تقنيات الإعلام الحديثة في خدمة الإرهاب الدولي (2/2)

12.04.2016

النموذج الأولي لموقع "الفرات"، كان موقع "FiSyria"، الذي ظهر في أوائل عام 2013،  التابع لمجموعة من المسلحين الشيشان، يرأسها عمر الشيشاني المولود في جورجيا. في البداية، كان هذا موقعا شخصيا للشيشاني، ينشر أخبار المعارك التي يشارك فيها مع مسلحيه الشيشان. ولكن في أواخر عام 2013، انتقل الشيشاني إلى الأراضي السورية التي تسيطر عليها "الدولة الإسلامية"، وأصبح "FiSyria" موقعا يستخدم اللغة الروسية للترويج لـ"داعش". في الوقت الراهن، تحول هذا الموقع إلى "الفرات"، تم رسميا اعتماد إصدار جميع المواد الإعلامية باللغة الروسية. والغرض الرئيسي من "الفرات"، هو جذب متشددين جدد ناطقين بالروسية، سواء من الاتحاد الروسي، أو على وجه الخصوص، من شمال القوقاز، وكذلك من دول أخرى من فضاء الاتحاد السوفياتي السابق، وبخاصة، آسيا الوسطى. هدف مهم آخر لعمل "الفرات"، هو خلق روابط إيديولوجية بين المسلحين في سوريا والعراق، وأولئك الذين ما زالوا في شمال القوقاز.
حرب  افتراضية مستمرة بين السلطات والارهاب
وتجدر الإشارة إلى أن السلطات الروسية استجابت بسرعة كافية لظهور الموقع الإرهابي الناطق بالروسية. وبالتالي، تم حظر الوصول إلى موقع "الفرات". ومع ذلك، هذا لا يعني أنه أصبح غير متاح. أولا، التحايل على الحظر ليس صعبا، ثانيا، تبقى حسابات الموقع في الشبكات الاجتماعية متاحة، حيث يتم نشر الروابط على حافظة غوغل وغيرها من الموارد، التي توفر الفيديوهات الدعائية التي تم حظرها في موقع "الفرات". الصفحة الرئيسية لموقع "الفرات" في الشبكة الروسية الاجتماعية "فكونتاكتي" تم حظرها، تم أيضا حجب حسابها على الفيسبوك، ولكن النشطاء فتحوا صفحات جديدة، ولكن في بداية شهر يوليو/تموز 2015، تم إغلاقها أيضا. في الوقت نفسه، نحن نفهم أن فرض حظر بسيط وإغلاق المواقع الإرهابية والحسابات أمر مهم، ولكنه لا يكفي، لأن الإرهاب في هذه المعركة، سيكون دائما متقدما بخطوة.
مركز "الحياة" الإعلامي، قام بإنشاء موقع باللغة الروسية باسم "الخلافة. الدولة الإسلامية. الموقع المعلوماتي"، وتم تصميمه على مستوى مهني عال. ولديه العديد من الفروع (الأخبار، والمقالات، وتسجيلات الفيديو)، وهناك روابط تشير إلى حسابات في الشبكات الاجتماعية، بالإضافة إلى زر "اتصل بنا" الذي يسمح بإرسال رسالة إلى إدارة الموقع أو الذهاب مباشرة إلى الدردشة للتواصل. يضم الموقع أساسا تسجيلات الفيديو والصوت الدعائية ذات المحتوى الروسي أو مع ترجمة روسية.
في العام 2013، قامت "داعش" بتأسيس مجموعة وسائل إعلام باسم "أيناد"، تتخصص في تصنيع وتوزيع الوعظ ووجهات النظر الراديكالية الأناشيد التي يؤديها ذكور بدون الات موسيقية. ويقومون  بشكل رئيسي بنشرها، من خلال مواقع الإنترنت والشبكات الاجتماعية. النشيد الأكثر شهرة الذي أصدره موقع "أيناد"، ويحمل اسم "أمتي،  قد لاح فجر" هذا النشيد، أصبح السلام الوطني غير الرسمي للمنظمة الإرهابية. هذه الأغاني لا تحمل فقط السمة المميزة لإقامة دولة إسلامية في فضاء وسائل الإعلام، ولكن أيضا تعتبر عاملا مهما في انتشار الفكر الإرهابي. فالأناشيد الجميلة والملحنة لها تأثير قوي على العقل البشري، وهي لا تجذب فقط انتباه المستمع، ولكنها تضفي رومانسية على فكرة الإرهاب، وتركز على الشباب. الأناشيد بحد ذاتها ليست عاملا في تطرف جيل الشباب، ومع ذلك، هي جزء مهم من الأساس الفكري والثقافي للإرهاب العالمي.
