فعل.

إنه بتوجهه إلى الكونغرس ومعارضته إرادة وزارة العدل والرئيس أوباما، يلمح كومي للشعب الاميركي بقوة بأن هناك ثمة أشياء تغوص في مستنقع عميق من الأخطاء، وانه يضع أيضا علنا وبشكل لا رجعة فيه عملية التحقيق موضع التنفيذ، والتي قد تمتد لفترة طويلة أكثر من وقوعه ضحية لـ"انتحار غامض" تماما مثل عشرات من الأفراد الذين تجرأوا على تجاوز كلينتون.

ربما قام كومي بكل هذا بدافع المصلحة الذاتية مدفوعا من  مصالحه الشخصية والمهنية الخاصة، ولكن بغض النظر عن ما دفعه للقيام بتلك الخطوة، فإن النتيجة ساعدت على إصلاح بعض الأضرار السابقة التي ألحقها بقيم المنظمة وسمعتها بين الناس.

إن الموظفين العاديين في مؤسسة "الدولة العميقة" هذه، وبغض النظر عن مدى الاهانة التي لحقت بها بسبب كومي هذا الصيف، فإنها تكتظ الآن بالشعور بضرورة التحقق من مئات آلاف من رسائل البريد الإلكتروني لاستخلاص الدليل الذي يعلمون يقينا أنه موجود وذلك لعكس مسار الظلم والمسؤول عنه مديرهم.

أما بالنسبة للمواطنين بشكل عام، فإن ما حصل يتنافى مع مشاعرهم السليمة التي ترسخ في عقولهم حول مصداقية أداء المؤسسة، وينبغي الآن أن يدركوا بشكل مؤكد أن ثورة "الدولة العميقة" التي حدثت بين عناصر مكتب التحقيقات الفدرالي خطيرة بما يكفي لإجبار المدير على الشروع باتخاذ إجراءات تصحيحية في أقل من أسبوعين قبل الانتخابات.

تدوير العربات
إن إعادة فتح قضية بريد كلينتون الإلكتروني أواخر أكتوبر/تشرين الأول، وترحيب الكونغرس بالإخطار العام، يشير إلى تغيير جذري ومفاجئ من قبل مدير مكتب التحقيقات الفدرالي جيمس كومي، الذي لا يمكن أن يتحقق إلا نتيجة لثورة "الدولة العميقة" من قبل العملاء العاملين على الملف داخل المكتب والذين اندفعوا إلى العمل بعد العثور مصادفة على أدلة جديدة على أجهزة الحاسوب. لم يكن هناك من طريقة يمكن لكومي أن يستمر فيها بالتستر على كلينتون، ومن المرجح جدا أن الموظفين الوطنيين هددوا بنشر النتائج التي توصل إليها المكتب إذا لم يتخذ خطوة مبدئية في الاتجاه الصحيح، وإخطار البلاد حول ما كان يحدث بغض النظر عما إذا كان هذا هو الدافع وراء خطوته حيث يغلب مصالحه الذاتية على واجبه كمواطن). هذه الحلقة الأولى من نوعها لمسؤول رفيع المستوى في "الدولة العميقة" وتمثل "خللا" في المؤسسة يثبت أن "الدولة العميقة" الأمريكية لا تقف بقوة وراء هيلاري كلينتون مثلما يتوهم البعض، وأنه حتى داخل تلك المؤسسات التي ينتمون لها، هناك تمرد متزايد بين الموظفين العاديين ضد رؤسائهم السياسيين المختارين.

وهذا أمر مهم خصوصا مع اقتراب الولايات المتحدة من الانتخابات الرئاسية الأهم في تاريخها.

لم يحدث من قبل أن كان شخص دخيل تماما مثل دونالد ترامب اقترب بهذه الدرجة من رئاسة الجمهورية، وكان في وضع يتحدث فيه عن عزمه على تنظيف فساد عناصر "الدولة العميقة" للمؤسسة في العصر الحديث.

على العكس من ذلك، هذه هي المرة الأولى التي يتوحد فيها النخبة في الحزب الديمقراطي والجمهوري وراء مرشح واحد هو (هيلاري كلينتون) ليبددوا أسطورة قائمة منذ زمن طويل بأن النظام السياسي في أميركا يتميز بأنه يتمتع بمظاهر ثابتة "اختياري ..حر ...ونزيه" بين مرشحين يفترض أنهما مختلفان. في الحقيقة، لا يمكن لترامب وهيلاري أن يكونا مختلفان في كل شيء تقريبا، لكنها حقيقة أن كلا الحزبين وقفا معا لمحاربة الدخيل وحماية المصالح الراسخة الخاصة التي تبين انكشاف الديمقراطية الأمريكية على أنها تتمتع باحتيال وزيف مؤسساتي وهو ما يتحدث به منتقديها دوما.

