الانتخابات البرلمانية في سوريا

18.04.2016

الانتخابات الربيعية في سوريا: هل هي نهاية "الربيع العربي"؟ حول الانتخابات البرلمانية في الجمهورية العربية السورية، يتحدث أستاذ قسم الدراسات الشرقية، كبير الباحثين في مركز دراسات الشرق الأوسط، الكسندر كريلوف.
شهد يوم 13 أبريل/نيسان، انتخاباتا برلمانية في سوريا. وبموجب الدستور الحالي، تم انتخاب 250 ممثلا للجمعية الوطنية. وسيتم تشكيل حكومة جديدة بناء على نتائج الانتخابات. وروسيا كدولة مشارك في عملية مفاوضات التسوية السورية، أعربت رسميا عن دعمها لقرار الرئيس الأسد، إجراء انتخابات مبكرة. وأشار المبعوث الرئاسي الخاص للشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف، إلى أن "انتخابات ابريل/نيسان لا تتعارض مع عملية التسوية".
يذكر أن الانتخابات السابقة، جرت في أغسطس/آب 2012، أي في خضم الصراع السوري المستمر منذ ما يقرب من خمس سنوات. عشية تلك الانتخابات، ألغت حكومة الأسد حالة الطوارئ المعمول بها منذ العام 1963، ونفذت عددا من الإصلاحات الدستورية الهامة التي ساهمت في زيادة تمثيل أحزاب المعارضة في الجمعية الوطنية إلى 40 مقعدا.
ووفقا لدستور الجمهورية العربية السورية الحالي، النظام الانتخابي مبني بطريقة تسمح بدخول التنظيمات السياسية التي تعترف بالدور الرائد لحزب "البعث"، برئاسة الرئيس بشار الأسد، في الحكومة الائتلافية، التي تحمل اسم ائتلاف "الجبهة الوطنية التقدمية". وفي انتخابات عام 2012، انضم إلى الجبهة الوطنية التقدمية، التي حصدت 134 مقعدا في البرلمان،  بالإضافة إلى حزب "البعث" الحاكم، 9 تكتلات موالية للحكومة، من ذوي التوجهات القومية العربية، والقومية والاشتراكية والشيوعية وحصلوا على 35 مقعدا. كتلة المعارضة المعتدلة، "الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير"، والتي نشأت على الفور بعد بدء الاحتجاجات المناهضة للحكومة في أغسطس/آب 2011، على أساس لجان الاحتجاج، التي نشأت عفويا في جميع المدن الرئيسية في سوريا، حصلت على 5 مقاعد. وتوزعت المقاعد المتبقية في الجمعية الوطنية بين ممثلي الفلاحين والنواب المستقلين وممثلي العمال.
الانتخابات الحالية كانت هي أيضا مفتوحة للمعارضة، ولكن ليس لتلك التي يطالب ممثلوها بعزل حزب "البعث" الحاكم وزعيمه، كشرط أساسي لإجراء الانتخابات  السورية، وبطبيعة الحال، لتلك المعارضة، المسؤولة عن جرائم الحرب.
من المؤكد أن الانتخابات الحالية تجري في وضع جديد تماما. إجراءات القوات الجوية الروسية الحاسمة، أحدثت تغييرا جذريا في الوضع في البلاد. وقد ساهم نجاح القوات الحكومية وقوات الدفاع الوطني، بدعم من الطيران الروسي في اختراق الجماعات الإرهابية والمتمردين في المدن الرئيسية - حلب وإدلب واللاذقية ودير الزور. كما أكملت بنجاح عملية تحرير مدينة تدمر، ذات الأهمية الاستراتيجية والتاريخية. تنظيم "داعش"، و"جبهة النصرة"، وغيرها من الجماعات الإرهابية، تنحسر وقد تم تقريبا عزلها عن إمدادات الغذاء والوقود والمال والأسلحة. معنويات المسلحين الإرهابيين الذين يتم تدميرهم في أراضي الجمهورية العربية السورية في الحضيض، وفي إطار توازن القوى القائم، يمكن القضاء على الإرهابيين كاملا بحلول نهاية صيف 2016. والأهم من ذلك، الهدنة التي طال انتظارها، والتي تم التوصل إليها بمشاركة نشطة روسية، وأصبح الطريق مفتوحا أمام محادثات السلام بمشاركة القوى التي تسعى لتسوية الصراع. دعم الولايات المتحدة ومعظم دول التحالف لعملية التفاوض في جنيف في شكلها الجديد، ووقف إطلاق النار، تعد تأكيدا آخر على حقيقة أنه نظرا لموقف روسيا من القضية السورية، تم تغيير ميزان القوى في اتجاه إيجابي.
