مغامرات مودي في بلاد العجائب

01.06.2016

قيادة رئيس وزراء الهند نارندرا مودي لحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، جعلت الحكومة الهندية تبدو للأسف بمثابة جسر للهيمنة الغربية في عالم متعدد القطبية. تاريخيا، وهذه حقيقة، الهند ظلت جزءا من عالم متعدد القطبية اقتصاديا ومؤسساتيا، ولكن في ظل رئيس الوزراء مودي، يظهر هذا الميل الإستراتيجي بالتوجه إلى عالم أحادي القطبية من خلال التوجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية. يبدو أن الهند ستأخذ منعطفا جديدا من خلال الانضمام إلى التحالف الإقليمي الذي قادته الولايات المتحدة للوقوف ضد مشروع التنمية الإقليمية المقبلة الذي وصل إلى جوارها.

خطوة مودي الحالية بالانضمام إلى التحالف المناهض للصين والذي تقوده الولايات المتحدة سببت قلقا متزايدا على الصعيدين المحلي والدولي، حيث أن المنطقة بالفعل على شفا حرب بسبب النزاعات الإقليمية.
الرؤية الشاملة للاتحاد الاقتصادي الأوراسي بقيادة روسيا قدمت فرصة من خلال خارطة الطريق المقترحة للسلام وذلك بإنشاء تحالف اقتصادي للثلاثي النووي في آسيا (الصين والهند وباكستان). هذا هو السبب الذي دفع روسيا لمحاولة سحب عمالقة الاقتصاد في العالم، الصين والهند، إلى الاقتصادات الناشئة في منظمة بريكس لتشكيل منصة جديدة تستطيع تقليل الخلافات الداخلية من خلال المصادقة على التنمية الاقتصادية.
حاولت روسيا أيضا أن تجمع الصين وباكستان والهند من خلال تزويدهم بآلية عمل ودية تحت مظلة كتلة الأمن الأوراسية ومنظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، من أجل حل الخلافات من خلال احترام سيادة كل الأطراف والحصول على الفوائد الاقتصادية المتبادلة من خلال التكامل الإقليمي.

يهدف هذا المقال إلى تغطية التحديات الجديدة الناشئة في عالم التعددية القطبية من خلال التركيز على التهديدات التي يتعرض لها هذا العالم نتيجة "الحرب الهجينة" التي يقودها حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة والتي تهدف إلى تخريب الشراكة الناضجة بين بلدان طريق الحرير والاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
إستراتيجية الولايات المتحدة في موازنة العالم متعدد القطبية
استغلال الغرب المستمر لشعوب العالم من خلال المؤسسات السياسية والاقتصادية والإستراتيجية مثل منظمة حلف شمال الأطلسي، وصندوق النقد الدولي (IMF)، والبنك الدولي (WB) أجبر دول عدم الانحياز على إيجاد البدائل. الحقيقة أن سلطة هذه الأجهزة الغربية اكتسبت هيمنتها من خلال الأعمال التجارية العالمية ومن خلال موارد أخرى. اقترحت الدول الرائدة في العالم متعدد القطبية بقيادة روسيا والصين (كدول تريد الخير والرفاه لغيرها من الأمم) بإقامة نظام اقتصادي يستطيع مواجهة الهيمنة الغربية. لهذا الغرض تأسست منظمة شانغهاى للتعاون ككتلة للأمن في العالم الأوراسي، لمنافسة منظمة حلف شمال الأطلسي. الرؤية الصينية لطريق الحرير "حزام واحد، طريق واحد" تهدف إلى ربط اليابسة الأوراسية مع ممرات التجارة والطاقة لمواجهة صندوق النقد الدولي واحتكار البنك الدولي، لذلك عملت أكبر الاقتصادات الناشئة في العالم - البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا - لتطوير شراكة اقتصادية سميت "بريكس". وعلاوة على ذلك، أضافت الصين ما يقارب من 60 دولة ذات ميول متعددة القطبية إلى البنية التحتية الآسيوية في بنك الاستثمار (AIIB). بحيث تصبح جميع هذه المؤسسات الناشئة متعددة القطبية مراكز قوة بديلة، وتعمل على التحول البطيء لهذه القوى العالمية بعيدا عن المراكز الإمبريالية في العالم الغربي أحادي القطبية.

