ثلاثة آراء حول الأزمة السورية ومساعي روسيا والولايات المتحدة لحلها
بعد الانهيار الأخير لوقف إطلاق النار في سوريا وتصاعد القصف الروسي لمسلحي حلب، قمنا بالإطلاع على رأي ثلاثة خبراء، واحد في روسيا، والثاني في الولايات المتحدة والثالث في منطقة الشرق الأوسط للإجابة على سؤال: هل تستطيع الولايات المتحدة وروسيا الوصولإلى تقدم مشترك في سوريا؟
روبرت فورد
سفير الولايات المتحدة في سوريا بين عامي 2011 و2014
الأهداف مختلفة بشكل كامل
لن يكون هناك انفراج بين الولايات المتحدة وروسيا لحل الأزمة السورية. إدارة أوباما تعمل على مكافحة الإرهاب وتضعها على رأس أولوياتها، والأميركيون يرون أن "السياسات الوحشية لحكومة الأسد تسبب تجنيد الإرهابيين وتسبب عدم الاستقرار". الإدارة ترفض التدخل العسكري المباشر ضد الحكومة السورية عسكريا، لكنها ليست على استعداد لاستخدام رأس مالها السياسي المحدود في أنقرة والرياض لتسليم المعارضة السورية المسلحة للأسد.
وهكذا، فواشنطن لن تقبل بدعم القوات السورية ضد "داعش" في سوريا، لعلمها أن ذلك لا يصلح المشكلة بشكل دائم.
الهدف الروسي في مكافحة الإرهاب في سوريا يأتي في المرتبة الثانية بعد بقاء حكومة الأسد. موسكو تتصور ان قيادة الأسد تحفظ ما تبقى من الحكومة، التي كانت تسير نحو الانهيار، والارتباك في دمشق يؤدي إلى تفاقم التحدي الإرهابي.
وهكذا، موسكو تحاول مساعدة الجيش السوري لاستعادة الأرض، بوصة تلو بوصة. الأميركيون والروس لم يعطوا نفس الأولوية لمكافحة الإرهاب في سوريا بنفس الطريقة، وتصوراتهم نحو استراتيجية أفضل لاحتواء الإرهاب والقضاء عليه غير متناسقة.
بمجرد أن حصلت الحكومة السورية على حلب وحماة وحمص فهي قد تقبل بتحريض أميركي/روسي بهدنة جديدة. وهي لن تدوم ولن تكون الأخيرة: يهدف الأسد لاستعادة كل سوريا حتى لو استغرق ذلك سنوات عديدة، والأسد يحظى بدعم إيراني، ومقاتلين إيرانيين لمساعدته. إلا إذا استطاعت موسكو سحب طهران عدة خطوات بعيدا عن دمشق عندها يمكن لروسيا أن تفرمل الحكومة السورية حقا وتجعلها تقبل بوقف إطلاق النار.
في هذه الأثناء، واشنطن لا يمكنها تغيير التصورات التركية والسعودية بأن إيران بمساعدة روسية، تساعد الأسد بشكل مطرد. وسوف يبقون يقاومون هذه الحركة الداعمة لسوريا بتقديم السلاح مرة أخرى للمتمردين وسوف يرفضون أية هدنة جديدة. لذلك فإن الانفراج الحقيقي في سوريا يأتي من خلال اتفاق بين تركيا وإيران وربما المملكة العربية السعودية.
نيكولاي كازانوف
أكاديمي روسي، أستاذ الاقتصاد السياسي للشرق الأوسط في الجامعة الأوروبية في سانت بطرسبرغ
مستوى عدم الثقة عال جدا
موسكو وواشنطن تجد أنه من الصعب للغاية فهم مواقف بعضهم البعض في سوريا وبعد التصريحات الغاضبة على حد سواء التي ظهرت في الدورة الأخيرة لمجلس الأمن الدولي فإن الحوار البناء يصبح مستحيلا في المستقبل المنظور.
هناك عدة أسباب للتشاؤم. أولا وقبل كل شيء، النخب العسكرية والسياسية في كلا البلدين تحمل الكثير من انعدام الثقة المتبادل. انهيار الهدنة الأخيرة، الناجم عن الغارات الجوية التي قتلت قوات بشار الأسد قرب دير الزور والهجوم المروع على قافلة المساعدات في حلب، عززت مواقف تلك النخبة في كل من المؤسسات الروسية والأمريكية التي تعارض أي نوع من الصفقات.
