روسيا والحاجة إلى نهج شامل لمواجهة الإرهاب والتطرف في أوراسيا

28.05.2024

بعد الهجوم الإرهابي قاعة كروكوس سيتي في 22 مارس (آذار) 2024 في منطقة موسكو، دار حديث على نطاق عريض عن عملية تحديث مكافحة الإرهاب والتطرف في ظل ظروف جديدة. من الجدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يقوم فيها تنظيم داعش بعمل ضد روسيا ومواطنيها. كانت هناك محاولات معزولة من قبل، ولكنها كانت عمليات صغيرة. في أغلب الأحيان، كانت أجهزة الخدمات الخاصة (المخابرات) قادرة على التصرف على نحو استباقي، والقضاء على الإرهابيين أو اعتقالهم في أثناء التحضير للجرائم. وكان آخر هجوم إرهابي كبير قبل الحدث المأساوي الأخير، هو انفجار طائرة روسية من طراز إيرباص (A321) في 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2015 في الأجواء المصرية، تابعة لشركة طيران كوجالي مافيا، وكانت الرحلة (رقم 9268) متجهة من شرم الشيخ إلى سانت بطرسبورغ. توفي في الحادث 224 شخصًا، بينهم 217 راكبًا (58 رجلًا، و134 امرأة، و25 طفلًا)، وسبعة من أفراد الطاقم. كانت الإصدارات الأولى الخاصة بتورط داعش في الهجوم قد صدرت عبر وسائل الإعلام الغربية، مع الإشارة إلى معلومات من وكالات الاستخبارات الغربية، ولا سيما وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.

من ناحية أخرى، فإن نشاط المنظمات الإرهابية الأخرى، مثل تنظيم القاعدة، أو إمارة القوقاز، كان معروفًا حتى قبل ذلك، وكانت هناك مواجهة لها داخل روسيا، وعلى أراضي دول أخرى. وفي حالة قاعة كروكوس سيتي، وبما أن المنفذين الرئيسين كانوا من طاجيكستان، فقد انعكس ذلك في مراجعة السياسة تجاه دول آسيا الوسطى، وعلى نحو مباشر، طاجيكستان. وكما جرت العادة في السابق بعد ارتكاب جرائم كبيرة مماثلة، اتُّخِذَت القرارات الأولى على الفور. في 25 مارس (آذار) 2024، عقد الرئيس الروسي اجتماعًا مع رؤساء أجهزة إنفاذ القانون ورؤساء المناطق لوضع الإجراءات المناسبة، والتحقيق الشامل في الهجوم الإرهابي. وفي عدد من مناطق روسيا، عُزِّزَت التدابير الأمنية على الفور، حيث قدمت وزارة الداخلية الروسية إلى مجلس الدوما مشروع قانون يشدد معايير الهجرة في روسيا، وقواعد إقامة العمال الضيوف في البلاد، ومنها إدخال البصمات الإلزامية، ومراقبة إقامة الأجانب، وإنشاء سجل رقمي موحد، والحد من فترة الإقامة، فضلًا عن إدخال سجل أصحاب العمل. تهدف هذه المقترحات إلى تحسين تشريعات الهجرة. ومع ذلك، يعتقد المنتقدون أن هذا لن يكون كافيًا؛ لأن هناك مشكلة مع “الغيتوهات” العرقية في المدن الروسية، حيث يمكن تلقين المتطرفين المحتملين.

ربما ينبغي لنا أن نتوقع إدخال تعديلات على القوانين الرئيسة التي تهدف إلى مكافحة الإرهاب. على وجه الخصوص، مباشرة بعد الهجوم الإرهابي، بدأت المحادثات بشأن احتمال رفع الوقف الاختياري لعقوبة الإعدام للأشخاص الذين يرتكبون جرائم خطيرة ضد المواطنين والدولة. ومع ذلك، لم يتم النظر في هذه المسألة بعد، ولكن سيتم بالتأكيد تقديم بعض الحلول التقنية الأخرى.

بالإضافة إلى ذلك، جرت مداهمات للشرطة في المدن الكبرى، ومنها موسكو وسانت بطرسبورغ، مما أدى إلى ترحيل مئات المهاجرين من آسيا الوسطى، وفرض غرامات على آلاف آخرين بسبب انتهاكات مختلفة. بدأت عمليات فحص أكثر شمولًا للأشخاص القادمين من طاجيكستان، ودول آسيا الوسطى في المطارات. كان رد فعل وزارة الخارجية الطاجيكية عصبيًّا على الإجراءات التقييدية المؤقتة التي طُبِّقَت عند نقاط التفتيش الحدودية، وأوصت مواطنيها بعدم القيام بزيارات غير ضرورية إلى روسيا.

ومن المهم أن روسيا لم تبدأ بتشديد القواعد للطاجيك وحدها، بل فعلت تركيا أيضًا، حيث زار إرهابيان إسطنبول قبل وقت قصير من الهجوم الإرهابي، وهو ما دفع تركيا إلى اتخاذ قرار إدخال نظام التأشيرات مع المواطنين القادمين من طاجيكستان.

ولا يزال التحقيق في الهجوم الإرهابي مستمرًا. وفي الوقت نفسه، قال مدير جهاز الأمن الفيدرالي (FSB) ألكسندر بورتنيكوف، إن المنظم الرئيس للهجوم الإرهابي على قاعة كروكوس سيتي “موجود في الخارج”.

