الأجندات الرسمية والخفية لزيارة كيري لروسيا
بدأ وزير الخارجية الامريكي جون كيري يوم 23 آذار/مارس، زيارته إلى موسكو. وترتبط هذه الزيارة للعاصمة الروسية، بالانسحاب المفاجئ من سورية لمعظم الوحدات العسكرية الروسية. وكما ذكرت الخارجية الأمريكية سابقا، الموضوع الرئيسي للمحادثات - مستقبل سورية وعملية السلام. ومن المحتمل جدا أن الطرفان سيبحثان الهيكل الجغرافي المستقبلي للبلاد.
الفدرلة أحادية الجانب
يوم 17 آذار/مارس، شهد حدثا مهما، إذ أعلن الأكراد في شمال سورية، عن تحويل المناطق الخاضعة لسيطرتهم، إلى منطقة فيدرالية. أدانت دمشق الرسمية، مثل معظم أطياف المعارضة السورية، هذه الخطوة. "فدرلة سورية" الآن، في ظل تقسيم البلد والحرب الأهلية، وزيادة التوتر في العلاقة بين الطوائف العرقية والدينية، يعني تدمير الدولة السورية الموحدة، والانهيار الفعلي للبلاد، كما حدث في العراق المجاور.
وعلاوة على ذلك، فإن تفكك سورية سيؤدي إلى نقل الفوضى إلى دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط، وجعلها منطقة فوضى دموية. والمستفيد من هذا، دولتين فقط: الولايات المتحدة وإسرائيل.
الشرق الأوسط الإسرائيلي-الأمريكي الكببر
رسميا، أدانت الولايات المتحدة الإجراءات أحادية الجانب للأكراد. ومع ذلك، الفدرلة على هذا النحو أمر مفيد لواشنطن. عن طريق إطلاق هذه العملية، الولايات المتحدة ستكون قادرة على إضعاف عدد مع خصومها. تفكك سورية والعراق سيؤدي إلى التطرف السني المحلي، وتشكيل الدولة على أساس "المذهب الداعشي". وهذا يخلق مشاكل خطيرة لإيران ويقسم الهلال الشيعي، ويفصل إيران عن الجزء الشيعي من العراق عن فلسطين ومنطقة البحر الأبيض المتوسط. المتطرفون سيهددون في المقام الأول أوروبا وروسيا. والولايات المتحدة نفسها قد تتعرض لتهديدات محتملة، لكنها لن تكون حاسمة بالنسبة لأمن البلاد. وسيستمر تدفق اللاجئين إلى أوروبا لإضعافها وجعلها تعتمد على الولايات المتحدة في مجال الأمن.
الولايات المتحدة الأمريكية، التي تستخدم بنشاط العامل الكردي، ستصبح قادرة على الحصول على موطئ قدم لها في كردستان سورية، حيث يسيطر الجيش الامريكي بالفعل على مطار رميلان. وباستخدام الأكراد، ستصبح واشنطن قادرة على زعزعة الاستقرار وابتزاز تركيا والعراق وإيران. هذه المنطقة مهمة استراتيجيا، لأنها تصل بين كل من بلاد الشام وتركيا والعراق وإيران والقوقاز.
إسرائيل أيضا ستتمكن من إضعاف خصومها. فبدلا من سورية الموحدة المعادية لإسرائيل، ستصبح سورية عبارة عن تكتلات صغيرة، تتقاتل مع بعضها البعض. وهذا ينطبق على الدول العربية الأخرى. التي ستشهد اضطرابات. الدول العربية والإسلامية المعادية للكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة. هي أكثر خطورة لإسرائيل من المنظمات الإرهابية، حتى الأكثر راديكالية منها.
لماذا لم تدعم الولايات المتحدة الأكراد
رغم أن الموقف الرسمي للخارجية الأمريكية سارع إلى إعلان بأنه لا يدعم الأكراد، فإن فكرة فدرلة سورية، صدرت عن واشنطن. وحظيت بدعم شخصيات مؤثرة في الشؤون الدولية مثل وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، وريتشارد هاس، رئيس مجلس العولمة وتأثيرها على العلاقات الخارجية.
