اليمن تحت نيران حروب الوهابية (2/2)

15.04.2016

كان هناك تشابهٌ بين اليمن والمدينة المنورة من حيث التعددية الدينية التي سعى آل سعود لسحقها تحت أقدامهم. لذلك قتل جيش آل سعود مئاتٍ من الرجال والنساء والأطفال، واليوم يقتلون الآلاف لتبقى الوهابية وحدها. لقد دافع الأئمة أيضا عن معظم الآثار المقدسة للإسلام لتبقى محمية ...لكن التراث الديني اليوم في اليمن في حالة خراب، المكتبات أحرقت ودمرت المساجد وكل شيء أصبح على الأرض.
تدير المملكة العربية السعودية المغطاة بثرواتها والتي تحميها التحالفات السياسية سرا ، وتروج لحركة جديدة في الشرق الأوسط: تغيير الديموغرافيا تحت ذريعة كاذبة ومعارضة لصعود إيران. من سوريا إلى البحرين واليمن هناك أدلة قاطعة.
في أغسطس/آب 2015 أضاف الصليب الأحمر صوته إلى تلك الجماعات الإنسانية وغيرها من جماعات حقوق الإنسان في إدانته للحرب التي تشنها المملكة العربية السعودية على اليمن، ورفع الغطاء عن أهوال المآسي في جنوب شبه الجزيرة العربية.
بعبارات لا لبس فيها قال "بيتر مورير" رئيس الصليب الأحمر الدولي للصحفيين انه نادرا ما شهد مثل هذه الدرجة من الدمار، وقال: "اليمن بعد خمسة أشهر يبدو كسوريا بعد خمس سنوات ... الصور من صنعاء وعدن تذكرني بما شاهدته في سوريا".  
وشدد على أن "قوة النيران التي تستخدم في هذه الحرب، على الأرض وفي الجو، تسبب المزيد من المعاناة أكثر مما يمكن أن تسببه في المجتمعات الأخرى التي يمكن أن تملك بنية تحتية أفضل حالا أو يكون الناس أكثر ثراءً ولديهم الاحتياطيات ويمكنهم الفرار".
اليمن بلد في حالة خراب وفي حداد دائم، كل يوم يذبح شعبه بلا هوادة، إنهم ضحايا حرب استعمارية عنيفة وقاتلة، وأحدث ضحاياها هم ضحايا الحملة العسكرية التوسعية للرياض. ووفقا لمعهد "شفقنا" لدراسات الشرق الأوسط قتل ما يقرب من عشرة آلاف شخص في اليمن منذ مارس/ آذار 2015.
بالنسبة لأولئك الذين تمكنوا من العثور على مأوى فإن الظروف المعيشية كارثية بكل المعايير، فلا ماء لا كهرباء والقليل من الطعام ولا وصول إلى المرافق الصحية بل إن أكثر من عشرة ملايين طفل معرضون لخطر المرض والمجاعة. إنها  شمال اليمن التي عانت وطأة هذه الأزمة.
لم تشهد اليمن في تاريخها مثل هذا الألم وهذا اليأس الكبير، وعلى الرغم من أن الحروب بشعة بشكل عام لأنها تسبب الكثير من الدماء لكن الاستغراب الكبير هو هذا الموقف السعودي غير الطبيعي.
ولكن سياسة السعودية لا تغطي معها الكثير من الأهداف التدميرية وحسب بل تسعى لتغيير عرقي وديني أيضا. إن أولئك الذين حاولوا أن يوصلوا بين النقاط لفهم المسار الذي تسلكه السعودية يواجهون الآلة الإعلامية السعودية والحملات السعودية التي تسعى لتطهير المنطقة من الأقليات الدينية بدءا من الإسلام الشيعي الذي نصبوا أنفسهم أعداء له. ولوضع النقاط على الحروف يمكننا القول أن الأقليات الدينية  تحت قبضة خانقة من المملكة العربية السعودية وهم يموتون موتا بطيئا ومؤلما.
من سوريا إلى البحرين فإن حملة التهديد الديموغرافي على تراث الأعراق والأديان الأخرى في المنطقة تذكرنا بالنازية التي كانت تصف اليهود والغجر بأناس غير مرغوب فيهم.
في مقابلة أجراها وزير الخارجية السعودي حاليا عادل الجبير في أبريل/ نيسان عام 2015 حين كان يشغل منصب السفير السعودي في الولايات المتحدة ، كشف النقاب عن تصميم الرياض بالقيام  بكل شيء لتنفيذ الخطة الموضوعة بغض النظر عن التكلفة وبغض النظر عن كل التأثيرات، وأكد: "هذه الحملة ذات تأثير كبير في اليمن وأنها لم تنته بعد، بالنسبة لنا الفشل ليس خيارا ونحن سوف ندمر الحوثيين إذا كانوا لا ينفذون المطلوب منهم ".
