لماذا تحتاج روسيا إلى علاقات أقوى مع اليابان
قبيل الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى روسيا، يناقش كبار الخبراء أهمية تحسين العلاقات الروسية-اليابانية، وخصوصا في سياق المواجهة الروسية الجارية مع الغرب.
وزير الخارجية الياباني السابق ماساهيكو كومورا، تسلم مغلفا من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في موسكو يوم 12 يناير/كانون الثاني.
زيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي لروسيا، والمقررة في 6 مايو/آيار، يجب أن تعطي حافزا جديدا للكرملين لتنشيط علاقاته مع طوكيو. إن تعزيز العلاقات الثنائية بين موسكو وطوكيو لا يعتبر في أولوية السياسة الخارجية العليا اليوم بالنسبة للبلدين، على الرغم من النزاع الإقليمي حول جزر الكوريل، الذي يعتبر المصدر الرئيسي للتوترات الثنائية بين البلدين منذ الحرب العالمية الثانية. لا يبدو أن قوة الاندفاع إلى الأمام في العلاقات الروسية-اليابانية مشجعة حتى الآن، وفقا لعدد من الخبراء والدبلوماسيين الروس رفيعي المستوى من الذين شاركوا في المناقشة في مركز "كارنيغي" في موسكو حول العلاقات الروسية-اليابانية في 28 أبريل/نيسان.
عشية زيارة رئيس الوزراء الياباني إلى سوتشي ومفاوضاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ناقش كبار الخبراء المشاكل الأكثر إلحاحا في العلاقات الثنائية بين البلدين، بما في ذلك النزاع بشأن جزر الكوريل ودعم اليابان لفرض عقوبات اقتصادية ضد روسيا. أحد أهم التحديات هو كيفية تأطير العلاقات بين موسكو وطوكيو في سياق المواجهة بين روسيا والغرب وتنامي الهيمنة الصينية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
ليس هناك أساس متين للتفاؤل والأمل حول مستقبل العلاقات الروسية اليابانية:
اليوم، كما يقول الخبراء، لا يوجد أساس متين للتفاؤل والأمل بمستقبل العلاقات الروسية اليابانية. ووفقا لالكسندر بانوف، السفير الروسي السابق لدى اليابان والأستاذ في معهد موسكو للعلاقات الدولية (جامعة MGIMO)، أحد الأسباب الرئيسية هو عدم وجود الطلب أو المصلحة لتنشيط الاتصالات الثنائية.
في الوقت الذي تنشغل فيه روسيا بتدهور علاقاتها مع الغرب والصراع السوري، اليابان تشعر بالقلق مع تزايد نفوذ الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. اليابان تعتبر أن قوة بكين تمثل تهديدا لأمنها القومي. في المقابل لا ترى طوكيو في موسكو تهديدا والعكس بالعكس، وهذا هو السبب في أنهما لا يوليان اهتماما كافيا لبعضهما البعض، وفقا لبانوف.
ويتوقع الدبلوماسي السابق أن زيارة رئيس الوزراء الياباني لروسيا ستكون ودية في طبيعتها، ولكنها لن تعطي دفعة قوية للعلاقات الثنائية. مع الروح الشخصية الجيدة بين بوتين وابي، ستكون الزيارة خطوة سياسية بحتة، ولكن ليس من المرجح أن تؤدي إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين موسكو وطوكيو. حتى وقت قريب استند التعاون الاقتصادي الثنائي على نموذج قديم من تبادل المواد الخام الروسية مع المنتجات التكنولوجية العالية الجودة اليابانية. الجلسة أيضا لن تشمل إيجاد حل لقضية جزر الكوريل.
وقال بانوف "لن يكون هناك أي نتائج ملموسة، أولا وقبل كل شيء، وذلك لأن اليابان ليست مستعدة للتوصل إلى حل وسط".
وأضاف بأن روسيا هي أكثر مرونة واستعدادا لتقديم تنازلات في النزاع الإقليمي حول جزر الكوريل، لأن بوتين يظهر استعدادا لإعادة اثنتين من الجزر إلى اليابان (هابوماي وشيكوتان) بموجب المادة 9 من الإعلان المشترك السوفيتي الياباني عام 1956، والذي أعاد العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أن طوكيو تسعى لعودة الجزر الأربعة جميعها، وهو أمر غير مقبول للكرملين.
عامل محبط آخر للعلاقات الثنائية بين البلدين هو أن اليابان، على مضض، انضمت إلى الدول التي فرضت عقوبات على روسيا ردا على "سياسة الكرملين المثيرة للجدل" في أوكرانيا. وفقا لبانوف، هذه علامة على تضامن طوكيو مع الغرب، وخاصة مع الولايات المتحدة، وحتى الآن لا توجد أسباب لدى اليابان لتغيير نهجها. وهذا يمكن أن يؤثر على المفاوضات بشأن جزر الكوريل.
ومع ذلك، هناك بعض الضوابط والتوازنات في العلاقات الروسية اليابانية. الرادع الأقوى هو خوف طوكيو من تشكيل فريق من روسيا والصين يمكن أن يؤسس لخلق المشاعر المعادية لليابان. وهذا سيكون "كابوسا بالنسبة لليابان" برأي بانوف. لذلك، ولهذا السبب فأنه من الضروري لآبي أن يكون وديا مع روسيا وأن يحافظ على علاقات إيجابية مع موسكو.
