لقاء بوتين أردوغان.. إعادة رسم خارطة اللعبة من باكو إلى حلب مرورا بـ"السيل التركي"
بالتزامن مع استمرار المعارك في منطقة الشرق الأوسط، ودخول الولايات المتحدة في انكفاءتها الانتخابية، وانشغال الاتحاد الأوروبي بمحاولة فهم وضعية بريطانيا ما بعد الاستفتاء، فضلاً عن توجّس دوله من تعاظم خطر الإرهاب وتفاقم أزمة اللاجئين، سُلّطت الأضواء امس على القمّة التي جمعت رؤساء روسيا وايران وأذربيجان على ضفاف بحر قزوين، التي سبقت القمة المرتقبة التي ستجمع اليوم، الرئيسين الروسي والتركي فلاديمير بوتين ورجب طيب اردوغان في مدينة سان بطرسبورغ للمرة الأولى منذ 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2015.
وقد عُقد الاجتماع الثلاثي الذي ضمّ في باكو أمس، رؤساء أذربيجان إلهام علييف وإيران حسن روحاني وروسيا فلاديمير بوتين، بدفع من المساعي الروسية الحثيثة لجمع دول منطقة بحر قزوين، سياسياً واقتصادياً، في مواجهة النفوذ الأميركي ـ الأوروبي في المنطقة، وفي محاولة روسية لإطلاق تجمّع دولي يفتتح مرحلة جديدة من التصدّي الجماعي للإرهاب والتطرّف كعدو متفلّت بدأ يطرق أبواب العالم انطلاقاً من ساحاته المفتوحة في العراق وسوريا واليمن.
ومن المحتمل أن يدعو بوتين نظيره التركي، الذي يأتي اليوم إلى سان بطرسبورغ حاملاً معه أوراق الملف السوري ومعركة خرق الطوق عن حلب، الى تلبية دعوة البيان الختامي لقمّة باكو الثلاثية، بالانضمام الى جهود محاربة الإرهاب والتطرّف.
وقد أكّد البيان الختامي لقمة باكو أن "الأطراف عازمة على التصدّي للإرهاب والتطرّف والجريمة العابرة للقارات، والاتجار غير الشرعي بالأسلحة، وتهريب المخدرات، والاتجار بالبشر، والجرائم في مجال تكنولوجيا المعلومات والحواسيب". ودعا "المجتمع الدولي للانضمام إلى الجهود من أجل التصدي لهذه التحديات والتهديدات على الاستقرار والأمن الدوليين مع دور محوري تلعبه الأمم المتحدة".
ودان البيان الإرهاب بكل أشكاله ومظاهره، داعياً الى وضع إجراءات ترمي للتصدي له بفعّالية. ولفت الى أن النزاعات العالقة في المنطقة تمثل عائقاً كبيراً على طريق تطوير التعاون الإقليمي، مشدّداً على ضرورة تسوية كل النزاعات في أقرب وقت عن طريق المفاوضات وعلى أساس مبادئ وأحكام القانون الدولي.
ووفقاً للبيان، ستعمل الأطراف على تطوير شامل للتعاون المتكافئ والمتبادل، لتعزيز الحوار السياسي على عدة مستويات. ونوّه البيان إلى أن موسكو وطهران وباكو مستمرة معاً في "المساهمة بتنفيذ المشاريع الجديدة، لربط خطوط السكك الحديد، ضمن خطط تطوير وتحسين أداء ممر النقل الدولي "الشمال ـ الجنوب"، الذي يهدف الى وصل شمال قارة أوروبا بجنوب شرق قارة آسيا.
وأكد بوتين أن التعاون الثلاثي بين روسيا وإيران وأذربيجان سيسمح بتنفيذ عدد من المشاريع الجديدة في منطقة قزوين. وقال: "أمامنا العديد من المواضيع المطروحة للنقاش بالصيغة الثلاثية".
وقال خلال اجتماع ثنائي مع علييف قبل انطلاق القمة: "يمكننا إقامة مشاريع جديدة في قزوين... في مجال النقل والطاقة وتنويع العلاقات التجارية الاقتصادية الثلاثية". وأكد أن موسكو ستبذل جهودها من أجل مساعدة أرمينيا وأذربيجان في التوصّل إلى حل وسط بشأن قضية منطقة ناغورني قره باغ.
وإثر لقائه نظيره الإيراني، أشاد بوتين بتحقيق تقدّم في جميع مجالات العلاقات الروسية الإيرانية. وقال إن البلدين قطعا شوطاً كبيراً منذ ذلك الوقت في تطوير العلاقات الثنائية التي تشمل المجالات الاقتصادية والسياسية والإنسانية.
