لماذا تريد تركيا دورا في تحرير الموصل

24.10.2016

الطموحات التركية بأن يكون لها دور أكبر في مستقبل الموصل قد تجبر الأمة لقبول مزيد من التعاون مع روسيا وإيران.
القوات الامريكية والكردية بدأت بالفعل عملية عسكرية لمساعدة الجيش العراقي في اعادة السيطرة على الموصل واستعادتها من تنظيم "داعش". لقد أصبح واضحا أن الحكومة التركية تصر بشدة على أن أنقرة يجب أن تشارك أيضا في العملية. الوجود العسكري التركي قرب الموصل، على الرغم من احتجاج بغداد، لديه هدف هو دعم قوات البيشمركة والعرب السنة في تحرير الموصل رسميا.
ومع ذلك، فإن التصريحات التركية السياسية حول المنطقة تجعل العديد من المراقبين يشككون في نوايا أنقرة المعلنة رسميا. وهم يجادلون بأنها مدفوعة أساسا من خلال الطموحات التركية الجيوسياسية في العراق. بالنسبة لصانعي القرار الروسي، فمن المهم أن تتضمن الجهود التركية حول سياسة الشرق الأوسط شكلا من التوافق بين طموحات أنقرة والإطار الإيراني التركي الروسي للتعاون.
لماذا تركيا في العراق؟
في أكتوبر تشرين الأول الجاري  صرح الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ان الجيش التركي سيلعب دورا في الهجوم على الموصل. وأصر أيضا أنه لا أحد سيكون قادرا على منع القوات التي تدربت على أيدي الجنود والمستشارين الأتراك المتمركزين قرب الموصل من المشاركة في العملية.
يوضح هذا الإصرار على نطاق أوسع السياسة التركية الحالية تجاه العراق ونوايا أنقرة بأن تكون مكونا سياسيا فاعلا في مرحلة ما بعد داعش . ولكن يبدو معقولا أن تعيد أنقرة النظر في موقفها العدائي الحالي تجاه العراق تعمل على تعاون وثيق مع روسيا وإيران بدلا من ذلك.
الوجود العسكري التركي في العراق ليس شيئا جديدا. فالتعاون في مجال أمن الحدود مع العراق مستمر  منذ العام 1980، في حين بدأ الوجود العسكري المحدود (ولكن بشكل دائم) في البلاد عام 1990. اليوم هناك حوالي 18 قاعدة عسكرية وتابعة للمخابرات التركية وتقع معظمها في المنطقة الحكم الذاتي العراقية في كردستان.
الهدف الرئيسي من الوجود التركي في العراق هو محاربة حزب العمال الكردستاني المصنف منظمة ارهابية في تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. على سبيل المثال، أنشأت تركيا معسكرا للجيش في بعشيقة في مارس آذار عام 2015 كجزء من حربها على "داعش". وقدمت المساعدة العسكرية لقوات البيشمركة والقوات المحلية الكردية والسنية وقامت بتدريبها.
في سبتمبر ايلول عام 2016، أصبح معسكر بعشيقة مركزا  لفضيحة دبلوماسية بين تركيا والحكومة المركزية العراقية التي طالبت أنقرة بإزالة المعسكر الذي " ينتهك السيادة العراقية." ومن الواضح تماما أن بغداد كانت تعبر عن المخاوف الإيرانية حول التعدي التركي على هيمنة إيران في العراق.
في مواجهة عدم وجود الدعم الغربي والعربي، اضطرت السلطات التركية للتخفيف من حدة الصراع وحاولت إظهار أن وجودها العسكري كان ضروريا لمحاربة داعش. الآن يتم استخدام نفس الحجج لتبرير المشاركة التركية في الهجوم العسكري على الموصل. تركيا تصر على ان وجودها في العراق هو عنصر لا غنى عنه في المعركة مع داعش.
من ناحية أخرى، يبدو أن أنقرة تجاهلت الشكوك المستمرة حول العلاقات الحقيقية مع داعش. إنه ليس سرا أنه في المراحل الأولى من وجود داعش، نظرت  تركيا لداعش كقوة فعالة ضد حكومة الرئيس بشار الأسد في سوريا وضد الجماعات التابعة لحزب العمال الكردستاني أي حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) الكردي، وكلاهما أعداء لتركيا.
محاربة حزب العمال الكردستاني
مسؤولون أتراك، وردا على سؤال حول ضرورة الوجود العسكري التركي، يميلون إلى التأكيد على أن القواعد التركية في العراق هي أيضا تساهم في المعركة المستمرة ضد حزب العمال الكردستاني، ويزعمون أن تركيا تحاول منع تقدم المجموعات التابعة لحزب العمال الكردستاني على طول الحدود السورية العراقية حول سنجار. إذا استطاعت هذه الجماعات السيطرة على الحدود، فسيكون من الأسهل بالنسبة لمنطقة كردستان السورية إبقاء الحصار المفروض على الأراضي التركية. ومع ذلك، حتى لو تم الاعتراف بعامل حزب العمال الكردستاني وتم أخذه بعين الاعتبار، فإن  الخبراء يقولون ان الوجود العسكري في العراق كاف بالفعل لمكافحة نشاط حزب العمال الكردستاني هناك، وعلى أية حال، يجب أن يتم بالتنسيق مع الحكومة المركزية.
مواجهة التوسع الايراني في العراق
هناك دافع رئيسي آخر وراء إصرار أنقرة بالمشاركة في الهجوم على الموصل  قد يكون طموحا تركيا بالإبقاء على المنطقة المحيطة الموصل تحت نفوذها في فترة ما بعد داعش وخاصة مع وجود حكومة مركزية ضعيفة في بغداد وتزايد النفوذ الإيراني في عراق ما بعد 2003، من هنا تظهر الضرورة للحفاظ على الموصل، ثاني أكبر مدينة في البلاد، تحت النفوذ التركي، والتي أصبحت أيضا واجبا جيوسياسيا في سياسة الشرق الأوسط التركية. وهذا ما يفسر جزئيا سبب معارضة انقرة بشدة أي تورط للميليشيات الشيعية المدعومة من ايران في هجوم الموصل.
