تأثير زوال الاتحاد السوفييتي على قره باغ
تُردّ أُصول الصراع الدائر في قره باغ حالياً إلى انهيار الاتحاد السوفييتي، فمع ضعف سيطرة مركز الاتحاد على أطرافه، بدأت الحركات والميول القومية بالتزايد والاشتداد، مما أدى إلى ظهور دول جديدة، لكن على الرغم من ذلك، فإن غالبية جمهوريات الاتحاد السوفييتي (باستثناء أرمينيا) كانت عبارة عن بُنى متعددة الأعراق والقوميات، حيث كان عدد محدود من الروس والأذربيجانيين والأكراد قد عاشوا في أرمينيا، أما في الجمهوريات الأخرى فقد كانت الحال أكثر تعدديةً من وجهة النظر العرقية، ولم تكن أي من الدول التي ظهرت بعد الانهيار موجودة على الإطلاق داخل هذه الحدود، بالمعنى الكامل للكلمة، فداخل الاتحاد السوفييتي كانت للحدود قيمة اسمية فقط، ولم تؤخذ العوامل العرقية والقومية بالاعتبار إلا في الإستراتيجية العامة للحركة نحو مجتمع ما بعد قومي جديد لـ«الشعب السوفييتي». وستالين، قام عن عمد بإدخال عناصر عرقية غير متجانسة في الجمهوريات الوطنية، بغاية منع أية محاولة، بأية مرحلة، قد تهدف للانفصال عن الاتحاد السوفييتي، أي: إن التباين العرقي ودمج عدة أعراق في الجمهوريات الوطنية كان في البداية إستراتيجية ستالينية متعمدة، ثم بعد ذلك، حينما فُقد التنبّه الجيوسياسي، أصيبت بنوع من الجمود.
وبالتزامن مع تراجع مركز الاتحاد اشتدت التناقضات القومية والعرقية، وهذا ما أدى إلى قيام دول ما بعد الاتحاد السوفييتي بهذا الشكل وما رافقه من صراعات حادة بين المجموعات العرقية، وقره باغ واحدة منها.
قره باغ السوفييتي
لدى الأذربيجانيين والأرمن نزاع طويل حول: هل قره باغ أرمني أم أذربيجاني؟ والجواب على هذا السؤال– وقبل أن نتعمق بالتاريخ - يجب أن يكون حاسماً قره باغ كان سوفييتياً. ففي سياق التقارب بين لينين وكمال أتاتورك، تم ضم هذه المنطقة إدارياً إلى أذربيجان، لكنها كانت في الأساس سوفييتية، ولم تتألف من عرق صافٍ، حيث كان الأذربيجانيون والأرمن يشكّلون نصفين متساويين تقريباً، وبشكل مؤكد؛ كان كل من هؤلاء وأولئك سيصبحون ببساطة شعباً سوفييتياً واحداً. لكن وفي فترة البيروسترويكا، أدى تراجع الإيديولوجيا الشيوعية في الاتحاد السوفييتي إلى تأجيل المشروع الأممي، لتعاود الهويات العرقية والقومية بالترسخ والخروج من تلك المصفوفة الإيديولوجية، وليؤدي هذا بدوره إلى عدة صراعات: «ترانسنيستريا، أبخازيا، أوسيتيا الجنوبية، أتراك المسخيت... إلخ» وفي قره باغ تحديداً كان الصراع دموياً وشرساً.
كيف أصبح قره باغ أرمينياً؟
في البداية كان موقف المركز السوفييتي في فترة تراجعه السريع، منحازاً إلى أذربيجان، حيث اتبعت باكو مساراً أكثر مركزية، بينما أصبحت يريفان واحدة من القوى الرئيسة الدافعة باتجاه انهيار الاتحاد السوفييتي: فقد بدأت الحالة القومية بالتصاعد بشكلٍ سريع في أرمينيا، أما بين الأذربيجانيين، فقد بدأت بذور القومية بالتطور في قره باغ، وهذا ما استغلته الجبهة الشعبية الليبرالية الموالية للغرب. وكان الرد الأرمني حاسماً، فبعد مجازر مأساوية نجحوا بالاستيلاء على مرتفعات قره باغ، وأخرجوا الجنود السوفييت منها، والذين وجدوا أنفسهم مترددين وبلا قرار بسبب عدم وجود أوامر واضحة من موسكو. وبعد ذلك، تم تنفيذ حملة تطهيرٍ عرقي، حيث طُرد جميع الأذربيجانيين تقريباً من قره باغ. وإثر هذه الانتصارات، قام الأرمنيون بالسيطرة على 7 مناطق أخرى إضافية مجاورة لقره باغ من أذربيجان، أملاً بأن يبادلونهم لاحقاً بمقابل الاعتراف باستقلالهم بها. وفي موازاة هذا الأمر كان الاتحاد السوفييتي ينهار على كل الجبهات، ومنها: أذربيجان التي غادرته في نهاية المطاف.