وبفضل ممثلي الولايات المتحدة، أصبحت هذه الفكرة الهامشية، تناقش على نطاق واسع. ومع ذلك، واشنطن لا تدعم رسميا هذه الفكرة. وذلك للأسباب التالية:
1. حلفاء الولايات المتحدة في الخليج الفارسي والاتحاد الأوروبي وتركيا، يدركون خطورة هذا السيناريو. ولذلك، فإن الولايات المتحدة تحاول طمأنتهم، وفي الواقع، هي تواصل تشجيع الأكراد. حقيقة أن دعم الولايات المتحدة للأكراد السوريين لم يتراجع تظهر في عدم استعجال القوات الخاصة الأمريكية لمغادرة القواعدة التي يسيطرون عليها، والأكراد لم يغيروا موقفهم، ما يدل بشكل غير مباشر على الولاء لهذه الأطروحة.
2. الولايات المتحدة تسعى للترويج لمشروع الفيدرالية باعتباره مبادرة وطنية، وليس نتيجة لأنشطة منفصلة لمجموعة عرقية واحدة. في هذه الحالة، الأكراد تستحثهم جهة أخرى. على الأرجح، تقوم بهذا اسرائيل، التي أبدت في الآونة الأخيرة سخط من سياسة واشنطن اللينة جدا والمهتمة بجعل عملية انهيار سورية لا رجعة فيها.
3. هذا قرار مستقل للأكراد، وتم إتخاذه بشكل فردي دون الرجوع إلى مراكز القوة الخارجية.
إدراج الأكراد في عملية التفاوض
من المعروف أن الأكراد السوريون حافظوا على اتصال وثيق من جهة، مع الولايات المتحدة وإسرائيل، ومن جهة أخرى مع روسيا. ومن المرجح أن مشكلة فدرلة سورية ومنح حقوق خاصة للمنطقة الكردية، ستكون واحدة من النقاط المحورية في محادثات كيري في موسكو. ما يزيد من تعقيد العملية، حقيقة أنه على الرغم من أن الاكراد مدعوون للبت في مصير سورية بالاشتراك مع الأطراف الأخرى في النزاع في محادثات جنيف، هم غير موجودون هناك. وتدرس كل من الولايات المتحدة وروسيا لأسبابها الخاصة، (روسيا، كوسيلة للضغط على تركيا) إمكانية إدراج الأكراد في عملية التفاوض في جنيف. حتى الآن، هذه المبادرة تصطدم بالموقف السلبي الصارم لتركيا وللمملكة العربية السعودية. الجولة الأولى من المفاوضات تنتهي في 24 آذار/مارس، وإذا لم يشارك فيها الأكراد، فمن الصعب أن نتوقع أنها ستكون مثمرة.
ورقة المساومة الروسية
الطريقة التي تم بها سحب القوات الروسية من سورية (انسحاب القوات، ولكن ليس كلها، بقاء القواعد والمستشارين العسكريين، وجزء من المعدات والشركات العسكرية الخاصة)، يعطي روسيا الفرصة لاستخدام المعطيات الكمية للانسحاب، كأداة في عملية التفاوض. وعلى ما يبدو، كيري يرغب في مناقشة هذه المسألة. روسيا قد تطالب بتنازلات في المسألة السورية (هيكلية الدولة، ومستقبل الأسد، وترك القواعد الروسية بعد وصول القيادة الجديدة للسلطة)، وبمسائل أخرى، خاصة أوكرانيا.
