من المستفيد من الحرب الجديدة بين أرمينيا وأذربيجان؟

04.04.2016

بدأت في ناغورني قرة باغ أعمال قتال على نطاق واسع. إذ بدأ الجيش الأذربيجاني في ليلة 2 أبريل/نيسان 2016، هجوما عبر خط التماس مع القوات المسلحة لأرمينيا وجمهورية ناغورني قرة باغ (غير معترف فيها). وتدور المعارك باستخدام المدفعية، والطيران. في حين يلقي كلا من الجانبين اللوم في تصعيد الصراع على الطرف الآخر، إلا أن طبيعة التحرك العسكري للجانب الأذربيجاني، تشير إلى عملية مخطط لها مسبقا. الصراع القديم بين الأرمن والأذربيجانيين يتأجج من جديد.
الصراع لا يصب في مصلحة أرمينيا
استئناف نزاع قرة باغ، لا يصب بتاتا في مصلحة أرمينيا، التي كانت في السابق راضية تماما عن الوضع القائم. بدأ الصراع في أواخر الثمانينات واستمر حتى بداية التسعينات، وانتهى لمصلحة يريفان. إذ أن ابقاء الصراع في وضع مجمد، كان  يمكن يستمر إلى ما لانهاية، وهذا مفيد لأرمينيا، التي تسيطر في الواقع على المنطقة. لم تكن هناك أسباب لدى أرمينيا لاستفزاز أذربيجان، التي عززت بشكل كبير -بعد هزيمتها في مرتفعات قرة باغ في التسعينات- جيشها. بمساعدة أموال بيع النفط والغاز، الموارد التي لا تملكها أرمينيا.
وتتفوق أذربيجان بتعداد الجيش، وعدد جنود الاحتياط، والإمكانات الاقتصادية، على إمكانيات أرمينيا وجمهورية مرتفعات قرة باغ مجتمعة. وهذا يعني أن الحرب ستجلب لأرمينيا الهزيمة. وبالإضافة إلى ذلك، ستضطر أرمينيا لقبول الآلاف من اللاجئين، (أذربيجان لن تستقبل أحدا، لأن منطقة قرة باغ تخلو من الأذربيجانيين)، ما سيشكل عبئا ثقيلا على النظام الاجتماعي للبلد.