إن التأسيس الناجح لهذه المؤسسات أثار مخاوف العالم أحادي القطبية. لذلك، تستخدم الولايات المتحدة دليل الحروب غير التقليدية (UW) لمنع انتشار التعددية القطبية في جميع أنحاء العالم. ينص هذا الدليل للحروب غير التقليدية  UWعلى أن "القصد من جهود الولايات المتحدة هو استغلال القوى المعادية في جميع النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية، واستغلال أوجه الضعف النفسي من خلال تطوير ودعم القوى المقاومة من أجل تحقيق الأهداف الإستراتيجية للولايات المتحدة." من الناحية التاريخية تطلب المفهوم العسكري لتطبيق الحروب غير التقليدية UW دعم حركات المقاومة في المقام الأول من خلال سيناريوهات الحرب الشاملة. في حين لا يزال هذا المفهوم صحيحا، لكن البيئة التشغيلية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تطلبت بشكل متزايد تواجد القوات الأمريكية لإجراء الحروب غير التقليدية UW في سيناريوهات قصيرة (حروب محدودة).

الحرب الهجينة ضد بريكس
انطلقت الحرب الهجينة التي تقودها الولايات المتحدة ضد بريكس بعد أن أعلن قادة المنظمة إنشاء بنك جديد للتنمية (NDB) خلال قمة فورتاليزا في البرازيل، قمة الدول متعددة القطبية، والتي تهدف إلى كسر احتكار واشنطن وول ستريت، لندن، وبروكسل. الإعلان عن بنك التنمية NDB دفع هذه المراكز الإمبريالية لشن حرب سرية، ونتيجة لذلك دمروا رحلة الطائرة الماليزية 17 (MH17) في  منطقة الصراع في أوكرانيا من أجل إلقاء اللوم على مهندس العالم الجديد، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وثمة هدف آخر هو تبرير فرض عقوبات اقتصادية ضد روسيا. جنبا إلى جنب مع العقوبات، فإن الولايات المتحدة تحاول تضييق الخناق على روسيا من خلال توسيع حلف شمال الأطلسي في أوروبا الشرقية.
من خلال إتباع نمط مماثل تحاول الولايات المتحدة إنشاء مشروع مشابه لمنظمة حلف شمال الأطلسي في آسيا من أجل احتواء الصين. الجيش الأمريكي يطوق الصين عن طريق إثارة النزاعات الإقليمية في المناطق المجاورة للصين، ومع وجود مساعدة من اليابان وكوريا الجنوبية فإن الجيش الأمريكي يعمل على عزل الصين أيضا من خلال  تسليح دول صغيرة حول حدودها.

الآن تتعرض البرازيل أيضا للهجوم من خلال الثورة الملونة المرتبطة بشكل واضح بالحرب الهجينة. فقد أصبحت النخبة البرازيلية وسلطتها القضائية أداة لتغيير النظام في البلاد من خلال الاستخدام الفعال لوسائل الإعلام، كما يشهد على ذلك إقالة الرئيسة ديلما روسيف. الكاتب والصحفي السياسي الشهير أندرو كوروبكو خلص في مقاله بعنوان الثورة الدستورية  بالانقلاب الملون خطوتين في البرازيل أن "سيناريو تغيير النظام يجري حاليا بنوع جديد من التفاعل التخريبي بين وكالة الأمن القومي والجهات الفاعلة  في "الانقلاب الدستوري" ، الثوار الملونون، وربما يؤذن هذا باتجاه مقلق لزعزعة الاستقرار في الدولة والتي من الممكن أن يتم تعميمها في أماكن أخرى ضد أهداف أخرى متعددة القطبية".
تحركات مودي والتحدي الذي يواجه العالم متعدد القطبية
الحرب الهجينة ضد بريكس وصلت الآن إلى الهند. أصبحت تحركات رئيس الوزراء مودي لوضع الهند في صف الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية مقلقة وخطيرة للعالم متعدد القطبية كله. أصبح الميل الهندي نحو عالم أحادي القطب تحديا كبيرا.

