الموصل: أنقرة تستعد لـ"إجتياح" وبغداد تهدد الأتراك وموسكو تحذر من كارثة إنسانية
رغم محاولات تركيا المستميتة للزج بنفسها في خضم المشهد العراقي والتدخل في معركة تحرير الموصل، لم تكلل هذه الجهود بالنجاح حتى الآن، في ظل رفض الحكومة العراقية والمجتمع الدولى لهذا التدخل غير المبرر. ومع إنطلاق عملية استعادة المدينة بأيدي العراقيين، تعود تركيا إلى الساحة عبر تعزيز قواتها العسكرة بشكل غريب على الحدود مع العراق، بالإضافة إلى تعهدها بإرسال المزيد من جنودها إلى بعشيقة، في حين كررت بغداد تحذيرها من أن أي "اجتياح" تركي سيؤدي إلى تفكك تركيا.
في ظل هذه الأحداث، بدأت عملية تحرير مدينة الموصل بعد أسبوعين من تحرير محيطها، في حين تتساقط دفاعات تنظيم "داعش" الواحدة تلو الأخرى. واتضح أن استراتيجية المعارك الجانبية التي استخدمها الإرهابيون لم تحقق هدفهم، كما أن التهويلات الاقليمية والعزف على الوتر الطائفي، لم تنجي عصابة ابو بكر البغدادي، من المواجهة مع القوات العراقية.
تركيا
من جانبها، لم تقر أنقرة بفشل جهودها لاقتحام عملية الموصل، كما لم تكف عن محاولات تحقيق أجندتها المستعادة من ايام العثمانيين، وأرسلت، قافلة عسكرية تضم حوالي ثلاثين آلية تنقل دبابات وقطع مدفعية نحو قضاء سيلوبي القريبة من الحدود العراقية.
وبحسب مصادر عسكرية تركية، تأت التعزيزات التي تضم وحدات الدبابات والعربات المدرعة التي انطلقت من ثكناتها في أنقرة وجانقيري باتجاه سيلوبي، في إطار التعزيزات العسكرية على الحدود مع العراق، مشيرة إلى أن عناصر من قوات المشاة المؤللة في قيادة "اللواء 28ط كُلّفت بالإشراف على عملية نقل التعزيزات العسكرية المذكورة.
وتأتي هذه التطورات بعد تصريحات اردوغان، السبت الماضي، بأن أنقرة تسعى لتعزيز قواتها في سيلوبي، وأكد أنه سيكون لها "رد مختلف" إذا اثارت قوات "الحشد الشعبي" "الرعب" في مدينة تلعفر العراقية!
كما أكد وزير الدفاع التركي فكري ايشيق إرسال القافلة، موضحا أن ذلك يأتي بسبب "التطورات الاقليمية المهمة"، مشيراً إلى أن بلاده قد ترسل قوات إضافية إلى معسكر بعشيقة في محافظة نينوى "إذا دعت الحاجة لذلك".
ونقلت وكالة "الأناضول" عن ايشيق قوله، إن "تركيا يجب ان تكون جاهزة لمواجهة اي وضع، وهذا الانتشار يأتي ضمن هذه التحضيرات". واعتبر أن أنقرة "ليس عليها التزام" بالانتظار وراء حدودها وستفعل كل ما هو ضروري إذا أصبح لمقاتلي "حزب العمال الكردستاني" تواجد في منطقة سنجار.
العراق
وعلى الجانب المقابل، حذر رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، أنقرة من مغبة "اجتياح" العراق. وقال خلال مؤتمر صحافي إن "لدينا خشية من أن يكون هناك خطوة متهورة" من جانب تركيا، مضيفاً "نتمنى ألا تحصل، ليس خوفا منهم بل خوفا من التداعيات".
وأضاف العبادي "لا نريد حربا مع تركيا ولا نريد مواجهة مع تركيا، لكن اذا حصلت المواجهة فنحن مستعدون لها"، مؤكداً أن "أي اجتياح (تركي) للعراق سيؤدي إلى تفكيك تركيا"، لأن "ليس لدى تركيا القدرة على القتال خارج حدودها".
وكان العبادي شدد في وقت سابق على أن حكومته حريصة على قضاء تلعفر "أكثر من غيرها"، مضيفاً "إذا تعرضنا لأي اعتداء سنتصدى له مهما كانت الجهة المنفذة". واكد أن "قوة العراق في الموقف الوطني الموحد وهناك تعاون جيد بين القوات الأمنية والمواطنين من أهالي الموصل".
ميدانيا
وعلى صعيد ميداني، كان تحرير كوكجلي الواقعة داخل الحدود الادارية للموصل في المحور الشرقي، أمس الأول، أول نجاحات القوات العراقية في زعزعة صفوف "داعش" في المدينة. وقال الفريق عبد الوهاب الساعدي من جهاز مكافحة الإرهاب، امس: "أنهينا تطهير بلدة كوكجلي وسيطرنا على مبنى محطة تلفزيون الموصل والتقدم مستمر".
وأضاف "حالياً نخوض معارك على الأحياء الشرقية، سيكون الضغط من جميع الاتجاهات وبذلك تسهل عملية الدخول إلى الموصل".