جميع التدابير والإجراءات الموصوفة تتعلق بالمجال الأمني. ومع ذلك، فإن المجال الأكثر أهمية في مكافحة الإرهاب والتطرف هو المجال الوقائي، وقيود الدخول ليست سوى جزء صغير منه، وأهم من ذلك هو التفاعل مع أجهزة استخبارات الدول الأخرى في مكافحة الإرهاب، فضلًا عن تعزيز وتوسيع الاستخبارات البشرية واستخبارات الإشارات. إذا دققت في زيارات قيادة قوات الأمن الروسية واجتماعاتهم خلال الشهر ونصف الشهر الماضيين، ستلاحظ أنه كانت هناك اتصالات مع زملاء من دول مختلفة في آسيا وإفريقيا، وفي 8 مايو (أيار) 2024، انعقدت قمة الاتحاد الاقتصادي الأوراسي في موسكو برئاسة فلاديمير بوتين. ومن الواضح أنه بالإضافة إلى التوقيع على عدد من الوثائق، فقد نوقشت مسألة الأمن الشامل لأعضاء الاتحاد خلف الكواليس. واستمرار التكامل يعني- على نحو غير مباشر- توسيع هذه التدابير. ومع ذلك، ليست جميع دول آسيا الوسطى أعضاء في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، بما فيها طاجيكستان نفسها، التي وجدت نفسها في وضع حرج بسبب هذا الحادث. ينطبق الأمر على أوزبكستان أيضًا، على الرغم من وجود حالات اعتقال لمواطنين أوزبكيين كانوا يخططون لأنشطة غير قانونية أو يشاركون فيها، وتركمانستان أيضًا ليست جزءًا من الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، على الرغم من وجود عدد لا بأس به من المهاجرين من تركمانستان في روسيا، مقارنة بقرغيزستان، أو أوزبكستان. وفي يناير (كانون الثاني) 2023، وقعت وزارة الداخلية الروسية اتفاقية أخرى بشأن قضايا الهجرة مع تركمانستان. يفضل التركمان الذهاب إلى تركيا، التي لديها نظام بدون تأشيرة.

في كل الأحوال، فيما يتعلق بالإرهاب العابر للحدود، سواء تنظيم داعش أو تنظيم القاعدة، لا فرق يذكر من سيكون مرتكب أفعالهم. من المحتمل أن يتحول ممثل أي مجموعة عرقية وأي دولة إلى مؤيد لأي منظمة إرهابية. في السنوات الأخيرة، أصبح التجنيد في داعش- على سبيل المثال- فعالًا جدًّا عبر الإنترنت، وليست دول آسيا الوسطى، ولا أوروبا، ولا أمريكا الشمالية، استثناءً.

إن إجراء دراسة أكثر تفصيلًا لأصول الإرهاب، وعلاقته بالدين، سيكون مهمًّا جدًّا، ويمثل داعش نسخة متطرفة جدًّا من الإسلام السياسي. الإسلام التقليدي لأتراك أوراسيا وشعوب القوقاز هو المذهب الحنفي، أحد المذاهب الشرعية الأربعة في الإسلام السني. تاريخيًّا، لم يكن المذهب الحنبلي منتشرًا هناك، لكن مؤخرًا أصبح مؤيدوه أكثر عددًا. السلفية المتشددة وغيرها من الإصدارات المتطرفة التي ظهرت في بعض الدول العربية (ولد داعش في العراق، وانتقل بسرعة إلى سوريا المجاورة) موجودة أيضًا في المنطقة. وربما يكون الرهان على الإسلام التقليدي في المنطقة أحد القرارات الإستراتيجية، تمامًا كما تم الرهان على الصوفية التقليدية في الشيشان من أجل إزاحة نفوذ السلفية. ومن الجدير بالملاحظة أن الأجواء في السعودية نفسها لم تعد كما كانت قبل 20 عامًا على الإطلاق. يشير هذا التحول إلى أن الأيديولوجية الدينية، حتى لو كان لها طابع الدولة، يمكن أن تتغير؛ ولذلك فإن التركيز على الإسلام التقليدي والمسالم في العلاقات مع دول آسيا الوسطى يجب أن يصبح إحدى ضرورات السياسة الخارجية الروسية. وفي الوقت نفسه، نحتاج إلى تدريب فعال للأئمة والدعاة على أساسيات الإسلام التقليدي، بما في ذلك الدعوة داخل مجتمعات المهاجرين في روسيا نفسها، حتى لا يصبحوا ضحايا لتلقين الخلايا الإرهابية.

أخيرًا، تشمل التدابير الوقائية أيضًا الوسائل التقنية، بدءًا من أجهزة المراقبة في البنية التحتية للمدينة، حتى أنظمة استشعار المتفجرات، والشبكات العميقة على الإنترنت للدعاية الإرهابية، وتحديد أتباع المنظمات المحظورة، وهذا من صلاحيات أجهزة المخابرات. لكن مع الأخذ في الحسبان الخبرة السابقة من العمل، يمكننا أن نستنتج أن هذه الأساليب تُحَسَّن، وستُستخدَم على نحو أكثر نشاطًا في المستقبل.

https://eurasiaar.org