سعوديّون وإيرانيّون أمام دونالد ترامب

17.01.2017

الذي لا يرى في ايران سوى غابة من العمامات النووية، ولا يرى في السعودية سوى غابة من العباءات المرصعة بالذهب.
هو اطلق جنرالاته (ذئابه) ضد ايران، وخاطب السعوديين بلغة من يقول لهم «ان مصيركم بيدي، ان لم تدفعوا فليس امامكم سوى الهلاك». هل من صفاقة في العلاقات الدولية اكثر من تلك التي نراها الان على الشفاه الاميركية؟
رجل آت من لاس فيغاس، ويتعاطى مع العالم بلهجة بائعات الهوى. ضد الصين، وضد المكسيك، وضد اوروبا، رجاله يتعاملون مع الروس بلغة مزدوجة. ضد العرب والمسلمين بالدرجة الاولى. كل ما يتفوه به، منذ انتخابه، يشي بانه لا ينظر الى المنطقة اكثر من كونها مستودعاً للحثالة الايديولوجية.
اذاً، لماذا لا يسأل السعوديون والايرانيون انفسهم عن جدوى الصراع، وقد تحول الى رقص عبثي على ضفاف المستنقع؟ مستنقع الدم ام مستنقع النار؟
لن نجادل في الخلفيات الجيوسياسية، او التاريخية، او المكيافيلية، لذلك الصراع الذي يحدث، تحديداً، فوق ارض عربية، من سوريا الى العراق الى اليمن. لكننا نسأل هل من سقوط اكثر فظاعة، بالمعنى التاريخي كما بالمعنى الفلسفي، من ان يستخدم الغيب (الغيب التوراتي او الغيب التلمودي وليعترض من يعترض) لتفجير الكراهية المذهبية.
الطرفان شريكان في اللعبة. النظام السعودي الذي يدرك اي مسافة تفصله عن ديناميات القرن، فيدفع في اتجاه الصراع كتغطية للواقع المستحيل، والنظام الايراني الذي، بتلك التوتاليتارية المعقدة لم يقتنع حتى الان بان لا دولة دينية في الاسلام.
هذا مع اقتناعنا بان الاجتثاث العسكري لتنظيم الدولة الاسلامية سيشق الطريق امام ظواهر اشد هولاً ما دامت هناك دول تعيش على تخوم القرون الوسطى، وتتعاطى مع المجتمعات على انها كائنات ما دون البشرية.
عودوا الى تاريخ «الاخوان المسلمين» منذ حسن البنا في عام 1928. احمد بهاء الدين قال لنا ان الاستخبارات البريطانية كانت هي من تحوك، بخيوطها، عمامات او عباءات هؤلاء الناس، في وقت لاحق تكفلت الاستخبارات الاميركية بذلك.
وراء تلك الشاشات التي تضرم النيران، وببدائية (وهمجية) منقطعة النظير، ثمة سعوديون ويعلمون ان دوامة الدم لن تصل الى مكان، وثمة ايرانيون ويعلمون ان الجميع سقطوا في المتاهة (على انه الوجه الاخر للهاوية).
فهل تنجح بغداد وتنجح الكويت في المساعي الرامية الى وقف الانحدار، ووقف الانفجار، عند الحدود الراهنة، والرياض وطهران تتوجسان مما سيأتي به دونالد ترامب...
قيل انه الرجل الاتي من خارج المؤسسة. كل ما في الامر انه يتقيأ امام الكاميرات ما تفعله الادارات الاميركية منذ جون فوستر دالاس وحتى الان. ناعوم تشومسكي ان قال ما تبتغيه واشنطن هو ابقاء بلدان المنطقة في...العصر الجليدي!
لا نتصور ان في ظل التوتاليتاريات التي تضع يدها حتى على الله، يمكن للاعدامات التي حصلت في البحرين، ان توقف المساعي، وان تعثرت بعض الشيء. الثابت ان ثمة اوراقاً ثم تبادلها. تحدث عنها وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري، وحىن عزى امير الكويت صباح الاحمد الصباح بعلي اكبر هاشمي رفسنجاني، فالدلالة كانت واضحة، وبعدما بات الحكماء في المنطقة على بينة من ان المرحلة المقبلة، وقد بلغ الدم الزبى، هي مرحلة تفكيك الخرائط او اعادة بناء الدول بهيكليات دستورية او سياسية، تكرس ديناميات الصراع وتشي بما هو اشد سوءاً.
ما يحصل الان من اتصالات ديبلوماسية، دعا اليه الكرملين منذ عامين. بالتحديد استخدم سيرغي لافروف عبارة «اللعب داخل الحطام».
السعوديون والايرانيون امام دونالد ترامب.
الفريقان امام ايام صعبة من الاستنزاف الاستراتيجي، فهل للديبلوماسية الوقائية، ولنقل للديبلوماسية الخلاقة، ان تعيد وصل ما انقطع بالدم، وبالنار؟ الاشد هولاً ما انقطع... بالكراهية.
في الرياض، وفي طهران، ثمة من يعمل، وبقوة، في الاتجاه المعاكس!