ثانيا، لا تزال روسيا واثقة جدا من قدراتها العسكرية والسياسية في سوريا. يدرك الكرملين بالطبع أنه لا يمكن حل النزاع السوري من دون مفاوضات، وأنه ليس هناك من هو قوي حاليا بما يكفي لحل الأزمة بالقوة. لكن ادارة الرئيس فلاديمير بوتين تعتقد أن روسيا وحلفائها على الأرض سوف يكونون قادرين على إجبار المجتمع الدولي على قبول رؤيتهم من أجل حل دبلوماسي للمشكلة.
هذا هو السبب في أن موسكو تواصل بحزم حربها ضد المعارضة السورية وإضعاف خصوم الأسد في ساحة المعركة. فهي تطلب من رعاة المعارضة في منطقة الشرق الأوسط والغرب أن يختاروا بين السلام وفقا لشروط دمشق أو مزيد من الهجمات العسكرية. ولهذا السبب، لا موسكو ولا دمشق ستقدم أية تنازلات مهمة لواشنطن.
ثالثا، ببساطة من المستحيل حل النزاع السوري من خلال شكل الثنائية الدولية لوجود العديد من الجهات الفاعلة الإقليمية أيضا المعنية بالمسألة السورية. موسكو لا يمكنها التأثير بالأسد دون دعم من طهران وتحتاج واشنطن لتركيا ودول الخليج للتأثير على المعارضة السورية.
يزيد صايغ
إعلامي بارز مختص بشؤون الشرق الأوسط
المهمة المستحيلة
الولايات المتحدة وروسيا قادرتان على ترسيم تسوية دبلوماسية مشتركة بشأن سوريا في عدة مناسبات، ولكن لم تكن هناك سوى اثنتين من لحظات التعاون المناسبة لتسوية النزاعات.
في إطار الاتفاق على التخلص من الأسلحة الكيميائية السورية في سبتمبر 2013، والذي مهد الطريق لمؤتمر السلام في جنيف الثاني بعد أربعة أشهر، إلا أن الجانبين لم يضعا خطة مشتركة للانتقال بسوريا إلى مرحلة جديدة ومرت اللحظة المناسبة.
وكان الوقف الشامل للأعمال العدائية التي تم التوصل إليه في فبراير 2016 أكثر فعالية بكثير: إذ قلص بشدة أعمال العنف وخلق فرصة لديناميكية سياسية جديدة في سوريا. بالنسبة لروسيا، كان هدفها الوصول إلى اتفاق مع الولايات المتحدة يسمح للرئيس بشار الأسد بالبقاء في السلطة خلال الفترة الانتقالية، وربما بعده. ولكن الوقت نفد لتحقيق ذلك قبل توجه الولايات المتحدة إلى حالة الانتخابات الرئاسية الخاصة بها.
ومنذ ذلك الحين، سعت روسيا لمساعدة الدولة السورية وتأمين مزايا عسكرية لا رجعة عنها ووضعتها في موقف سياسي لا يمكن تعويضه، والتقطت الإدارة الأميركية الجديدة زمام اتفاق وقف إطلاق النار الجديد وأعلنته في 10 سبتمبر 2016 وقد كان محكوما عليه بالفشل منذ البداية. الآن لا يمكن للولايات المتحدة إكراه روسيا على إعادة وقف إطلاق النار، ولا اقناع المعارضة السورية المسلحة بتقديم المزيد من التنازلات.
آخر مرة حصلت الولايات المتحدة على اهتمام - وتعاون - روسيا كان عندما أعلنت إدارة أوباما أنها على استعداد لشن ضربات ضد الدولة السورية. كانت الولايات المتحدة مع حلفائها الغربيين الرئيسيين ترسم خطا أحمر جديد على حلب، وهذا لن يؤدي إلى اتفاق سلام، ولكن "سيحافظ على حياة السوريين"، ويثني الحكومة السورية عن مضاعفة جهودها لتحقيق المزيد من المكاسب قبل محادثات سياسية جديدة في عام 2017.