زيارة أشتون كارتر تكشف لعبة مودي المزدوجة
وجاء التحول في الدبلوماسية الهندية بعد الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر إلى القاعدة البحرية الهندية على متن حاملة الطائرات إنس فيكراماديتيا روسية الصنع في مدينة غوا في شهر ابريل . لقد كانت زيارة كارتر رسالة واضحة بأن الهند سوف تنضم إلى الرؤية الأمنية التي تقودها الولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وأن كلا البلدين يعملان على وضع اللمسات الأخيرة على "اتفاقية الخدمات اللوجستية" المقترحة. وعند الانتهاء منها فسيكون مسموحا لجيش أي بلد من البلدين  باستخدام  أراضي البلد الآخر واستخدام مجاله الجوي وقواعده البحرية وتأمين  الإمداد والإصلاح وغير ذلك.

كان الإعلان المشترك للهند والولايات المتحدة بزيارة وزير الدفاع كارتر إلى الهند تأكيدا على الرؤية الإستراتيجية المشتركة الجديدة بين الهند والولايات المتحدة لأهداف الأمن البحري في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ومنطقة المحيط الهندي. واتفق الجانبان على تعزيز التعاون في مجال الأمن البحري. في هذا السياق أكد الجانبان رغبتهما في إبرام اتفاق على وجه السرعة حول "الشحن الأبيض" وهو ترتيب تقني لتحسين تبادل البيانات على حركة الملاحة التجارية. كما اتفق الجانبان على بدء المناقشات البحرية حول السلامة البحرية والحرب المضادة للغواصات. واتفقا أيضا على إطلاق حوار حول الأمن البحري الثنائي، يشترك في رئاسته المسؤولون في وزارتي الدفاع والشؤون الخارجية الهندية مع إدارات الولايات المتحدة في الدفاع والخارجية.
وأشار البيان المشترك أيضا أن وزير الدفاع الهندي راكشا مانتري باريكار ووزير الدفاع الأمريكي كارتر استعرضا التقدم المحرز وأكدا التزامهما من جديد بمواصلة التنمية المشتركة والإنتاج المشترك للمواد الدفاعية المتقدمة في إطار مبادرة تكنولوجيا الدفاع والتجارة (DTTI). وقد اتفقا في هذا السياق  على بدء مشروعين جديدين نظام مستكشف  DTTI من خلال شاشات مثبتة على خوذة رقمية ونظام الكشف التكتيكي البيولوجي المشترك. وأثنيا على المناقشات الجارية واتفقا على العمل بشكل متزايد   في مجال التكنولوجيات الدفاعية المتطورة، بما في ذلك تعميق المشاورات بشأن تصميم حاملة الطائرات والعمليات وتكنولوجيا المحرك النفاث. وأشاروا للتفاهم الذي توصلوا من خلاله إلى إبرام الاتفاق المرفق.
هذا التطور الجديد بين الهند والولايات المتحدة يظهر التحول العملي في ظل قيادة مودي للهند لتطوير شراكة إستراتيجية جديدة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ويبتعد عن صديق الهند في جميع الأحوال، روسيا. إنها حقيقة أن الشراكة الإستراتيجية مع روسيا ساعدت الهند كي تصبح قوة نووية. هذا التموضع الجديد مع الولايات المتحدة هو رسالة واضحة مفادها أن الهند سوف تحل محل روسيا في العلاقات مع الولايات المتحدة باعتبارها شريكا استراتيجيا جديدا لها.
السياسة الهندية لاحتواء الصين وباكستان