كما أوضحت قيادة العمليات المشتركة في بيان أن القوات العراقية دخلت إلى أول أحياء الموصل من الجهة الجنوبية الشرقية، وتمكنت من "تطهير منطقة طويلة وشهرزاد والدخول إلى منطقة جديدة المفتي ضمن الساحل الأيسر لمدينة الموصل".
إلى ذلك، ذكر مصدر أمني في محافظة نينوى أن قطعات جهاز مكافحة الإرهاب تمكنت من اقتحام "حي السماح" من أحياء الساحل الايسر من المحور الشرقي، مضيفاً أن "عناصر تنظيم داعش انسحبوا من المنطقة الى المنطقة التالية وهي حي الكرمة وشققها".
وفي محور شمال الموصل، قال قائد العمليات علي الفريجي إن قوات "الفرقة 16 في الجيش العراقي تمكنت من تحرير منطقة الشلالات وقرية الاغاوات، إلى جانب استعادة مدينة دجلة ستي السياحية".
وعلى محور تلعفر غرب الموصل، أعلنت "منظمة بدر" في بيان مقتضب أن "قوات بدر ولواء علي الأكبر حررت خمس قرى غرب الموصل"، مضيفة أن "القرى، هي فرفرة وإمام حمزة وأم سيجان وخبيرات وأم العظام والصياد وأبو حجيرة".
بدوره، أكد عضو مجلس محافظة نينوى حسام الدين العبار، أن "داعش" أصدر أوامره للمسلحين للإنسحاب نحو سوريا. ونقلت "السومرية نيوز" عن العبار قوله، إن "دخول قوات الجيش ومكافحة الإرهاب الى مبنى مجمع تلفزيون نينوى والسيطرة على مناطق في محيطه حطم جميع قدرات التنظيم الإرهابي"، لافتاً إلى أن "انسحاب عناصر داعش يتم عن طريق سوق المعاش ومنه الى طريق البعاج ومن ثم الى الحدود السورية".
"التحالف الدولي"
إلى ذلك، وجه المتحدث باسم "التحالف الدولي" جون دوريان رسالة إلى أهالي مدينة الموصل، مؤكداً فيها أن "سوف يتم تحريركم من داعش".
وقال دوريان إن "أكثر من 60 دولة تقدم الدعم اللوجستي للقوات العراقية في معركة استعادة الموصل"، معلناً أن جميع فعاليات التحالف تجري بتنسيق مع الحكومة العراقية.
روسيا
من جانبها، أكدت وزارة الدفاع الروسية، الثلاثاء 1 يونيو/تشرين الثاني، إن الهجوم على الأحياء السكنية في الموصل قد يؤدي إلى الكثير من الضحايا، معتبرة أن الوضع هناك يختلف عنه في حلب.
وأوضح المتحدث الرسمي باسم الوزارة، اللواء إيغور كوناشينكوف، أن الوضع في الموصل يختلف عنه في حلب بعدم وجود منافذ إنسانية وصحفيين ومتطوعين ونشطاء.
وفي تعليق على تصريح لجون كيربي المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، أشار فيه إلى اختلافات جذرية في الوضع بين حلب السورية والموصل العراقية، قال كوناشينكوف: "سمعنا عن "اقتحام" وشيك يلفه الغموض على الأحياء السكنية والسكان المدنيين في الموصل، إلا أن ما يقلقنا هو عدد الضحايا الكبير المحتمل سقوطه جراء هذا الاقتحام.. دون أن نسمع بالمطلق عن تأمين أي منافذ إنسانية، وكأن المدينة ذات المليون نسمة ونيف لا يقطنها سوى الإرهابيين".
وذكّر كوناشينكوف في هذه المناسبة بأن "السلطات السورية وروسيا فتحتا ستة ممرات إنسانية في حلب، جاهزة لخروج المدنيين، الذين لا يستطيعون الاستفادة منها نتيجة تفخيخ مداخلها واستهدافها من قبل المسلحين".
وقال كوناشينكوف إن ممثلي الأمم المتحدة والصليب الأحمر وغيرها من المنظمات الدولية بالإضافة إلى الصحفيين، ينشطون في حلب (على عكس ما هو عليه في الموصل)، مضيفا: "أما في الموصل بالمصادفة الغريبة، لا وجود يذكر لأي صحفيين أو ناشطين أو متطوعين من ذوي القبعات البيضاء أو غير البيضاء، ولذلك فكل ما تستطيع القنوات الأمريكية والأوروبية بثه هو التقارير البراقة الخاضعة للرقابة عن النجاح الباهر الذي حققه التحالف والنصر العظيم على الإرهابيين، الذي لم يؤكده التصوير الفعلي".
وأشار كوناشينكوف إلى أن التحالف الدولي نفذ خلال الساعات الـ24 الماضية 21 غارة جوية على الموصل ومشارفها، مذكرا بأن القوات الجوية الروسية والسورية لم تنفذ أي غارات على حلب منذ أكثر من أسبوعين.
وقال: "تتعرض الموصل لضربات القاذفات الاستراتيجية الأمريكية "B-52H" والقاذفات "F / A-18" .. فقط خلال الـ24 ساعة الماضية قام التحالف بـ25 طلعة جوية، نفذ خلالها 21 غارة بالصواريخ على المدينة وضواحيها".
وكان جون كيربي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، صرح في وقت سابق من الثلاثاء، بأن واشنطن لا ترى أنه يصح عقد مقارنة بين الوضع في حلب السورية والموصل العراقية.