معركة حلب على شفا الحسم.. موسكو ودمشق تستعدان للضربة القاضية
اكتملت الإستعدادات وأصبح كل شيء جاهزا تقريبا لخوض معركة حاسمة في حلب. إذ تعلن قذائف المسلحين الثقيلة التي تستهدف مناطق شمال غرب المدينة، قرب انتهاء الهدنة، والعودة الى حرب مفتوحة. وخلال الساعات الأخيرة، توجهت قوافل كبيرة من القوات السورية إلى الشمال، كما لوحظت ناقلات ضخمة تنقل دبابات من طراز تي 90 وعشرات عربات الجند، تتجه نحو الجبهات. كما أفادت هيئة الاركان الروسية بحشد المجموعات المسلحة 1200 مسلح لاقتحام حلب من غربها. في حين أعلن المتحدث باسمها تلقي المجموعات المسلحة صواريخ مضادة للطائرات. وهذا الأمر في حال تأكده، يعد تطوراً نوعياً في الصراع السوري.
وتحدثت المعلومات عن وصول شحنتين من صواريخ مضادة للطائرات الى المسلحين قبل ثلاثة أسابيع، دون أن تظهر في الميادين، كما لم يظهر اثر ميداني لشحنة اخرى من مئة صاروخ، كان الروس قد أبلغوا بوصولها الى سوريا نظراءهم الاميركيين في مجموعة التنسيق المشترك في جنيف.
وتم تداول معلومات مماثلة عن وصول تلك الصواريخ الى "جيش تحرير حمص"، من دون ان تظهر في المعارك. والواضح ان السعوديين والاميركيين قد زوّدوا المجموعات المسلحة بصواريخ "القوس الطائر اف ان 6" الصينية، وهي صواريخ لا تأثير ميدانياً لها على القاذفات الروسية التي تعمل على ارتفاعات لا يمكن أن تبلغها هذه الصواريخ التي لا يتجاوز مداها الثلاثة آلاف متر.
وتبدو معركة الحسم أقرب من تجديد الهدنة، اذ يسعى الروس لإنهاء الملف الحلبي في الأسابيع المقبلة، وتجنيب موسكو المزيد من الضغوط الدولية، وبدء الإعداد لمعركة مدينة الباب. وقالت مصادر روسية إن القوات الروسية في سوريا تلقت أوامر من الرئيس فلاديمير بوتين لحسم معارك حلب خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة، فيما بدأت خطوط التماس في الشمال السوري تتقارب بشدة.
وأدى هجوم قوات الغزو التركية، عبر مجموعة "درع الفرات"، على مواقع وحدات حماية الشعب الكردية في أرياف مارع، شمال حلب، الى افتتاح الحرب التركية مباشرة للمرة الأولى مع الاكراد في سوريا، غرب الفرات. واختار الاتراك توقيت الهجوم على الاكراد، لحظة وصول وزير الدفاع الاميركي آشتون كارتر الى أنقرة. وبدأت "درع الفرات" هجوماً تحت تغطية جوية ومدفعية تركية، وسيكون على الأكراد القتال للمرة الاولى مع قوات بهذا الهجوم، من دون غطاء جوي اميركي، ما يعني تغييراً كبيراً في ميزان القوى في شمال حلب، وخيانة الأميركيين وعدهم بدعم مشروعهم الفدرالي، واختيارهم عدم مواجهة الأتراك في هذا الملف. ولاحظ بيان "مجلس سوريا الديموقراطية" غياب التغطية الجوية لعملياتهم من قبل "التحالف"، وقال إنه إذا كان "التحالف" متفرجاً، فهذا يعني أنه شريكٌ في العملية ضدنا.
وقبل يومين، تجاهل الأروبيون والامم المتحدة، والوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا، الفرصة الاخيرة، لتجنّب معركة كان بالإمكان تفاديها، وتوفير مذبحةٍ على الحلبيين، لو توفرت الإرادة الدولية الكافية لذلك. وكان الأميركيون قد سبقوا الجميع الى رفض فصل "النصرة" عن بقية المجموعات "المعتدلة"، بعدما تحولت "جبهة النصرة" إلى ورقةً اميركية لا يمكن الاستغناء عنها لمواصلة استنزاف الروس في سوريا.
والوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا الذي لم يعرف له في الملف السوري اي انجاز يمكن الاعتداد به في مسيرته الديبلوماسية، تملص كلياً من الخطة الروسية، واعتبر ان الهدنة وعمليات إجلاء الجرحى، لا تعني خطته. ذلك ان الديبلوماسي الدولي، الذي لا يريد ان يأخذ على عاتقه فشلاً يُضاف الى سلسلة طويلة من الخطط والمبادرات الفاشلة التي لم يعرف سواها في سوريا، وغيرها، قال إن خطته مغايرة لما يفعله الروس، مع ترحيبه بها. ولكن خطته، وهي في النهاية أكثر تعقيداً وطموحاً، من هدف الهدنة الواقعي "المتواضع".
