سوريا والمملكة المتحدة وتمويل "المعارضة المسلحة المعتدلة"
وثيقة صادرة في ديسمبر الماضي من قبل وزارة الخارجية البريطانية ومكتب الكومنولث تحت عنوان : "المساعدات الإنسانية المقدمة من المملكة المتحدة نتيجة للصراع في سوريا"، قراءتها مثيرة للاهتمام، حيث تقول الوثيقة أن الحكومة البريطانية أنفقت "أكثر من 100 مليون £" منذ عام 2012 وأنها "تعمل بشكل وثيق مع مجموعة من الجهات الفاعلة" "لإيجاد حل سياسي للصراع وتستعد لإعادة بناء البلاد في فترة ما بعد الأسد". وتضيف الوثيقة: "جهودنا ... تشمل توفير أكثر من 67 مليون £ من الدعم للمعارضة السورية".
واحدة من "الجهات الفاعلة" المستفيدة من جزء ضخم من أموال دافعي الضرائب البريطانيين هي الائتلاف الوطني السوري الذي تؤكد الوثيقة تحت عنوان "بيان الرسالة والأهداف": "أن التحالف بذل كل ما في وسعه لتحقيق هدف إسقاط نظام الأسد ... "وإلى" إنشاء حكومة انتقالية ... " كما تشدد الوثيقة. وهكذا فإن الحكومة البريطانية تدعم علنا الإطاحة بصورة غير مشروعة بحكم آخر ذي سيادة.
كل من يقرأ يتذكر أحمد الجلبي من المؤتمر الوطني العراقي واياد علاوي من الوفاق الوطني العراقي ، المدعومين من قبل الحكومتين البريطانية والامريكية للإطاحة بصدام حسين.
ملاعب كرة القدم في العراق والحدائق والساحات الخلفية تحولت إلى مقابر، وربما ثلاثة ملايين حالة وفاة نتيجة الحصار والاعتداء على البلاد عام 1991 من قبل اثنين وثلاثين دولة ، والحرب الخاطفة عام 2003 والغزو - المستمر - على "مهد الحضارة" في العراق وسورية على قدم المساواة ، والجميع صامت على هذه الجريمة الضخمة ضد الإنسانية - والتاريخ. حكومة واشنطن والحكومة البريطانية لا تتعلمان أبدا - هل تدمير المجتمعات المدنية والعدوان نازي والانقلابات غير المشروعة وأنهار الدم هي سبب وجودهما؟
وبالمناسبة، تشمل وثيقة وزارة الخارجية محاسبة هزلية حيث تنص أن : "أكثر من 29 مليون £ استثمرت للحد من تأثير النزاع على المنطقة." وقف إسقاط القنابل البريطانية من المؤكد أنه سيكون الطريقة الأكثر فعالية للقيام بذلك – وإقناع "شركاء الائتلاف" في الولايات المتحدة بفعل نفس الشيء. إنه لأمر أكثر قرفا، ونفاقا.
يتحدثون عن الحد من "تأثير الصراع على المنطقة" - هنا هو ما تساهم بريطانيا في تدميره - مجاملة أخرى لدافعي الضرائب البريطانيين (برنامج الأمم المتحدة للتشاور):
"كل طائرة من طائرات تورنادو GR4 في سلاح الجو الملكي تكلف 9.4 مليون £، وكل رحلة تكلف حوالي 35000 £ في الساعة.
"عادة ما يتم استخدام اثنين من طائرات تورنيدو لكل رحلة، وكل رحلة تستغرق ما بين أربع وثماني ساعات. فتكون التكلفة في أدنى تقدير عن كل رحلة 140000 £.
"حمولة كل طائرة هي أربع قنابل من نوع Paveway وصاروخين من نوع Brimstone ، بتكلفة 22000 £ و 105000 £ لكل منهما على التوالي.
تصبح النتيجة " 298000 £ بالإضافة إلى تكلفة الرحلة التي تبلغ 438000 £، وهذا حسب التقدير المتفائل. أما إذا كانت الطائرات تحمل صواريخ من نوع ظل العاصفة - الذي يكلف الواحد منها 800000 £ والرحلة تدوم لمدة ثماني ساعات، فإن التكلفة الإجمالية ستكون أعلى بكثير، علما أن تكلفة الوقود لم تأخذ في الاعتبار ".
الوثيقة الحكومية البريطانية تخبرنا أيضا أن : " هناك أكثر من 2700 متطوع في 110 مراكز الدفاع المدني في جميع أنحاء شمال سوريا حتى الآن، وهم مدربون ومجهزون بمساعدة وتمويل من المملكة المتحدة ... وهم يعرفون " بالخوذ البيضاء " هو الاسم الأكثر شيوعا، و "ذوي الخوذات البيضاء" بالطبع يعملون فقط في المناطق التي يسيطر عليها "المعتدلون" الذين يأكلون الأعضاء البشرية ويقطعون رقاب الأطفال، ويحرقون البشر، وينسبون ظلما إلى "المعارضة".
