نظرة جديدة على "الحرب الهجينة".. أساليب الوقاية والتوظيف

31.05.2016

الحرب الهجينة في الواقع شيء مختلف تماما عن ما يعتقده معظم الناس. في رأيي ما يدور الحديث عنه - الحرب الإعلامية والاقتصادية والمؤسساتية – تم استخدامها من قبل، والآن، يتم الجمع بين هذه المجالات في نهج عسكري واحد. بدلا من ذلك، تعريفي للحرب الهجينة، يرتبط بتحول "الثورات الملونة" إلى نوع غير تقليدي من الحرب، يهدف بالقوة لتغيير النظام أو الهيكل الاتحادي، لدولة معينة.

"قانون الحرب الهجينة"، كما أسميه – هو "الهدف الكبير لأي حرب هجينة. والذي يكمن في تدمير مشروع جماعي عابر للأوطان، متعدد الأقطاب، بمساعدة صراع خارجي مخطط ضد الهوية (العرقية والدينية والإقليمية والسياسية) لدولة بحالة انتقالية"، ويمكن أن نلاحظ في الممارسة العملية، الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لوضع العقبات في طريق المشروع التكاملي الروسي في أوكرانيا، وتخريب مشروع خط الانابيب الايراني عبر سوريا والمخطط له سابقا. وإذا نظرتم الى الآفاق المستقبلية، يتضح أن أي بنية تحتية يجب أن تكون جزءا من مبادرة الصين العالمية "حزام واحد طريق واحد" المسماة بشكل مختلف "طريق الحرير الجديد"، كما يبدو هي تحت التهديد، وخاصة في المناطق التي تتقاطع فيها مصالح جميع البلدان: البلقان وآسيا الوسطى.

كيف تدار الحروب الهجينة؟ المنظمات غير الحكومية ووكالات الاستخبارات تعمل على معالجة المجتمع السياسي والمدني في بعض البلدان إلى مستوى، يصبح فيه قويا بما يكفي لمواجهة السلطات القانونية. قبل البدء بأي عمل عسكري، تؤجج المنظمات غير الحكومية وأجهزة الإستخبارات الخارجية مشاعر عدم الرضا العميقة في أذهان قطاعات مختلفة من السكان، وكقاعدة عامة، هي تستهدف شكلا من أشكال الهوية، سواء كان ذلك حقيقيا، أم خياليا أو مبالغا فيه، من أجل تطوير المشاعر المناهضة للحكومة بشكل أكثر كثافة .

وحالما تصل البنية الإجتماعية والفضاء المعلوماتي للمرحلة المطلوبة، تصبح القوى الخارجية الداعمة واثقة في قدرة وكيلها على تغيير الوضع السياسي في بلد معين. وهم يستخدمون الاستفزاز لخلق أسباب "مقنعة" لدفع الحركة المناهضة للحكومة إلى الأمام، وبدء مخططات زعزعة الاستقرار. وإذا لم تحقق الثورة الملونة أو الضغط "الناعم" النتائج المرجوة، هذه الحركة تتحول في نهاية المطاف إلى حرب غير تقليدية أو تنتقل إلى مرحلة الضغط "القاسي" من خلال سلسلة من التصعيدات الإضافية.

وعندما يحدث ذلك، يتحول الثوريون "الملونون" إلى متمردين إرهابيين يتم دعمهم من الدول المجاورة الموالية للولايات المتحدة، عبر توفير قوى إضافية وأسلحة ودعم مالي. رأينا هذه العملية في سوريا: بعد فشل "الربيع العربي" تحولت الثورة الملونة إلى حرب ضد الإرهاب؛ وفي أوكرانيا: كانت المناطق الغربية قبل الانقلاب في فبراير/شباط، تقف علنا ضد كييف. اليوم، الصورة ذاتها يمكن رؤيتها في مقدونيا، والأحداث التي ستقع في المستقبل القريب، لديها كل الفرص للخروج عن حدود وادي فرغانة. واسمحوا لي أن أذكركم بأن هذا يحدث بهدف تعطيل أو السيطرة على مشاريع البنية التحتية الرئيسية وبلدان العبور الرئيسية، وذلك باستخدام الأموال لتغيير الأنظمة، وإعادة الهيكلة بشكل اتحادي، وخلق حالة من الفوضى غير المنضبطة.

بغض النظر عن مدى خطورة وتهديد الحرب الهجينة، هذا لا يعني أنه لا يمكن تجنبها، ولا يمكن وقفها. أساليب التعامل مع هذا التهديد، الذي أسميه الأمن الديمقراطي - هو مجال جديد ومثير للاهتمام، ويتطلب مزيدا من الدعم الحكومي. والآن، قمت بتحديد ثلاث طرق رئيسية لتجنب الحرب الهجينة، ولكن أنا واثق من أن المزيد من البحوث ستكشف استراتيجيات فعالة أخرى.