وكما سبق ذكره في مقالتي "روسيا في سارك"، الهند قلقة من النفوذ الصيني المتنامي في رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي (سارك). الهند لديها مخططات للهيمنة في جنوب آسيا، وسوف تذهب بعيدا للحفاظ على نفوذها. حاولت الهند الوصول إلى إيران من خلال تطوير ميناء شاباهار لتصل إلى أفغانستان وآسيا الوسطى. في الواقع، كان التصدي للمبادرة الصينية الباكستانية لربط أفغانستان ودول آسيا الوسطى من خلال ميناء باكستان العميق في جوادر، والتي تم تطويره من قبل الصين.
عرضت باكستان مينائيها البحريين في كراتشي وجوادار على منظمة شانغهاى للتعاون بحيث يمكن تحقيق الإمكانات القصوى من التكامل الاقتصادي الإقليمي. الموقع الجغرافي الباكستان استراتيجي جدا لأنه يربط آسيا الوسطى وغرب آسيا والصين والشرق الأوسط، وهذا هو السبب في إعطائه اسم "سحاب" العالم  متعدد القطبية. يوفر ميناء جوادر الباكستاني الحصول على أراضي سهلة لجميع بلدان المنظمة غير الساحلية ويساعدها في الوصول إلى طرق التجارة البحرية الدولية، وهذا هو السبب الذي جعل روسيا وإيران تعملان على الممر بين الشمال والجنوب لربط جنوب آسيا مع آسيا الوسطى عبر السكك الحديدية وشبكات الطاقة. تريد الهند أيضا ربط نفسها مع آسيا الوسطى عبر ميناء شاباهار الذي يتيح لها تجاوز الطريق البري عبر باكستان. تحت مظلة منظمة شانغهاي للتعاون، إيران مهتمة بربط شاباهار وجوادر بالسكك الحديدية والطرق وخطوط أنابيب الطاقة.
ويقع هذان الميناءان الاستراتيجيان التي تعتمدهما منظمة شانغهاى للتعاون في مدخل مضيق هرمز، الذي يعتبر أحد المضائق الأكثر إستراتيجية في العالم، ولكن للأسف فهما يقعان في منطقة التمرد في بلوشستان، كلا الدولتان باكستان وإيران  تواجهان الحركات الانفصالية البلوشية  . في محافظة سيستان الإيرانية توجد حركة انفصالية تعمل تحت النفوذ السعودي، بينما يتهم  المسؤولون في باكستان الهند بدعم المتمردين البلوش. ولذلك فقد احتجت باكستان لأن الهند تسعى لتخريب الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان من خلال التشدد والنزعة الانفصالية.

المخططات الهندية ضد الصين يمكن ملاحظتها ليس فقط في باكستان، وإنما أيضا في جنوب شرق آسيا والمحيط الهندي وجنوب شرق آسيا. بعد إعلان الصين عن طريق الحرير، اعتمدت الهند سلوكا عدوانيا ضد نيبال وسري لانكا والمالديف وميانمار وبنغلادش. تم إلغاء صفقة ميناء شيتاغونغ مع الصين في وقت سابق من قبل بنغلاديش بسبب الضغط الهندي. كما  ضغطت الهند أيضا على جزر المالديف من أجل عدم السماح لأي تواجد عسكري صيني محتمل.
الوجود المتزايد للصين في المحيط الهندي زاد من القلق في الهند. وبدلا من التعاون مع الصين لتحقيق التكامل الإقليمي  خططت الهند لحشود  عسكرية في جزر اندامان ونيكوبار الواقعتان على بحر اندامان وخليج البنغال (المحيط الهندي). الموقع الجغرافي الاستراتيجي لهذه الجزر لا يوفر للهند فقط الهيمنة في المحيط الهندي، ولكن يؤثر أيضا على تنامي النفوذ الصيني من خلال تعزيز التعاون البحري مع أستراليا والولايات المتحدة.
إن زيادة الحشد العسكري الهندي في جزر نيكوبار، يشار إليه باسم "باز" (هوك)، يعزز السيادة الهندية على أحد جانبي مضيق ملقا، بينما على الجانب الآخر  تلعب الولايات المتحدة بالفعل لعبة قذرة في جزر بحر الصين الجنوبي بمساعدة من اليابان وكوريا الجنوبية والدول الصغيرة الأخرى.