مع وصول الليبراليين المواليين للغرب بقيادة يلتسين إلى السلطة في روسيا الفدرالية، والذين شاركوا بنشاط في المراحل السابقة بالدفع نحو انهيار الاتحاد السوفييتي، وأقاموا علاقات وثيقة مع الحركات القومية والانفصالية في الجمهوريات السوفييتية، استخدم الأرمنيون هذا الأمر لصالحهم، واندفعوا لبناء تحالف مع الروس الليبراليين في مواجهة أذربيجان التي كانت تشهد توتراً وتغرق بالمشاكل الداخلية بسبب الحكم «الفوضوي» لليبراليين الديمقراطيين من الجبهة الشعبية، والتي انتهت فقط بوصول السياسي الواقعي المناسب والرصين حقاً حيدر علييف، رغم أنه استغرق وقتاً طويلاً للتغلب ولو جزئياً على الأقل، على عواقب الكوارث السابقة. سمح تحالف الليبراليون القوميون الأرمنيون مع نظرائم الروس بتقديم الأخير دعماً لأرمينيا في قره باغ. وهذا ما دفع باكو للقيام بخطوة شبيهة وضعتها في ائتلاف «GUUAM» المناهض للروس والذي ضم في حينه، جورجيا، وأوكرانيا، وأوزباكستان، وأذربيجان، ومولدوفا.
لكن على الرغم من التقارب بين ديمقراطيي يلتسين في موسكو، والليبراليين القوميين في يريفان، إلا أنّ موسكو لم تدعمهم حتى النهاية، ولم تعترف باستقلال قره باغ، رغم أنه كان من الممكن ضمه قانونياً إلى أرمينيا.
الطريق المسدود
لقره باغ ناسب الجميع
هكذا اكتملت عناصر الأزمة الحالية من الناحية القانونية والجيوسياسية. فيسطر الأرمن على قره باغ بالمعنى القومي، ولكنه لا يعتبر إقليماً رسمياً بالنسبة لأرمينيا وإنما أرضٌ خاضعةٌ لها. وموسكو اعترفت بطبيعة الحال بالوضع الراهن لكن على المستوى الإداري- القانوني دعمت الحفاظ على قره باغ والمناطق السبع المحتلة من قبل أرمنيا أرضاً أذربيجانية.
رغم أن يريفان أملت بالحصول على المزيد من موسكو، إلا أنّ الأخيرة لم تُقدم تنازلات أكثر، وربما يعود هذا الأمر إلى سياسة يفغيني بريماكوف، الواقعي والرصين بما يكفي. مما أدى في النهاية إلى وصول قضية قره باغ إلى طريقٍ مسدود، فلم يستطع الأذربيجانيون من تغيير الحال لصالحهم بالقوة، حيث كان الأرمينيون مدعومين بالجنود الروس. وانسحبت القوات الروسية من قواعدها العسكرية في المناطق الأذربيجانية، وبنفس الوقت فهم حيدر علييف بشكل جيد أنه إذا ما سمح لجنود الناتو بالدخول، فلن يخسر قره باغ للأبد فقط، وإنما سيفقد سيادته واستقلاله عن الغرب.
وفي المقابل، لم يتمكن الأرمينيون من الحصول على دعم قانوني من الغرب أيضاً، على الرغم من من نفوذ (لوبياتهم) في الولايات المتحدة وأوروبا، ليُلقى الأمر برمته على عاتق الجنود الروس، فيصبح من الخطير انسحابهم، أو قطع العلاقات مع موسكو. وبالنسبة للأخيرة، حدث الجمود ذاته، وفي النهاية باتت هذه الحال، بمعنى ما، تناسب الجميع:
تستطيع موسكو تحسين علاقاتها مع باكو من غير أن تُضحي بيريفان.