الشيء الأول الذي يجب أن يحدث، يجب كشف التهديد الهجين والتعامل معه في المرحلة الأولى. وهذا يعني أن جميع المنظمات غير الحكومية العاملة في البلاد والدول الحليفة لها، يجب أن تكون مسجلة ويجب فحص أسباب حصولها على التمويل الأجنبي، وجميع المنظمات التي تعمل بصورة غير قانونية، وتشكل تهديدا للأمن القومي، ينبغي حظرها فورا. وتستخدم هذه التدابير على نطاق واسع الآن، لكننا يجب أن نذهب أبعد من ذلك، يجب خلق قاعدة بيانات دولية، جنبا إلى جنب مع حلفائنا، لتتبع جميع المنظمات غير الحكومية وأنشطتها، والتحقق ما إذا كانت قانونية أم لا. وبالإضافة إلى ذلك، نحن بحاجة إلى رفع مستوى الوعي لدى الجمهور حول نشاط الولايات المتحدة في مجال تشكيل الحروب الهجينة، من خلال التفاعل مع وسائل الإعلام، ومع الأكاديميين ومع خبراء الأمن من أجل التعاون لتعريف السكان، بالتهديدات التي تواجههم. المعلومات والمعرفة – قوة ردع تحذيرية، للمواطن المطلع وللمواطن الساذج عن هذه المنظمات الخطيرة.

ثانيا، يجب علينا أن نضمن أن يتم تدريب ممثلي أجهزة الأمن على سبل تشكيل أجهزة عسكرية هجينة، وخاصة في مجال الوقاية من الثورات الملونة والرد على الحرب غير التقليدية. من المهم أن يكافحوا الغضب المتزايد بدقة لتجنب تأجيج الصراعات غير الضرورية والعرضية وغير المقبولة. صناع "الثورات الملونة" يحاولون بانتظام خداع السلطات، بحيث يوقعوهم في أخطاء الإهمال، ويمكن بعد ذلك أن تستخدم هذه الأخطاء لتأجيج المشاعر المناهضة للحكومة عبر الشبكات الاجتماعية، ثم توجيه الناس إلى الشوارع. بغض النظر عن الوسائل المستخدمة، الهدف النهائي هو إخراج المزيد من الناس إلى الشوارع، واستخدامهم بمثابة "دروع بشرية" لحماية المحرضين الأكثر عدوانية من القبض فورا عليهم.

وأخيرا، الاستراتيجية الأخيرة لأمن الديمقراطية، التي لم أكشف عنها مسبقا، هي تشجيع الحركات الوطنية في المجتمع المدني، بحيث تصبح أكثر دعما لحكومتها. ونحن نرى هذا بكل وضوح في مقدونيا، حيث يتظاهر آلاف الأشخاص ضد أنصار الثورة الملونة، وهم قد أظهروا للعالم أنهم لا يريدون أي تغيير للنظام في بلدهم. من المهم أن تساعد الحكومات في جميع أنحاء العالم في تطوير هذا النوع من الحركات، كحماية فعالة ضد الثورات الملونة الممكنة، لأنه القوة التي ستكون خط الدفاع الأول ضد هذا التهديد.

وبالإضافة إلى ذلك، هذه التكنولوجيا "المضادة للثورة الملونة" يمكنها أن تستخدم أيضا المواطنين الوطنيين للضغط على حكوماتهم بهدف رفض الامتثال للاتفاقات الموالية للغرب المثيرة للشكوك. على سبيل المثال، في الجبل الأسود وصربيا استخدمت تقنيات مشابهة وتم اختبار هذا التكتيك لإقناع الحكومة بالتخلي عن التزاماتها بموجب اتفاقات مع منظمة حلف شمال الأطلسي، بينما في الوقت نفسه، هذه النشاطات نفذت بعناية، ولم تسفر عن تغيير النظام أو العنف. استخدام تكنولوجيا الثورة الملونة بطرق إيجابية، يمكن أن يصبح مجالا  جديدا تماما للأبحاث، التي تستحق الاهتمام بالتأكيد.

روسيا لديها امكانات حقيقية لتصبح مركزا عالميا لأبحاث الأمن الديمقراطي، فحالما أصبح خبرائنا قادرين على السيطرة على هذه التقنيات وفهمها جيدا، يمكن أن نتقاسم هذه المعلومات القيمة مع حلفائنا لزيادة أهميتنا الاستراتيجية في العالم. من الممكن يوما ما، أن ندرب ممثلي الجيش والاستخبارات، وممثلي المجتمعات المدنية لشركائنا هنا في موسكو، وبالتالي منح بلدنا ميزة نوعية في ضمان مستقبلنا الجماعي متعدد الأقطاب. ولكي يحدث ذلك، توجد حاجة إلى دعم مالي فوري للمشاريع البحثية وللخبراء المؤهلين في هذا المجال.

إذا كان لنا أن ننجح في خلق بنية تحتية متكاملة لأمن الديمقراطية، تكون أقوى من الثورات الملونة الأمريكية، روسيا ستصبح المحور الرائد بلا منازع للمقاومة العالمية ضد الحروب الهجينة.