ما يقارب من 80 في المائة من احتياجات الصين من النفط تأتي من البلدان الأفريقية والخليج من خلال المحيط الهندي. الشحنات تمر عبر هذه الجزر الهندية (نقاط التفتيش) قبل الدخول في بحر الصين الجنوبي والمحيط الهادئ. ويعتقد الخبراء أن الحشد العسكري الهندي في مدخل مضيق ملقا هو جزء من الإستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة لاحتواء الصين، ولهذا السبب يتم وصف الميل الهندي تجاه الولايات المتحدة بأنه محاولة تقويض التعددية القطبية في العالم وتقويض الرؤية الجديدة التي تتبعها روسيا والصين لإيجاد آلية مشتركة للأمن في آسيا والمحيط الهادئ.
كانت الهند على متن قارب واحد مع روسيا والصين كعضو في  بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، ولكن للأسف فإن خطوة مودي الحالية لأخذ الهند إلى الأحادية القطبية جعلت الراغبون في الخير للآخرين يظهرون وكأنهم يشكلون خطرا على التعددية القطبية.
انتهاك إعلان أوفا وإحياء عصر الحرب العالمية الثانية
كانت روسيا تدرك تماما هذا الميل الخفي في السياسة الهندية ، ولهذا السبب عملت على تشكيل بنية عالم متعدد القطبية أتاح الفرصة من خلال بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون وللحد من الخلافات الإقليمية كوسيلة لتحقيق أقصى قدر من الفوائد الاقتصادية والإستراتيجية المشتركة.

لذلك، خلال  قمة دول بريكس ومنظمة شانغهاى للتعاون  في اوفا ، اتفق زعماء العالم متعدد القطبية (بريكس، منظمة شانغهاي للتعاون، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي)، على تحقيق النمو الاقتصادي المستدام من خلال التعاون الدولي وتعزيز استخدام آليات التكامل الإقليمي بهدف تحسين رفاهية ورخاء شعوبهم. إعلان أوفا الذي اعتمد من قبل قادة دول البريكس شجع بوضوح  على عدم السير في سياسة المعايير المزدوجة  وأكدوا " على أن القانون الدولي يوفر أدوات لتحقيق العدالة الدولية، على أساس مبادئ حسن النية والمساواة في السيادة. وأكدوا على ضرورة التزام الجميع بمبادئ وقواعد القانون الدولي ، ونبذ اللجوء إلى "المعايير المزدوجة" وتجنب وضع مصالح بعض الدول فوق مصالح الآخرين".
ولكن للأسف فإن  "المعايير المزدوجة" الهندية ضد الصين وباكستان تخرب الجهود الروسية لإحلال السلام في الثلاثي النووي الآسيوي. وبالإضافة إلى هذا فالهند تعمل على إحياء حقبة الحرب العالمية الثانية من خلال بناء المطارات على طول الحدود الصينية. هذه الخطوة الهندية تقود المنطقة إلى الدمار الكلي، في حين يبدو  واضحا أنه في ظل حكومة مودي، فإن الهند عازمة على الانضمام  إلى حلف عسكري شبيه بحلف شمال الأطلسي لاحتواء الصين ومواجهة باكستان.

