لعبة ما فوق الأمم

07.02.2017

بفظاظة قال احد مساعديه «لكأننا نحمل مأوى عجزة على ظهورنا...».
قبل دونالد ترامب، وصف جورج دبليو بوش القارة العجوز بـ«البقرة التي خارت قواها». علينا ان نتصور طبيعة الخلفيات السيكولوجية والتاريخية التي حدت بمسؤول أوروبي الى القول ان الرئيس الأميركي يمثل الخطر الثالث على القارة بعد فلاديمير بوتين وأبي بكر البغدادي.
الترجمة الحرفية لما قاله ان دونالد ترامب هو الخطر الاكبر لانه يترك اوروبا وحيدة وسط تلك الأعاصير وحيث الانتقال من لعبة الامم الى لعبة ما فوق الامم.

تيريزا ماي قالت له في البيت الابيض ان بريطانيا شيىء آخر، وانها خرجت من الاتحاد الاوروبي لتدخل في الولايات المتحدة الاميركية. تماماً على خطى مارغريت تاتشر التي تماهت مع رونالد ريغان حتى في الرؤية الفلسفية للاقتصاد، وتبنت مثله نظرية «النقدوية» التي اطلقها ميلتون فريدمان، وقد خصص له الرئيس الاميركي الراحل غرفة الى جانب مكتبه.

في اوروبا قلق بعيد المدى. اعتادوا على الوصاية والمظلة الاميركية. واشنطن هي القاطرة، والدول الاوروبية هي عربات القطار. في عام 1967، وضع جان - جاك سرفان - شرايبر «التحدي الاكبر»، ودعا فيه الى التبعية السياسية والاقتصادية وحتى البنيوية للولايات المتحدة...
السياسي والصحافي والوزير الفرنسي لاحظ كيف تتساقط اللغات الاوروبية امام اللغة «الاميركية». وفي حين كان جان بول سارتر يراقص الهباء، أو يراقص العدم، من خلال فلسفة الوجودية التي بحثت، عبثياً، في معنى الكائن البشري، كان الاميركيون يدربون الرجال الذين سيطأون سطح القمر.
لا بل انه لاحظ ان من بين 500 شركة كبرى في اوروبا هناك 340 شركة اميركية. لم يغفل كيف استشرت ثقافة الجينز والمارلبورو والهوت دوغ والكوكا كولا، وحاول سرفان - شرايبر وهو اليهودي، ان يتلاعب بالمعادلة اللاهوتية لدى المسيحيين.
قال في حديث غداة صدور كتابه «اليست اوروبا هي التي بعثت بابنها الى هناك ليكون الى ذلك العالم بل الى العالم باسره؟». تاركاً لارنولد توينبي ان يتحدث عن العلاقة الفرويدية بين ضفتي الاطلسي..
التعليقات من كل حدب وصوب في اوروبا. البعض رأى في دونالد ترامب نسخة اميركية عن ادولف هتلر. وحين يشكك في جدوى حلف شمال الاطلسي، فهو يسخر، حتماً، من الاتحاد الاوروبي الذي لا يرى فيه اكثر من مخلوق ديغولي بائس.

وللعلم فقط، كان فرنكلين روزفلت يكره شارل ديغول، بقبعته العالية التي عليها صليب اللورين، وبانفه العالي الذي كما لو انه انف لويس الرابع عشر. لم يمنع الجنرال الفرنسي من المشاركة في قمة بالطا (مع جوزف ستالين وونستون تشرشل) فحسب بل فكر في اقتطاع قطعة من فرنسا واخرى من بلبجيكا لاقامة دولة فالونيا.
وها ان دونالد ترامب يكره انغيلا ميركل.
ويتردد انه اوعز «لكبار مساعديه لازاحتها في الانتخابات المقبلة. لا امرأة «كبرى» في اوروبا سوى تيريزا ماي التي لعلها ذكرته بكلام الكاتب الانكليزي انطوني بورجيس بان بريطانيا «عشيقة استراتيجية» لاميركا.

لا، لا، بريطانيا لم تعد جزءاً من اوروبا والفرنسيون الساخرون يقولون ان الليدي تيريزا نامت في سرير دونالد ترامب...
الاوروبيون خائفون. الصين امبراطورية وتكاد تكون في كل بيت من الكرة الارضية، والهند تبيع منتجات في تكنولوجيا المعلومات بـ465 مليار دولار، اما روسيا فتبعث بقاذفاتها الى عمق الشرق الاوسط. اين هي القارة العجوز وسط مهرجان الاباطرة؟
الفرنسيون وعلى خطى فرنسوا فيون اذا نجا من فضيحة زوجته بنلوب، يفضل التبعية لروسيا على التبعية لالمانيا. ماذا عن الاخرين؟
اوبيرفيدرين يدعو الى رص الصفوف. اية صفوف؟!