الأكراد وطرح الفيدرالة في سوريا

01.09.2016

تحاول القوى الكردية السورية اليوم محاكاة النموذج الكردي الفدرالي في شمال العراق، تمهيداً لإنشاء كيان مستقل عن سوريا، ولو اتصل بِهَا بالاسم، علماً أن المشروع الكردي الوليد يأتي في ظل أزمة تتداخل فيها عوامل محلية وإقليمية ودولية أنهكت الدولة السورية وأضعفت سيادتها على قسم كبير من البلاد. التعبير عن الهوية الكردية يمثّل مشكلة سياسية لثلاث من دول الشرق الأوسط أساساً، هي تركيا وإيران والعراق. فيما أكراد سوريا غير معنيين بالمسألة لناحية اختلاف الظروف التاريخية المحيطة بوجودهم في سوريا وتبعات ذلك في ما بعد. تاريخياً، جاء معظم الحضور الكردي في سوريا الطبيعية كنتيجة لاستيطان بعض القبائل الكردية بدءاً من النصف الثّاني من القرن التاسع عشر سهول منطقة «الجزيرة» إلى جانب القبائل العربية. وظل أكراد سوريا أقلية ضئيلة حتى نهاية الحرب العالمية الأولى واحتلال فرنسا لِسُورِيَا، وجاء إثر ذاك التدفق الأكبر لقرابة 25 ألف كُرْدِي، عَبَروا الحدود من تركيا إلى سوريا بين سنتي 1925 و1928 (بموافقة سلطات الاحتلال الفرنسي) هرباً من قمع القوات المسلحة التركية، وبلغ عدد الأكراد في سوريا نحو 90 ألف نسمة سنة 1938 وقرابة 250 ألف سنة 1959، بحسب بعض الإحصاءات، ونحو 400 ألف نسمة في عموم سوريا سنة 1962، وفق القيادي والسياسي الكردي الإيراني عبد الرحمن قاسملو.

وقدّرَ الباحث في الشأن الكردي والأستاذ الجامعي ميخائيل جونتر أعدادهم في سوريا سنة 2004 بنحو مليون نسمة، إثر موجة الهجرة الكبيرة من تركيا نحو سوريا منذ العام 1974، بعد اشتداد حملات القمع ضدهم وحرق الجيش التركي محاصيلهم الزراعية وهدم قراهم وتَشْرِيدِهِمْ. وبرغم تناقض المعلومات، فإن مصادر الحركة الكردية تُقَدِّرُ عددهم بنحو ثلاثة ملايين في سوريا سنة 2015 يتوزعون على ثلاث محافظات أساسية هي الحسكة، وحلب، ودمشق، مع تواجد أعداد أقل في حمص وحماة وريف إدلب واللاذقية، علماً أن العدد الأقرب إلى الواقع بحسب معظم التقديرات هو 2,5 مليون كُرْدي في سوريا، جاء معظمهم من تركيا خلال العقود القليلة الماضية.

لقد اعتقدت الأحزاب الكردية أن «موسم الاستقلال» قد حان وأن الوقت يسير في صالح تحقيق الحلم القومي للأكراد من خلال التحالف مع الولايات المتّحدة، وأن ترتيبات ما بعد الحرب ستسهم في تحقيق الهدف المعلن وهو الفيدرالية، فيما الهدف الحقيقي يتمثل ببلورة مشروع الدولة القومية.

غير أن مشروعاً من هذا النوع وفي ظل هذه الظروف بالذات يفتقد إلى عوامل النجاح تحديداً، لأن دول الجوار المستقلة، تركيا وإيران، معنيتان بارتداداته على المستويين المتوسط والبعيد. وتدرك القيادات الكردية جيدًّا أن اتفاقية «سايكس - بيكو» والمصالح الدولية والإقليمية التي تتحكم بموازين الصِّراع لن تسمح بتشكيل دولة كردية تهدد النظام الاجتماعي والسياسي في دول الجوار. فتشكيل كيان كردي في شمال سوريا سيزيد من مطالب الحكم الذاتي للأكراد في إيران وتركيا، وربما الاستقلال لاحقاً، خصوصاً أنه سيُعَدّ مع النموذج الكردي في شمال العراق مرجعاً وعمقاً يمكن الركون إليه للحصول على دعم في حال اشتداد الصِّراع مع سلطات أنقرة وطهران، وهذا ما تخشاه تركيا تحديداً، ولذلك فهي تدّعي لنفسها الحق في النظر بطبيعة الدّولة السورية الجديدة.

مشكلة القوى الكردية الرئيسية أيضاً أنها اختارت التحالف مع واشنطن لتنفيذ أجندتها، فقدمت نفسها على أنها الحليف الأكثر إخلاصًا للولايات المتحدة في المنطقة، متنكرة بذلك لمصالح محيطها العربي، والإيراني على وجه التحديد. من هنا، فإن مصير القومية الكردية المضطهدة في ظل شتاتها بين أمم تركية وإيرانية وعربية، مرتبط بمصير كل من هذه الأخيرة. وما يعنينا هنا هو التشديد على أهمية قيام تضافر نضالي بين الحركة السياسية الكردية على اختلاف مشاربها الفكرية والسياسية، والحركات السياسية العربية الّتي تناضل بقصد تحقيق نظام تعددي ديموقراطي، على اعتبار أن الأخير هو المدخل الوحيد لحل المسألة القومية لدى الأكراد والعرب على السواء. علماً أن النضال الديموقراطي يعني في أحد وجوهه، نضالاً من أجل تحقيق المساواة بين جميع القوميات كلها في نظر المجتمع والقانون، على أساس المواطنة، ونيل الحقوق السياسية والثقافية، بما فيها المشاركة في إدارة السلطة والدولة.
نشرت للمرة الأولى في "السفير"