الرؤية الأوراسية الكبرى والهند
الشراكة في التجارة والاستثمار عبر الأطلسي (TTIP) التي يقودها عالم القطب الواحد والتجارة والشراكة الاستثمارية عبر المحيط الهادئ (TTP) تعرضتا بشدة للإبتزاز. أمريكا ابتزت الأنظمة الحاكمة الحالية في العالم من أجل التوقيع عليها، وهذا هو سبب الاحتجاجات في أوروبا التي اندلعت لمنع الحكومات من تسليم بلدانها إلى الولايات المتحدة من خلال صفقة الشراكة في التجارة والاستثمار عبر الأطلسي TTIP. ووفقا للتقارير فإن أكثر من 70٪ من الألمان يرفضون هذه الشراكة TTIP. ويعتقد الخبراء أن معاهدة  الشراكة  TTIP مفيدة فقط لأمريكا في حين أن البلدان الأخرى سوف تعاني منها، حيث ثبت بالوثائق التي تسربت وكشفت أن واشنطن عرقلت صادرات السيارات الأوروبية إلى الولايات المتحدة كوسيلة لإجبار الاتحاد الأوروبي الذي تعداده  508 مليون نسمه إلى شراء المنتجات الزراعية الأمريكية الأكثر خطرا من الناحية البيئية.

وفقا لبيانات برلمانية هندية فقد رفضت الهند أن تكون جزءا من اتفاقية الشراكة في التجارة والاستثمار عبر الأطلسي TTIP أو اتفاقية الشراكة الاستثمارية عبر المحيط الهادئ TTP ، ولكن هناك تقارير تفيد بأن مفاوضات سرية جارية الآن بين الهند والولايات المتحدة بهذا الخصوص. إن انضمام الهند سيكون محفوفا بالمخاطر بالنسبة للشعب الهندي وبالنسبة للصناعات الهندية لأن الولايات المتحدة تريد زيادة صادراتها المحلية إلى السوق الدولية من خلال هذه الصفقة. إنها حقيقة أن الصين قوة كبرى في كل الأسواق في جميع أنحاء العالم، والآن تريد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مواجهتها. الهند هي الدولة المفضلة لديهم للقيام بذلك لأنها الدولة الثانية الأكثر سكانا في العالم ولديها إمكانيات اقتصادية هائلة. لذلك تحاول أميركا أن تدفع الهند بعيدا عن العملاق الاقتصادي المجاور له في الصين بحيث يمكن إبقاء السوق الهندية للمنتجات الأميركية فقط.
الصين تقدم فرصا تجارية واستثمارية أفضل للهند، لأن شعبها كبير أيضا وهو يمكن أن يشكل أكبر سوق للمنتجات الهندية. تقدم طريق الحرير إلى الهند أقصر الطرق للوصول إلى بقية العالم. ولذلك يرى الرئيس الصيني شي جين بينغ الصين بأنها "المصنع" والهند بأنها "المكتب الخلفي" للنمو العالمي. كتب عن ذلك في مقالته العام الماضي التي نشرت في وسائل الإعلام الهندية، حيث يقول: "نحن نشكل اثنين من محركات الاقتصاد الآسيوي، ونحن بحاجة إلى أن نصبح شركاء في التعاون لنقود النمو". للأسف رفضت الهند رؤية شي عن النمو المتبادل من أجل ازدهار آسيا.