إذ تنص خطته، التي لن ترى النور، على وقف الاعمال القتالية، وخروج مسلحي "النصرة" من المدينة بأسلحتهم الى حيث يشاؤون، معلناً رقم الـ900 مقاتل، الذي لا يساوي ثلث الرقم الحقيقي لمقاتلي "النصرة". وقال دي ميستورا إن "النصرة" لم تنفذ هذا البند، وطالب الحكومة السورية أن تعلن تأييدها بصراحة للبند الثالث، الذي ينص على بقاء المسلحين من غير "النصرة" في حلب، وتسليمهم ادارة نصف ثاني أكبر المدن السورية، التي نصبوا عليها مجالس وهيئات دينية تديرها "جبهة النصرة" و"احرار الشام"، لتحويلها امارة سلفية بحماية الامم المتحدة.
كما أن أولئك الذين راهنوا على عملية إخراج 200 جريح من شرق المدينة، وتوقعوا أن تحدث اختراقاً يمنح الزخم المطلوب للهدنة المترنحة، سقطت رهاناتهم على جانبي طريق الكاستيلو. اذ عادت قافلة اهلية حلبية بعد يومٍ حافل بمفاوضات صعبة، من دون أن تحمل جريحاً وحيداً من شرق المدينة. وقال مسؤول دولي في حلب، مختصراً حقيقة المفاوضات، إن الجميع يناور لكسب الوقت، وإن الهدنة ولدت ميتة، وكنا نعلم منذ البداية انها لعبة، سيحاول فيها كل طرف تحميل الطرف الآخر مسؤولية الفشل.
اذ رفضت المجالس المحلية في شرق المدينة، خروج اي جريح، وحاولت "النصرة" ابتزاز المفاوضين وإسقاط الحصار بأكمله من دون تقديم اي تنازلات، عبر المطالبة بممر إمداد إنساني غير مشروط. وبديهي أن فتح أي طريق للامداد في الحصار، سيمنح "النصرة" فرصا غير مسبوقة.
كما زاد دخول الامم المتحدة المتأخر على خط المفاوضات من تعقيد العملية، خاصة بعد أن طلبت من الطرفين احترام بروتوكول عملية اجلاء المدنيين الدولي، الذي ينبغي تطبيقه بحذافيره. وتذرعت "النصرة" بالتغيير الذي طرأ على شروط الاتفاق المبدئي مع مبادرة اهالي حلب، وفرض الامم المتحدة بروتوكولها الذي ينص على تفتيش عربات النقل، او التأكد من هويات الجرحى ومن رغبتهم بالخروج من المدينة، وهي كلها شروط ظهرت في اللحظة الاخيرة، ومنحت "النصرة" فرصةَ جديدة للتنصل من الاتفاق. وليلاً دخل الى الشرق الحلبي علي الزعتري، نائب المنسق العام للشؤون الانسانية في الامم المتحدة، لمحاولة اخيرة لم تمنع ان يواكبه دوي القذائف لحظة عبوره.
ولا يبدو أن أحداً من الاميركيين او الاوروبيين قد سعى لاستغلال الهدنة في الاتجاه البنّاء للدخول في تسوية محلية اولاً، عبر تثبيت وقف اطلاق النار، واخراج "جبهة النصرة" من المدينة. فبدلاً من التحدث عن تطوير الهدنة في قمة برلين التي جمعت قبل ثلاثة ايام، الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والفرنسي فرانسوا هولاند، والمستشارة الالمانية انجيلا ميركل، كان الموقف الاوروبي محسوماً مسبقا بإدانة الموقف الروسي في الملف الحلبي.
إذ إن اتخاذ الإرهابيين للمدنيين في حلب دروعاً بشرية، ورهائن، لا يبرر بنظرهم عمليات القصف. وكائناً ما كان حجم التنازلات الروسية الا ان القرار الاوروبي والاميركي كان قد اتخذ مبكراً بفرض عقوبات اضافية على روسيا بسبب عملياتها في سوريا. ويُخرج الروس بإحباط مزدوج من محاولتهم توظيف الهدنة لتخفيف الضغوط عليهم، اذ لم يخسروا فرصة إقناع الاوروبيين بالوفاء بوعود سابقة، لا سيما الفرنسية، برفع عقوبات تتصل بالملف الأوكراني خلال قمة الاتحاد الاوروبي في يناير/كانون الثاني المقبل، بل انهم يواجهون ايضاً عبء عقوبات اضافية لانخراطهم في مواجهة صعود المجموعات السلفية و"الجهادية" في سوريا.
ومن الواضح أن الروس سيسعون الآن لحسم ملف حلب عسكريا، بعد الإفشال المتعمد لمساعيهم الدبلوماسية والسياسية من قبل الغرب والأمم المتحدة، بهدف وضع موسكو في موضع الإدانة. مساعي الغرب لإطالة أمد المعركة في حلب وجعلها مستنقعا تغوص فيه المساعي الروسية، من الواضح أنها تهدف لمنح الناخبين الأميركيين سببا للتصويت لصالح هيلاري كلينتون، وتصعيد الموقف ضد روسيا وجعلها في نظر المواطن الأمريكي عدوانية و"مجرمة حرب". وموسكو بالتأكيد لن تغفل عن ذلك.