الترويج للإرهاب في شبكات التواصل
تستخدم "الدولة الإسلامية" الشبكات الاجتماعية بنشاط. فعبر إعداد حسابات في الشبكات الاجتماعية الأكثر شعبية (الفيسبوك، تويتر واينستغرام وفكونتاكتي وغيرها)، ونشر المعلومات حول "داعش"، يتم نشر الدعاية وتجنيد أنصار جدد. ووفقا لبعض التقارير، على تويتر وحده، تم تسجيل أكثر من 45 ألف حساب "للدولة الإسلامية"، ما يعتبر أداة قوية في آلة الدعاية الإرهابية. من خلال هذه الموارد، حتى وقت قريب، كان يتم إبلاغ المستخدمين عن نجاحات "داعش" والدعاية لها، وتجنيد أشخاص جدد وجمع الأموال لدعم الجماعات المسلحة في العراق وسوريا. يتم حظر حسابات رجال الدين المتطرفين على الشبكات الاجتماعية بشكل دوري من قبل السلطات المختصة. ومع ذلك، يكرر الإسلاميون محاولات خلق مثل التفكير الجماعي. يستخدم أعضاء "داعش" أحدث الأدوات للترويج للمعلومات على شبكة الإنترنت. بفضل مهارة التنظيم في التسويق الاجتماعي، هم تمكنوا من تحقيق دخل عبر علاماتهم التجارية. مؤخرا، فتح المتمردون متجرا على الانترنت، حيث يمكن لأي شخص أن يشتري قطع ملابس مع شعار "داعش" كعلامة على الدعم. وفي العاصمة الليبية طرابلس، تم فتح متجر حقيقي لقيت فيه الملصقات واللافتات رواجا كبيرا. وتزامن ظهور صفحات التنظيم في وسائل التواصل الإجتماعي الروسية، مع بداية الحجب الجماعي للحسابات الإسلامية على تويتر والفيسبوك. من بينها، الصفحة الموجهة للناطقين بالروسية الأكثر شعبية "ShamToday"، وهي مجموعة مغلقة تنشر أنباء "الدولة الإسلامية"، فضلا عن الحسابات الفردية للأعضاء وأنصار المنظمة. من خلال هذه الموارد، يتم إعلام المستخدمين حول نجاح ات التنظيم وتجنيد أشخاص جدد (بما في ذلك من خلال النداءات المباشرة "لا تتركوا إخوانكم المحتاجين")، كما يتم جمع أموال لدعم العمل العسكري في العراق وسوريا. ولأغراض الشفافية المالية، ذكر موقع "ShamToday" في بداية سبتمبر/أيلول 2014، أنه تم تحويل مبلغ 95 ألف روبل لدعم "الإخوة المحتاجين". وتم جمع الأموال عبر استخدام نظام الدفع QIWI.  في نوفمبر/تشرين الثاني، قام جهاز الأمن الاتحادي وإدارة الرقابة، والعلاقات الدولية، ومكافحة التطرف والإرهاب، إنهم تمكنوا من إغلاق 450 من موارد الإنترنت لجمع الأموال للجماعات الإرهابية. ويعتقد بعض الخبراء أن الإسلاميين في هذه اللحظة، بدأوا بفقد الاهتمام في الشبكات الاجتماعية "فكونتاكتي" و"اودنوكلاسنيكي" الروسية، وذلك بسبب العمل النشط لأجهزة الأمن، والتجاوب المنخفض من قبل المستخدمين أنفسهم. ومع ذلك، لا يزال ممكنا، العثور على صفحات ومواقع الإسلاميين. وبدأ نشطاء هذه الجماعات بالتصرف بشكل أكثر حذرا. الآن يتم استخدام أسماء غير حقيقية أو محايدة، أو الحروف العربية والكلمات، مما يجعل أكثر صعوبة، الكشف عن شبكات التنظيم. ولكن، وكما يشير الخبراء، دراسة هذه المواد والمواقع، تبرهن على انخفاض كفاءة الحظر. معظم المحاضرات وخطب دعاة "الدولة الإسلامية" في كثير من الأحيان، لا تحتوي على دعوات القتل المتطرف، والحرب، وإقامة نظام جديد. وبالتالي، محاولة تصنيفها كمواد متطرفة، قد تثير شبهة التحيز والرقابة الإيديولوجية. في الوقت الحالي، يبدو أنه لضمان أمن المعلومات والحماية من الإرهاب الإعلامي، نحن بحاجة إلى تعديل التشريعات الروسية لتنظيم الإنترنت، وتنمية بنية قوات الأمن المعلوماتي الجديدة التي يتم الآن إنشاؤها في روسيا، وتفعيل مشاركتها في الحرب ضد الإرهاب.
