"الدولة الإسلامية" في البلقان
فككت الحروب اليوغوسلافية عام 1990 أمة، وأنتجت بلقانا ممزقا تستمر فيه الصراعات العرقية ويستمر فيه عدم الاستقرار السياسي. كما فتحت هذه الحروب الباب أيضا على مصراعيه لظهور الأيديولوجيات الإسلامية المتطرفة.
كان لدى المنطقة اليوغوسلافية السابقة تاريخ من الإسلام المعتدل. ولكن خلال الحقبة الشيوعية، تم إغلاق العديد من هيئات الحكم الإسلامية الرسمية أو تقليصها. ومع انهيار الشيوعية والانفتاح اللاحق في ممارسة الشعائر الدينية في وقت مبكر من تسعينيات القرن الماضي، كانت المؤسسات الموجودة عاجزة إلى حد كبير عن توفير الرقابة الكافية للشؤون الدينية. وبالتالي فقد واجهت هذه المؤسسات الدينية انتقادات حادة بسبب بطء ردة فعلها ضد التطرف وعدم معالجتها لقضية التطرف وقضية تجنيد المسلحين من قبل الجماعات الجهادية العنيفة.
وبالإضافة إلى الفشل المؤسساتي بعد انتهاء الشيوعية، جلبت حروب العام 1990 شكلا جديدا من أشكال الإسلام المتطرف لم تشهده المنطقة في أي وقت مضى. في البوسنة والهرسك، على سبيل المثال، جلب السعوديون الحركة السلفية المحافظة المتشددة. وتقول تانيا دراماك غريس، وهي خبيرة في شؤون تجنيد المقاتلين الأجانب وفي شؤون التطرف في منطقة البلقان إن "الحركة السلفية المستوردة من قبل المقاتلين المجاهدين برعاية سعودية، كانت تقوم بتعبئة الناس للقتال إلى جانب المسلمين ضد كل من الصرب والكروات". ومنذ ذلك الحين، ظهر الجماعات المتطرفة في المنطقة.
وقد خلق هذا المزيج من عدم الاستقرار السياسي والعرقي وظهور الفكر الإسلامية الراديكالي، أرضا خصبة في البلقان لتسلل "الدولة الإسلامية". فقد سافر على الأقل 877 مواطنا من البلقان إلى سوريا والعراق منذ العام 2012، غالبيتهم من البوسنة وكوسوفو.
والأمر الأكثر إثارة للقلق، ليس عدد مواطني البلقان في سوريا والعراق، بل عدد من عادوا من هناك لبلادهم، وهم أكثر من 40% حتى الآن. وهذا الأمر يشكل تهديدا للأمن القومي ليس فقط في دول البلقان، بل وفي القارة الأوروبية كلها.
المقاتلون العائدون وغيرهم من المتطرفين يعيثون فسادا في المنطقة، ويقومون بدور المروجين لتنظيم "الدولة الإسلامية". ففي أبريل/نيسان من العام الماضي، هاجم إسلامي متطرف مركزا للشرطة في بلدة زفورنيك بشرق البوسنة، ما أسفر عن مقتل ضابط شرطة وإصابة اثنين آخرين. وفي نوفمبر/تشرين الثاني قتل مسلح جنديين من البوسنة وجرح آخر بالقرب من ثكنة عسكرية حول رايلوفاتش. وقال الناس الذين يعرفون المهاجم، إنه بدأ مؤخرا ممارسة الطقوس السلفية.
هذه الحوادث المنفصلة قد لا تشكل تهديدا على نطاق واسع، لكن ينبغي أن تكون علامة تحذير، فالمواطنون المتطرفون من البلقان ينخرطون في أعمال العنف ويمكن أن بنتقل هذا العنف إلى دول أوروبا الأخرى. وزير الدفاع الألباني السابق فاتمير ميديو، صرح بأن "معظم المقاتلين العائدين يحملون جوازات سفر تمكنهم من الوصول إلى بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى، بسبب عدم وجود نظام التأشيرات وفقا لاتفاقية شنغن".
وبالإضافة إلى ذلك، تعتبر منطقة البلقان، حلقة وصل بين القارة الأوروبية ومنطقة الشرق الأوسط بمقاتلي "الدولة الإسلامية" في سوريا والعراق. فالمنطقة تشكل جسرا لتمويل الدولة الإسلامية وتأمين احتياجاتها وتوظيف نشطاء جدد، وتشكل أبضا جسرا للجماعات الإرهابية المتطرفة الأخرى. وزيادة عدد المتعاطفين مع "الدولة الإسلامية" في منطقة البلقان، يعني أن عبور هذا الجسر يمكن أن يكون أسهل للإرهابيين.
وعلى الرغم من محاربة الولايات المتحدة الظاهرية لتنظيم "الدولة الإسلامية"، فإن إنتشار التوجه الجهادي في أوروبا، وفي دول البلقان خاصة، سيخدم مصالح الولايات المتحدة، وخصوصا عبر تعزيز التواجد الأمريكي في دول أوروبا الشرقية، بحجة محاربة الإرهاب، كما أنها ستستخدم نمو التطرف الإسلامي في منطقة البلقان وزعزعة الاستقرار، لاستجذاب تلك الدول التي لم تدخل بالفعل إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. الاتحاد الأوروبي الضعيف وغير المستقر، التابع للماكينة العسكرية الأمريكية والخادم لمصالحها، هو هدف واشنطن الجيواستراتيجي. فواشنطن تسعى لاستخدام المنطقة كقاعدة عسكرية على حدود روسيا وفضاء الإتحاد السوفييتي السابق، لردع القوى التي تسعى إلى التقليل من السلطة والنفوذ الأمريكيين في العالم.
الولايات المتحدة، كالعادة ستجد لنفسها مصلحة، من زعزعة أمن واستقرار الاتحاد الأوروبي، وخاصة أوروبا الشرقية ومنطقة البلقان، التي تعاني من وطأة التوترات العرقية وعدم الاستقرار السياسي والإسلام الراديكالي، عبر تعزيز التهديد القوي لتنظيم "الدولة الإسلامية" في المنطقة الضعيفة أصلا.
Warning: Cannot modify header information - headers already sent by (output started at /home/katehon/public_html/includes/common.inc:2755) in /home/katehon/public_html/includes/bootstrap.inc on line 1232