"الخروج الآمن" من حلب محاولة يائسة لإنقاذ "النصرة" أم تسوية لتجنب تهديدات موسكو
تشن روسيا هجومين منسقين عبر جبهتَي الدفاع والخارجية، هدفهما المبدئي إخراس طبول الحرب التي يقرعها "صقور" واشنطن، وفتح ثغرة في جدار الجمود السياسي النسبي الذي خلقه الاميركيون بطرحهم شروط استسلام على كل من موسكو ودمشق، بشكل لا يتلاءم مع حقيقة المشهد الميداني القائم، من بينها اخراج سلاحَي الجو الروسي والسوري من المعارك.
المساعي الروسية تمهد اليوم لاختبار الصفقة المفاجئة حول حلب، التي رماها المبعوث الاممي ستيفان دي ميستورا تحت عنوان تجنيب أحيائها الشرقية الخراب الشامل، وإخراج المسلحين، المطوقين بإحكام من كل المحاور.
الاكثر خطورة مما صرح به الروس حول نيتهم اعتراض أي مغامرة اميركية غير محسوبة، ما ادلى به المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية اللواء إيغور كوناشينكوف امس عندما قال حرفيا: "لن يكون هناك، على الأرجح، وقت أمام المنظومات الروسية للدفاع الجوي (اس 400 واس 300) لتحديد المسار الدقيق لتحليق الصواريخ وهوية حاملاتها، عبر قنوات اتصال مباشر" في حال تعرضت مواقع الجيش السوري لضربات جديدة، مذكرا بجريمة الغدر الاميركية بالجيش السوري في دير الزور في ايلول الماضي، وهذا يعني أن موسكو قد تسقطأو ترد على أي قصف أمريكي بغض النظر عن هدفه.
وفي سياق مواز، قررت موسكو النظر في العرض الذي قدمه مبعوث الأمم المتّحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا بالاشراف على اخراج مسلحي "جبهة النصرة" من الاحياء الشرقية في حلب. وستكون جلسة مجلس الأمن الدولي اليوم الجمعة، فرصة لفحص اللغم الديبلوماسي الذي ألقاه بشكل مفاجئ امس حول "سحب المسلّحين من حلب".
وكان دي ميستورا اعلن في جنيف إن وجود مقاتلي "جبهة فتح الشام" (النصرة سابقاً) في حلب يشكل مبررا لموسكو ودمشق لمواصلة الهجوم عليها، مخاطباً مقاتلي "النصرة" الذين قدر عددهم بـ 900 مقاتل، بالقول: "اذا قررتم الخروج بكرامة ومع اسلحتكم، فإنني مستعد شخصيا لمرافقتكم".
وفي الواقع، لا يطرح دي ميستورا فكرة جديدة، ذلك انه يستعيد بهذا الكلام اقتراحا مشابها طرح قبل نحو عام، تحت عنوان "التجميد" في حلب، وقبلت به دمشق بوضوح، وطلبت منه الحصول على موافقة المسلحين والدول الداعمة لهم عليه، ولكنهم رفضوا. ومن الضروري التذكير بأن المبعوث الاممي يرمي الآن اللغم مجددا وهو يدرك ان المسلحين باتوا يخوضون معركة خاسرة، في حين يقول الرئيس بشار الاسد في مقابلة مع تلفزيون دنماركي، ان موقف دمشق يتمثل في إخراج كل المسلحين، من الفصائل كافة، من حلب.
وتقول المعلومات ان دي ميستورا استمع الى عرض الجيشين السوري والروسي قبل نحو اربعة ايام، على مسلحي حلب الشرقية الخروج الآمن اذا ارادوا. لكن الغريب بحسب مصادر متابعة، ان المبعوث الاممي لم يطرح فكرته بالامس امام اجتماع مجموعة الدعم الدولية لسوريا في جنيف، وانما بعد انتهاء الاجتماع، ما يرجح ان الاميركيين ألقوا له بالفكرة.
وتذكر المصادر بالمحادثات الخماسية التي جرت في برلين امس الاول بمشاركة كبار الديبلوماسيين من الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا، وشارك فيها الوزير جون كيري عبر الفيديو، ثم تبعتها اتصالات مع كل من انقرة والدوحة للترويج لفكرة الخروج الآمن، من شرق حلب، بعدما وضع الحليفان السوري والروسي، ضغطا عسكريا هائلا على المسلحين في الايام الماضية، تستحيل معه فكرة البقاء.
ومن البديهي القول إن لواشنطن، كما باريس التي تحركت عبر مجلس الامن تحت الغطاء الانساني، مصلحة بانتزاع قبول سوري – روسي على فكرة الخروج الآمن لبضع مئات من المسلحين المطوقين في شرق المدينة، بما يحققه ذلك من فكرة وقف الهجوم العسكري للجيشين السوري والروسي، ثم فتح ممرات الاغاثة، ويتيح لآلاف المسلحين من فصائل اخرى، البقاء وفق تسوية شبيهة بما يجري في ارياف العاصمة السورية، وهو على ما يبدو لا يحظى بتأييد دمشق وموسكو اللتين تؤكدان على ضرورة إخراج كل المسلحين من المدينة.
دي ميستورا نفسه كان اشار قبل ايام الى ان نصف المسلحين الثمانية آلاف في حلب الشرقية هم من "جبهة النصرة". امس خفض عددهم بشكل غريب الى 900 مسلح من اتباع ابو محمد الجولاني. وطرح دي ميستورا على دمشق وموسكو السؤال عما إذا كانتا مستعدتَين لوقف الضربات الجوية بشكل كامل في حال إلقاء مسلحي "النصرة" أسلحتهم، ودعاهما إلى تقديم الجواب على هذا السؤال في أقرب وقت ممكن. اجتماع نيويورك اليوم، سيكون مناسبة لاطلاع كل من دمشق وموسكو على تفاصيل الاقتراح الذي ألقاه المبعوث الاممي.