ومع ذلك، فإن الوضع حول سوريا لا يزال صعبا للغاية، وغير واضح وخطير. الحل السلمي، ليس ما عولت عليه بعض جهات الصراع، والتي لا تزال مهتمة بزعزعة الاستقرار في الوضع في سوريا، وتفكك وانهيار البلاد.
الآن، الكثير يتوقف على قدرة المعارضة السورية على التغلب على الانقسامات الداخلية والتخلي عن طموحاتها السياسية القديمة. هل ستكون المعارضة قادرة على التعبير عن إرادة وجهد مشترك بالتعاون مع السلطات السورية الحالية، ومجموعة الدعم الدولي لسوريا، والأمم المتحدة والأطراف الأخرى، للقيام بالمهام المنصوص عليها في القرار 2254 لمجلس الأمن للأمم المتحدة؟
خلال تفاقم الصراع، اكتسبت المعارضة السورية تكوينا معقدا نوعا ما، يحوي العديد من التوجهات: الداخلية والخارجية، العلمانية والدينية والعسكرية ودعاة السلام، المعتدلة والمتطرفة.
خلال سنوات الحرب الأهلية، وصلت معظم تيارات المعارضة الداخلية بشكل موضوعي، إلى إدراك الحاجة إلى المصالحة المبكرة والفورية. القوى الرئيسية للمعارضة الداخلية، التي تعمل في إطار الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير، ولجنة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي، هي الآن على استعداد للتعاون الإيجابي مع دمشق الرسمية. في محيط الأسد، هناك تفاهم على أن المعارضة المعتدلة على الرغم من التصريحات القاسية ضد القيادة السياسية الحاكمة الحالية، يجب أن تشارك في الانتخابات وفي أعمال الجمعية الوطنية. وقد نفذ كلا الجانبين بالفعل خطوات متبادلة: في 10 أغسطس/آب 2014، وقعت الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير، ولجنة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي مذكرة تفاهم تمت الإشارة فيها على وجه الخصوص، إلى أن "النظام الاستبدادي الحالي قادر على تحويل نفسه إلى نظام تعددي ديمقراطي". وأعلنت حكومة بشار الأسد، في إطار تعزيز التقارب بين المعارضة الداخلية والحكومة الحالية، عفوا واسع النطاق، ينطبق على جميع الذين لم يرتكبوا جرائم حرب والذين لم يشاركوا في نشاطات الجماعات الجهادية.
فيما يتعلق بالمعارضة الداخلية، الممثلة في التحالف الوطني للقوات السورية الثورية والمعارضة، والمجلس الوطني السوري، فهي كما كانت من قبل، منجرة وراء الممولين الأجانب، (ما يسمى بـ"أصدقاء سوريا"، وهم بالأساس الولايات المتحدة) لم ينتظروا نتائج الانتخابات السورية، وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية رسميا، أن "واشنطن لا تعتبر الانتخابات البرلمانية في سوريا في 13 أبريل/نيسان مشروعة". أما الجماعات الإرهابية والإسلامية المتطرفة التي لا تعترف لا بحكومة الأسد ولا بعملية التسوية الدولية، بطبيعة الحال، تبذل كل جهد ممكن لمفاقمة الوضع في البلاد.