وكدليل آخر على ذلك، شنت المؤسسة و"الدولة العميقة" المرتبطة بوسائل الإعلام الرئيسية و"الأكاديميات" حربا نفسية لا مثيل لها ضد الشعب الاميركي، موظفين حتى تكنولوجيا الحرب الهجينة من خلال خلق جمعيات مرتبطة بالمجموعات المتطرفة مثل "حياة السود تهم" التي تحرض على الانقسام المجتمعي على قاعدة أعمال شغب عرقية في جميع أنحاء البلاد.

منقذو "الدولة العميقة"
يلعب هؤلاء على هذا الوتر باعتبار أنهم ذاهبون إلى هذه الحدود القصوى بجهودهم لأنهم بحاجة إلى إقناع الأميركيين بعدم التصويت لدونالد ترامب في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني، حيث أن الانتخابات هي في نهاية المطاف هي فقط - انتخابات - والمرشح الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات يفوز.  فنظام فيه هذا القدر من التلاعب، لا يزال يتلخص في استطلاع بسيط بين متنافسين اثنين، أحدهما ذو أنشطة احتيالية تتلاعب بالناخبين كذلك التلاعب السافر ببطاقات الاقتراع الإلكترونية. الخيار الآخر يهدد بنطاق واسع وتأثير حاسم بأنه يمكن أن يكون التعادل في هذه الانتخابات لصالح هيلاري كلينتون، وغير صحيح بقدر ما هو معترف به. 

وبذلك ليس بيد الأميركيين ما يقومون به كرد على ذلك إذا حدث مثل هذا الانتهاك المخطط أمرا واقعا. والوحيدون الذين بإمكانهم وقف وفضح، والتعامل مع هذه المؤامرة هم من يعملون مع "الدولة العميقة"، وخاصة عناصر مكتب التحقيقات الفدرالي ووكالة الامن القومي الذين قد يأتون بأدلة على حدوث ذلك ويكونون مصدر تسريب للصحافة أو استخدام وسائل تجبر رؤسائهم على اتخاذ الإجراءات اللازمة.

لم تكن هناك وسيلة لقياس مدى انقسام وتمرد مكتب التحقيقات الفدرالي فعليا حتى جاء إعلان كومي المذهل، وبالتالي فإن أفكار العملاء الوطنيين في مكتب التحقيقات أو أي مؤسسة أخرى من "الدولة العميقة" تسرب أو تعطي أدلة تؤكد لناخبي كلينتون بوسائل الانتخاب الإلكترونية بأن احتيالها كان ضربا من التمني الواقعي.

في الحقيقة، كان السيناريو الوحيد الغريب ذو الصلة والذي كان متداولا في وسائل الإعلام عن "قرصنة روسية" لتزوير الانتخابات لصالح ترامب، وهو ادعاء بحرب نفسية فظيع لا يتقبلها حتى الأميركيين متوسطي الذكاء وحتى  CNN والتايم شعرتا أنه من الضروري التراجع ودحض الفكرة. غير أنه الآن، هناك أمل أن الوطنيين في مكتب التحقيقات الفيدرالي، ووكالة الأمن القومي، وآخرون قد لا يقبلون نتائج الانتخابات إذا كانت لديهم أدلة على أن هيلاري "فازت" عن طريق الاحتيال.

إن منقذي مثل هذه "الدولة العميقة" قد جمعوا زملاء العمل الداعمين لهم معا وضغطوا على رؤسائهم للعمل تماما كما فعل كومي خلال الشهر الماضي، أو حتى 'الذهاب بالجرأة أكثر بتسريب دليل دامغ "إلى وسائل الإعلام ومشاهدة الانهيارات حين يشن الأمريكيون بأنفسهم "ثورة اللون" ضد المؤسسة.