بالقراءة ما بين السطور هذا يعني أنه سيتم تدمير الحوثيين لأنهم يمثلون تحديا دينيا للوهابية المهيمنة في المنطقة، وهم  وغالبية الشماليين في اليمن من الزيدية، وهي فرع من المذهب الشيعي. لذلك فليس مفاجئا أن يستفيد جنوب اليمن من المساعدات الإنسانية ويشهد شمال اليمن تصاعدا في أعمال العنف في نفس الوقت، من خلال تدمير الموانئ البحرية لمنع وصول الغذاء والدواء. ببساطة حتى المساعدات تخضع لسياسة التطهير الديني ومعاقبة الملايين الذين يرفضون الدين السعودي.
المملكة العربية السعودية هي دولة دينية مطلقة، وكما هو معروف فإن مبرر وجودها بحد ذاته يندرج  ضمن التفسير العنيف والرجعي للإسلام من خلال الوهابية. إن أحد المبادئ الرئيسية للوهابية يدعو فعلا إلى تدمير كل الطوائف الدينية إسلامية أو غير إسلامية. لا تعرف الوهابية مجدا ولا يمكن أن يكون هناك مجد إلا من خلال  مجازرهم ضد "المرتدين".
ومهما اتخذت حركة التغيير الديموغرافي الجديدة في الرياض من أشكال مختلفة فهي دائما تستهدف تدمير التعددية الدينية في كل البلدان.
هل هناك فرق حقيقي بين حملة المنامة لتجريد البحرينيين الشيعة من جنسيتهم لأن آل خليفة يسعون للقضاء على جميع المنافسات السياسية والدينية، وبين قتال "داعش" الوحشي ضد الأقليات الدينية في العراق وسوريا؟ وعلى الرغم من أن حملة البحرين قد تبدو أكثر "أناقة" لأنها أكثر سرية وخباثة  فإن القصد  يبقى هو نفسه. ولماذا تستهدف الأقليات الدينية في اليمن بشكل منتظم إن لم يكن القصد هو تدميرها؟
من خلال اللغة المستخدمة في سياسات منطقة الشرق الأوسط  دفعت الرياض بالورقة الطائفية لشيطنة حركة المقاومة ضد حركة التغيير الديمغرافي من خلال ما يسمى "تهديد الهلال الشيعي".
الخطر الحقيقي هنا يكمن في الحملة الصليبية الملتوية والأجندة الطائفية المقززة في الرياض. ولكن الشيعة في اليمن ليسوا وحدهم من يعاني الاضطهاد  فالمسيحيون أيضا قد عانوا الكثير ... على الرغم من أن قصتهم قد ذهبت أدراج الرياح.
...
اليمن جوهرة مخبأة في عمق الجزيرة العربية، ما يزال تاريخها يحفظ أصداء خطى بعض الشخصيات التاريخية، والدينية البارزة في العالم. لقد نسي الزمان والمكان كيف جعلت شدة الشمس أرض اليمن حمراء وذهبية وتم تصوير التاريخ الديني في اليمن بشكل غير عادل  حتى يتسنى للعالم أن يعرف فقط ما تريده القوى المهيمنة .
اليمن بلد تقطنه أغلبية مسلمة قد يكون وطنا أو قد كان وطنا  تزدهر فيه المجتمعات اليهودية والمسيحية، هذا هو التاريخ وهذا هو التراث الغني والنابض بالحياة وليس مثل تاريخ  المملكة السعودية - الأكثر عنفا، ورجعية ثيوقراطية في العالم- والتي تعمل على طمس تاريخ اليمن .
لعدة عقود ومنذ عام 1962 إذا كان الإنسان يريد الدقة -  فقد عملت السعودية كل شيء من خلال الحملات الانتقامية ضد التعددية الدينية في اليمن، وإعادة تشكيل هذه الأمة المتسامحة بشكل يناسب تصورها. ولعل الكثير لم يسمعوا أبدا إلا أن اليمن دولة مسلمة وأنه لم ينعم أحد آخر غير المسلمين بطبيعتها وجبالها.
أود أن أذكر القراء بلطف أن أول لقاء لليمن مع التوحيد كان عن طريق سام احد أبناء نوح، رجل من رجال الله تبارك وتعالى الذين عملوا  لإعادة ملء الأرض. وكان سام قبل عدة آلاف من السنين من الذين قاموا ببناء صنعاء عاصمة اليمن. وحتى يومنا هذا وعلى الرغم من جهود الرياض فإن صنعاء المدينة القديمة لا تزال تقف شاهدا على ماضيها التوراتي.