من الطبيعي أن انتخابات أبريل/نيسان 2016، سوف تشهد  فوزا جديدا لحزب "البعث"، بقيادة بشار الأسد. واتهامات الغرب والمعارضة الخارجية بأن النظام الانتخابي الحالي مفبرك بحيث يضمن الفوز للحزب الحاكم، في هذه الحالة غير معقولة. ففي معظم النظم الانتخابية الديمقراطية، اليوم سيفوز الأسد في سوريا، ببساطة ليس هناك بديل. "معارضة الكراسي" الخارجية، التي تجتمع في فنادق الخمس نجوم، على حساب الممولين الأتراك والسعوديين القطريين، لم يتمكنوا من الناحية الموضوعية، من تقديم مرشح يستحق، وقادر على منافسة الرئيس الحالي. كما لا يوجد مرشح مناسب في صفوف المعارضة الداخلية. سيصوت غالبية السوريين لصالح بشار الأسد، لسبب واحد: أن الأسد لم يتسبب بالحرب، التي أغرقت سوريا في أكبر كارثة إنسانية في عصرنا، ليس هو، ولكن المعارضة المدعومة من "أصدقاء سوريا"، التي سهلت اختراق المرتزقة الأجانب والإرهابيين للبلاد. طوال خمس سنوات الصراع، الأسد عارض باستمرار وكافح الإرهابيين، الذين يشكلون الآن تهديدا للعالم المتحضر بأسره. على الرغم من كل عيوب حزب "البعث" الحاكم، وحتى أحداث "الربيع العربي" من خريف عام 2010، سوريا كانت مزدهرة جدا وفقا لمعايير دولة واقعة فى الشرق الأوسط، وتلعب دورا مهما في إيجاد حلول للمشاكل السياسية والاقتصادية العالمية في المنطقة. سوريا تحت قيادة الأسد صمدت أمام كل هجمات الاعداء الداخلية والخارجية. ولهذه الأسباب، اضطر الغرب والولايات المتحدة لإعادة النظر في موقفهم تجاه الأسد، والتخلي عن مطلب رحيله الفوري.
رغم أن الأسد والقوى الداعمة له، في الوقت الراهن تتمتع أبكبر دعم في المجتمع السوري (حوالي 47٪ من أفراد العينة، أكدوا أن النظام فقط قادر على قيادة البلاد للخروج من الأزمة التي طال أمدها)، إلا أن الممثلين المنتخبين في مجلس الشعب والحكومة، سيواجهون مهاما خطيرة وصعبة للغاية. وهي ليست مجرد التهديدات والتحديات التي تشكلها الجماعات الإرهابية والقوات الأجنبية التي تسعى لتدمير الدولة السورية وسيادتها.
حتى في حال التوصل لاتفاق سلام نهائي بين الأطراف المتحاربة في سوريا، ستظهر على جدول الأعمال حتما، مسألة ملحة للغاية –هل المجتمع الدولي قادر على توحيد الجهود، والأهم من ذلك- جمع الأموال من أجل إعادة إعمار الدولة التي دمرت خلال الصراع المستمر منذ خمس سنوات؟ وتشير التقديرات إلى أن إعادة إنعاش الاقتصاد السوري، ستكلف 689 مليار دولار، في حال انتهاء الصراع العسكري في المنطقة في العام 2016. هذا المبلغ هو أكثر بـ140 مرة من حجم المساعدة الإنسانية التي يفترض المجتمع الدولي توفيرها لسوريا، وهذا المبلغ قد يرتفع في حالة استمرار الصراع العسكري حتى عام 2020، إلى 1.7 تريليون دولار. ولن تكون الحكومات لا الحالية ولا المستقبلية، قادرة على حل مشكلة إعادة إعمار البلاد، دون مساعدة المجتمع دولية. والسؤال الأهم، هل سيتمكن هذا المجتمع الدولي من التغلب على خلافاته - وهذه قضية خارجة عن نطاق الصراع السوري.