"الثورة الأمريكية الثانية"؟
يعصف الخوف في نخب " الدولة العميقة" الحاكمة بشكل لم يسبق له مثيل لأنهم فقدوا الثقة في السلطة التي يفترض أنهم يمارسونها على مرؤوسيهم.  كانت ثورة أكتوبر/تشرين الأول 2016 في مكتب التحقيقات الفدرالي صدمة أكبر بالنسبة لهم مما كانت عليه للشعب الأمريكي العادي لأنها تعني أن أي خطط قادمة لتزوير الانتخابات لصالح هيلاري يمكن معارضتها وعرضها لنفس الأجهزة الغامضة التي من المفترض أن تحمل عب تنفيذها بشكل خفي. كما  أرسل وطنيو مكتب التحقيقات الفدرالي إشارة قوية إلى نظرائهم في "الدولة العميقة" في مؤسسات أخرى عندما نجحوا في الضغط على كومي لإعلام الكونغرس بإعادة فتح قضية بريد كلينتون الإلكتروني حيث يعرف أقرانهم الآن أن هناك ثورة حقيقية تجري في "الدولة العميقة" وأن لديهم المزيد من الدعم، ولو اعتقدوا خلاف ذلك.

تم تصميم هذه الرسالة الواضحة لتشجيع الوطنيين الآخرين للوقوف ومعارضة التزوير الإلكتروني من هيلاري والداعمين لها في النخبة من المتآمرين معها في "الدولة العميقة" فيما لو أراد احدهم أن يفكر بالأمر، ما حدث في الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر هو الأقرب الى فهم أن الولايات المتحدة أقرب من أي وقت مضى إلى "الثورة الأمريكية الثانية" ودليل ذلك أن هناك عناصر في الدولة الخفية هم صادقون يحملون المشاعر الوطنية أكثر ممن هم على استعداد للوقوف إلى جانب الشعب في معارضة المكائد الفاسدة من الرؤساء في النخبة الحاكمة في المؤسسة,

وباعتبار أنه لا يمكن للشعب اتخاذ أية خطوات اصلاحية وإنما يقتتصر الأمر على إدراك أن شيئا غير عادي يجري وراء الكواليس وأن لا شيء صحيح في أروقة السلطة. لم يحدث هذا الأمر من قبل وخصوصا أن فرع "الدولة العميقة" لم يقوم بالإعتراض سابقا علنا ضد النظام والنخبة الحاكمة, وقد صحى المواطن العادي على احتمال مخيف بأن "دولتهم العميقة" قد تكون منقسمة وعلى شفا حرب ذاتية كما هو الحال في "الديكتاتوريات غير الديمقراطية" والتي تحاول الولايات المتحدة أن تزعزعها بشكل روتيني وتحاول إسقاطها. إنها أوجه تشابه ملفتة للنظر.

إذا لم تتم الانتخابات المقبلة في أجواء "حرة ونزيهة" فإن الأميركيين يتوقعون أن يهب منقذو  "الدولة العميقة" لمحاولة القيام بعملهم بطريقة سلمية "الثورة الأمريكية الثانية" من وراء الكواليس في التعامل مع هذه الأزمة، ولكن إذا ووجهت بمقاومة مؤسساتية فلن يمكن التغلب عليها من قبل رؤساء النخب الذين اختاروا كلينتون، ما قد يدفعهم لـ"الخيار النووي" وتسريب كل الأدلة التي لديهم حول هذه المؤامرة الى وسائل الاعلام، وبالتالي مطالبة الشعب الاميركي بالقيام بالثورة الأميركية الثانية من الخفاء لتنتقل إلى الشوارع.

وهذا يمكن أن يؤدي وبشكل غير متوقع إلى حجم هائل من العنف والاضطرابات بعيدة المدى والتي تضع موضع التنفيذ سلسلة من ردود الفعل التي من المستحيل تماما التنبؤ بها. أما الثورة الأمريكية الثانية فتقع أمام خيارات شائكة، إما أن يتم تمريرها بسلام في الانتخابات وراء الكواليس من قبل منقذي "الدولة العميقة" أو بحدوث شغب في الشوارع مع هرج ومرج لا يمكن التنبؤ به.  

ومع ذلك، فإنه من المؤكد أن "الثورة الأمريكية الثانية" سوف يتم التلاعب بها بطريقة أو بأخرى، يبقى السؤال معلقا، من سيكون المنتصر في النهاية؟ وعما إذا كان أسلوب ترامب  الشعبي سيتغلب على المؤسسة الفيدرالية أو أن أسلوب هيلاري المؤسساتي سيتغلب على الشعب.