أقول الكتاب المقدس التوراتي لأنه لا أحد في اليمن يرفض أيا من كتب الله، وأيا من أنبياء الله. في اليمن، تلك الأسماء العزيزة ذاتها وتلك الأسماء التي تهمسها في صلاتك يقدسها اليمنيون. لقد سار اليمن جنبا إلى جنب مع العديد من أنبياء الله، وبنى اليمنيون العديد من بيوت الله مثل المساجد والكنائس والمعابد، وفيها يذكر فقط اسم الله، وهناك يجلس اليمنيون بخشوع ويسألون الله الصفح والغفران.
منذ فترة طويلة وهب اليمن نفسه لإله إبراهيم ... لم ينظر هذا الشعب أبدا إلى الوراء ولم يغير الطريق وبقي شامخا. وحتى هذا اليوم الذي جاء معه التطرف ليقضى على هذا التسامح الديني الموجود في اليمن.
ليس من المرجح أن تعتقد أن المسيحية تعيش في اليمن، وأن المسيحيين ليسوا في الواقع موضع ترحيب في اليمن. هذا ما عملت عليه السعودية بخداعها كي يتحقق من خلال جيش من رجال الدين الوهابيين عن طريق إزالة جميع آثار التراث المسيحي في اليمن.
يسوع مازال يتحدث في اليمن! وكنائس الله لا تزال تقرع على الرغم من أن الحرب دمرت معظم أجراس الكنائس في اليمن.
من الذي سيتحدث عن تلك النفوس التي أحرقت تحت نار الوهابية؟ ومن الذي سيتحدث عن تلك المجتمعات والأسر الذين حرموا من المساعدة  نتيجة للفشل من قبل الأشقاء المسيحيين الذين سمحوا للتحيز للأعمى أن يستمر؟
فعلت المقاومة في اليمن الكثير! أما تلك القوى في العالم الغربي التي  وصفتها بأنها متمردة وغير شرعية كما ارتفعت موجة ضد الوهابية الصليبية الدينية والعزم على حماية من يسمونهم الإخوة والأخوات. بغض النظر عن ما قاله كثيرون من اليمن، وعلى اليمن، فلا أذى سيحل بأولئك الذين يتبعون كلمات المسح بن مريم.
يشهد عالم الآثار باول يولي من المدينة الألمانية الجنوبية الغربية هايدلبرغ، على الماضي المسيحي في اليمن. ولكن المملكة العربية السعودية مارست نفوذا خانقا ضد اليمن حولت أواصر الأخوة والاحترام من خلال حملة سرية وهابية إلى بؤرة للتطرف.
هناك أقلية مسيحية تعيش الآن في خوف، والمسيحيون في اليمن يمارسون معتقداتهم بتكتم شديد. هذه حالة محزنة  لم توجد في أي وقت مضى إلا في ظل القمع الدموي للمسيحيين الأوائل في روما. تحت رعاية صارمة من الرياض فإن الحكومة اليمنية لا تسمح بإنشاء أماكن العبادة دون إذن مسبق. هذا هو الواقع التي تطمح حركة المقاومة في اليمن على تغييره.
المظلومون في إيمانهم هم الذين لا يتبعون المذهب الوهابي، والحوثيين فهموا ما يعنيه التعصب الديني، وأنهم عازمون على القضاء على مثل هذا التعصب.
والسؤال هو هل سينجح الحوثيون بعدما اختارت العديد من الدول الوقوف ضدهم؟ ومن المفارقات أن العديد من الدول المسيحية استنكرت عنف حركة المقاومة اليمن، متناسية ما تلاقيه من عنف أعدائها ووحشيتهم ومحاولاتهم إبادتها.
هناك افتراض آخر حول اليمن أود معالجته إذا سمحتم لي، وهو هذا الاعتقاد أننا عالقون كيمنيين بين  المملكة العربية السعودية، وإيران. لكن السعودية تقف مع فكرها الوهابي الثيوقراطي، بينما تصل إيران على الشرعية من إرادة شعبها. على عكس المملكة العربية السعودية التي تجعل جميع الأديان غير قانونية ماعدا دينها الوهابي فإن إيران هي موطن لمجتمعات مسيحية ويهودية.
على عكس السعودية التي تصف كل من هو غير وهابي بالمرتدين وبالتالي تضفي الشرعية على الاضطهاد الديني، فإن إيران تلتزم العهد الإسلامي مع أهل الكتاب (الذين يتبعون الكتب المقدسة). إيران لا تنأى بنفسها عن الأقليات الدينية؛ والدستور الإيراني يضمن حقوقهم المنصوص عليها في الدستور.
وعلى الرغم من أنه قد يحلو لبعض السياسيين تجاهل هذه الحقائق، فإيران تعتبر حامية للتعددية الدينية وذلك تمشيا مع تعاليم نبي الإسلام. الإسلام لا يمكن أبدا أن يكون عدوا للمسيحية أو اليهودية، ولن يكون كذلك أبدا.