كثيرا ما ينفذ الاسلاميون حملات واسعة لإرسال الرسائل عبر "تويتر"، باستخدام القوالب الجاهزة مع الصور والنصوص. ولخدمة الإسلاميين، تم تصميم تطبيق خاص لنظام أندرويد، يحمل اسم "The Dawn of Glad Tidings" (شروق الأخبار السارة) للنشر الشامل وإرسال الرسائل على "تويتر". فعند استخدام الشخص للتطبيق، يبدأ بإرسال الرسالة للجميع ودون توقف. ولتجاوز خوارزميات مكافحة البريد المزعج، يتم في النص إضافة مساحة إضافية بين كل حرف. وبهذا الشكل، تستخدم "داعش" تويتر لعرض الرسائل والأخبار اللازمة لها.
وهناك وسيلة أخرى لخدمة "داعش"، هي برنامج الرسائل الفورية بين المستخدمين "FireChat"، الذي يتيح التواصل دون اتصال بالإنترنت. إذا كان التطبيق مثبتا على الهاتف الذكي الخاص بك، فحتى دون وجود اتصال بالإنترنت، يمكنك إرسال رسالة من خلال الهواتف الذكية الأخرى التي تحوي نفس التطبيق، والتي هي في نطاق الاتصال بالإنترنت. هذه الشبكة على الجهاز المحمول ذات حد أدنى من الظهور، وليس لها تأثير على شحن البطارية.
الهجمات السيبرانية للإرهابيين
وهناك محور آخر للجهاد الإعلامي، يستخدمه الإسلاميون، هو الهجمات السيبرانية المختلفة على موارد الإنترنت للمستخدمين الآخرين، واستخدام قدراتها ومساحاتها لنشر أفكارهم. على سبيل المثال، في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015، شكا ركاب مترو موسكو من أنه عند الاتصال بالـ"واي فاي" ظهرت لديهم صفحة "داعش"، مع جملة "في الأمس كانت باريس، واليوم موسكو". واتضح أن مهاجمين مجهولين خلقوا شبكة وهمية في مترو موسكو تحمل اسم نفس شبكة "واي فاي" المترو. مثال آخر على الهجمات عبر الانترنت، هو اختراق موقع معبد النبي دانيال الموجود تحت الإنشاء في موسكو، في ليلة 30 نوفمبر/تشرين الثاني. وقد نشر الإسلاميون على الموقع رايتهم مع صورة الرئيس بوتين مع يد دامية على وجهه، وجملة: "ان شاء الله الدولة الإسلامية باقية وستتوسع" باللغة الإنجليزية، و"سنستعيد كرامة المسلمين".
