كيف يمكن لروسيا أن تنجح في ناغورنو كاراباخ
موسكو في وضع فريد يمكنها من إحلال السلام في ناغورنو كاراباخ بسبب المعرفة التاريخية العميقة بمنطقة جنوب القوقاز وظهور المؤسسات الجديدة مثل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
ويبدو أن حلا تفاوضيا للنزاع الذي طال أمده بين أرمينيا وأذربيجان حول المنطقة المتنازع عليها من أقليم ناغورني كاراباخ قد بات على وشك الدخول في مرحلة جديدة بعد المشاركة النشطة من قبل روسيا. إن إيقاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للحرب لمدة أربعة أيام في ناغورنو كاراباخ في أوائل أبريل أدى إلى تكهنات بأمكانية التوصل إلى اتفاق سلام في وقت قريب.
يبدو الآن أن التوترات المستمرة بين روسيا والغرب بشأن سوريا وأوكرانيا قد تجبر موسكو وباكو ويريفان إلى أخذ زمام المبادرة لتحقيق تقدم كبير في عملية السلام في ناغورني كاراباخ.
تهدف روسيا إلى الاضطلاع بدور قيادي في تحقيق السلام مع زيادة المشاركة الاقتصادية والتقارب السياسي مع كل من أرمينيا وأذربيجان. لعل القوة العسكرية الكبيرة والتراث الغني والذي يعود تاريخه إلى روسيا القيصرية، وكذلك التكتيكات الذكية والدبلوماسية المرنة سمحت لروسيا بالحفاظ على الغرب خارج جنوب القوقاز (أساسا من خلال الشراكة متعددة الأبعاد مع تركيا وإقامة تحالف استراتيجي مع إيران) كلها عوامل رئيسية يمكن أن تساعد الكرملين في استقرار الوضع.
في حالة عدم وجود غربي كبير، فإن كلا من الرئيس إلهام علييف في أذربيجان والرئيس سيرج سركسيان في أرمينيا ينظران لروسيا باعتبارها أفضل وسيط، لأنها تدرك على نحو أفضل بكثير من غيرها ما ينبغي القيام به، ولديها إرادة سياسية كافية لتغيير الوضع الراهن وتحقيق مبادرات حفظ السلام.
أرمينيا وأذربيجان تواجهان عمليات سياسية واقتصادية واجتماعية معقدة تؤثر حتما على أمن روسيا نفسها. لهذا السبب فإن دور روسيا متجذر في الوساطة في المنطقة بقوة من خلال المصالح الأمنية المشتركة. مع عدم وجود الموارد الغربية للتدخل بنشاط في عملية السلام في ناغورنو كاراباخ، فروسيا لديها الآن تفويضا مطلقا لكسر الجمود. يسعى الكرملين للتعامل مع البعثة بمفرده، في محاولة لجلب باكو ويريفان الى طاولة المفاوضات من خلال إقناعهم بضرورة التوصل إلى حل وسط.
من حيث المبدأ، أصبح لدور روسيا النشط أهمية خاصة على خلفية انتهاكات وقف إطلاق النار العادية والمناوشات على الحدود وزيادة عدد الضحايا. تجد موسكو أن التصعيد غير مقبول داعية لإعادة الحوار السياسي.
وهذا هو السبب لمناقشة قضية قره باغ الجبلية خلال زيارة اليوم الواحد من قبل علييف وسركيسيان الى سان بطرسبرج حيث التقيا مع بوتين لإجراء محادثات مغلقة يوم 20 يونيو. ونتيجة لذلك فإن باكو ويريفان تفهمان جيدا أنه سوف يكون من الصعب العثور على طريق للمضي قدما للتوصل إلى اتفاق دائم مع تجاهل المصالح الوطنية الروسية.
على الرغم من أن الغرب يظهر تفهما لدور القيادة الروسية، فإن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لا يزالان قلقين جدا حول امتداد الهيمنة الروسية إلى جنوب القوقاز ومنطقة بحر قزوين. على الرغم من أن القوى الغربية تمتلك إمكانات كبيرة لحفظ السلام، فإنهم يفتقرون إلى المعرفة الحقيقية بتاريخ جنوب القوقاز، ولديهم القليل من الفهم حول المصالح الوطنية لدول الاتحاد السوفياتي السابق.
لهذا السبب، أثبتت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أنهما غير مستعدين لفهم هذه المنطقة التي تمزقها الصراعات. كل هذه العوامل تدل على أن موقف روسيا أقوى بكثير في المنطقة وهذا يفسر سبب خشية الغرب لتدخل أكبر من موسكو في القضايا الأمنية الإقليمية التي تؤثر بشكل مباشر على الجغرافيا السياسية المتغيرة بسرعة في جنوب القوقاز.
اللافت للنظر أن موسكو تروج لفكرة حل الصراع في منظمة واحدة ومتكاملة ضمن الاتحاد الاقتصادي الأوراسي (EEU). وتظهر روسيا بالفعل كلاعب قوي من أجل الشروع في هذه العملية. كل من أرمينيا وأذربيجان أعضاء في EEU، ويعملان على تطوير الأبعاد السياسية والاقتصادية.
باكو ويريفان تتوقعان من الكرملين تقديم خارطة الطريق للسلام الذي يناسب المصالح الوطنية للطرفين المتصارعين في المنطقة. على سبيل المثال، انضمت أرمينيا بالفعل إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي للحصول على دعم الكرملين حول قضية قره باغ الجبلية، ولتعزيز العلاقة المحورية مع موسكو. أهمية أذربيجان بالنسبة لروسيا هي أيضا واضحة جدا. ولكن التحدي الأكثر هو كيفية حل العقدة المستعصية التي تربط روسيا وأرمينيا وأذربيجان معا التي تواجه زعيم الكرملين.
كثيرون في روسيا يعتقدون أن الاندماج في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي EEU يحمل وعدا كبيرا لأذربيجان، بحجة أن الدولة الغنية بالطاقة يمكن أن تعمل أيضا بمثابة جسر لتعاون الاتحاد الواسع مع إيران وتركيا. في حين تأمل أذربيجان في الحصول على دفعة جديدة لتسوية النزاع، فهي تنظر جيدا لإمكانية الانضمام إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي EEU، ولكن كما يبدو فما يزال لديها تحديات للحصول على عضوية الكتلة التي تقودها روسيا. بدلا من ذلك، يبدو أن باكو تركز على تعزيز التعاون على المستوى الثنائي داخل المنظمة الأوراسية.
ومع ذلك، قدم الكرملين بعض التكتيكات الجديدة بناء على اقتراح السلام وهي مدروسة جيدا مما قد يؤدي إلى تغيير في الوضع. كما أن مثل هذه التسوية ستأخذ بعين الاعتبار النزاعات الإقليمية العميقة التي تحيط بأقليم ناغورنو قره باغ. وبذلك، يمكن لموسكو أن تظهر كيف تحول بسهولة العقبات إلى فرص.
في حين تنتهج روسيا سياسة ذات شقين وخفية جدا وتحوي إشارات دقيقة إلى أذربيجان وأرمينيا، فإن بوتين على الأرجح قادر على كشف لغز ناغورنو قره باغ. ولكن إذا كان الكرملين يريد حقا الوصول الى قدر أكبر من الاستقرار الإقليمي، فهو يحتاج لقطع عقدة أرمينيا وأذربيجان مرة واحدة وإلى الأبد.