ومع ذلك، فأنقرة وطهران تحاولان على حد سواء تجنب المواجهة المباشرة. بدلا من ذلك، هما تسعيان وراء الأبواب المغلقة لجميع الخيارات الممكنة لضبط سياساتهما في العراق. وفي هذا الصدد، فإن المبادرات الدبلوماسية التركية والإيرانية والروسية لإيجاد آلية مستقرة للتعاون الإقليمي يمكن  أن تسهم في الاستقرار في عراق ما بعد 2003.
"الظلم" التاريخي
من وجهة نظر المؤسسة السياسية التركية الحالية، تم الاستيلاء على الموصل بغير حق من قبل بريطانيا في عام 1918 واضطرت الجمهورية التركية التي تأسست حديثا  بضغط من قبل القوى الغربية للاعتراف بقرار عصبة الأمم وبفقدان الموصل وهذا كما يقول كثيرون يعتبر ظلما تاريخيا لحق بالشعب التركي ويجب التراجع عنه.
الدافع وراء السياسة الخارجية الحالية في تركيا هو طموح الرئيس أردوغان، الذي ألمح مؤخرا في خطابه أمام البرلمان أنه يجب إعادة النظر في معاهدة لوزان. (معاهدة السلام التي وقعت في لوزان بسويسرا في 24 يوليو 1923 وأنهت رسميا الصراع الذي كان قائما بين الإمبراطورية العثمانية وقوات الحلفاء من الإمبراطورية البريطانية والجمهورية الفرنسية ومملكة إيطاليا وإمبراطورية اليابان ومملكة اليونان  ومملكة رومانيا في نهاية الحرب العالمية الأولى - ملاحظة المحرر)
منذ أوائل العام 2000 تشكلت السياسة الخارجية التركية إلى حد كبير، في الإطار الأكاديمي الذي انتهجه وزير الخارجية التركي السابق محمد داود اوغلو. توقعت رؤيته الاستباقية تنشيط علاقات تركيا مع الجوار التاريخي، والأهم من ذلك، تنشيط نفوذها في المستعمرات العثمانية السابقة، وخاصة في سوريا والعراق. القيادة التركية لم تستخدم  فقط القوة الناعمة لتأمين وجودها في العراق، بل قامت بدعم المجموعات السنية المختلفة التي كانت تحقق لها التوازن  بشكل ما من خلال الدعم التركي  لموازنة الحكومة المركزية العراقية.
ولذلك، فإن الوجود التركي اعتمد إلى حد كبير يقوم على دعم القوى السياسية في أطراف العراق. وفي هذا السياق، تم تبرير الوجود العسكري التركي بالقول إنه يساعد التركمان والسكان المحليين السنة الذين عانوا أكثر من غيرهم من قسوة داعش خلال العامين الماضيين. ومع ذلك فتركيا لا تقتصر على ذلك، فهي تقدم المساعدة السياسية والمالية والعسكرية للأكراد العراقيين، الذين يمثلون حتى الآن أكبر تحد للحكومة المركزية العراقية. لا شك أن هذا الدعم هو أكثر من مجرد خطوة نحو تأمين كلمتها في السياسة المحلية.
ومن المتوقع أن تخدم القوى السنية، سواء أكانت من العرب أم من التركمان أم من  الأكراد، المصالح التركية في الصراع المستقبلي مع إيران حول النفوذ في العراق، والذي كان تاريخيا أساس التنافس الجيوسياسي لإمبراطوريتين إقليميتين.
تركيا يمكن أن تعتمد على المساعدة الدبلوماسية الروسية للتغلب على الصعوبات التي تواجهها اليوم في العراق. كما قلنا في ما يخص الانقسام الطائفي بين السنة والشيعة في العراق، تركيا تخاطر بالاصطدام مع قوة إقليمية أخرى هي إيران، والتي تهتم بالحفاظ على عراق موحد تحت السيطرة الكاملة لحكومة بغداد.
وثمة مسألة أخرى مثيرة للقلق تتمثل بالدعم التركي للأكراد. يبدو أن تركيا ليس لديها خيار آخر سوى دعم حكومة الحزب الديمقراطي الكردستاني في كردستان العراق دون ملاحظة أن تخدم المساعدة العسكرية التركية المصلحة الكردية في الاستقلال التام من بغداد.
ما الدور الذي يمكن أن تلعبه روسيا؟
روسيا يمكن أن تستخدم علاقاتها الجيدة مع إيران كأداة لتوجيه الاهتمامات والمظالم التركية نحو مزيد من الحوار والتعاون وبالتالي إشراك كل من طهران وأنقرة بنجاح في تقليل النفوذ الغربي في المنطقة.
من خلال  استجابة أكثر للمخاوف الأمنية التركية، يمكن لإيران وروسيا أن يقللان إلى حد كبير من اعتماد أنقرة على الأكراد. وأخيرا، فإن النظر من وجهة نظر أكثر تكتيكية على المدى القريب، سيظهر لتركيا أن التدخل في نزاع معقد للغاية حيث يبدو أن جميع الأطراف مستعدة لبدء التقاتل مع بعضها البعض بمجرد أن تتم استعادة الموصل من داعش. هذا يمكن أن يجعل المشروع الدبلوماسي الروسي حول آلية التعاون الثلاثية في العراق جذابة لصناع القرار الأتراك.