السلاح الروسي في مرآة الأزمة السورية
أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في التاسع والعشرين من آذار الحالي أن إجمالي قيمة صادرات السلاح الروسي بلغت 14,5 مليار دولار في 2015، متجاوزة ما كان مخططاً له في السابق. وأكد بوتين أن المحفظة الإجمالية للطلبيات الأجنبية على السلاح الروسي تجاوزت 56 مليار دولار، وذلك للمرة الأولى منذ العام 1992، وبفضل العقود الموقعة في العام الماضي التي تقدّر بـــ 26 مليار دولار. وتشير صحيفة «كوميرسانت» الروسية إلى أن المبيعات الأساسية للسلاح الروسي في العام الماضي ذهبت إلى الهند والعراق والصين، موضحة أن الخطط الروسية في هذا المجال تعطي اهتماماً خاصاً في العام الحالي للجزائر ولتنفيذ العقود المبرمة مع بكين والقاهرة. ويربط مراقبون وخبراء روس وغير روس ما أعلنه بوتين من زيادة قيمة مبيعات السلاح الروسي للخارج في العام الماضي بالعملية العسكرية الروسية في سوريا، والتي، برأيهم، رفعت كثيراً من سمعة السلاح والمعدَّات العسكرية الروسية.
في تسعينيات القرن الماضي، تعرّض المُجمع الصناعي العسكري الروسي لأزمة عنيفة كادت تفكك أوصاله، وذلك نتيجة لسياسات الرئيس بوريس يلتسين. فقد عانى هذا المُجمع، في تلك السنوات، من نقص التمويل والاستثمارات الحكومية وتسرُّب العمالة الماهرة، وفقدان بعض الأسواق التقليدية الموروثة من العهد السوفياتي. الأمر الذي أثّر سلباً وبشكل كبير على صادرات السلاح الروسي، التي تراجعت من 3,48 مليارات دولار في العام 1993 إلى 1,55 مليار دولار في العام 1994. وارتفعت هذه الصادرات بعد ذلك إلى نحو ملياري دولار في العام 1998 بفضل المشتريات الصينية من الأسلحة الروسية. ولكن مع وصول بوتين إلى سدة الحُكم، بات المُجمع الصناعي العسكري تحت إشرافه مباشرة، وبات توسيع صادرات السلاح الروسي له أهمية خاصة للمصالح الاستراتيجية الروسية، بجانب رفد ميزانية الدولة بالعملات الصعبة. وأسفر ذلك عن نتائج إيجابية تجلّت في ارتفاع هذه الصادرات بعشر مرات تقريباً مقارنة بمستواها الأدنى في العام 1994. وعموماً، تضاعفت صادرات روسيا من الأسلحة والذخائر والتقنيات العسكرية خلال الأعوام العشرة الأخيرة بثلاث مرات. كما توسّعت خلال هذه الفترة جغرافية المبيعات العسكرية الروسية، حيث انضمّت دول جديدة إلى قائمة زبائن السلاح الروسي، وعادت دول أخرى لشراء الأسلحة الروسية بعد انقطاع طويل. وفي الوقت الراهن تبيع روسيا الأسلحة والذخائر والمعدّات والتقنيات العسكرية لنحو 58 دولة من دول العالم، على رأسها الهند والعراق وفيتنام والصين والجزائر وإيران وغيرها.