وأشارت شركة Group-IB الروسية، التي تعمل في مجال التحقيق في جرائم الكمبيوتر، إلى تقديرات بأن المتسللين من "داعش" في العام 2014، هاجموا أكثر من 600 من موارد الإنترنت الروسية. غالبا ما يكون الضحايا من البنوك، وشركات البناء، والشركات المملوكة للدولة، والمدارس الثانوية ومراكز البحوث. ووفقا للخبراء، الهجمات السيبرانية تنفذها وحدة خاصة تسمى "Cyber Caliphate"، التي قامت من بين أمور أخرى، بالإختراق الشهير في يناير/كانون الثاني عام 2015، لصفحة القيادة المركزية الامريكية، على "تويتر" و"يوتيوب". عادة، يقوم القراصنة باختراق الموارد الأكثر زيارة، ووضع شعاراتهم ونشر المعلومات حول الإختراق في الشبكات الاجتماعية. ومع ذلك، يعتقد الخبراء أن هذه الهجمات مجرد بداية.
بالإضافة إلى اثنين من الاستوديوهات التلفزيونية، تصدر "الدولة الإسلامية" مجلة "دابق" باللغتين العربية والإنجليزية. وفي حين تستهدف استوديوهات "الفرقان" و"الحياة" بالإعلانات والأفلام الغرب وبلدان العالم الإسلامي، فإن المجلة صممت للسكان المحليين. وهذه المجلة هي عمل كامل ذو جودة عالية، تضم بين 25 و50 صفحة. وهذه المجلة تجمع بين عناصر التصوف، والنغمة المحددة بشكل صحيح واللغة البسيطة الواضحة. ويتحدث العمل الراقي للمصورين ومصممي المواقع الإلكترونية عن عمل فريق كامل من الفنيين. واسم المجلة تمت استعارته من اسم مدينة في شمال سوريا، ورد ذكرها  في الحديث حول هرمجدون. وتحوي صفحات هذه المجلة أساسا، المواد ذات الطابع الديني والأيديولوجي. كما تقدم ملخصا لأعمال التنظيم، وتسلط الضوء على ما تبذله من جهود على الأراضي التي تسيطر عليها "الخلافة"، وتنشر تصريحات قيادات وأعضاء الجماعة، بما في ذلك أولئك الذين قتلوا في المعركة. كأمثلة أخرى من المنتجات المطبوعة التي ينتجها مركز "الحياة"، تجدر الإشارة إلى كتيب "تقرير الدولة الإسلامية" و"أخبار الدولة الإسلامية"، والإصدارات الإلكترونية التي تنشر أيضا على شبكة الإنترنت. "تقرير الدولة الإسلامية" و"أخبار الدولة الإسلامية"، ويبلغ متوسط حجمها 8-10 صفحات، وتصدر في فترات منتظمة، ابتداء من يونيو/حزيران 2014. وتحتوي على نص ورسوم توضيحية، حول مختلف جوانب أنشطة "الدولة الإسلامية".
خلاصة
وعبر الاستعراض الموجز لأهم تكنولوجيات وسائط الإعلام التي يستخدمها المتشددون، يمكن القول بأن الإرهاب الحديث شهد تحولا ليس فقط نوعيا، ولكن أيضا اقتحم بقوة ونشاط الفضاء المعلوماتي. الاسلاميون قادرون على التخلي عن العديد من القيود الدينية واستخدام الابتكارات التقنية للحضارة، لخدمة أغراضهم الخاصة. وقد استخدم الإرهاب الحديث البنية التحتية لوسائل الإعلام، بشكل يدل على مهارة عالية في استخدام التكنولوجيا المتقدمة، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي. كل هذا يسمح له يالقيام ليس فقط بالدعاية في جميع أنحاء العالم، بل وبتجنيد أعضاء جدد في صفوفه، ويضفي أيضا بالشرعية على أفكار "الخلافة" في العالم الإسلامي. النجاحات العسكرية في الشرق الأوسط، والموارد المالية الكبيرة والإجراءات المختصة في مجال الإعلام، مكنت "داعش" خلال بضع سنوات من أن تصبح واحدة من أخطر الجماعات الإرهابية في العالم. ويشارك الإرهاب الحديث بنشاط في حرب المعلومات على قدم المساواة مع الدول الكبرى، ونتيجة هذه المواجهة، تبقى قضية مثيرة للجدل.