وفي ختام لقاء علييف ـ روحاني ـ بوتين، عقد وزراء خارجية الدول الثلاث مؤتمراً صحافياً مشتركاً، دعا خلاله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، مجلس الأمن الدولي الى تحديث قوائم المجموعات الإرهابية لديه. وتعليقاً على تغيير "جبهة النصرة" اسمها الى "جبهة فتح الشام"، قال لافروف "مهما قام الإرهابيون بالتمويه، ومهما غيرت "جبهة النصرة" اسمها، لا ينبغي لأحد أن يفلت من العقاب".
في هذه الأثناء، يحطّ أردوغان، في سان بطرسبورغ، اليوم الثلاثاء، للقاء بوتين، في أول لقاء يجمع الرَجُلَين منذ الأزمة الحادّة التي تسبّب بها إسقاط مقاتلة روسية بنيران تركية في 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. ويعلّق أردوغان آمالاً كبيرة على عودة الدفء الى علاقات أنقرة وموسكو، خصوصاً بعد توتر علاقة بلاده مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على خلفية محاولة الانقلاب الفاشلة التي تعرّض لها نظام حكمه الشهر الماضي.
وحرص أردوغان على إظهار الكثير من الودّ تجاه بوتين قبيل لقائهما. ففي مقابلة له مع وكالة "تاس" الروسية، وصف أردوغان بوتين بالصديق، وأشاد بالدور الروسي في المنطقة. قال أردوغان في المقابلة إن "هذه الزيارة ستكون تاريخية وبداية جديدة. أنا أثق بفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية خلال المحادثات مع صديقي بوتين".
ومن باب الأزمة السورية، دخل اردوغان الى صلب الملفات العالقة بين أنقرة وموسكو، وأصلبها. ربط حلّ الأزمة السورية وإمكانية إيجاد تسوية لها بالتعاون مع روسيا حصراً، قائلاً: "من المستحيل التوصّل لحل للأزمة السورية بدون مشاركة روسيا. وسيكون بإمكاننا تسوية الأزمة السورية فقط بالتعاون مع روسيا".
وحصرَ أردوغان إمكانية تسوية الأزمة السورية بالتعاون مع روسيا، فيما تجاهَل الحديث عن أي دور أميركي، وهاجَم الاتحاد الأوروبي من باب علاقته مع تركيا، قائلاً إن "الاتحاد الأوروبي تخلى عن وعود قطعها لتركيا.. هو يخدعنا منذ 53 سنة.. عليه أن يترك سياسة الكيل بمكيالين".
في المقابل، يستقبل بوتين أدروغان إثر قمّة باكو غير المسبوقة، والتي أعلنت عزمها على محاربة آفات كثيرة يعاني منها العالم، على رأسها ثنائية الإرهاب والتطرّف.
ويأتي لقاء بوتين ـ أردوغان مسبوقاً بإعلان نيات من الطرفين: روسيًّا بالتصدّي للإرهاب والتطرّف، وتركيًّا بتسوية الأزمة السورية بالتعاون مع روسيا. ويلتقي الزعيمان أيضاً، فيما يتواجهان في الميدان السوري لكسب معركة حلب، المصيرية بالنسبة للجماعات المسلّحة التي تقاتل من أجل الحفاظ على خطّ إمدادها مفتوحاً عبر الحدود التركية، وبالنسبة للجيش السوري المدعوم بقوات جوية روسية، والذي يسعى جاهداً لعزل المسلّحين في منطقة مغلقة بعيدة عن شريان العدّة والعديد التركي.
وعشية قدومه الى سان بطرسبورغ، أعرب أردوغان عن استعداد بلاده لاتخاذ الخطوات اللازمة من أجل تنفيذ مشروع "السيل التركي" مع روسيا، القاضي بمدّ أنابيب لنقل الغاز عبر تركيا إلى حدود اليونان، وإنشاء مجمع للغاز هناك، لتوريده لاحقاً الى مستهلكي جنوب أوروبا. هذا المشروع فضّلته روسيا على مشروع خط أنابيب "السيل الجنوبي"، الذي كان يمر من تحت البحر الأسود عبر بلغاريا إلى جمهوريات البلقان والمجر والنمسا وإيطاليا، وتخلّت عنه بسبب موقف الاتحاد الأوروبي الذي عارض ما اعتبره احتكاراً للمشروع من قبل شركة الغاز الروسية "غاز بروم".
ما عارضه الاتحاد الأوروبي في مشروع "السيل الجنوبي"، كرّسه أردوغان مكسباً لروسيا في مشروع "السيل التركي". أكثر من ذلك، حصرَ أردوغان تعاطي بلاده مع الملف السوري بروسيا فقط. فهل سيكون أردوغان سخيًّا مع بوتين في الملف السوري أيضاً كما في الغاز؟ تكمن الإجابة في مسار معركة حلب ما بعد سان بطرسبورغ.