العامل الأوكراني
الولايات المتحدة تتفهم هذا. وليس من قبيل الصدفة، تصريح كيري بأن مسألة أوكرانيا، وكذلك سورية، ستكون أساسية في المفاوضات مع روسيا. وفي 23-24 أيار/مايو، سيتم في موسكو، بحث تسوية الوضع في شرق أوكرانيا من قبل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ونظيره الالماني فرانك فالتر شتاينماير. تصادف الزيارات ليس من قبيل الصدفة. من المتوقع أن يتم ردا على مطالب موسكو بالضغط على كييف التي تواصل انتهاك اتفاق مينسك، تقديم خطة تنازلات في القضية الأوكرانية، مثل إلغاء جزء من العقوبات.
ومع ذلك، إذا تم مثل هذا الاقتراح، فسيأتي من جهة ألمانيا. الأميركيون على النقيض من أوروبا، غير مهتمين برفع العقوبات. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية جون كيربي يوم 16 آذار/مارس، إن العقوبات ضد روسيا لن تتم إزالتها لحين تخلي روسيا عن شبه جزيرة القرم. وفي وقت سابق، أدلت فيكتوريا نولاند بتصريح من نفس النوع، أشارت فيه إلى أن هدف الولايات المتحدة، إعادة الجمهوريات الشعبية في دونباس إلى أوكرانيا حتى خريف عام 2016. ومن المرجح أن يتم عرض "حل وسط" على الكرملين فيما يتعلق بأوكرانيا: استقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، مقابل سيطرة السلطات الأوكرانية على الحدود. ومن المفهوم أنه بعد تمكن حرس الحدود الأوكراني من السيطرة على الحدود وإغلاقها، فإن منطقة دونباس ستغرق في الدم. لذلك، من غير المرجح تحقيق تنازلات ملحوظة في المفاوضات حول أوكرانيا.
خلافا للمصالح الحقيقية
بغض النظر عن ما تم ذكره سابقا، من المرجح أن تقدم روسيا في بعض القضايا، تنازلات تتعارض مع المصالح الوطنية للبلاد كقوة عالمية كبيرة. والسبب في ذلك يتعلق بالمصالح الوطنية للبلاد، من وجهة نظر جزء من النخبة الروسية، من منطلق ما يسمى بـ"الواقعية الهامشية". الواقعية الهامشية تكتفي بوضع روسيا كقوة إقليمية عظمى، ولا تعارض الهيمنة الأمريكية العالمية وتضع كهدف رئيسي لها، الحصول على أكبر قدر من المصالح الوطنية، باتباع مخطط القوة المهيمنة (في هذه الحالة الولايات المتحدة)، أو الدخول في اتفاق معها. من وجهة نظر الواقعية الهامشية، يمكن التخلي عن المواقف تجاه سورية وأوكرانيا، وتجاه آخرين في مناطق أقل أهمية من العالم، من أجل الحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة، وعلى أمل أن الولايات المتحدة، في المقابل، ستقدم تنازلات لروسيا.
صراع الهيمنة
الولايات المتحدة، في المقابل، غير مستعدة لتقديم تنازلات مهمة. من وجهة نظرهم، روسيا ليست فقط قوة إقليمية عظمى، تسعى ببساطة لتحسين وضعها، ولكنها بلد يسعى لتحدي الهيمنة الأمريكية العالمية، وبالتالي لا بد من ايقافها عند حدها. الولايات المتحدة تود تأويل انسحاب القوات الروسية من سورية على أنه هزيمة لروسيا. وزيارة كيري لموسكو، تأتي لعرض الانسحاب الروسي على أنه هزيمة. إمكانية التنازلات الأمريكية فيما يتعلق بسورية، وبأوكرانيا محدودة. على المحك سمعة الهيمنة العالمية، التي حاولت روسيا عمدا أو عن غير قصد، تحديها. لذلك لا بد من إثبات تفوق الولايات المتحدة وإفشال جهود الخصم، الرامية لرفع وضعه على المستوى الدولي. على عكس المحافظين الجدد، الذين يصرحون بالشيء نفسه علنا، الديمقراطيون، وكيري على وجه الخصوص، لن يصرحوا بهذا مباشرة للقادة الروس. ولكنهم سيتصرفون على أساس هذا النموذج.