الدفاع الروسية تحذر
قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية اللواء إيغور كوناشينكوف إن "أي ضربات صاروخية أو جوية موجهة إلى الأراضي الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية ستشكل تهديدا للعسكريين الروس العاملين على الأرض".
وحول نشر بعض وسائل الإعلام الغربية معلومات حول بحث الإدارة الأميركية احتمال توجيه ضربات إلى مواقع الجيش السوري، قال كوناشينكوف إن "التاريخ يظهر أن مثل هذه التسريبات غالبا ما تشكل مقدمة للعمليات الحقيقية"، موضحاً أن القلق الأكبر تثيره المعلومات التي تقول إن "هذه الاستفزازات يبادر إليها الموظفون في وكالة الاستخبارات المركزية والبنتاغون، الذين يدفعون اليوم نحو تكثيف التحركات العسكرية في سوريا".
وأوصى كوناشينكوف "الزملاء في واشنطن بتحليل التداعيات المحتملة لتحقيق مثل هذه المخططات بشكل دقيق جدا"، معيداً إلى الأذهان أن القاعدتَين الروسيتَين في حميميم وطرطوس تحميهما منظومات "إس-400" و"إس-300" للدفاع الجوي، مشيراً إلى أن "مدى عملها قد يصبح مفاجأة بالنسبة لأية أجسام طائرة مجهولة".
وأشار إلى أنه "لن يكون هناك، على الأرجح، وقت أمام المنظومات الروسية للدفاع الجوي لتحديد المسار الدقيق لتحليق الصواريخ وهوية حاملاتها، عبر قنوات اتصال مباشر" في حال تعرضت مواقع الجيش السوري لضربات جديدة. ولفت إلى أن الجيش السوري يمتلك أيضا منظومات فعالة للدفاع الجوي مثل "إس-200" و"بوك"، التي خضعت سابقا لعمليات صيانة، مشيرا الى أن روسيا اتخذت، على خلفية شن طائرات "التحالف الدولي" ضربة جوية على القوات السورية في دير الزور في 17 أيلول الماضي، "كل الإجراءات الضرورية لمنع تكرار مثل هذه الأخطاء بحق العسكريين الروس والمنشآت الروسية في سوريا".
وفي هذا السياق، أرسلت موسكو السفينة الصاروخية "ميراج" إلى سواحل سوريا، وهي ثالث سفينة صاروخية تبحر من القرم إلى البحر المتوسط وتحمل على متنها صواريخ "ملاخيت" المضادة للسفن، فيما سبقها كل من سفينتي "سيربوخوف" و"زيليوني دول" المزودتَين بصواريخ "كاليبر" المجنحة.
واشنطن تواصل بحث خياراتها العسكرية
نقلت صحيفة "دايلي بيست" عن مسؤول أميركي قوله إن من بين جميع الخيارات المطروحة للنقاش، تزويد المسلحين بأنظمة مضادة للطائرات، فإن أيا منها لن ينفذ في الوقت المناسب ليوقف سقوط الأحياء الشرقية في حلب في ايدي بوتين والأسد.
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست: "إن العمليات العسكرية ضد النظام السوري التي تهدف إلى تسوية الأوضاع في حلب لا يحتمل أن تحقق أهدافها المحددة التي يشير إليها الكثيرون والمقصود تخفيض مستوى العنف. ومن المرجح أكثر أنها ستسبب عواقب غير متوقعة لا تتوافق تماما مع مصالحنا القومية، غير أنني لن أستبعد دراسة أية خيارات".
ومن جهته، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية جون كيربي إن واشنطن تواصل مناقشاتها الداخلية عن الخيارات غير الديبلوماسية للتعامل مع الحرب في سوريا، على الرغم من التحذير الروسي، من عواقب توجيه ضربات إلى مواقع الجيش السوري.
لافروف وإيرولت توافق حذر في الآراء
ومن جانبه، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن تنظيمَي "داعش" و"النصرة" والفصائل المنضوية تحت لوائهما لن تكون أبدا جزءا من الهدنة في سوريا، مؤكداً استعداد موسكو لبحث مبادرة باريس حول حلب. وأكد الوزير الروسي أنه على الرغم من قرار واشنطن تعليق الحوار الروسي - الأميركي حول سوريا، فما زالت موسكو ودمشق مستعدتَين للوفاء بالتزاماتهما وفق حزمة الاتفاقات الروسية الأميركية، التي أقرت في التاسع من أيلول الماضي.
من جهته، قال وزير الخارجية الفرنسي جون مارك إيرولت إن "لا شيء يمكن ان يبرر حمم النار والقتلى" في حلب. وأكد الوزير الفرنسي أن باريس تعارض "بلقنة سوريا"، وتدعو إلى إعادة إعمار الدولة الموحدة والعلمانية في سوريا عبر مفاوضات تشارك فيها كل الأطراف المهتمة، باستثناء الإرهابيين.
وأشار الى أنه لم يأتِ إلى موسكو لتوجيه التهديدات، بل ليفسر موقفه وقلقه البالغ من التطورات في حلب، وذكر أن فرنسا لا تعتبر القوات الروسية في سوريا خصما عسكريا، لكنه قال إن دعم روسيا لحكومة بشار الأسد يثير "أسئلة معينة".
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن الغرب ينسى أن "جبهة النصرة" و"داعش" و"جند الأقصى" و"جيش الإسلام" وغيرها من الجماعات تمثل امتدادا لتنظيم "القاعدة" الذي شن هجمات بشعة على الولايات المتحدة قبل 15 عاما.