لم يتعمّق الغرب كثيراً بهذا الوضع، تجنباً لمواجهة مباشرة مع روسيا الفدرالية.
السيطرة الأرمينية أرضت الأرمينيين عموماً.
واحتفظت أذربيجان بآمالها بسبب واقعة أن كلاً من موسكو والغرب قد اعترفا بالحقوق القانونية لوحدة أراضيها.
علاوة على ذلك، فإن أي تحوّل في ميزان هذا المأزق في قره باغ سيؤدي حتماً إلى تدهور الوضع بالنسبة للجميع، فيفقدون كل شيء، فالأرمينيون لا يملكون أية فرصة لنيل الاعتراف باستقلال قره باغ، وكل ما بوسعهم فعله قد استنفذوه بالفعل. ولم تستطع أذربيجان معارضة موسكو بشدة، وقام النشاط الدبلوماسي للوبي الأرميني في الغرب بمنع التقارب بين أذربيجان والناتو (الأمر الذي تجنبه حيدر علييف وخليفته إلهام علييف بالأساس).
ليجري ضغط وإحياء هذا الصراع من قبل «الإسرائيليين» غير الراضين عن الشراكة بين يريفان وطهران، ومن جهة أخرى فقد أظهرت موسكو أثناء تصاعد الصراع عدم قدرتها السيطرة على جنوب القوقاز، أما الطرف الوحيد الذي قد يكون مهتماً بإحياء وضع قره باغ، هم الغرب، لكن ليس من إخراجه من المأزق، وإنما بغاية صنع مأزقٍ جديد، يكون أكثر فائدة للغرب نفسه وأقل فائدة لروسيا. على أية حال، فإن الغرب لم يفعل ذلك إلا كورقة أخيرة، حيث إن هذا الأمر سيؤدي إلى جولة تصعيد جديدة بعلاقاتهم مع موسكو.
علاقة موسكو وباكو تحت حكم بوتين وإلهام علييف
على الرغم من أن الطريق المسدود لقره باغ جيوسياسياً قد نشأ في بداية تسعينات القرن الماضي، ولايزال مستمراً حتى اليوم، إلا أن العوامل الرئيسة الفاعلة فيه قد تغيرت إلى حدٍ ما خلال العقد الماضي، ودون الإخلال بالتوازن العام.
أولاً: كان هنالك تقارب بين بوتين وإلهام علييف، وكان بوتين يعمل على استعادة سيادة روسيا التي فرّط الليبراليون بها بشكل كامل تقريباً في التسعينات، مما أجبره على إعادة النظر بإستراتيجية موسكو ما بعد المرحلة السوفييتية عبر العدسات الأوراسية، وهذا بدوره تطلب مراعاة جميع اللاعبين من أجل منع تقاربهم المفرط مع الغرب، وإلهام علييف لم يندفع باتجاه الغرب، وتصرف بدقة، وكسب ثقة بوتين. وهكذا بدأ محور موسكو- باكو بالتبلور، ولم تكن هناك سوى مشكلة قره باغ.
ثانياً: تبيّن أن نظام إلهام علييف كان مستقراً وفعالاً، مما أدى إلى زيادة نفوذ باكو الجيوسياسي، وانتعاشها الاقتصادي، وإقامة سياسات اجتماعية ناجحة. فبعد فترة التأرجح بالتسعينات، استقر المجتمع الذي كان بحالة محزنة سابقاً، وقد أعدّت باكو نفسها بشكل تدريجي لحلٍ عسكري مما جعل موقفها أكثر قوةً. لكن ما عزز من إلهام علييف عبر تقاربه مع بوتين، قد حدّه بالوقت نفسه، فالاستعداد لاستخدام القوة شيء، والانتقال لاستخدامها شيء آخر، لأن ذلك سيتعارض مع مصالح موسكو. وعندها لَتغيَّرَ الوضع برمته بشكلٍ كبير.
توقّف الحرب و«المناطق الخمس»
مع تعزيز محور موسكو- باكو ونمو الإمكانات الإستراتيجية للجيش الأذربيجاني، صاغ إلهام علييف أطروحته بشكلٍ واضحٍ على النحو التالي: لندع موسكو تساعدنا على حل الوضع في قره باغ، وبعد ذلك تأتي الخطوة التالية لإتمام التحالف الروسي الأذربيجاني. ليفكر بوتين بكيفية القيام بهذا الأمر دون خسارة حليفه الأرميني، وهذا ليس بالأمر البسيط.