لم ترفض الهند فقط المبادرة الصينية حزام واحد طريق واحد، بل تشاركت أيضا مع ائتلاف مناهض للصين لمنع هذه المبادرات في المنطقة. في ظل هذا الوضع  يقع على عاتق روسيا المضي قدما في إشراك الهند من خلال الرؤية الأوراوسية الكبرى والعمل معها للتوصل إلى اتفاق للتجارة الحرة مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
روسيا هي الدولة الوحيدة التي تقدم بدائل لكسر الهيمنة الغربية على العالم، لذلك إذا كانت الهند ليست على استعداد للعمل مع الصين، في هذه الحالة ربما ستكون روسيا فرصة أفضل لها. التاريخ  يشهد أن التوجه الهندي كان دائما نحو روسيا لمواجهة الصين، والآن وقد انضمت روسيا والصين معا لتأمين العالم من خلال توفير بدائل جديدة من المؤسسات العالمية متعددة القطبية. هذا الاتحاد الروسي-الصيني الجديد في الشؤون الدولية والقضايا الإقليمية سبب توتر الهنود. لذلك تحاول أمريكا ملء الفراغ وجذب الهند من خلال التجارة والاستثمار، ولكن هذا لا يعني مطلقا أن التموضع الروسي مع الصين هو ضد الهند. كصديق مخلص عملت روسيا لتقديم الفرص الكاملة للهند لجعلها على قدم المساواة مع الصين كجزء من عالم متعدد القطبية. هناك فرصة للهند والصين للحد من الخلافات بينهما من خلال بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون.
دعت روسيا أيضا الهند لتكون جزءا من آلية لضمان أمن آسيا والمحيط الهادئ بحيث يمكن تقليص الهيمنة الغربية على آسيا. لكن لسوء الحظ فقد خلقت الخطوة الهندية الحالية بالتحرك نحو أمريكا اضطرابا لأن الهند ألمحت أنها تعمل كفريق واحد مع الولايات المتحدة لمواجهة التطورات الإقليمية في آسيا.
 

اللعب الهندي المزدوج وروسيا
تتطلع الهند إلى روسيا بسبب نفوذها على آسيا الوسطى لأن كلا منهما يمكنه تلبية الحاجة الهندية الماسة للحصول على الطاقة. وعرضت روسيا توريد 10 ملايين طن من النفط الخام سنويا أو 200 ألف برميل يوميا إلى الهند. وعلاوة على ذلك فقد عرضت روسيا أيضا أسعارا منخفضة للغاز الطبيعي المسال إلى الهند.
إذا كانت روسيا تستطيع أن تكون أكبر شريك للطاقة مع الصين، فلديها نفس القدرة لتكون الشريك الرئيسي مع الهند. روسيا تعمل بالفعل لنقل الطاقة إلى شبه القارة الهندية بوسائل مختلفة (الهند وباكستان) بحيث يمكن لدول جنوب آسيا أن تستفيد من الأسعار المنخفضة للطاقة.
بجانب الطاقة، يمكن للممر بين الشمال والجنوب أن يساعد الهند لتصبح شريكا مؤثرا في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ولكن لتحقيق هذا الغرض ينبغي على الهند أن تلعب دورها بشكل معقول. الميل الهندي الحالي تجاه المملكة العربية السعودية ينذر بالخطر ليس بالنسبة لروسيا فقط وإنما بالنسبة لإيران أيضا.
المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية تساعدان الهند في جنوب آسيا من أجل مواجهة الصين، وذلك لأنها يمكن أن تساعد على تحقيق الأهداف الغربية في آسيا الوسطى. الهند بالفعل تستغل الوضع المتوتر في أفغانستان ضد باكستان والصين. لقد تم كشف الدعم الهندي لجماعة مسلحة إسلامية إيغورية في تركستان الشرقية (حركة تركستان الشرقية الإسلامية) الشهر الماضي عندما استضافت الهند جماعات مناهضة للصين خلال اجتماع في دارامسالا. الكاتب والصحفي أندرو كوريبكو كشف اللعب المزدوج لمودي عندما يقول، "إن رئيس الوزراء مودي يحتاج بالتأكيد إلى الكثير من الشرح الآن لأنه قد ثبت أن المجموعة المناهضة للصين التي استضافها في دارامسالا هي أيضا مضادة لروسيا.
رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي سوف يعلن في جلسة مشتركة للكونغرس الأمريكي يوم 8 يونيو الموقف الأكثر أهمية فيما يتعلق بالدبلوماسية الهندية وهذا سوف يكشف المسار الدبلوماسي المستقبلي في الهند.
إذا اعتمد مودي المقاربة الأمريكية لاحتواء المنطقة، فسوف يفقد فرصة ذهبية ليكون جزءا من الممر بين الشمال والجنوب الذي يربط مومباي مع موسكو عبر باكو وطهران. وفي هذه الحالة، سوف يكون التطلع الهندي لبناء ميناء شاباهار الإيراني نوعا من الحلم لأن إيران لن تسمح للهند باستخدام أراضيها ضد الصين أو باكستان أو أي دولة أخرى في المنطقة.
إذا كانت الهند في ظل حكومة مودي ستكون بمثابة أداة لكسر العالم الأوراسي من خلال بلدان بريكس أو منظمة شانغهاى للتعاون بناء على طلب الولايات المتحدة، فهي سوف تخسر علاقاتها الودية مع إيران وروسيا. وفي الوقت نفسه، لن يستطيع الهنود الانفصال عن دول المنطقة. مغامرة مودي لوضع الهند خارج مسارها الطبيعي بإخراجها من مسار العالم متعدد القطبية ووضعها على مسار العالم أحادي القطبية لن يؤدي إلا إلى الدمار.
 