حسب تعبير وزارة الخارجية وتحت عنوان: "المعارضة المسلحة المعتدلة: تم إنفاق مبلغ 4400000 £" كرس لتوفير معدات تأمين الحياة لأصحاب السواطير الذين أظهرت الوقائع أنهم لا يهتمون بادخار حياة أحد. في الواقع يذكر موقع "ذوي الخوذات البيضاء" على الانترنت أنهم: " أكبر منظمات المجتمع المدني العاملة في مناطق خارج سيطرة الحكومة ..." .
أيضا، بشكل شبه هزلي تقول وزارة الخارجية: " قمنا بتمويل قانون التدريب في النزاعات المسلحة لمساعدة القادة لتدريب مقاتليهم على فهم المسؤوليات والالتزامات بموجب قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي". ونظر لسجلهم الذي يقترب من الأنواع الموجودة في العصور الوسطى الهمجية، فصدى هذا "التدريب" يقع بشكل واضح على آذان صماء.
المملكة المتحدة بالطبع، ليست في وضع يسمح لها بالمحاضرة حول قانون النزاعات المسلحة منذ أن تعهدت رئيسة الوزراء غير المنتخبة حديثا، تيريزا ماي، بوقف جميع القضايا المرفوعة ضد الرجال والنساء البريطانيين المرفوعة من العراقيين الذين يدعون تعرضهم للتعذيب والقتل ولانتهاكات متفاوتة لا يمكن تصورها. وهذا يحتوي على الكثير من "المسؤوليات والالتزامات بموجب قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني."
السخاء البريطاني لا حدود له على ما يبدو في التدخل الإجرامي في الدول الأخرى. "فنشطاء الإعلام" تسلموا 5.3 مليون £: "تساعدهم في المشاريع الممولة من المملكة المتحدة لإنشاء شبكة من وسائل الإعلام المستقلة في سوريا، والتي قد تشمل إرسال رسائل حول السلامة الشخصية بعد هجوم بالأسلحة الكيميائية قام به النظام في الغوطة، ومؤخرا لمساعدة منظمات المجتمع المدني بإعطاء التقارير الشبيهة بتقارير "الخوذات البيضاء" عبر حسابات تويتر وفيسبوك ".
"الهجوم بالأسلحة الكيميائية من قبل النظام على الغوطة" تم نفيه بطبيعة الحال بشدة على الرغم من الجهود الجبارة التي تبذلها الدعاية الغربية. وكما كتب اريك دريستر:
"ما الذي يجعل هذا الحادث ذا أهمية، سياسية وتاريخية، هو حقيقة أنه على الرغم من أنه لا وجود لأدلة على تورط الحكومة السورية، فإن إدارة أوباما بدأت بالتحرك نحو الحرب في سوريا باستخدام الغوطة كذريعة.
بعدما مرت الشهور على ذلك، أظهرت الدراسات العلمية وجود مجموعة هائلة من الأدلة على أن ادعاءات واشنطن و"يقينها" أن قوات الأسد هي التي استخدمت الأسلحة الكيماوية في حربها ضد المقاتلين المتطرفين لا اساس لها من الصحة ، بل كان الواقع على العكس تماما وهو أن المتمردين هم الجناة على الأرجح في ذلك الهجوم ".
لعله من السخرية أن نظن أن تمويل "نشطاء وسائل الإعلام" و "ذوي الخوذات البيضاء" وربما "نشاط التقارير السيئة" ما هو إلا دعاية صارخة كما يقول جوزيف غوبلز بأن: الدعاية هي فن الإقناع - إقناع الآخرين بأن ما تحصلون عليه من رؤية محددة للقصة هو الصحيح طبعا من خلال ما يتم دفعه من أموال ضخمة وموارد بهدف " الإقناع ".
يمتد السخاء غير القانوني في المملكة المتحدة أيضا إلى: "... العمل مع الجهات المانحة الدولية الأخرى لتأسيس وبناء الشرطة السورية الحرة (FSP) كقوة شرطة معتدلة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة ..."
هو نفس السيناريو تتم إعادته كما جرى في العراق: تسريح الشرطة والجيش وجميع هياكل الدولة - فالعراق الذي كان نابضا بالحياة ولديه مجتمعا مدنيا متماسكا، (مع جميع التعقيدات الموجودة في معظم المجتمعات) قبل الحصار وقانون تحرير العراق (1998) تحول إلى ما تحول إليه لأن قانون تحرير العراق نص على أنه: "يجب أن تكون سياسة الولايات المتحدة تدعم الجهود المبذولة لإزالة النظام الذي يترأسه صدام حسين من السلطة في العراق ..." وتم توقيعه ليصبح قانونا في 31 أكتوبر 1998، من قبل الرئيس بيل كلينتون.
كما ذكرنا سابقا، يوجد الآن بالطبع قانون محاسبة سوريا منذ عام 2010 (H.R. 1206.) بتشابه ما.