القدرات العسكرية للبلدين
وبالمقارنة بين القدرات العسكرية لكلا البلدين، يبلغ تعداد الجيش الأذربيجاني حوالي 82 ألف مقاتل، مقابل 35,5 ألف في الجيش الأرميني، وتمتلك أذربيجان 339 دبابة و279 عربة نقل مشاة، و383 مدرعة، مقابل 110 دبابات و202 عربة نقل مشاة و183 مدرعة لدى أرمينيا، كما أن أذربيجان لديها 62 قاذفة صواريخ و28 قطعة مدفعية متنقلة و210 قطعة مدفعية ثابتة، في حين تمتلك أرمينيا 51 قاذفة صواريخ و38 قطعة مدفعية متنقلة و131 قطعة مدفعية ثابتة. وفي مجال الطيران، تتواجد في خدمة أذربيجان، 41 طائرة مقاتلة، في حين تمتلك أرمينيا 16 طائرة فقط.
المخاطر بالنسبة لأذربيجان
بالنسبة لأذربيجان، الوضع الجيوسياسي الحالي، ليس الأكثر ملاءمة لبدء الحرب، نظرا لعلاقات التحالف بين روسيا وأرمينيا. والشيء الوحيد الذي قد يضمن لأذربيجان تحقيق استفادة، هو عدم تدخل روسيا في الصراع الدائر، في حال عدم خروجه عن حدود اقليم قرة باغ. وفي حال وقوع خلاف مع روسيا، فستكون هزيمة أذربيجان محتومة، مثلما حدث مع جورجيا في العام 2008. إلا أن خطر تحول الخلاف النائم، إلى حرب إقليمية واسعة النطاق يبقى عاليا جدا.
الحرب لا تصب في مصلحة روسيا
بالنسبة للاعبين الجيوسياسيين الكبار، الصراع لا يصب في مصلحة روسيا بشكل كبير. فروسيا ضامنة السلام في جنوب القوقاز وحليفة أرمينيا في منظمة معاهدة الأمن الجماعي. وفي حال نشوب حرب بين أرمينيا وأذربيجان، يتعين على روسيا مساعدة أرمينيا، في حال طلبت الأخيرة المساعدة. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، روسيا تحافظ على علاقات جيدة مع كل من أرمينيا وأذربيجان، إلى حد أنها بدأت بتوريد الأسلحة للأخيرة. الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف في العام الماضي، لم يحضر قمة الشراكة الشرقية للاتحاد الأوروبي، والبرلمان الأذربيجاني طرح مشروع قانون لإلغاء العديد من الاتفاقات السابقة مع الولايات المتحدة. الحرب ستعني انهيار الهيكل الحالي للعلاقات الدولية، والتي حققتها روسيا في منطقة ما وراء القوقاز، بشق الأنفس.
تتواجد على أراضي أرمينيا، قواعد عسكرية روسية. وفي حال تصعيد الحرب، قد يتم جر روسيا للمشاركة، وهذا أيضا ليس في مصلحة البلد، المشغول بالحرب في سورية والصراع في أوكرانيا. وعلى الأقل، ستضطر موسكو للتنازل عن سياستها النشطة في سورية.
المخاطر بالنسبة لتركيا
تركيا، كلاعب إقليمي يمكنها الحصول على بعض المنافع من الصراع في الشمال. أولا وقبل كل شيء، الصراع سيقلل من اهتمام موسكو بالقضية السورية، الأمر الذي سيعزز موقف تركيا في هذا المجال. وبالإضافة إلى ذلك، أذربيجان ببدئها أعمال القتال، قوضت علاقاتها مع روسيا، ما يعني أنه لن يكون لديها خيار، بغض النظر عن نتائج الحرب، ستضطر للتقارب مع تركيا. ومن الجدير بالذكر، أن وزير خارجية تركيا  مولود جاويش أوغلو، قال في وقت سابق، إن بلاده ستدعم "تحرير الأراضي المحتلة في أذربيجان"، ما يعني العدوان على  اقليم قرة باغ.
في نفس الوقت، في حال خروج الحرب عن حدود قرة باغ، فستنطوي على مخاطر بالنسبة لتركيا. ستضطر تركيا لتقديم المساعدة لأذربيجان. ونظرا للحرب الأهلية في المناطق الكردية في تركيا نفسها، سيصرف هذا الأمر انتباه أنقرة عن سورية.
الحرب تصب في مصلحة الولايات المتحدة
الدولة الوحيدة المستفيدة من إثارة النزاع في مرتفعات قرة باغ، والمهتمة بتحويلها إلى حرب واسعة النطاق، يمكن أن تنجر إليها روسيا وتركيا، هي الولايات المتحدة. فبعد أن تمكنت روسيا من سحب جزء من قواتها من سورية، وبمساعدة جزء آخر، من السيطرة على تدمر، كثفت الولايات المتحدة جهودها لإخراج روسيا من اللعبة. الصراع الدموي على مقربة من الحدود الروسية، هو الأنسب لهذا الدور. الولايات المتحدة مهتمة أيضا بإضعاف دور تركيا في المسألة السورية. حينذاك، ستكون قادرة على الاستفادة من العامل الكردي على أكمل وجه.
في حال قدمت روسيا الدعم لأرمينيا، فإن الولايات المتحدة ستتمكن في نهاية المطاف، من السيطرة على أذربيجان. وفي حال لم تقدم روسيا الدعم لأرمينيا، سيتم استخدام الأمر، كحجة لإعادة توجيه يريفان نحو الولايات المتحدة. وخلافا لتركيا، تفاعل الولايات المتحدة مع كل من طرفي الصراع، سيأتي بنتائج مفيدة لواشنطن.
أثناء غزو قرة باغ، تواجد الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف في واشنطن. وقبل يوم واحد، التقى نائب الرئيس الامريكي جو بايدن. وكان بايدن، آخر مسؤول رفيع المستوى، تحدث مع علييف قبل بدء جيشه الهجوم. وخلال اللقاء، أكد رئيس أذربيجان أن موقف باراك أوباما حول عدم جواز استمرار الوضع الراهن، مهم جدا.
وفي وقت لاحق، قال علييف انه يرحب بالحل السلمي للصراع، ولكن على أساس تسوية تضمن السلامة الإقليمية لأذربيجان. سلوك علييف يشير إلى حصوله على دعم قوى خارجية، على رأسها الولايات المتحدة. في وقت سابق، في 15 مارس/آذار، قام علييف بزيارة إلى أنقرة، حيث تمت مناقشة هذه المسألة، على الأرجح.
ومن الجدير بالذكر، أن الولايات المتحدة لم تسارع لإدانة مبادرة أذربيجان بالأعمال العدائية، أو للتأثير على علييف المتواجد في واشنطن. أما بالنسبة لتركيا، فقد أعرب رئيس هذا البلد، رجب طيب أردوغان، عن تعازيه لعلييف بوفاة الجنود الأذربيجانيين. وصرح وزير الدفاع التركي عصمت يلماز بـ"عدالة موقف" أذربيجان، وأعرب لباكو عن تأييده القوي. من الواضح والموضوعي، أن الحرب ستضرب بمصالح أنقرة، ولكن القيادة التركية الحالية أثبت مرارا وتكرارا، سهولة انقيادها خلف الولايات المتحدة، ضد المصالح الحقيقية لبلادها.