في ربيع عام 2016، بعد أن سئم إلهام علييف الانتظار، قرر أن يُظهر بأن هذا الانتظار لا يمكن أن يدوم للأبد، مما أدى إلى التصيعد وبدء الهجوم الأذربيجاني، وتمكنت باكو خلال ذلك من استعادة السيطرة على عدة مناطق صغيرة قرب قره باغ، قبل أن يجري إيقاف الهجوم. ويقول المحللون العسكريون الأذربيجانيون: إن السبب بذلك كان اتصال بوتين رغم عدم معرفة محتواه، ولكن منطقياً- إذا ما قد جرى هكذا اتصال- كان على بوتين أن يعرض سيناريو مختلفاً على علييف.
على أية حال، لم يكن مثل هذا السيناريو بعيداً في المستقبل، ليجري الاتفاق على نقل 5 من المناطق الـ 7 الأذربيجانية التي احتلها الأرمن كخطوة أولى نحو نزع فتيل التوتر. حيث تمكن بوتين من تنسيق هذا المشروع مع علييف وسيرج سركسيان، لكن سركسيان قام لاحقاً بتأخير تنفيذه بسبب الحاجة إلى الإصلاح السياسي، ثم وفي اللحظة الحاسمة عندما كان كل شيء جاهزاً تقريباً، أطاح به نيكولا باشينيان الذي كان أكثر اندفاعاً نحو الغرب، وليبدأ في تخريب مشروع المناطق الخمس بشكلٍ جاد، فيقول: «هذا كله من القيادة السابقة، اسألهم، أما أنا فلا علاقة لي بذلك»، ليعزل سركسيان بشكل جيد، مما وضع موسكو بموقفٍ مزعجٍ مرة أخرى، الأمر الذي كان متعمداً أن يجري على هذا النحو. فبالنسبة للغرب كانت خطة المناطق الخمس غير مقبولة إطلاقاً.
وهذا ما صنع الظروف الممهدة لما يحدث في قره باغ اليوم، حيث أصبح فشل مشروع المناطق الخمس شرطاً جيوسياسياً مسبقاً لنشوب الأعمال العدائية التي اندلعت صباح يوم 27 أيلول 2020.
التأثير على روسيا، ولماذا اليوم؟
ما يجري اليوم في قره باغ على وشك أن يتطور إلى حربٍ شاملة بين أذربيجان وأرمينيا، وسيكون هذا الأمر ضربة قاصمة لروسيا، لأنه سيؤدي إلى انهيار ميزان القوى الملائم لها... واختلال هذا التوازن عبر الأنشطة العسكرية بأيّ اتجاه، لن يؤدي إلا إلى نتائج سلبية على روسيا، أما أرمينيا فإنها بالكاد تستطيع أن تكتسب أي شيء (حتى من الناحية النظرية) في مثل هذه الحال، حيث تملك الحد الأقصى لها بالفعل. وباكو، بعد أن أصبحت أقوى بكثير، لديها فرص معينة تستطيع تحقيق بعض النجاح من خلالها، لكن لا يمكن لأحد الاعتماد على نصرٍ كامل.
أولاً: الأرمينيون، وخاصة الموجودون في قره باغ، يقاتلون بقوة وشراسة.
ثانياً: أرمينيا مرتبطة بتحالف عسكري مع روسيا.
ثالثاً: إذا ما أصبح وضع الأرمن حرجاً، ولم تقم روسيا بأي فعل (وهو ما لا يمكنها السماح به ببساطة بعد تجاوز حدٍ معين)، فسيقوم الغرب بالدفاع عن الأرمن (خاصة إذا كانت أذربيجان مدعومة من تركيا، الأمر الذي سبق أن عبّر عنه أردوغان بصوتٍ عال).
أنا لا أتحدث عن خسائر بشرية لا مفر منها، الحرب تقتل الناس، وكان وسيبقى الأمر كذلك مع كل حرب، لكن من وجهة نظر جيوسياسية، فإن جميع المشاركين بالصراع العسكري من المرجح أن يتعرضوا لخسائر فادحة.