وبنظرة عامة، نلاحظ أنه خلال الفترة الممتدّة بين عامي 1992 و2009 اشترت الصين من روسيا أسلحة بمبلغ 28,15 مليار دولار، والهند بـ18,81 ملياراً، والجزائر بـ 4,7 مليارات، وإيران بـ 3,38 مليارات، وفنزويلا بـ 2 مليار، وماليزيا بـ 1,97 مليار، وفيتنام بـ 1,88 مليار، ودولة الإمارات بـ 1,14 مليار، واليمن بـ 1,12 مليار، والمجر بـ 1,11 مليار، واليونان بـ 1,06 مليار، وكازاخستان 850 مليون دولار. وبحسب معطيات المركز الروسي لتحليل تجارة السلاح العالمية، بلغت قيمة صادرات السلاح الروسي خلال الفترة الممتدة من العام 2008 وحتى العام 2011 نحو 29,8 مليار دولار، حيث احتلت الهند المركز الأول فيها بمبلغ 8,2 مليارات دولار، والجزائر جاءت في المركز الثاني بـ 4,7 مليارات دولار، وكانت الصين في المركز الثالث بـ3,5 مليارات دولار. ووصلت حصة الدول الثلاث المذكورة في إجمالي مبيعات السلاح الروسي 55,5 في المئة. وفي غالب الظن، ستظل الهند تحتل المرتبة الأولى في صادرات السلاح الروسي بحصة تصل إلى 27 في المئة خلال الفترة المقبلة. وبالنسبة إلى الصين التي احتلت في تسعينيات القرن الماضي المرتبة الأولى في صادرات السلاح الروسي، حيث كانت تشتري نحو نصف هذه الصادرات، فإنها تحتل المرتبة الرابعة حالياً. وتحتل مبيعات الطائرات الحربية بمختلف أنواعها المرتبة الأولى بين صادرات السلاح الروسي، وتأتي بعدها الأسلحة البحرية وأسلحة القوات البرية ووسائط الدفاع الجوي.
وبرغم التطورات الإيجابية، التي حقّقها المُجمع الصناعي العسكري الروسي في الأعوام الخمسة عشر الأخيرة، إلا أن روسيا تحتل المرتبة الثانية في قائمة الدول المصدّرة للسلاح على المستوى العالمي. وبحسب معطيات أولية للمركز الروسي لتحليل تجارة السلاح العالمية، احتلّت روسيا في العام الماضي المركز الثاني في إجمالي صادرات السلاح العالمية بحصة تقدّر بنحو 15 في المئة، بينما كانت حصتها في 2012 حوالي 20 في المئة، وفي العام 2013 بلغت 23 في المئة، و17,6 في المئة في العام 2014. وعموماً، صدّرت روسيا أسلحة ومعدات عسكرية خلال السنوات الأربع الأخيرة بمبلغ 51,5 مليار دولار، أي بحصة تبلغ 18,3 في المئة من إجمالي صادرات السلاح العالمية. ووفق معطيات المركز الروسي المذكور أعلاه، فإن الولايات المتحدة تحتلّ وبفارق كبير عن روسيا المركز الأول في صادرات السلاح عالمياً. فقد قُدرت قيمة هذه الصادرات في العام الماضي بنحو 41,5 مليار دولار، أي بحصة تبلغ 44,8 في المئة من صادرات السلاح الإجمالية العالمية. وتأتي فرنسا في المركز الثالث، وألمانيا في المرتبة الرابعة، ثم بريطانيا في المركز الخامس، وبعد ذلك تأتي إسرائيل وإيطاليا واسبانيا والصين وسويسرا.
وإذا كان من المُبكر حالياً رصد تأثير العملية العسكرية الروسية في سوريا على زيادة قيمة صادرات السلاح الروسي، إلا أن الروس يعوّلون كثيراً على تحقيق نتائج إيجابية من وراء ذلك. فقد سمحت هذه العملية العسكرية لروسيا باختبار فاعلية أسلحتها ومعداتها العسكرية، وهو ما يجعلها تراهن على فتح الأبواب أمام صفقات سلاح جديدة وكبيرة تعقدُها مع العديد من دول العالم، وفي مقدمتها دول منطقة الشرق الأوسط بما فيها دول الخليج خصوصاً. وربما من المهم، هنا، الإشارة إلى ما كرّره الرئيس بوتين غير مرّة من أن الحرب في سوريا تعتبر أفضل تدريب واختبار للقوات الروسية والسلاح الروسي، لاسيما أنّها كلفت ميزانية وزارة الدفاع 33 مليار روبل، أي نحو 500 مليون دولار فقط. وهذه، بالطبع، تكلُفة قليلة مقارنة بالمكاسب السياسية والعسكرية، التي راهن ولا يزال يراهن عليها الكرملين.
نقلا عن السفير اللبنانية