في الواقع، ترى اليابان في ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا سابقة مشؤومة، وهي تستحضر النزاع الإقليمي مع الصين حول جزر سينكاكو في بحر الصين الشرقي (الخلاف الذي يلقي بظلاله على خلافاتها مع روسيا بشأن جزر الكوريل). لا عجب في أن طوكيو تسعى للحصول على دعم من الولايات المتحدة، في حال حدوث صراع مع بكين. ولكن المشكلة هي أن أبي لا يمكن أن يثق بالولايات المتحدة، والتي تعتبر شريكا اقتصاديا رئيسيا للصين. الولايات المتحدة تدعو اليابان لإيجاد حل دبلوماسي للنزاع مع الصين.
القيادة الروسية "ليس لديها أية إستراتيجية أو أهداف محددة فيما يتعلق باليابان" وهذه علامة غير جيدة
في حين تجد اليابان نفسها في موقف حرج للغاية، مع قربها من الصين، يبدو أن روسيا تفقد الفرصة لإقامة تعاون استراتيجي متماسك مع طوكيو. ويقول مدير مركز "كارنيغي" في موسكو ديمتري ترينين أن القيادة الروسية "ليس لديها أية إستراتيجية أو أهداف محددة فيما يتعلق باليابان"، وهذه علامة غير جيدة. روسيا "سلبية" في علاقاتها الإستراتيجية مع طوكيو. مثل هذا النهج قد يعرقل مصالحها الوطنية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
ويبرر ترينين الأمر بـ"تموضع روسيا إلى الشرق من جهة، الذي في واقع الأمر، يؤدي إلى تعزيز العلاقات مع الصين"، لافتا إلى أن روسيا لا تولي اهتماما كافيا لليابان. نظرا للمواجهة الحالية للكرملين مع الغرب بشأن أوكرانيا، التي يراها ترينين "أساسية وطويلة الأجل في طبيعتها". موسكو عليها أن تسعى لتنويع قائمة شركائها بين الدول الآسيوية المتقدمة مثل اليابان ولا ينبغي أن تحد من تعاونها مع الصين.
رفضت روسيا أن تصبح الشريك الأصغر للولايات المتحدة، لكنها قد تصبح الشريك الأصغر للصين، نظرا لتزايد النفوذ الجيوسياسي والاقتصادي لهذه الأخيرة. لهذا السبب يرى ترينين في اليابان "احتياطيا غير مستغل" من قبل السياسة الخارجية الروسية، لأن طوكيو يمكن أن تكون شريكا جيدا لروسيا في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. هذه الشراكة يمكن أن تساعد موسكو في التغلب على الفجوة التكنولوجية وتحديث اقتصادها. وهذا أمر ضروري خلال فترة انخفاض أسعار النفط نظرا لإدمان روسيا الدائم على المواد الخام.
والواقع أن الكرملين يبدو "في حالة صفاء قيصري"، مع عدم وجود مصلحة وطنية قوية تجاه اليابان، وهذا مصدر قلق لترينين، الذي يقول أن روسيا يجب أن تكون أكثر نشاطا في تعزيز العلاقات مع اليابان، وأنها بسبب السياسة الخارجية السلبية "محكوم عليها بالفشل".
ومع ذلك، فإن بعض العوامل مثل ضغط الولايات المتحدة على طوكيو لعدم التعامل مع روسيا، يمكن أن يكون مشكلة كبيرة للكرملين. اليابان لن تتخلى عن تضامنها مع واشنطن. لذلك فإنه من المحتمل أن تغير اليابان سياسة العقوبات تجاه روسيا، نظرا التعاون العسكري والاقتصادي واسع النطاق مع الولايات المتحدة.
ومع ذلك، هناك جانب مضيء للكرملين: وهو أن أبي رفض طلب واشنطن بعدم لقاء الرئيس بوتين في سوتشي في مايو/أيار. واليابان جادة حول متابعة العلاقات الودية مع روسيا، وربما تكون هناك بعض "المناطق الرمادية" على حد تعبير ترينين، حيث يمكن لروسيا تعزيز مصالحها في الاتجاه الياباني.
يبقى رجال الأعمال أكثر تفاؤلا بشأن العلاقات بين روسيا واليابان. وهم يعتقدون أن روسيا يمكن أن تقدم لليابان مشاريع البنية التحتية ومشاريع نقل التكنولوجيا المختلفة على أساس علمي متين. على الرغم من أن حجم التبادل التجاري بين روسيا واليابان انخفض تقريبا بنسبة 30-40 في المائة، وحاليا لا ينظر لروسيا كشريك اقتصادي هام، والعلاقات الاقتصادية الصحية والواسعة هي مهمة وحاسمة لكلا البلدين من الناحية الإستراتيجية. في هذا الصدد، تعتبر زيارة رئيس الوزراء الياباني إلى سوتشي علامة جيدة لرجال الأعمال، كنوع من الثقل الموازن للعقوبات.
يقول إيغور داياتشينكو، المدير التنفيذي لمجلس الأعمال الروسي الياباني، الذي حضر الحدث في مركز "كارنيغي" بموسكو، إن السياسة ليست السبب في وضع العلاقات الثنائية في جدول الأعمال الثانوي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن 90 في المائة من الروابط بين موسكو وطوكيو هي خارج نطاق العقوبات. لذلك، يرى أن زيارة ابي إلى سوتشي تعتبر "خطوة صغيرة" على طريق "التحسين التدريجي للظروف".