الإسلام المتجدد
يندر وجود أمة في عالم اليوم أكثر تخلفاً من المسلمين. خير أمة أخرجت للناس لم تكن يوماً كذلك منذ وفاة النبي محمد. على الأرجح أن الخطاب القرآني في هذا المورد يتعلق بخصوص المسلمين في عصر النبي، ولا يشتمل على عمومهم الذين جاؤوا من بعده؛ وإلا فكيف يمكن تفسير السوء الذي يعتري المسلمين منذ مئات السنين، إلى جانب تخلفهم وتفرقهم الراهن، وصولا الى «داعش» التي خرجت منهم مؤخراً وجاءت تتويجاً لآخر منتجاتهم.
لم يعد مجدياً النأي بالإسلام عن أتباعه في سبيل تبرئته من تخلفهم وما يرتكبون. إشكالية التخلف لدى المسلمين لا تحل بالتفريق بين الإسلام بما هو دين متحضر نظرياً، والمسلمين بما هم أداة تشويه تطبيقية. ثمة إسلامات مشوّهة يتلقفها الكثير من المسلمين ويطبقونها بحذافيرها.
التخلي عن الإسلام وتركه وشأنه أفضل بمرات من تشويهه وإسقاطه عبر التمسك به. لم تعد مشكلة المسلمين في ابتعادهم عن دينهم، بمقدار ما هي في فهمهم المسيء له، وإعمالهم تعاليمه بنسخ مشوّهة، ومن ثم صيرورته، والحال هذه، معتقدات حجرية راسخة وممارسات طقوسية مدمرة.
لو أن النبي محمد جاء في عصرنا فهل كان يأمر، مثلا، بقطع يد السارق أم كان يأمر بوضعه في السجن؟ جاء في الروايات الدينية، أن المهدي المنتظر يأتي في آخر الزمان بدين جديد. تنسجم هذه الرواية مع «الجدة» بوصفها السمة الغالبة على كل شيء في زمن العولمة والحداثة.
الدين من وحي بيئته؛ يشخّص أمراضها ويضع العلاجات الملائمة لها. التعاليم الدينية لا تختلف بروحها ومقاصدها؛ لكنها باختلاف العصر، من الممكن أن تختلف بأحكامها وأدواتها. الدين الجديد أمر ضروري من أجل تكيف الإنسان المعاصر والعالمِين الجدد مع التعاليم الإلهية. لذا، يحتاج المسلمون إلى إعادة فهم النص الديني على ضوء البيئة التي يعيشون فيها، بدلا من استحضار بيئة النص التاريخية وإسقاطها على الحاضر.
يعاني الإسلام المعمول به لدى غالبية المسلمين، من تغليب الشكلي على الجوهري، والطقس على القيمة، والمادة على الروح، والأداة على الغاية، والفريضة على المقصد، واللفظ على المعنى، والتفسير على التأويل، والأمير على الجماعة، والفئة على المجتمع. وغالبا ما يعاني معظم الإسلاميين من أخذهم ببعض النص المقدس وتركهم البعض الآخر. دأبهم في ذلك كطبيب جراح يجيد إعمال مبضعه في جسد المريض، لكنه يتوانى عن استئصال المرض ومداواته.
هؤلاء مثلا يأخذون بالفقه، فيما يضربون بالأخلاق عرض الحائط، علما أن الأمرين متلازمان في النص، لا بل إن الأول مقدمة للثاني ومن المفترض أن يكون منتجا له.
ثم إن الفقه النافذ لدى الكثير من الفرق الإسلامية ما زال يشكل حالة تقييدية للنص الديني، فتحده في قوالب حروفية تحول دون إطلاقه في مسيرة الإنسانية وقدرته على مجاراة تطوراتها ومواكبة منعطفاتها، وإلا فكيف يمكن أن نفسر حرمة التعامل مع المصارف، والنهي عن الموسيقى والفنون (الرسم والنحت)، ووجوب تحطيم الأصنام، واعتبار المرأة عورة، و...
التجديد في الإسلام يعني تنقيته من الشوائب والإسقاطات والخرافات والتحريفات التي لحقت به عبر التاريخ، وتطبيقه بما يتناسب مع روح الزمان والعصر. ويعني أيضا إعادة قراءة النص الديني بعقل النبي وخلقه وروحيته، لا بظواهر النص وحروفه.
حبيب فياض - "السفير"