"الخوذات البيضاء" استفادت أيضا من 23 مليون $ من الولايات المتحدة، وفقا للمتحدث باسم وزارة الخارجية، مارك تونر (27 أبريل 2016) و 4 ملايين € من الحكومة الهولندية. في الأسبوع الماضي أعلنت ألمانيا زيادة التبرع لهذا العام ليصل إلى 7 ملايين €. وقد ساهمت اليابان أيضا في ذلك.
على ما يبدو أن هناك قدر كبير من المال قد دفع للمتمردين والمهاجرين غير الشرعيين في بلد ذي سيادة، وهؤلاء منحوا أنفسهم لقب الدفاع المدني السوري. ومع ذلك فإنهم لا يملك حتى رقم هاتف الطوارئ. كما أشارت فانيسا بيليي في كتاباتها المستفيضة حول هذا الموضوع، وقد تم تأسيس الدفاع المدني السوري الحقيقي عام 1953، وهو عضو في المنظمة الدولية للحماية المدنية والتي تشمل شركاء إدارة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية - وكما كل خدمات الطوارئ الوطنية، فهي تحمل رقم الهاتف: 113.
ومن بين المهام العديدة المطلوبة من " الخوذ البيضاء " هي: " توفير الخدمات الطبية - بما في ذلك الإسعافات الأولية - في موقع الاصابة" وإلا لماذا كانوا يدربون وليس من الخبراء والمسعفين وعناصر الطوارئ المدنيين، من قبل مقاولين خاصين أو للأسف من قبل مرتزقة؟
وفقا لويكيبيديا: فإن "مؤسس الخوذ البيضاء السورية، هو جيمس لوموسورير وهو بريطاني متخصص " بالأمن " وضابط سابق في الاستخبارات العسكرية البريطانية مع سجل حافل في مسارح تدخل حلف شمال الأطلسي المشكوك فيها بما في ذلك البوسنة وكوسوفو وكذلك العراق ولبنان وفلسطين. كما تم وضع لوموسورير في سلسلة من المناصب الرفيعة في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ووزارة الخارجية والكومنولث ".
ماذا يقدم موقع لوموسورير :
" أمضى جيمس 20 عاما من العمل في الدول الهشة كعضو موظف في الأمم المتحدة، وهو مستشار لشركات القطاع الخاص ووزارة الخارجية والكومنولث في المملكة المتحدة، وسابقا كان ضابطا في الجيش البريطاني. وقد قضى كثيرا من أوقاته في تقديم الأنشطة لتحقيق الاستقرار من خلال برامج قطاع الأمن والديمقراطية. منذ عام 2012 عمل جيمس على أزمة سوريا حيث بدأ برنامج الخوذات البيضاء السوري في مارس عام 2013. وفي عام 2014، أسس ما يسمى باستغاثة الإنقاذ، والمكرسة لتعزيز مشاركة المجتمعات المحلية في البلدان التي يوجد فيها صراعات.
"برامج ديموقراطية" ؟ عندما أسس جورج أورويل عام "الف وتسعمائة وأربعة وثمانين" "لجنة إعادة التعليم"، ولكن دعونا لا ننجرف بعيدا جدا.
يوم الثلاثاء 11 أكتوبر 2016، يمكن القول أن أندرو ميتشل النائب في المملكة المتحدة، ضابط سابق في فوج الدبابات الملكي، استمر في النقاش لثلاث ساعات في مجلس العموم حول سوريا عن مزاعم "الخوذ البيضاء" بأن الطائرات العسكرية الروسية والمروحيات السورية تقصف المدنيين في شرق حلب.
استخدم ميتشل في مناقشته جميع الوسائل البالية، واصفا الوضع بأنه "أقرب إلى الهجوم على غرنيكا خلال الحرب الأهلية الإسبانية" وأشار الى أن سلاح الجو الملكي البريطاني ينبغي أن يسقط الطائرات الروسية والسورية. وقال انه يدعو أيضا إلى "الحظر الجوي". وكما هو معروف في ليبيا، فهي منطقة طيران غربية فقط. غرنيكا في الواقع.
مرة أخرى بالطبع، فكل الطائرات الروسية والسورية موجودة هناك بشكل قانوني، ولكن يجري نصح أندرو ميتشل من الآخرين مثل المدير العام السابق لوكالة المخابرات المركزية ديفيد بترايوس، الذي كان أيضا قائدا سابقا للقوات الأميركية في أفغانستان والقوات متعددة الجنسيات في العراق. وهؤلاء ليسوا هيئات بحثية مصغرة كما يتوقع البعض حيث تكون سيادة القانون هي الأولوية قصوى.
دعا ميتشل أيضا للحصول على تمويل إضافي ل"الخوذات البيضاء"!
وبالمناسبة، هناك بروتوكولات صارمة ذات أهمية قصوى للعاملين في المجال الانساني حول حماية الجرحى والمصابين بصدمات نفسية، من أثر الدعاية وحساسية تحديد الهوية.
"الخوذات البيضاء" على ما يبدو من دون أطقم كاميرا تسجل جسما صغيرا، ووجها يواجه الكاميرا والغبار يغطيه والدماء متناثرة، والملابس ممزقة في أحضان "المنقذ"