مجموعة "بريكس": تقدّم أم تراجع؟
لطالما شكّلت مقولة «التكتل هو الحل» مقاربة غايتها مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية. وقد أتى اجتماع قمة دول «بريكس» مؤخراً في ولاية «غوا» السياحية الهندية بمشاركة الدول الأعضاء، وهي الصين والبرازيل والهند وروسيا وجنوب أفريقيا، ليُشكّل محطّة تستكمل ما سبقها في هذا السياق.
انطلق العمل لتأسيس مجموعة «بريكس» العام 2006، إثر اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في نيويورك، حيث دشنوا به سلسلة لقاءات لاحقة للتشاور حول تأسيس المنظمة. وقد توالت الاجتماعات حتى عُقد أول مؤتمر قمة لدول المجموعة في 16 حزيران 2009 في روسيا. وكان اسم المنظمة في تلك الفترة «بريك»، ثم تحول إلى «بريكس» في كانون الاول العام 2010 مع انضمام جنوب أفريقيا إلى المجموعة (كلمة «بريكس» تتكون من الأحرف الأولى لأسماء الدول الأعضاء).
كتب أحد المحللين السياسيين من «مركز أبحاث السياسة» في نيودلهي واصفاً المنظمة بأنها «تمثّل قبل كل شيء رغبة أعضائها بجعل النظام العالمي أكثر توازناً»، علماً أن ما كان يصدر عن قمم هذه الاجتماعات، في معظم الأحيان، يتناول تمجيد الاستقلال وتأكيد الذات والدعوة إلى التخلص من الهيمنة الغربية على البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. من هنا، يرى بعض الاقتصاديين أن الهند والصين، وروسيا إلى حد ما، تحاول أن تُظهر للغرب أنها قادرة على الاستغناء عنه، وعلى التحرر من التأثير المالي لأميركا خاصة وللغرب عامة. علماً أن دول «بريكس» تشكو من «بطء وتيرة الإصلاحات التي تقوم بها السلطات الغربية في التجهيزات الأممية»، وهي تُطالب بأن تكون عملية اختيار المرشحين لشغل المناصب العليا في هذه المؤسسات مفتوحة، وقائمة على أساس الكفاءة.
لهذه الأسباب وغيرها تحاول دول «بريكس» دمج نفوذها السياسي والاقتصادي لتشكيل قوة جديدة تنافس عبرها الهيمنة الغربية. وقد أشارت تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ أيام إلى هذا الاتجاه بوضوح، إذ قال إن دول «بريكس» ستوظف جهودها مجتمعة لتغدو قوة عالمية قادرة على مواجهة السياسات الانفرادية لبعض الدول الغربية. بمعنى أوضح، تطمح مجموعة «بريكس» إلى التفوق على مجموعة الدول السبع الكبرى العام 2027.
وتصب سياسة نيودلهي في السياق الروسي نفسه. فقد قرر رئيس الوزراء الهندي ناريندار مودي زيادة ترسانة قوة المجموعة هذا العام باستدعائه قادة الدول الأعضاء في مبادرة «خليج البنغال»، وهي بنغلادش وبوتان وسيريلانكا ونيبال وميانمار وتايلاند، لحضور قمة «بريكس». كما دعت السلطات الهندية كلاً من أفغانستان والمالديف كضيفتي شرف على القمة.
من جهته، حرص الرئيس الصيني تشي جينبينغ على صد دعوة رئيس الوزراء الهندي ناريندارمودي للعمل ضد باكستان بقصد عدم إحداث شرخ في مواقف الدول الأعضاء، علماً أن بقية القادة المشاركين في القمة تجنبوا طلب نيودلهي أن يتضمن البيان الختامي اتهاماً لباكستان برعاية الإرهاب، وفضلوا النقاش في ما ورد على جدول الأعمال الأساسي للقمة لجهة التعاون الاقتصادي والتنموي بين الدول الأعضاء.
وقد أيد القادة تعزيز «بنك التنمية الجديد» أو «بنك البريكس»، بحيث يصل حد الإقراض إلى 5.2 مليارات دولار هذا العام، ويرتفع عدد الموظفين فيه من 60 إلى 350 بحلول العام الثالث من بدء أعماله في تموز 2015 برأسمال مبدئي قدره 100 مليار دولار، ليكون بذلك كياناً موازناً لـ «صندوق النقد الدولي» الذي يُمثل واحدة من أهم أذرع هيمنة النظام الغربي المالي. وقد أضيف إلى قائمة «إنجازات» قمة «بريكس» القرار القاضي بإنشاء معهد «بريكس للأبحاث والتحليل الاقتصادي».
غير أن النشاط الذي امتازت به المجموعة لم يكُن محصّناً من النقد أيضاً. يرى الأكاديمي الهندي براهما تشيلاني مثلاً أن دول المجموعة تبدو قوية على الورق فقط. علماً أنها تمثل مجتمعة أكثر من ربع يابسة كوكب الأرض وأكثر من 42 في المئة من سكان المعمورة و25 في المئة من الناتج الاقتصادي العالمي ونحو نصف احتياطي العملات الأجنبية واحتياطي الذهب في العالم. لكن «بريكس» لم تحدد بعد لنفسها هوية مشتركة، ولم تفلح إلى اليوم في إرساء تعاون بين مؤسسات أعضائها. ومن هنا يبرز السؤال الآتي: هل تستطيع دول «بريكس»، ذات الأولويات والمصالح المتباينة، الإجماع على مسائل دولية شأنها شأن مجموعة الدول السبع؟ إذ إن توسيع رقعة نفوذ المجموعة هو رهن صوغ أعضائها أهدافاً مشتركة ومقاربة موحدة لجملة من المسائل الدولية. وما الخلاف الذي طفا على السطح بين الهند والصين، واستطراداً سائر الأعضاء، حيال التعاطي مع باكستان، سوى مثال على الاختلاف في الرؤى الذي ما زال بحاجة إلى علاج.
نشرت للمرة الأولى في "السفير"