ربما لم أضع في حساباتي أمراً ما، لكن حتى الآن، يبدو لي أن التصعيد العسكري في قره باغ لا يجلب سوى الخسائر والأضرار الجسيمة لجميع المشاركين والفاعلين فيه.
على أية حال، إذا ما كان المستفيد ليس أرمينيا، وإذا ما كانت روسيا بالمعنى الجيوسياسي ستتكبد تكاليف باهظة، وإذا ما كانت مكتسبات أذربيجان مشكوكاً فيها بدرجة كبيرة وإشكالية للغاية (فحتى لو تم اقتحام بعض المناطق، ستسوء علاقات علييف بشكل حاد ليس مع موسكو فقط، وإنما مع الغرب أيضاً مهما وعده ضباط الارتباط بالمراكز الإستراتيجية الغربية) ... فمن المستفيد من هذا الصراع اليوم؟ ولماذا اليوم؟
بناءً على الوضع الذي تطور في العالم، بسياقٍ أوسع، نرى أن اختيار اللحظة الآن يتزامن مع تصاعد فرص نشوب حربٍ أهلية حقيقية في الولايات المتحدة، حيث أصبحت المواجهة بين ترامب وبايدن صراعاً إيديولوجياً بين العولميين (الديمقراطيين) والقوميين (مؤيدي ترامب)، فيعتقد دعاة العولمة أن ترامب يقود الأمور نحو عالمٍ متعدد الأقطاب، وهو ما يسعى إليه بوتين، وبالتالي فإن ضربة لروسيا ستضعف إلى حدٍ ما من موقف ترامب الذي لا يرى في روسيا عدواً حقيقياً، وحيث روسيا في نظر خصوم ترامب، حليفاً له (هذه ليست حقيقة، لكن في السياسة- وليس فقط بالسياسة- قد تصبح الخرافات أكثر أهمية من الحقائق)، ومن الواضح أن دعاة العولمة يقفون وراء باشينيان، بمساعدة من كانوا يأملون في إضعاف أو تحطيم التحالف الروسي- الأرميني، حيث كان من الممكن هزّه، لكن ليس كسره، ليأتوا الآن من الجانب الآخر، من جهة باكو، فتوقيت اندلاع الحرب- بالمثل من أحداث بيلاروسيا- يتناسب مع أطروحة «مرحلة ما بعد الكوارث» التي يراها دعاة العولمة حملة انتخابية في الولايات المتحدة.
كيف يمكن أن تكون استجابتنا؟
مع أخذ هذه العوامل في الاعتبار، ينبغي على موسكو أن تبني إستراتيجية لأعمالها (لتحركاتها– لتصرفاتها)، ولكن لا يمكن رؤية أية علامات واضحة لمثل هذه الإستراتيجية على السطح حتى الآن، وقد تأخرنا بالفعل، وبشكلٍ لا رجعة فيه، بخطة نقل المناطق الخمس... فيمكننا نسيانها.
يجب تشجيع السلام بأي ثمن الآن، لإنشاء مجموعات وطاولات مستديرة، لكن فعالية مثل هذه الإجراءات الصحيحة (في نهاية المطاف، موسكو تحتاج فقط إلى السلام، ويفضل أن يجري ذلك فوراً) أمرٌ مشكوكُ به.
وإليك ما هو مهم: حتى لو أمكن من تجنب حربٍ شاملة بين أذربيجان وأرمينيا هذه المرة، فإن موقف موسكو في هذه البلدان لن يتقدّم بأي شكل، وهذا يستند إلى التحليل أعلاه.
هناك مخرجٌ، نظرياً، على كل حال، لا بد من ذلك، إلا أنني لا أراه بعد... فقد تبين بأن طريق قره باغ المسدود، لم يكن مسدوداً، إلّا أننا بدأنا نرى شيئاً ما، في اللحظة التي خسرنا شيئاً ما.
أزمة «قره باغ».. الإقليم السوفييتي اليتيم
06.10.2020
لقد بدأت أعمال قتالية كثيفة في مرتفعات قره باغ، وقد يتطور الوضع في أية لحظة إلى صراع وحرب كاملة بين أذربيجان وأرمينيا... دعونا نرى هذا التطور في سياقه التاريخي والجيوسياسي.
ألكسندر دوغين– روسيا الجديدة
ترجمة وإعداد قاسيون