ما يجب على روسيا القيام به
شعب الهند ينظر إلى روسيا كأفضل صديق، فهم يفضلون روسيا على أمريكا. عملت المنظمات الغربية غير الحكومية الكثير لتغيير النظرة الهندية تجاه الولايات المتحدة والغرب. الميل الاستراتيجي الجديد للهند سيسمح للهند بأن تصبح جسرا لعالم القطب الواحد لضرب مؤسسات العالم متعدد القطبية التي يقوده الاتحاد الروسي. وإن التسهيل الهندي للهيمنة الغربية سوف يخلق تصدعات في الشراكة الروسية الهندية.
وعلى الرغم من أن روسيا هي الأمل الوحيد للهند لأنها الوحيدة التي يمكن أن تلعب دور الوسيط بين الصين والهند. لهذا الغرض وضعت روسيا الآلية ثلاثية الأطراف روسيا والصين والهند (ريك) بحيث أن كل عمالقة الاقتصاد في بلدان بريكس يمكن أن يعملوا معا لتحسين أحوال العالم متعدد القطبية. الآن هو الوقت المناسب لروسيا لإشراك الهند بالحد الأقصى بحيث يتم منع محاولة مودي لإعادة ترتيب تحالف إقليمي مناهض. ينبغي على روسيا استخدام كل الوسائل المتاحة لها، على الرغم من أن هذا التحدي كبير بالنسبة لروسيا لأنها لا تملك الكثير من النفوذ السياسي والاقتصادي في الهند بالمقارنة مع الولايات المتحدة والغرب. ذلك لأن الهند كانت مستعمرة بريطانية قبل التقسيم عام 1947 وجميع المشاكل التي تعاني منها الآن دول جنوب آسيا هي "هبة" من أيام الحكم البريطاني. إذا أعاد مودي بلاده إلى أزمنة الاستعمار ، فسيكون الأمر غير مقبول بالنسبة لمعظم الهنود.
حولت موسكو سياستها الخارجية لتعكس التحول الحالي إلى عالم متعدد القطبية، لذلك فمن الضروري لروسيا أن تولي اهتماما خاصا بجنوب آسيا. تتشارك موسكو بالفعل مع معظم دول جنوب آسيا في منظمة شانغهاى للتعاون، ولكن هذا هو الوقت المناسب الآن لتعزيز التعاون متعدد الوظائف مع الهند والدول المجاورة لها. ينبغي على روسيا استخدام الضغط الدبلوماسي والسياسي على الهند كي تبقى في عالم متعدد القطبية.
ومن المتوقع ان يزور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الهند لحضور قمة بريكس الثامنة التي ستقام في غوا في 15-16 أكتوبر. هذا الحدث المرتقب جدير جدا بالاهتمام، وخاصة فيما يتعلق بكيفية تعامل دول بريكس مع الهند بزعامة مودي حليف الولايات المتحدة.