ترامب وإيران: مؤشرات التصعيد تتجمع في الأفق

05.12.2016

من المبكر الجزم بتوجهات الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب حيال إيران، برغم أن حملته الانتخابية شهدت هجوماً متواصلاً على الاتفاق النووي «السيئ» الذي أبرمته إدارة الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما مع إيران.

إحقاقاً للحق، يجب ملاحظة أن الاتفاق النووي بين الدول الست الكبرى وإيران جاء في سياق رؤية إدارة أوباما للاتفاق بأنه سيحقق مصالح أميركية متنوعة، وبالتالي كان دفاع أوباما عن الاتفاق داخل أميركا وخارجها دفاعاً عن المصالح الأميركية، وليس عن إيران وحقوقها أو حتى الاتفاق النووي معها.

منع الاتفاق إيران من امتلاك السلاح النووي طيلة فترة الاتفاق، أي خمسة عشر عاماً، بضمانات وبرقابة دولية، كما فتح الاتفاق الأسواق الإيرانية الواعدة أمام الشركات الأميركية العملاقة، وهو هدف لم يمكن تحقيقه خلال فترة العقوبات المفروضة على إيران وإجراءات الحماية التجارية التي اعتمدتها إيران لمواجهة ذلك. ومن شأن فتح الأسواق الإيرانية أمام الشركات الكبرى أن تتغير معادلات القوة الاقتصادية داخل إيران لمصلحة التيار الإصلاحي في مواجهة «الحرس الثوري»، وبالتالي قلب معادلات السياسة داخل إيران رأساً على عقب.

وبرغم الفوائد المذكورة من إبرام الاتفاق النووي مع إيران، يظهر مؤشران جديدان للتصعيد بين الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب وإيران وهما: أولاً الفريق المعاون لترامب وثانياً قانون العقوبات الجديد الذي أقره الكونغرس ضد إيران.

فريق ترامب المعادي لإيران
يشي الفريق المعاون للرئيس المنتخب باتجاهات ومؤشرات السياسة في المرحلة المقبلة، وبالتالي فقد جاء اختيار مايك بومبيو رئيساً لوكالة المخابرات المركزية الأميركية، وهو المعروف بمعارضته للاتفاق النووي مع إيران، ليذهب مؤشراً على بوادر التصعيد التي تتجمع في الأفق. أيضاً اختيار مايكل فلين مستشاراً للأمن القومي، وهو المعادي لإيران يمكن اعتباره مؤشراً أخر للتصعيد، كما أن جيمس ماتيس المرشح لمنصب وزير الدفاع، الذي يعتقد أن إيران تستغل تنظيم «داعش» الإرهابي لتوسيع نفوذها، هو مؤشر تصعيد مؤكد. أما المرشحون الثلاثة لمنصب وزير الخارجية (رودي جولياني وجون بولتون وميت رومني) فيعادون إيران كذلك، ما يعني أن الفريق المعاون لترامب في مسائل الأمن والدفاع والسياسة الخارجية سيعادي إيران وسياساتها.

توسيع العقوبات الأميركية على إيران
يتمثل المؤشر الثاني للمواجهة في إقرار الكونغرس الأميركي مشروع قانون لتوسيع العقوبات الأميركية المفروضة على إيران يوم الخميس الماضي، ثم أُرسل مشروع القانون إلى الرئيس أوباما لتوقيعه. وجاءت نتيجة التصويت واضحة (٩٩ مقابل صفر) لتمديد العقوبات على إيران لمدة عشر سنوات قادمة، وتضمن عقوبات مصرفية وعقوبات على قطاع الطاقة والشؤون الدفاعية. ومن المتوقع أن يقوم أوباما بنفسه بالتوقيع على مشروع القانون، وأن يمتنع عن استخدام «الفيتو» نظراً إلى نتيجة التصويت الكاسحة والواضحة.

وكان المشرّعون الأميركيون قد اعتبروا أن توسيع العقوبات يعطي أوراقاً إضافية بيد الإدارة الأميركية ولا يخرق الاتفاق النووي مع إيران في الوقت ذاته. بالمقابل، فقد مثل الحافز الاقتصادي المتمثل في رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران القوة الدافعة الرئيسة لطهران كي تمضي قدماً في الاتفاق، والآن توسيع العقوبات على إيران برغم توقيع الاتفاق سيعني من منظور طهران أن واشنطن تراوغ وتسحب من على الطاولة بأثر لاحق ما تم التفاوض عليه بالفعل في مراحل سابقة.

ربما تبدو الأمور سهلة على السطح، فالرئيس الأميركي يملك الصلاحيات التشريعية اللازمة لإلغاء الاتفاق؛ ومع ذلك فالأمور أكثر تعقيداً في العمق. لم يكن الاتفاق النووي أميركياً ـ إيرانياً فقط، إنما اتفاقاً دولياً متعدد الأطراف ومُصاغاً فوق كل ذلك بقرار من مجلس الأمن الدولي. وبافتراض أن ترامب سيلغي الاتفاق، فإن الاتفاق سيبقى قائماً وملزماً مع ذلك للدول الخمس الأخرى: روسيا والصين وألمانيا وفرنسا وإنكلترا.

وبسبب الطابع الدولي والأممي للاتفاق لن يقتصر الأمر على العلاقات بين واشنطن وطهران، وإنما سيمتد لعلاقات أميركا مع موسكو وبكين وبرلين وباريس ولندن. وفوق كل ذلك هناك مصالح أميركية داخلية اقتصادية تحبذ الاتفاق مع إيران رغبة منها في جني المزايا من جراء الاتفاق. فإذا افترضنا جدلاً أن ترامب سيقدم برغم كل ذلك على خطوة إلغاء الاتفاق النووي مع إيران من جانب واحد، سينفتح الباب ساعتها على سؤال: كيف يمكن لأميركا منع إيران من تطوير برنامجها النووي؟ الإجابة قد تحتمل أكثر من طريق واحد لفعل ذلك: الحرب المباشرة على إيران غير مستبعدة نهائياً، لكن منع إيران من جني ثمار الاتفاق إقليمياً وتضييق الخناق عليها اقتصادياً وصولاً حتى إلى خلخلة مناعتها الداخلية هي أمور تبدو مرجحة أميركياً في عصر ترامب.

الخلاصة
من المبكر الجزم بتوقعات حول مآل العلاقات الإيرانية ـ الأميركية والاتفاق النووي الإيراني مع الدول الست الكبرى في الأيام القليلة المقبلة، إلا أن الفترة الممتدة من الآن وحتى استلام دونالد ترامب مقاليد السلطة في الثاني والعشرين من الشهر الأول للعام الجديد، ستبقى ثرية لجهة متابعة استكمال الفريق الرئاسي، وما يمكن استخلاصه من مؤشرات تصعيد تتجمع بالفعل في الأفق.

نشرت للمرة الأولى في "السفير"